علي عاطف


        
<p>اضطرت إسرائيل في عام 2015 إلى قبول الأمر الواقع بعد التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والقوى الكبرى في مدينة لوزان السويسرية، حيث لم تكن ترحب بالاتفاق شكلاً ومضموناً. وبعد ذلك العام، اتسعت دائرة المواجهة بين إسرائيل وإيران في البر والبحر وفي الفضاء الإلكتروني بشكل لم يسبق له مثيل من قبل بين الطرفين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وكانت الحكومة الإسرائيلية في عهد رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو، من أبرز مشجعي الرئيس الأمريكي -آنذاك- دونالد ترامب، على الخروج من هذا الاتفاق النووي، وهو ما حدث بالفعل في مايو 2018. فقد رحبت إسرائيل بانهيار هذا الاتفاق الذي لطالما وصفته بـ"الخطأ التاريخي الذي يهدد بقاء إسرائيل".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ولكن مع إطلاق إدارة الرئيس جو بايدن، للمفاوضات الرامية إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي القديم لعام 2015، بدأت إسرائيل في الإعلان مراراً وتكراراً عن رفضها لهذه المحادثات، ورفضها أيضاً التوصل إلى اتفاق نووي على غرار خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA). بل إن حكومة رئيس الوزراء نفتالي بينيت قد ذهبت إلى ما هو أبعد حينما حذّرت من أنه في حالة التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، فإن إسرائيل قد تتجه لضرب المنشآت النووية الإيرانية وحدها لو اضطرت أو بالتعاون مع بعض الدول الأخرى من دون الولايات المتحدة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>ومن جانب آخر، نجد أن إسرائيل يمكنها تقبل اتفاق نووي بين إيران والقوى الكبرى إذا ضُمِنَ لها بشكل رئيسي إيقاف تطوير طهران لأنشطتها النووية والصاروخية ودعمها للوكلاء في الإقليم، علاوة على إبقاء الحرس الثوري ضمن قائمة الإرهاب وتمديد ما يُعرف بـ"بند الغروب".</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p class="has-vivid-red-color has-text-color"><strong>مخاوف نووية</strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>في الواقع، يبدو الموقف الإسرائيلي إزاء المفاوضات النووية الجارية منذ شهر أبريل الماضي في العاصمة النمساوية فيينا بين إيران ومجموعة (5+1) أكثر حسماً مما كان عليه أثناء انعقاد محادثات الاتفاق الأصلي، ويبدو ذلك للأسباب التالية:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- بلوغ تخصيب اليورانيوم مستويات مقلقة: </strong>فقدكان الاتفاق الأصلي في لوزان ينص على السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67% وللأغراض السلمية. ومع ذلك، أشارت العديد من التقارير الدولية، من بينها تلك الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى أن إيران واصلت تخصيب اليورانيوم بمستويات أعلى وفي مواقع أبحاث نووية تحت الأرض داخل قواعد سرية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وليس هذا فحسب، بل إن طهران وعلى لسان رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية في ذلك الوقت، علي أكبر صالحي، قد رفعت مستوى التخصيب إلى 60%، مما أقلق ليس فقط إسرائيل، بل والولايات المتحدة الأمريكية والأوروبيين ودول الشرق أوسطية؛ إذ إن هذه النسبة تجعل من الممكن في القريب العاجل الحصول على المواد الانشطارية اللازمة لصناعة القنبلة النووية عن طريق تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 90%.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط: </strong>يُعد هذا عاملاً مهماً للغاية فيما يتعلق بتزايد مستوى الرفض الإسرائيلي للمحادثات النووية الحالية التي من المرجح أن يتمخض عنها اتفاق نووي جديد. فالحكومة الإسرائيلية تدرك في الوقت الراهن أنها تفقد تدريجياً الداعم الأمريكي لها في المواجهة ضد إيران، والذي كان عاملاً حاسماً في هذا النزاع خلال الفترة التي أعقبت تزايد التوترات عقب التوصل إلى الاتفاق الأصلي، وعلى وجه الخصوص بعد خروج الولايات المتحدة منه.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>أما الآن، فإن واشنطن تُبدي اهتماماً أقل بملفات الشرق الأوسط مقابل تركيز أكبر على الصراع مع الصين وروسيا خاصة في منطقة المحيط الهادئ، وهو ما يسبب انزعاجاً لإسرائيل. فبالنسبة للأخيرة، تُعد أهم محفزات دعم الحضور الأمريكي في الإقليم مسألة دعم واشنطن لها في إطار الصراع مع إيران التي تراها "تهديداً وجودياً" ضدها. وعليه، فإن تضاؤل هذا الانخراط الأمريكي يعني لإسرائيل ضرورة ضمان التفوق على أية قدرات عسكرية إيرانية إلى جانب إيقاف تطوير طهران لقدراتها النووية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p class="has-vivid-red-color has-text-color"><strong>الضمانات الخمس</strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>إذا كانت إسرائيل ترفض المحادثات النووية الحالية ولا تتقبل إعادة إحياء الاتفاق النووي القديم عبر محادثات فيينا التي انطلقت في أبريل 2021، ففي الواقع ستتقبل إسرائيل فقط اتفاقاً نووياً يضمن ما يلي:</strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- رفض الأنشطة النووية العسكرية في المستقبل: </strong>شكّل سماحُ الاتفاق النووي الأصلي لإيران بمواصلة الأنشطة النووية أبرز مخاوف إسرائيل، ولا يزال. فقد هاجمه نتنياهو آنذاك، وترفض الحكومة الإسرائيلية الحالية أية اتفاقية أو معاهدة أو حتى إجراء بروتوكولي ينص على منح إيران الضوء الأخضر لمواصلة أنشطتها النووية. إن هذا الأمر يمثل بلا أدنى شك خطاً أحمر لإسرائيل، ذلك لأن مواصلة إيران تطوير قدراتٍ نووية يعني في النهاية الحصول على أسلحة نووية عسكرية، في الوقت الذي ترى فيه إسرائيل إن "إيران نووية" يهدد استمرارها ذاتها، ويعبر مسؤولوها عن هذا الأمر بكل صراحة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- تقييد تطوير الصواريخ الباليستية الإيرانية: </strong>يطرح المسؤولون الإسرائيليون هذا الملف بقوة على طاولة الحوار المعنية بمجمل الملف الإيراني. فقد استطاعت إيران على مدار الأعوام القليلة الماضية تطوير مدى ودقة الصواريخ الباليستية مقارنة بالماضي حينما كانت هذه الصواريخ تسقط في مساحة جغرافية قريبة من الموقع المُستَهدف فقط.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وتُبرز إسرائيل قلقاً خاصاً بمدى هذا التطوير؛ حيث إن الصواريخ الإيرانية بإمكانها أن تصل لإسرائيل وتصيب مواقع بدقة، مما يعني ضغطاً عسكرياً وسياسياً ضمنياً ضدها في ظل نزاعها المحتدم مع إيران في منطقة الشرق الأوسط، والذي تعداه مؤخراً إلى مناطق أخرى مثل القوقاز. لذا، طالبت إسرائيل –ولا تزال- بوضع عدة قضايا أخرى على طاولة الحوار في فيينا من بينها الملف الصاروخي، خاصة وأن تصنيع الصواريخ الباليستية يرتبط ارتباطاً وثيقاً ببناء القنبلة النووية؛ لأن الأولى تحمل الثانية إلى الموقع المُستهدَف.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- الحد من دعم إيران للوكلاء الإقليميين في المنطقة: </strong>أدركت إسرائيل من خلال تجربة ما بعد دخول الاتفاق النووي الأصلي حيّز التنفيذ في يناير 2016 أن خطة العمل الشاملة المشتركة قادت في النهاية إلى توسيع طهران من نفوذها في إقليم الشرق الأوسط، حتى وصل ميدان النزاع العسكري (غير المباشر) بين إيران وإسرائيل إلى جنوب سوريا ولبنان والعراق أيضاً. فقد مثّلت الأموال التي حصلت عليها طهران بعد هذا التاريخ مصدراً مهماً لتمويل الوكلاء النشطين في المنطقة، علاوة على دعم إنشاء جماعات أخرى موالية جديدة، وذلك سواء في العراق أو سوريا أو لبنان أو اليمن.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وإذا كان هذا الدعم الإيراني لتلك المجموعات المسلحة يشمل في الغالب إرسال أموال نقدية أو أسلحة أو لوجستيات، أو الانخراط في عمليات دعائية لتجنيد مقاتلين وعناصر جدد للعمل لصالح هؤلاء الوكلاء؛ فإن تقييد الأنشطة العسكرية الإيرانية في الإقليم يستلزم إذن مواصلة تجميد الأموال الإيرانية في الخارج، علاوة على مواصلة العقوبات الاقتصادية ضد إيران؛ من أجل ضمان عدم توظيف هذه الموارد في دعم مجموعات تعمل على زعزعة استقرار الإقليم.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- إبقاء الحرس الثوري على قائمة المنظمات الإرهابية: </strong>لا ينفصل هذا المسعى عن سابقه؛ لأن الحرس الثوري الإيراني هو الراعي الأول لهذه المجموعات، وبقاؤه على قائمة المنظمات الإرهابية التي تصنفها وزارة الخارجية الأمريكية يضمن إما شرعنة استهدافه بشكل مباشر من أي قوى، أو على الأقل انكماش تحركاته نسبياً في المنطقة وتراجع فرص تضخيمه للجماعات التابعة له. ويعني هذا إجمالاً أن بقاءه على القائمة سيعني تحجيم الانتشار الإيراني خلال الفترة الزمنية التي تعقب الاتفاق النووي المتوقع في العاصمة النمساوية خلال العام الجاري. لذا، نجد إسرائيل تطالب علناً وبشكل متكرر عدم إزالة الحرس الثوري من قائمة الإرهاب.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5- تمديد "بند الغروب" إلى ما بعد عام 2025: </strong>يُقصد ببند الغروب (Sunset Clause) المُدرج في الاتفاق النووي الأصلي لعام 2015 انتهاء القيود التقنية تدريجياً على الأنشطة النووية الإيرانية بدءاً من عام 2025، أي إن إيران سيكون بمقدورها استئناف الأنشطة النووية "وبشكل قانوني" بعد هذا العام. وكان هذا البند من أهم الدوافع التي شجّعت الرئيس الأمريكي السابق ترامب على إعلان الانسحاب من الاتفاق النووي. فإذا ما تم تجديد الاتفاق النووي من دون الأخذ في الحسبان هذا البند، فسوف تستطيع طهران مواصلة الأنشطة النووية بحُرية بعد العام المذكور.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وتُحسَب هذه النقطة على أنها عاملٌ فرعي فيما يتعلق بدوافع رفض الإسرائيليين للاتفاق النووي، سواء لعام 2015 أو ما يُتوقّع التوصل إليه قريباً. إذ إن وجهة نظر الإسرائيليين تتمحور حول رفض الاتفاق نفسه لأنه يشرعن الأنشطة النووية الإيرانية ويُبقيها متواصلة بنسبة تخصيب أقل حتى ولو لأعوام طوال قد لا تتوصل خلالها إيران لسلاح نووي، ولكنها تستطيع بعد تلك الأعوام استئناف هذه الأنشطة مجدداً وإنتاج أول قنبلة نووية، وهنا يكمن الاعتراض الإسرائيلي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p class="has-vivid-red-color has-text-color"><strong>اليوم التالي</strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وختاماً، إذا كانت هذه هي الشروط والأجواء التي يمكن لإسرائيل في ظلها تقبل اتفاق نووي، فإن إيران على الجانب الآخر لا يبدو أنها قد ترحب بأي من هذه الشروط، وعلى وجه الخصوص الأولى منها المتعلقة بإيقاف كامل الأنشطة النووية والصواريخ ودعم الوكلاء الإقليميين. لذا، ففي ظل تأكد إسرائيل على الجانب الآخر من الرغبة الجدية لدى جميع المشاركين في محادثات فيينا النووية بشأن التوصل لاتفاق نووي، فقد بدأت إسرائيل في الاستعداد مبكراً لليوم التالي للاتفاق، حيث أعلنت عن أنها أعدت خططاً لمواجهة إيران وضرب أهداف عسكرية ونووية داخلها، خاصة إذا ما اقتربت لحظة امتلاك إيران قنبلةً نووية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وبالتزامن مع ذلك، اعتمدت إسرائيل خطة مواجهة دفاعية جديدة في الشمال لتوقعها تصاعد الصراع مع "حزب الله" في لبنان وسوريا خلال الأيام المقبلة. كما تسعى إسرائيل إلى بناء تحالفات دولية لمواجهة احتمالية تمدد أذرع إيران مرة أخرى بعد إعادة إحياء الاتفاق النووي مجدداً.</p>

      

ما هي المطالب الإسرائيلية للتوصل إلى اتفاق نووي مقبول مع إيران؟