كريج ويتلوك


        
<p><strong><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">عرض: د. منى سليمان، باحثة في العلوم السياسية</span></strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>صدر، بنيويورك، في أغسطس 2021، كتاب مهم بعنوان "أوراق أفغانستان: التاريخ السري للحرب"، يقع في نحو 373 صفحة، لمؤلفه "كريج ويتلوك"، الذي عمل مراسلاً صحفياً استقصائياً لدى واشنطن بوست، وكان مراسلاً لوزارة الدفاع الأمريكية لمدة عشرين عاماً، وغطى الحروب الأمريكية في أفغانستان وباكستان والشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا. ويستند الكتاب في متنه على شهادات حقيقية مسجلة من عشرات العسكريين الأمريكيين العاملين السابقين في أفغانستان، عن الوضع الميداني خلال العشرين عاماً الماضية، منذ بدء الغزو في عام 2001، كما أن توقيت صدوره يتزامن مع الانسحاب الأمريكي العسكري من أفغانستان؛ ما يضفي عليه المزيد من الأهمية والتقدير.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تزييف الحقائق</span></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>يبدأ الكتاب من مرحلة الإعداد للحرب على أفغانستان بعد أسبوعين من هجمات 11 سبتمبر 2001، التي اتهمت واشنطن تنظيم "القاعدة" حليف حركة "طالبان" بتنفيذها ضد برجي التجارة العالمية بنيويورك، وراح ضحيتها 3000 شخص، وصولاً إلى قرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بنهاية أغسطس 2021، ويتحدث عن سياقات قرار الغزو وقرار الانسحاب، وما بينهما من أحداث مهمة للحالة الأفغانية، يمكن بيانها على النحو التالي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– قرار متعجل للرد على هجمات 11 سبتمبر:</strong> في 7 أكتوبر 2001، بدأ الجيش الأمريكي عملية غزو أفغانستان، في قرار متعجل للرد على هجمات 11 سبتمبر. وشكَّلت "واشنطن" لذلك تحالفاً من 33 دولة هم أعضاء بالناتو، ودول أخرى للمشاركة الرمزية في الغزو. وكان وزير الدفاع الأمريكي آنذاك "دونالد رامسفيلد"، مهندس الحرب على أفغانستان، بيد أنه رفض الكشف عن الكثير من الحقائق خلال تلك الفترة. وعند سؤاله عن ذلك في المؤتمرات الصحفية قال إن "الحقيقة ثمينة يجب أن تحرسها الأكاذيب".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– انتصار مزيف وإخفاء للحقائق: </strong>يعتبر الكتاب أن الانتصار الأمريكي على طالبان في 2001 كان "مزيفاً"، ويدلل على ذلك بأن تلك الحرب تحولت إلى معركة طويلة امتدت إلى عشرين عاماً، وأصبحت أطول حرب في التاريخ الأمريكي، وأطول حتى من الحربين العالميتين الأولى والثانية وحرب فيتنام مجتمعةً. مشيراً إلى أنه مع بداية الغزو الأمريكي للعراق، في 19 مارس 2003، بدأ تراجع اهتمام واشنطن بالوضع في أفغانستان. وكانت الإدارات الأمريكية المختلفة تخفي حقائق الحرب ولا تعرف الوضع الميداني جيداً. وأوضح عضو الكونجرس الأمريكي "إيلوت إنجيل" رئيس لجنة العلاقات الخارجية، أن "هناك غياباً تاماً لكشف الحقائق للشعب الأمريكي حول الوضع في أفغانستان، وكان الشعب يشعر بالغضب نتيجة لذلك".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– شهادات صادمة للعسكريين الأمريكيين: </strong>في عام 2017، واستجابةً لقانون "حرية المعلومات" الأمريكي (FOIA)، تم الكشف عن مجموعة كبيرة من التقارير والمقابلات التي أجريت مع العسكريين الأمريكيين العاملين في أفغانستان، والتي أجريت مع أكثر من 1000 شخص لعبوا دوراً مباشراً في الحرب منذ بدايتها حتى الآن، واعترفوا بأن واشنطن كانت تفقد السيطرة على أفغانستان ببطء منذ 2003، وأنه فشل الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون –بوش الابن (2001–2008)، وباراك أوباما (2009–2016)، ودونالد ترامب (2016–2020)، ثم الرئيس الحالي جو بايدن منذ يناير 2021– في وضع استراتيجية ناجحة للتعامل مع أفغانستان.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">محددات الإخفاق</span></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>حسب الكتاب، فقد كانت أفغانستان تهديداً للأمن القومي الأمريكي يجب إدارته، والهدف كان حركة "طالبان" وصلاتها "بالقاعدة"، بيد أن واشنطن لم يكن لديها دراسة وفهم أساسي لطبيعة وتاريخ دولة أفغانستان. كان هدف واشنطن في ذلك البلد هو ضمان عدم حدوث أحداث 11 سبتمبر مرة أخرى من الأفغان أيضاً، لكن الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم تكن تود التعرف على حقيقة أفغانستان ووضع استراتيجية للتعامل معها. وأضاء الكتاب على بعض محددات هذا الفشل التي يمكن بيانها في النقاط التالية:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تستر القادة الأمريكيين على إخفاق الحرب:</strong> بعد سنوات من غزو أفغانستان، وجد القادة والدبلوماسيون والعسكريون الأمريكيون صعوبة في الاعتراف بتقييمهم الخاطئ لقرار الغزو، فلم يرد أي منهم الاعتراف بأن الحرب التي بدأت كسبب عادل –وهو محاربة الإرهاب– تراجعت وخسرت فيها واشنطن. وكان هناك مؤامرة لإخفاء الحقيقة؛ حيث لجأ المسؤولون الأمريكيون إلى الكذب والتزييف لتبرير تلك الحرب أمام الرأي العام الأمريكي، وحتى أمام حلفاء واشنطن في الخارج.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وبدأ القادة الأمريكيون في البيت الأبيض والبنتاجون ووزارة الخارجية، في تقديم تأكيدات كاذبة وتجنب الانتكاسات في ساحات القتال خلال الأشهر والسنوات التالية للغزو. وكان هناك تردد حقيقي في الاعتراف بذلك بصراحة وعلناً؛ لأن الرئيس الأمريكي وكبار المسؤولين يرفضون الاعتراف بأنهم يخسرون ببطء حرباً دعمها الشعب الأمريكي لمحاربة الإرهاب. ولم يرغب أحد في الإدارات الأمريكية المتعاقبة في إجراء محاسبة عامة شاملة لمعرفة سبب الفشل الاستراتيجي للحرب في أفغانستان.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– فشل جهود إعادة إعمار أفغانستان:</strong> لم تنجح الجهود الأمريكية في بناء دولة أفغانستان الحديثة على مدى عقدين من الزمان، رغم إنفاق تريليون دولار. وفي صيف 2016، بدأت وكالة فيدرالية أمريكية برامج لإعادة إعمار أفغانستان، كما تم إجراء مشروع بعنوان "الدروس المستفادة"، وكان يهدف إلى تشخيص الفشل السياسي الأمريكي في أفغانستان؛ حتى لا تكرره واشنطن في المستقبل. ولعل أبرز المشكلات التي تجلَّت في هذا الإطار، هو رفض واشنطن الكشف عن أسباب فشل مشاريع إعادة إعمار أفغانستان، على الرغم من إجراء مساءلات في الكونجرس حول المبالغ الهائلة التي دفعها المواطنون على الحرب وإعادة الأعمار بأفغانستان منذ عام 2001 حتى الانسحاب في أغسطس 2021.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وأشار الكتاب إلى أنه بعد معركة قانونية مدتها ثلاث سنوات، تم الكشف عن أكثر من 2000 صفحة من الملاحظات غير المنشورة سابقاً من المقابلات مع 428 شخصاً لعبوا دوراً مباشراً في الحرب، من الجنرالات والدبلوماسيين والعاملين في أفغانستان، أجريت بين عامي (2014–2018)، اعترفوا فيها بأن واشنطن أهدرت مليارات الدولارات في الحرب على أفغانستان، وفي محاولات إعادة الإعمار وتحويل أفغانستان إلى دولة حديثة، كما أشار بعض العاملين في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إلى أن 90% مما أنفقته واشنطن على مشاريع إعادة الإعمار بأفغانستان كان مبالغاً فيه.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– سيطرة مبكرة لطالبان واضطرار أمريكي إلى التفاوض: </strong>حسب الكتاب فإن "طالبان" عادت مبكراً، ومنذ عام 2005، إلى السيطرة على بعض القرى النائية بأفغانستان بجانب تمركزها في جبال (تورا بورا)؛ وذلك بالتزامن مع الانشغال العسكري الأمريكي في العراق. فقد استغلت "طالبان" هذه الأجواء وبدأت تتمدد وتتوسع في أفغانستان. وكان انتشار فساد الحكومات المحلية، وتعثر عمليات إعادة الإعمار، عاملاً ساعد على تقدم "طالبان". وفي صيف 2019 كشفت واشنطن عن مفاوضات بينها وبين "طالبان" بقطر حول الانسحاب العسكري من أفغانستان، تنفيذاً لوعد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2017، بسحب كافة القوات الأمريكية من "الحروب الغبية" في الخارج، ثم حدد الرئيس الأمريكي جو بايدن، يوم 31 أغسطس 2021، موعداً لإتمام الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان لينهي بذلك 20 عاماً من احتلال تلك الدولة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– فوضى الانسحاب وعودة طالبان إلى الحكم:</strong> في عصر يوم 15 أغسطس 2021، أعلنت حركة "طالبان" سيطرتها على العاصمة كابول بهجوم خاطف سريع لم يستغرق سوى ست ساعات. وبالتزامن مع ذلك، غادر الرئيس الأفغاني "أشرف غني" البلاد، لتسود حالة من الفوضى الأمنية والصدمة السياسية الأوساط الأفغانية والدولية. وبعد 20 عاماً من الاحتلال، غادر آخر عسكري أمريكي أفغانستان، في يوم 30 أغسطس 2021، على طائرة من طراز (C–17)، بعد أسبوعين من سيطرة "طالبان" السريعة على أفغانستان، وبعد العشرات من عمليات الإجلاء التي سادها حالة من الفوضى العارمة في محيط مطار كابول، والتي أسفرت عن مقتل عشرات المواطنين الأفغان وهم يحاولون اللحاق بأي طائرة للخروج من البلاد التي تواجه مستقبلاً غامضاً.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وختاماً؛ وحسَب ما خلص إليه الكتاب، فإنه يمكن القول إن الولايات المتحدة فشلت بعد 20 عاماً من احتلال أفغانستان في بناء دولة حديثة، كما فشلت في منع عودة "طالبان" أو التنظيمات الإرهابية مرة أخرى إلى واجهة المشهد الأفغاني، كما فشلت في إدارة الانسحاب على نحو مناسب بدون خسائر بشرية؛ ما يشكك في جدوى الغزو الأمريكي لأفغانستان، وفي جدوى استخدام التدخل العسكري أداةً لتحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية مستقبلاً، وهو ما يتطلب إجراء مراجعات مستمرة من جانب واشنطن لتجنب تكرار السيناريو الأفغاني.</strong></p>

      

ما الذي تكشفه وثائق "التاريخ السري للحرب" بعد عقدين من 11 سبتمبر؟