د. حمدي بشير

يبدو أن الصراع الراهن في منطقة الشرق الأوسط يوفر سياقاً ملائماً للتنظيمات الإرهابية من أجل الترويج لدعايتها وخدمة أهدافها، ولعل هذا ما يتضح من طريقة تفاعل تنظيم داعش مع التطورات القائمة وحالة الصراع بين إيران وإسرائيل، حيث تناول العدد (463) من صحيفة "النبأ" الأسبوعية في 4 أكتوبر 2024، موقف تنظيم داعش من الهجوم الإيراني على إسرائيل في الأول من أكتوبر 2024، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول توظيف التنظيم للمواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل، وحدود قدرة كوادره على استثمار هذا السياق الإقليمي لخدمة أجندته التوسعية.أهداف عديدةثمة جملة من الأهداف التي يسعى تنظيم داعش إلى تحقيقها مستغلاً تصاعد المواجهة بين تل أبيب وطهران، ومن أبرزها:1- توجيه رسائل دعائية لتأكيد هيمنة التنظيم في الفضاء الإسلامي: حيث يستغل التنظيم الصراع المستمر بين إسرائيل والتنظيمات الشيعية، وخاصة حزب الله، لتأكيد مكانته داخل الفضاء الإسلامي. وقد صور التنظيم الصراع على أنه صدام بين غير المؤمنين، واستخدم المبادئ الدينية لتبرير الهجمات المقبلة على اليهود والشيعة، من أجل تعزيز مصداقيته وجهوده في تجنيد مقاتلين جدد. وقد كشف الخطاب الدعائي للتنظيم في العدد (462) من صحيفة "النبأ" عن سعيه لتأطير الصراع بين إسرائيل وحزب الله لتحقيق أغراض دعائية متعددة، إذ يصور التنظيم الحرب باعتبارها صراعاً إلهياً بين قوى كافرة، ويعتبر كلا الجانبين أعداء للإسلام الحقيقي. ويهدف من وراء ذلك إلى حشد الدعم بين المسلمين السنة المحبطين الذين ربما فقدوا ثقتهم في جماعات أخرى، ليضع نفسه في موقع الحامي الوحيد للإسلام.2- تفكيك التحالف بين إيران والتنظيمات السنية: حيث يرسم التنظيم خطاً فاصلاً حاداً بينه وبين الفصائل السُنّية الأخرى، مثل تنظيم القاعدة، فيتهمها بخيانة الإيمان بعد تحالفها مع القوى الشيعية. وهذا يخلق تمييزاً أيديولوجياً واضحاً، يهدف إلى نزع الشرعية عن الجماعات المنافسة وتعزيز ادعاءات التنظيم بأنه يمثل الطليعة الحقيقية للإسلام السُنّي.ويستنكر التنظيم الحداد على مقتل القادة من الشيعة، مثل حسن نصر الله، ويقول: "يثبت الإخوان "المرتدون" انحرافهم وخيانتهم لأهل السنة من خلال الحداد على قتل إسرائيل لقادة وشخصيات عسكرية "رافضة"، مما يضعهم في خلاف مع المسلمين في سوريا الذين يفرحون بعمليات القتل". ويحذر من أن هؤلاء سوف يجدون أنفسهم معزولين عن الجماهير المسلمة ويلجؤون إلى التحالف مع إيران ومحورها، وأنها ستتعرض للإذلال. وفي هذا السياق، استنكر التنظيم علاقة التحالف بين حركة حماس وإيران التي أدت إلى التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة، فيما يكثف التنظيم من حملته الدعائية ضد تنظيم القاعدة الذي يبدي تسامحاً مع الوجود الإيراني في سوريا.3- إبراز مساوئ النموذج والمشروع الإيراني في المنطقة: حيث يؤكد التنظيم في خطابه الدعائي على هزيمة التنظيمات الشيعية، ويؤكد على خسائرها منذ مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله على يد إسرائيل، باعتباره دليلاً على العقاب الإلهي. ولذلك يؤكد التنظيم في خطابه ومنشوراته عبر صحيفة "النبأ" الأسبوعية على مفهوم الولاء والبراء، والتأكيد على أن "الولاء للدولة الإسلامية والبراءة من الشيعة الزنادقة واليهود هو واجب ديني". وهذا يتطابق مع تحركات التنظيم في مختلف المناطق والتي يحرص من خلالها على منع إيران من أن تحتل مكانته داخل الفضاء الإسلامي. ويعتبر الجمهورية الإيرانية هي المنافس الرئيسي لمشروعه في المنطقة، ولذلك يسعى إلى توظيف التصعيد في منطقة الشرق الأوسط لوضع حد لتوظيف إيران هيمنتها على التنظيمات الشيعية والسنية لفرض نفسها كلاعب محوري في المنطقة.4- توجيه رسائل داخلية لحشد عناصر التنظيم وتصعيد العمليات بالمنطقة: حيث يصور التنظيم الوضع الحالي في الشرق الأوسط باعتباره فرصة للاستفادة من ضعف أعدائه، فيشجع على شن المزيد من الهجمات. ويشجع على استهداف الشيعة، على وجه الخصوص، كوسيلة لتطهير الإسلام من الردة. وفي الوقت نفسه، يرى التنظيم أن قتل القادة العسكريين "الروافض" على يد "اليهود" (أي إسرائيل) يخدم مصالح المسلمين (أي داعش وأنصارها.. إلخ). وتؤكد النبرة المروعة التي يتبناها التنظيم وتشكل محوراً أساسياً في دعايته، على تصوير الصراع باعتباره مقدمة لمواجهة نهائية أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط.ويرى التنظيم أن المواجهة بين إسرائيل وإيران ومحور المقاومة "الروافض" والجيوش "المرتدة" الأخرى سوف يفتح الطريق أمام مواجهة سنية كبرى مع اليهود. ويدعو التنظيم كل مسلم يستطيع أن يقتل اليهود في أي مكان من العالم أن يفعل ذلك، لأن مثل هذه الأفعال هي في طريق تحرير القدس (بيت المقدس)، حتى وإن كانت الأولوية مع ذلك هي القضاء على "الروافض".تداعيات محتملةمن المتوقّع أن يؤدي تصاعد المواجهة بين تل أبيب وطهران إلى زيادة الهجمات الإرهابية في المنطقة والعالم على النحو التالي:1- زيادة عمليات داعش داخل إيران: حيث يمكن أن يستغل تنظيم داعش التصعيد بين إيران وإسرائيل في تنفيذ عمليات إرهابية في الداخل الإيراني، وقد سبق أن قام التنظيم بتنفيذ عمليات إرهابية في طهران، وأعلن داعش في يناير 2024 مسؤوليته عن تنفيذ هجومين إرهابيين قرب مقبرة الشهداء بمحافظة كرمان الإيرانية، واستهدف الحشود التي جاءت لإحياء الذكرى الرابعة لمقتل سليماني. وجاءت العمليتان الانتحاريتان بعد أشهر قليلة من إحباط وزارة الأمن الإيرانية محاولة تنفيذ 30 تفجيراً متزامناً في طهران، وتبين بعد اعتقال المتورطين فيها ارتباطهم بتنظيم داعش. أضف إلى ذلك أن العملية الإسرائيلية لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية قد كشفت بوضوح عن وجود اختراق داخل الأجهزة الاستخباراتية والأمنية داخل إيران، وهو الأمر الذي قد يستغله داعش في تصعيد عملياته في الداخل الإيراني.2- تصعيد العمليات ضد المصالح الإسرائيلية والغربية في الخارج: فمن المتوقع أن تؤدي دعوة داعش إلى شن هجمات على أهداف إسرائيلية إلى زيادة العمليات الإرهابية في مختلف أنحاء أوروبا وغيرها من الدول الغربية. ويمكن للخلايا والذئاب المنفردة أن تنفذ هذه المهمة. وقد تعرضت العديد من السفارات الإسرائيلية في الخارج بالفعل لهجمات إرهابية بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل، ففي الثاني من أكتوبر 2024، تعرضت السفارة الإسرائيلية في كوبنهاجن لهجوم إرهابي، وأعلن المتحدث باسم الشرطة الدنماركية في مؤتمر صحفي أن الانفجارين اللذين وقعا بالقرب من السفارة الإسرائيلية ربما نجما عن قنابل يدوية. بينما أعلنت الشرطة السويدية عن تعرض السفارة الإسرائيلية في استوكهولم لإطلاق نار لم يوقع إصابات.3- توسيع العمليات داخل سوريا والعراق: فمع استمرار الخسائر التي تتكبدها التنظيمات الشيعية في المنطقة، قد يتمكن داعش من توسيع نفوذه وتجنيد المزيد من المقاتلين من السنة الساخطين وخاصة في المناطق غير المستقرة في سوريا ولبنان. وتشير التقارير إلى تزايد عمليات التنظيم في كل من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" وكذلك في مناطق سيطرة الحكومة السورية، وقد أعلنت القيادة المركزية للقوات الأمريكية في يوليو 2024 أن مجموع العمليات المنفذة من قبل تنظيم داعش في سوريا والعراق في النصف الأول من العام 2024 تعادل ما يقرب من ضعف ما قام به التنظيم خلال العام 2023. وأشارت القيادة المركزية إلى أن زيادة عمليات داعش تعني أن التنظيم يسعى إلى إعادة تشكيل نفسه بعد أعوام من تراجع قدراته. ومن ثم فإنه يتوقع مع استمرار التصعيد في منطقة الشرق الأوسط، أن يتجه التنظيم إلى الاستفادة من الوضع الإقليمي في توسيع عملياته في سوريا والعراق.أجندة توسعيةوإجمالاً، يمكن القول إن اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية، وحسن نصر الله، يمثل ضربة كبيرة لإيران في المنطقة، وسوف يعمل تنظيم داعش على استثمارها واستغلالها لخدمة أجندته التوسعية في المنطقة، لا سيما في حشد المزيد من الدعم وتجنيد أتباع جدد على مستوى العالم، وزيادة الهجمات الإرهابية على مستوى إقليم الشرق الأوسط، ومن المتوقع أن يشجع الوضع الإقليمي داعش على تصعيد دعايته وعملياته ضد إيران وإسرائيل على حد سواء، حيث يسعى التنظيم إلى إعادة التموضع وإعادة ترتيب صفوفه وتوسيع عملياته بعد تراجع سيطرته وانتكاساته المتكررة في المنطقة. وهذا يعني أن تصاعد المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل سوف تكون له تداعياته الأمنية على الأمن الإقليمي والعالمي، وهو ما يتطلب من القوى الدولية الفاعلة التدخل لمنع التصعيد الذي ستطال آثاره الإقليم ككل.

كيف يوظّف تنظيم داعش تصاعد المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل؟