د. محمد عباس ناجي


        
<p>برز على الساحة السياسية الإيرانية، خلال الفترة الأخيرة، اتجاه بدأ يدعو إلى التريث في قراءة التداعيات التي سوف تعود على إيران من الوصول إلى صفقة جديدة في فيينا تعزز احتمال استمرار العمل بالاتفاق النووي. وفي رؤية هذا الاتجاه، فإن العوائد الاقتصادية التي سوف تحصل عليها إيران –وهي غير مضمونة– لن تكون بالمستوى الذي يمثل حافزاً قوياً على إنجاز تلك الصفقة، أو تعطيل التطور الملحوظ الذي بدا عليه البرنامج النووي الإيراني على مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>فعلى صدر صفحتها الأولى، كان العنوان الرئيسي لصحيفة "كيهان"، في 9 مارس 2022، بعنوان "90 مليار دولار تجارة إيران الخارجية بدون برجام (الاتفاق النووي)". ويستند هذا التقرير إلى التصريحات التي أدلى بها المتحدث باسم الحكومة؛ علي بهادري جهرمي، قبل ذلك بيوم واحد، وكشف فيها أن "الحكومة لم تربط حل مشاكل البلاد الاقتصادية بالمفاوضات، وأنها تعتبر معالجة المشكلات الاقتصادية للشعب واجباً عليها، وتكليفاً على عاتقها في جميع الأحوال"، مضيفاً أن "حجم صادراتنا وصل إلى نحو 90 مليار دولار، وحصلنا على نحو 73% من عائداتها".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ويعني ذلك أن بعض قوى تيار المحافظين الأصوليين يسعون إلى الترويج إلى أنه يمكن "التعايش" مع العقوبات الأمريكية بدون تقديم تنازلات في البرنامج النووي الإيراني، خاصةً فيما يتعلق بفرض قيود على الأنشطة النووية الأكثر خطورة، لا سيما ما يتعلق برفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60% واستخدام أجهزة طرد مركزي من طرازات أكثر تطوراً.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">دوافع مختلفة</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>يمكن تفسير أسباب تزايد الاتجاه المناوئ للاتفاق النووي داخل إيران؛ وذلك على النحو التالي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- الرغبة في الاحتفاظ بخيار إنتاج القنبلة النووية:</strong> يرى هذا الاتجاه أن الاحتفاظ بخيار إنتاج القنبلة النووية يوفر ورقة ضغط يمكن أن تستخدمها إيران في أي لحظة، لا سيما إذا كانت هناك احتمالات لتعرضها لهجوم عسكري خارجي من جانب الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل. وفي رؤيتها، فإن إيران رغم حرصها على تأكيد عدم قبولها امتلاك السلاح النووي، قد تغير هذا المبدأ لاحقاً إذا طرأت مستجدات تفرض عليها اتخاذ تلك الخطوة؛ حيث إن الفتوى التي سبق أن أصدرها المرشد الأعلى علي خامنئي في هذا الصدد –والتي تُحرم إنتاج أو تخزين القنابل النووية– لن تمثل قيداً على إيران في حالة اتخاذ هذا القرار.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- تحرك الأطراف الخارجية المناوئة للاتفاق:</strong> لا يمثل الاتفاق النووي قيمة ولا يحظى بأهمية بالنسبة إلى بعض القوى الخارجية، لا سيما إسرائيل التي أعلنت صراحة أنها لن تكون ملزمة بما سوف تتضمنه الصفقة المحتملة في فيينا، وأنها ستتحرك على الأرض لحماية مصالحها ومواجهة التهديدات الإيرانية المتتالية. وقد بدا لافتاً في الفترة الأخيرة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت زار روسيا، في 5 مارس الجاري؛ حين كان الملف النووي الإيراني والحضور الإيراني في سوريا محوراً في المحادثات بجانب الملف الأوكراني بالطبع.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وتلا ذلك شن إسرائيل هجمات متعددة داخل سوريا، وبالقرب من العاصمة دمشق؛ ما أسفر عن مقتل ضابطين في الحرس الثوري، في 8 من الشهر نفسه، وهو ما هددت إيران بالرد عليه في المرحلة القادمة. ويعني ذلك أن الوصول إلى صفقة نووية في فيينا سوف يرفع مستوى التصعيد بين إيران وإسرائيل، بدرجة يمكن أن تربك حسابات إيران الإقليمية، التي كانت حريصة على تحييدها عن المفاوضات، بمعنى حصر تلك المفاوضات في الاتفاق النووي فقط دون التطرق إلى الملفات الخلافية الأخرى.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- تراجُع التعويل الإيراني على روسيا:</strong> يبدو أن الموقف الجديد الذي تبنته روسيا خلال المرحلة الأخيرة من المفاوضات، الخاص بمطالبة الولايات المتحدة الأمريكية بالحصول على ضمانات بعدم تأثر العلاقات الاقتصادية مع إيران بالعقوبات التي فرضتها الدول الغربية عليها بسبب قيامها بغزو أوكرانيا بدايةً من 24 فبراير الفائت؛ قد دفع إيران إلى اتباع سياسة أكثر حذراً في التعامل مع موسكو؛ حيث اعتبرت أن الأخيرة تسعى إلى إدارة المفاوضات النووية وتوجيهها بما يتوافق مع حساباتها ومصالحها ومواجهتها مع الغرب التي تدور حالياً في أوكرانيا. ومن هنا، فإن هذا الاتجاه يرى أن الاحتفاظ بمختلف مكونات البرنامج النووي داخل إيران، في حالة فشل المفاوضات، سوف يمثل خياراً ملائماً لإيران أكثر من الموافقة –في حالة الوصول إلى تلك الصفقة– على نقل القسم الأكبر من اليورانيوم المُخصَّب إلى الخارج، ولا سيما إلى روسيا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- قلق من تقييد اتجاهات السياسة الخارجية الإيرانية:</strong> وفقاً لهذه الرؤية، فإن انخراط إيران في المنظومة الاقتصادية العالمية قد يتطلب منها، في المقام الأول، التوقيع على اتفاقيات لمنع غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب، على غرار اتفاقية "فاتف FATF" التي تحفَّظت عليها بعض مؤسسات النظام، وهو ما يمكن أن يفرض ضغوطاً وقيوداً شديدة على الدعم الذي تقدمه إيران للميليشيات الحليفة لها في المنطقة، باعتبار أن بعض تلك الميليشيات مُصنَّفة على أنها تنظيمات إرهابية. وهنا فإن هذا الاتجاه يعتبر أن الدول الغربية تكون بذلك قد حققت أحد أهدافها الرئيسية من المفاوضات، وهو تقليص الدعم الإيراني للحلفاء، ومن ثم التأثير سلباً على الدور الإقليمي الإيراني الذي يثير قلق حلفاء واشنطن في المنطقة ويهدد مصالحهم.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5- الخشية من عزوف الدول الغربية عن تنفيذ التزاماتها: </strong>قد لا يُرتب الوصول إلى صفقة جديدة في فيينا تداعيات اقتصادية مباشرة على إيران، خاصة من حيث رفع مستوى التعاون الاقتصادي بين إيران والدول الغربية؛ ففضلاً عن أن حكومة إبراهيم رئيسي بدأت توجه رسائل بأنها سوف تعول على تطوير العلاقات مع الصين وروسيا ودول شرق ووسط آسيا، فإنه لا يوجد ما يضمن أن تعود الشركات الغربية للانخراط بفاعلية في السوق الإيرانية، وألا تبدأ في الانسحاب مجدداً منها في حالة تكرار فرض عقوبات أمريكية، على نحو يفرض خسائر كبيرة على الاقتصاد الإيراني مثلما حدث عندما انسحبت شركة "توتال" الفرنسية من مشروع تطوير المرحلة الحادية عشرة من حقل بارس الجنوبي تجنباً للتعرض للعقوبات الأمريكية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">جدل متصاعد</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>في النهاية، يمكن القول إن هذا الجدل سوف يتواصل خلال المرحلة القادمة، سواء نجحت مفاوضات فيينا أو فشلت؛ ففي النهاية، هناك أكثر من اتجاه بدأ يظهر على الساحة السياسية الإيرانية، ويتبنى رؤى متباينة تجاه الملفات الخلافية العالقة مع الدول الغربية، لا سيما البرنامج النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية، والدور الإقليمي. وربما يمكن ترجيح اتجاه النظام إلى تعزيز هذا الجدل في إطار السياسة المزدوجة التي يتبناها في التعامل مع القوى الدولية، لا سيما الدول الغربية، ويسعى من خلالها إلى توسيع هامش الحركة والمناورة المتاح أمامه على الساحة الدولية.</strong></p>

      

لماذا تتزايد معارضة الاتفاق النووي داخل إيران؟