د. أحمد عسكر

تورط تنظيم داعش في موزمبيق "ولاية موزمبيق" في 9 أغسطس 2024 في اختطاف نحو 70 صياداً كانوا يصطادون على متن ثلاثة قوارب بالقرب من جزيرة "إيلها كيرو نيوني" قبالة ماكوميا بإقليم كابو ديلجادو في شمال البلاد؛ وذلك قبل أن يتم إطلاق سراحهم بعد ثلاثة أيام وفقاً لصحيفة محلية دون أي توضيح حول إذا ما كان التنظيم قد حصل على فدية أم لا.وتأتي هذه الخطوة التصعيدية في إطار تكتيك جديد يتبناه تنظيم داعش الذي يسعى إلى تعزيز نفوذه الجهادي في شمال موزمبيق، في مواجهة تنامي الجهود الإقليمية للتصدي للإرهاب التي تقودها القوات الرواندية بجانب قوات بعثة سادك المعروفة باسم "صميم" SAMIM؛ الأمر الذي يعزز المخاوف من توسع دائرة الإرهاب في منطقة الجنوب الشرقي الأفريقي، بما ينعكس على تهديد الأمن والاستقرار الإقليميين هناك.دلالات كاشفة تنبئ العملية الإرهابية التي نفذها تنظيم داعش بعدد من الدلالات الكاشفة على تعقد المسرح العملياتي في شمال موزمبيق خلال المرحلة الراهنة. ويتمثل أبرز تلك الدلالات فيما يلي:1- تصعيد الهجمات الإرهابية لداعش: تشير التقديرات إلى أن هجمات داعش أضحت أكثر عنفاً في عام 2024؛ حيث تورط التنظيم في تنفيذ أكثر من 50 هجوماً إرهابيّاً في إقليم كابو ديلجادو، بما في ذلك عمليات الخطف؛ حيث تورط عناصر داعش في يوليو 2024 في اختطاف نحو 70 طفلاً، إضافة إلى مهاجمة القوات الموزمبيقية وشركائها الإقليميين في عدد من المناطق؛ حيث شنت نحو 35 هجوماً إرهابيّاً خلال شهر فبراير 2024 في بعض المناطق مثل مويدومبي وماكوميا شمال البلاد، بما يعني أن الهجوم الأخير استمرار لسياسة داعش الرامية إلى تعزيز حضوره في المنطقة.2- تبني داعش تكتيكاً جديداً مرتبطاً بمهاجمة المدنيين: ففي الوقت الذي أشارت فيه تقارير دولية إلى أن التنظيم يركز على استهداف القوات الأمنية والعسكرية في شمال موزمبيق، يبدو أن هناك تكتيكاً مغايراً يتبناه داعش خلال الفترة الأخيرة، وهو مهاجمة المدنيين بعدما كان حريصاً على تجنب الدخول في نزاع مع السكان المحليين، لا سيما في ظل مساعيه إلى إقامة علاقات ودية مع المجتمعات المحلية من أجل كسب القلوب والعقول بما يعزز حضوره في المنطقة، بجانب ضمان إمداده بالسلع الأساسية عن طريق البر والبحر.3- تأكيد استمرارية داعش: يبدو أن التنظيم يحاول إيصال رسالة إلى الحكومة في موزمبيق والمجتمع الدولي أنه مستمر في تصعيده وهجماته في شمال البلاد، وأنه لن يتراجع عن استهداف قوات الجيش الموزمبيقي والقوات الإقليمية، لا سيما الرواندية وبعثة سادك خلال الفترة المقبلة، في محاولة للضغط عليها من أجل الانسحاب من شمال البلاد على غرار قوات فاجنر الروسية التي تلقت هزيمة كبيرة في عام 2019 هناك.4- رسالة تهديد للسكان المحليين لتحذيرهم من التعاون مع السلطات: يسعى داعش، من خلال استهداف المدنيين، إلى محاولة تخويف المجتمعات المحلية من التعامل والتعاون مع القوات الأمنية والعسكرية وشركائها الإقليميين ضد عناصر التنظيم، وهو ما قد يقوض محاولات داعش إقامة علاقات ودية مع السكان المحليين خلال الفترة الأخيرة، وربما يترتب عليه مواجهات مسلحة بين داعش ومجموعات من القرويين المحليين أو فيما يعرف بجماعات الدفاع عن النفس.ويبدو أيضاً أن داعش يحاول تأليب الرأي العام الداخلي ضد القوات الإقليمية، لا سيما الرواندية وبعثة صميم؛ بسبب إخفاقها في التصدي لبعض هجمات داعش خلال الفترة الماضية.5- استهداف الاستثمارات الأجنبية: تعد هجمات داعش بالقرب من المناطق الغنية بالغاز الطبيعي، لا سيما بالما في شمال موزمبيق، بمنزلة مصدر تهديد حاسم للشركات الدولية واستثماراتها التي تتجاوز قيمتها 20 مليار دولار، وهو ما يخدم سردية تنظيم داعش الرامية إلى تعظيم سمعته وشهرته الدولية بما ينعكس على تنامي نفوذه على الصعيدين الأفريقي والدولي، إضافة إلى احتمالات هروب الاستثمارات الأجنبية من المنطقة بما يضمن استحواذ داعش على الموارد والثروات؛ الأمر الذي قد يخدم استراتيجيته ويعزز تمويلاته الذاتية لاستمرار عملياته في موزمبيق ومناطق الجوار الأفريقي.مستقبل ضبابي يحمل تصعيد تنظيم داعش لنشاطه الإرهابي في شمال موزمبيق جملة من التداعيات المحتملة على أكثر من صعيد؛ محليّاً وإقليميّاً ودوليّاً، ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك التداعيات على النحو التالي:1- تفاقم العداء مع السكان المحليين: فمن شأن تغير تكتيكات داعش باستهداف القرويين المحليين في شمال موزمبيق أن يعزز حالات العداء والكراهية ورفض المجتمعات المحلية لوجود داعش، بما قد يدفع الحكومة الموزمبيقية إلى توسيع نفوذ جماعات الدفاع عن النفس للتصدي لهجمات داعش، إضافة إلى زيادة التعاون مع القوات الأمنية الحكومية وشركائها في ملاحقة عناصر داعش في الإقليم الشمالي.2- موجات مستمرة من النزوح الداخلي: يدفع النشاط الإرهابي المتصاعد لتنظيم داعش في عدد من المناطق بشمال موزمبيق، العديد من الأسر والعائلات إلى الهروب من أعمال العنف والقتال، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في المنطقة؛ فقد أشارت تقديرات وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة إلى عمليات نزوح كبيرة في المنطقة خلال الشهور الماضية؛ حيث شهدت نزوح نحو 100 ألف شخص بين فبراير 2024 ومارس 2024 بسبب أعمال العنف والقتل والنهب هناك.3- التأثير السلبي على علاقة موزمبيق مع القوات العسكرية الإقليمية: يبدو أن تنظيم داعش يدفع نحو تقويض النظرة الإيجابية من قبل السكان المحليين في شمال موزمبيق تجاه القوات الرواندية وبعثة صميم العسكرية نتيجة نجاحاتها المتتالية خلال الفترة الأخيرة في التصدي لتهديدات داعش، بما قد يترتب عليه رفض وجود تلك القوات والمطالبة بانسحابها من الأراضي الموزمبيقية، خاصةً في ضوء استمرار تصعيد داعش لهجماته وعملياته في المنطقة، لا سيما أنه يرغب في الاستحواذ على أراضي المنطقة وما تحتويه من ثروات وموارد، والسيطرة على المجال البحري الاستراتيجي لها المطل على المحيط الهندي والمتحكم في قناة موزمبيق الاستراتيجية.ومع ذلك، ربما تشهد المرحلة المقبلة تفاوض حكومة موزمبيق مع كل من القوات الرواندية وبعثة صميم التابعة للتكتل الإقليمي الجنوب أفريقي "سادك" على تمديد ولايتهما وبقاء قواتهما العسكرية في شمال موزمبيق؛ من أجل التعاون في القضاء على مخاطر وتهديدات تنظيم داعش المستمر في نشاطه منذ عام 2017 في المنطقة، وهو أمر قد يحظى بقبول المجتمع الدولي الذي قد يعزز دعمه اللوجستي والمادي للجيش الموزمبيقي أيضاً خلال الفترة المقبلة؛ وذلك في ضوء المخاوف على المصالح الدولية الحيوية هناك بما في ذلك المشروعات الاستثمارية في مجال الغاز.4- تمدد تهديدات داعش لدول الجوار الإقليمي: من المرجح أن يعزز داعش عملياته الإرهابية في الداخل الموزمبيقي، ويتمدد نشاط عناصره إلى بعض دول الجوار الإقليمي، لا سيما تنزانيا، بما في ذلك مياهها الإقليمية، وهو ما قد يسهم في تنامي التهديدات الإقليمية في المنطقة، وربما يترتب عليه تكثيف العمليات العسكرية التي تنفذها القوات الرواندية وبعثة صميم ضد داعش في شمال موزمبيق، وقد يتم الاعتماد عليها في بعض دول الجوار إذا تصاعد نشاط داعش هناك.5- تهديد الأمن البحري الإقليمي: قد يمثل استهداف عناصر داعش القوارب الثلاثة قبالة سواحل كابو ديلجادو بشمال موزمبيق ناقوس خطر للأمن البحري الإقليمي، وسط احتمالات تمدد نشاط داعش إلى مياه المحيط الهندي، بما في ذلك تهديد مضيق موزمبيق الذي يمثل أحد أبرز طرق التجارة الدولية؛ حيث يمر عبره 30% من ناقلات الشحن على مستوى العالم بحسب تقديرات دولية؛ الأمر الذي يهدد التجارة الدولية نتيجة تنامي عمليات القرصنة، وما قد يترتب عليها من إجراءات قد تتخذها القوى الدولية الفاعلة التي تستهدف حماية الاستثمارات الأجنبية هناك، وضمان أمن الملاحة البحرية في قناة موزمبيق الاستراتيجية.6- تزايد اهتمام القوى الدولية بموزمبيق: من المتوقع أن تتزايد مخاوف القوى الفاعلة تجاه تصاعد نشاط داعش في شمال موزمبيق، وهو ما قد تستغله في تبرير اندفاعها نحو الانخراط في المنطقة تحت ذريعة التصدي للإرهاب والعمل على احتواء مخاطر وتهديدات عناصر داعش في المنطقة، بما في ذلك حماية الأمن البحري الإقليمي قبالة سواحل موزمبيق، والحيلولة دون سيطرة داعش المحتملة على قناة موزمبيق التي تتصاعد أهميتها الاستراتيجية باعتبارها طريقاً بديلاً للتجارة الدولية، لا سيما في ضوء التوترات الإقليمية الراهنة في منطقة البحر الأحمر وما يترتب عليها من تهديد السفن التجارية المارة عبر مضيق باب المندب عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.إجمالاً، من المستبعد أن يتراجع نفوذ تنظيم داعش في شمال موزمبيق، على الأقل في المدى القصير؛ فلا يزال داعش يمتلك من القدرات ما يؤهله لتنفيذ العديد من الهجمات الإرهابية في المنطقة، والتعاطي مع الضغوط الإقليمية والدولية هناك. وربما يتمدد تنظيم داعش إلى المجال البحري الحيوي قبالة سواحل إقليم كابو ديلجادو بما يهدد الأمن البحري الإقليمي، وهو ما قد يمهد الطريق أمام عدد من اللاعبين الدوليين للانخراط في شمال موزمبيق بحجة مواجهة عناصر داعش، وهو ما قد يعزز حالة العسكرة في المنطقة، بما يجعل موزمبيق ساحة للصراع الدولي والإقليمي مع تنظيم داعش من ناحية، وساحة للتنافس الدولي على الموارد والثروات النفطية في كابو ديلجادو من ناحية أخرى، وهو ما قد يهدد الأمن الإقليمي في المنطقة خلال المرحلة المقبلة.

تصاعد عمليات الاختطاف الداعشية في موزمبيق