إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، في 12 أبريل 2021، أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست متورطة في الهجوم على منشأة "ناتانز" النووية الإيرانية، وليس لها علاقة بحادث التفجير، وأن إدارة الرئيس جو بايدن تابعت الحادث، وليست لديها أوهام حول أسبابه. بالطبع، قد يكون ذلك متوقعًا إلى حد كبير من جانب الإدارة الأمريكية، خاصةً أن إسرائيل نفسها تبدو حريصة على عدم إعلان مسؤوليتها رسميًّا عن مثل هذه الهجمات. ومع ذلك، فقد كانت هناك رسالة واضحة من جانب واشنطن وتل أبيب إلى طهران، عكستها الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إلى إسرائيل في اليوم الذي تعرضت فيه منشأة "ناتانز" للهجوم الذي استهدف مركز الطاقة الكهربائية في المنشأة، وربما أثر على أجهزة الطرد المركزي التي تعمل داخلها، رغم أن إيران أعلنت استعدادها لرفع مستوى التخصيب إلى نسبة 60%. ويوحي التزامن بين زيارة وزير الدفاع الأمريكي إلى تل أبيب وحادث "ناتانز"، بأن واشنطن وتل أبيب سعتا إلى توجيه رسالة بأن هناك تنسيقًا عالي المستوى بين الطرفين على المستوى الاستخباراتي، وأن تعنت إيران في المفاوضات وإصرارها على رفع مستوى أنشطتها النووية كفيل بتعريضها لمزيد من تلك الضربات الأمنية التي تُحدِث دائمًا دويًّا كبيرًا على الساحتين الإيرانية والخارجية.



 أجندة خاصة:



 ربما يمكن القول إن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تسعى إلى استغلال الحادث الأخير في منشأة "ناتانز" الإيرانية لتعزيز موقفها في المفاوضات التي تجري حاليًّا بين إيران ومجموعة "4+1" في فيينا، التي تأجلت ليوم واحد، بعد أن كان مقررًا لها في 14 أبريل الجاري. ويمكن تناول ذلك على النحو التالي:



 1– تخفيض إيران سقف التحدي النووي: تطمح الإدارة الأمريكية برئاسة بايدن إلى أن يساهم الهجوم على "ناتانز" في إقناع إيران، بل دفعها إلى تخفيض سقف التحدي النووي في مواجهة الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، باعتبار أن طهران لن تستطيع المُضي قُدمًا في مشروعها النووي بهذا الأسلوب، وأن هناك أطرافًا، بصرف النظر عن هويتها، سوف تتمكن من عرقلتها وإعادتها إلى الخلف خطوات عديدة. وفي رؤية واشنطن، فإن ذلك قد يساعد في تعزيز فرص الوصول إلى تفاهمات جديدة تنهي الأزمة الحالية التي يتعرض لها الاتفاق النووي، وتعيد إيران إلى الالتزام بتعهداتها فيه، مدركةً أن غير ذلك معناه تعرضها لمزيد من الضربات والاختراقات الأمنية، التي أثبتت أن هناك مشكلة جدية وخطيرة تعاني منها الأجهزة الأمنية الإيرانية، بدليل فشلها في وقف تلك العمليات التي بدأت من سرقة الأرشيف النووي الإيراني في يناير 2018، وامتدت إلى استهداف المنشآت الصاروخية والنووية في يونيو ويوليو 2020، واغتيال رئيس مؤسسة الأبحاث والتطوير في وزارة الدفاع الإيرانية العالم النووي محسن فخري زاده، وانتهت بتعطيل النظام الكهربائي الذي تعتمد عليه منشأة "ناتانز"، وهي المنشأة الأبرز والأكثر تأثيرًا في البرنامج النووي الإيراني.



 2– تسهيل المحادثات بين واشنطن وطهران: قد تدفع تلك العمليات إيران إلى إبداء مرونة أكبر فيما يتعلق بمطالبها، وربما بمعنى أكثر دقة شروطها، للوصول إلى صفقة جديدة في الاتفاق النووي؛ إذ إن طهران –وفقًا للرؤية الأمريكية– قد ترى أن الوصول إلى هذه الصفقة قد يساعد في وقف تلك العمليات والهجمات، أو على الأقل تقليصها، وربما انتقالها إلى أهداف أخرى لا ترتبط مباشرة بالاتفاق النووي، على غرار الوجود الإيراني في مناطق الأزمات، ولا سيما في العراق وسوريا واليمن. ومن ثم، فإن إيران قد توافق على فكرة عدم رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها برمتها، وهو الشرط الذي كانت تصر عليه طهران قبل الهجوم الأخير، على نحو لم يَحْظَ بقبولٍ من جانب إدارة بايدن التي أكدت أن هناك عقوبات سوف تُستثنى في هذا السياق، وسوف تظل سارية حتى في حالة الوصول إلى صفقة جديدة، وهي العقوبات الخاصة ببرنامج الصواريخ الباليستية ودعم الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان.



 3– تعزيز فرص الصفقة مع إيران: إذا كانت إيران لم تستبعد وقف المحادثات الحالية إذا لم تُلبِّ القوى المشاركة فيها شروطها، فإنها سوف تفكر أكثر من مرة في هذه الخطوة بعد الهجوم الأخير على منشأة "ناتانز". وبالطبع، فإن ذلك يعود إلى أن طهران تدرك حاليًّا أن انهيار المحادثات وعدم الوصول إلى صفقة جديدة تساهم في تعزيز فرص استمرار العمل بالاتفاق النووي، معناه المباشر تصاعد حدة العمليات والضربات الأمنية التي سوف تتعرض لها في المرحلة القادمة، والتي قد يتسع نطاقها وتصل إلى أهداف أكثر تأثيرًا، وهو ما ثبت أنه خيار غير مستبعَد من جانب الطرف المسؤول عن تلك الهجمات، الذي أكد أنه يمتلك من الإمكانات والقدرات ما يستطيع به مواصلة الاختراق الأمني لأكثر المؤسسات حيويةً بالنسبة إلى النظام الإيراني.



 4– فرض قيود أمريكية أشد على طهران: ربما تسعى الإدارة الأمريكية إلى استغلال الهجوم على منشأة "ناتانز" لفرض قيود أشد على إيران تضعف قدرتها مستقبلًا على العودة مرة أخرى إلى تخفيض مستوى التزاماتها في الاتفاق النووي، على غرار ما يحدث في الوقت الحالي. وبمعنى آخر، فإن واشنطن قد تحاول توجيه رسالة مباشرة إلى طهران أن القيود المطلوب أن تُخضِعَ لها أنشطتَها النووية، لا بد ألا تقتصر على مصالحها، بل أن تستوعب مصالح القوى الأخرى حتى غير المشاركة في المحادثات، لا سيما إسرائيل، وإلا فإن الأخيرة سوف تتحرك منفردة لتقليص مستوى المخاطر التي ترى أن الاتفاق النووي يفرضها على أمنها.



 5– توسيع ملفات التفاوض مع إيران: لا يخلو الهجوم على منشأة "ناتانز" من دلالات مهمة قد تخدم أجندة إدارة بايدن المستقبلية، ولا سيما ما يتعلق بالملفات الأخرى التي فضلت تأجيلها في المحادثات الحالية، لكنها سوف تفتحها حتمًا في مرحلة لاحقة، وتحديدًا ما يتعلق ببرنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي لطهران؛ فبالرغم من أن معظم الهجمات الأمنية التي تعرضت لها إيران، ومنها الهجوم الأخير على منشأة "ناتانز"، ركزت على البرنامج النووي، فإن بعضها ركز على الملفات الأخرى، مثل الهجوم على منشأة خجير المرتبطة ببرنامج الصواريخ الباليستية في 26 يونيو 2020، والضربات الإسرائيلية المتكررة على المواقع التابعة لإيران والميليشيات المسلحة التابعة لها داخل كل من العراق وسوريا، فضلًا عن الضربة العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد تلك الميليشيات في 26 فبراير 2021. وهنا، فإن الهدف هو إقناع إيران بأن استهدافها لن يقتصر على البرنامج النووي، بل سيمتد إلى مصادر القوة الأخرى، على نحو تطمح من خلاله واشنطن في اتجاه الأولى إلى إبداء مرونة أكبر تتيح الوصول إلى تفاهمات جديدة حول تلك الملفات.







مقاربة صعبة:



 مع ذلك، فإن ردود الفعل الأولية من جانب إيران توحي بأنها قد لا ترد بإيجابية على مجمل تلك الرسائل؛ إذ إنها أعلنت أنها سوف تبدأ في رفع مستوى التخصيب إلى 60%، في رسالة واضحة أن هذه الهجمات سوف تنتج نتائج عكسية، تتناقض مع أهداف منفذيها. لكن قد لا يتضمن ذلك الصورة كلها؛ حيث إن قدرة إيران على رفع مستوى التخصيب إلى هذه الدرجة، فضلًا عن الكمية التي سوف تنتجها منها، وأجهزة الطرد المركزي التي سوف تستعين بها في هذا السياق.. كل ذلك لم يتضح بعد، على نحو يوحي بأن الكرة في ملعب إيران؛ فإما أنها سوف تواصل رفع مستوى التخصيب، على نحو يمكن أن يؤدي إلى انهيار المحادثات الحالية، أو أنها سوف تحاول استغلال ذلك لتعزيز موقعها في هذه المحادثات، على غرار ما تفعل واشنطن مستندةً إلى الهجوم الأخير.

كيف تستفيد إدارة "بايدن" من المواجهات بين إيران وإسرائيل؟