إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

على مدى يومين متتالين، أعلنت إيران عن تفكيك شبكات تجسس قالت أجهزة الأمن الإيرانية إنها تعمل لصالح الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، إلى جانب بريطانيا. ففي 19 فبراير 2025، قال قائد فيلق كربلاء التابع للحرس الثوري في مازندران سياوش مسلمي، إن قواته نجحت في تفكيك شبكات تجسس أمريكية وإسرائيلية كانت تنشط في المحافظة، واتهم أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية بتجنيد أجانب وإرسالهم إلى إيران للتحرك تحت إطار مراكز ثقافية أو أنشطة سياحية أو شركات استثمار بهدف جمع معلومات عن بعض القضايا في إيران، أو المساعدة في تأسيس شبكات اختراق داخل إيران لمساعدة تلك الجهات على اختراق المؤسسات التابعة للنظام الإيراني. وقبل ذلك بيوم واحد، وجهت السلطة القضائية الإيرانية اتهامات بالتجسس لزوجين بريطانيين، تم اعتقالهما منذ ديسمبر 2024، قالت إنهما دخلا البلاد تحت غطاء رحلة سياحية، وقاما بجمع معلومات في العديد من المحافظات الإيرانية.دوافع عديدةيمكن تفسير حرص إيران على الإعلان عن هذه الخطوات بشكل متتالٍ في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:1- استعادة ثقة الشارع في قدرات أجهزة الاستخبارات: تعرضت أجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية خلال الفترة الماضية لانتقادات شديدة بسبب الثغرات الأمنية الفادحة التي تمكنت عبرها إسرائيل من تنفيذ عمليات أمنية نوعية داخل إيران خلال المرحلة الماضية. وكان آخر تلك العمليات اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية خلال وجوده في أحد المقرات الأمنية التابعة للحرس الثوري، بعد مشاركته في مراسم أداء الرئيس مسعود بزشكيان اليمين الدستورية، في 31 يوليو 2024.وقبل ذلك، شن جهاز الاستخبارات الإسرائيلية "الموساد" عمليات أمنية رفيعة المستوى داخل المنشآت النووية الإيرانية، على غرار تنفيذ هجومين داخل مفاعل ناتانز لتخصيب اليورانيوم في 2 يوليو 2020 و12 أبريل 2021، إلى جانب الاستيلاء على الأرشيف النووي الإيراني في 31 يناير 2018.2- الرد على اغتيال قادة الحرس الثوري: تمثل هذه الخطوة الجديدة التي اتخذتها إيران، في قسم منها، رداً على الهجمات التي قامت إسرائيل بتنفيذها داخل إيران وسوريا ولبنان في مرحلة ما بعد اندلاع الحرب في قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، ونجحت من خلالها في تصفية عدد من قادة الحرس الثوري البارزين، على غرار راضي موسوي الذي كان مسؤولاً عن الدعم العسكري الإيراني للمليشيات الموالية لإيران، والذي تم اغتياله في 25 ديسمبر 2024 في حي السيدة زينب بالعاصمة السورية دمشق.فضلاً عن محمد رضا زاهدي قائد فيلق القدس في سوريا ولبنان، الذي تم اغتياله مع ستة آخرين من كوادر الحرس الثوري في القصف الإسرائيلي لمبنى القنصلية الإيرانية في دمشق في أول أبريل 2024، إلى جانب عباس نيلفروشان نائب قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، الذي قُتل برفقة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، في 27 سبتمبر 2024.وقد أشارت تقارير عديدة إلى أن إسرائيل استطاعت الوصول إلى نصر الله عن طريق نيلفروشان، في ظل الاختراق الأمني الواسع للمواقع التابعة للحرس الثوري في سوريا ولبنان خلال المرحلة الماضية، حيث كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو متواجداً في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، واتخذ القرار بالعملية خلال تواجده في المنظمة الدولية، وقد تم تنفيذها بعد 20 دقيقة من إلقاء خطابه في الأمم المتحدة حسب اتفاقه مع كل من وزير الدفاع آنذاك يوآف جالانت ورئيس الأركان هارتسي هاليفي. وقد كشف جالانت عن هذا الاتفاق خلال التصريحات التي أدلى بها في 7 فبراير 2025، في سياق انتقاده لطريقة إدارة نتنياهو للحرب ضد خصوم إسرائيل.3- الاستعداد لتحركات قوية محتملة من قبل المعارضة: منذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، بدأت قوى المعارضة الإيرانية المتواجدة في الخارج والداعمين لها في الداخل في الترويج لحملة تشير إلى أن استنساخ النموذج السوري قد لا يكون بعيداً عن حالة إيران التي تواجه أزمات اقتصادية واجتماعية وأمنية عديدة. وقد بدأت تلك المعارضة في تنظيم مؤتمرات في عواصم غربية مثل باريس دعت فيها مسؤولين غربيين لشن مزيد من الحملات ضد النظام الإيراني بسبب قمعه للاحتجاجات الداخلية والعواقب التي تنجم عن تدخلاته الخارجية.كما حاول ولي العهد السابق رضا بهلوي المشاركة في مؤتمر ميونيخ للأمن الذي عُقد خلال الفترة من 14 إلى 17 فبراير 2025، حيث حصل على دعوة للمشاركة بالفعل؛ إلا أن السلطات الألمانية سرعان ما سحبتها مجدداً. وقد نددت الناشطة الإيرانية مسيح علي نجاد خلال كلمة لها بالمؤتمر بهذه الخطوة، واعتبرت أنها مؤشر على وضع قيود على حرية التعبير.من هنا، تسعى إيران عبر هذه الخطوات إلى تأكيد جديتها في التعامل بشكل عنيف مع أي محاولات لتحريك الشارع الإيراني مجدداً، أو تكرار ما حدث في الاحتجاجات التي اجتاحت إيران منذ منتصف سبتمبر 2022 وحتى بداية يناير 2023، بسبب الاعتراض على وفاة الفتاة الكردية مهسا أميني على أيدي عناصر شرطة الأخلاق، بما يعني أنها حرصت عبر هذه الخطوات على توجيه رسائل رادعة لقوى المعارضة من العواقب التي يمكن أن تنجم عن أي محاولة لتقويض دعائم استقرار النظام خلال المرحلة القادمة.4- مواجهة الضغوط الغربية المتصاعدة: تتوقع إيران أن تتصاعد حدة الضغوط التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية بشكل عام ضدها، منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير 2025، وذلك بهدف دفعها إلى إجراء تغيير في موقفها باتجاه الموافقة على الانخراط في مفاوضات جديدة ترى أن تلك الدول سوف تسعى خلالها إلى انتزاع تنازلات نوعية منها بناءً على المعطيات الاستراتيجية الجديدة التي فرضتها الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة ولبنان بدايةً من 7 أكتوبر 2023.من هنا، فإن إيران -وإن كانت لم ترفض التفاوض بشكل نهائي رغم امتناعها عن التجاوب مع مبادرة ترامب في هذا الصدد- تبحث عن مزيد من أوراق الضغط التي ترى أنها يمكن أن تساعدها في مواجهة تلك الضغوط التي تمارسها الدول الغربية. وفي رؤيتها، فإن أوراق الضغط هذه تكمن في رفع مستوى الأنشطة النووية التي تثير مخاوف بارزة من جانب الدول الغربية، وتطوير برنامج الصواريخ الباليستية عبر العمل على إطالة المدى الذي يمكن أن تصل إليه الصواريخ بحيث تتجاوز 2000 كم، إلى جانب احتجاز مزيد من الغربيين سواء من مزدوجي الجنسية أو الأجانب، للمساومة عليهم والحصول من تلك الدول على تنازلات عديدة في ملفات خلافية معينة.إجراءات مشددةفي ضوء ذلك، ربما يمكن القول في النهاية إن إيران قد تقدم على اتخاذ مزيد من الإجراءات الأمنية المشددة خلال المرحلة القادمة، خاصةً أنها تتوقع أن تواصل إسرائيل -بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية- تنفيذ مزيد من العمليات الاستخباراتية داخل المنشآت النووية خلال المرحلة القادمة، كجزء من الجهود التي تُبذل من أجل دفع إيران إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية، والاستجابة للمطالب التي سوف تتبناها الأخيرة، ولا سيما فيما يتعلق بتقييد البرنامجين النووي والصاروخي، ووقف الدعم الذي تقدمه للمليشيات المسلحة في المنطقة.

دلالات تفكيك شبكات تجسس أمريكية وإسرائيلية وبريطانية في إيران