نريمان عبد الفضيل

أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن فرض رسوم جمركية جديدة بنسبة 25% على جميع واردات الصلب والألومنيوم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى الرسوم الجمركية الحالية على المعادن، في حين أكد أن تلك الرسوم ستطبق على جميع الدول دون استثناء، إلى جانب أنه أعلن عن أنه يعتزم فرض رسوم جمركية تبادلية على كافة الدول التي ستفرض تعريفات جمركية على وارداتها من الولايات المتحدة بالقدر نفسه، وتعتبر هذه الخطوة تصعيداً كبيراً مع الشركاء التجاريين وخاصة الصين.أسباب دافعةثمة العديد من الأسباب التي دفعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الإقدام على فرض رسوم جمركية أخرى على جميع واردات الصلب والألومنيوم، ولعل من أهم تلك الأسباب ما يلي: 1- ضغط لتعديل الشركات الأمريكية سياستها: قد يكون الهدف من وراء فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه الرسوم، أنه يحاول إرغام الشركات التجارية الأمريكية على تعديل سياستها الاقتصادية والتجارية بما يتماشى مع أولوياته، وذلك من خلال عزوف هذه الشركات عن الاعتماد على الواردات الخارجية لتفادي الرسوم الجمركية المفروضة عليها، مما يدعم صناعة الصلب والألومنيوم الأمريكية، وبالتالي يؤدي إلى تنشيط الصناعة المحلية وهو ما يريده ترامب، بالإضافة إلى أن المستثمرين سيندفعون إلى بناء الشركات والمصانع في الولايات المتحدة بدلاً من الخارج.2- الحد من النفوذ الصيني المسيطر على صناعة الصلب: من بين الأسباب التي دفعت ترامب إلى فرض الرسوم الجمركية، هو العمل على تعزيز مكانة الولايات المتحدة في مواجهة الشركاء المنافسين لواشنطن وخاصة الصين، وذلك لأنها تسيطر على صناعة الصلب عالمياً، ومن أجل تحقيق ذلك الهدف أيضاً عمل على تعزيز التعاون مع دول أمريكا اللاتينية، وذلك من خلال زيارة وزير خارجيته ماركو روبيو إلى أمريكا الوسطى الأسبوع الماضي، وكان ذلك من أجل تنفيذ جزءٍ من استراتيجية الهيمنة غير الليبرالية التي يتبعها ترامب.3- فرض الاتحاد الأوروبي رسوماً كبيرة على الواردات الأمريكية: قد يكون من بين الدوافع التي جعلت ترامب يقوم بفرض الرسوم الجمركية، هو أنه يرد على الرسوم التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على واردات السيارات الأمريكية والتي تبلغ نسبتها 10%، الأمر الذي جعل الرئيس الأمريكي يشتكي من هذه الرسوم مراراً وتكراراً، في حين أنه يرى أن هذه الرسوم أعلى بكثير من الرسوم التي تفرضها الولايات المتحدة على السيارات والتي تبلغ نسبتها 2.5%، لذلك اعتبر ترامب أن الاتحاد الأوروبي لن يقبل السيارات الأمريكية، لذلك فرض ترامب رسوماً على كل الدول دون استثناء.4- تعزيز القدرة التنافسية الأمريكية: قد يكون من بين الأسباب التي دفعت ترامب إلى استخدام الرسوم الجمركية بصفة مستمرة، أنه يعتقد أن الرسوم الجمركية من الإجراءات المفيدة والضرورية والتي تؤدي إلى تحقيق الأهداف التي تطمح الولايات المتحدة إلى تحقيقها، ومن بين هذه الأهداف التي يراها أنها ستؤدي إلى تعزيز القدرة التنافسية الأمريكية في مواجهة الشركاء المنافسين لها في العالم، إلى جانب أنها تؤدي أيضاً إلى تقليص العجز التجاري وتحقيق فائض من خلال تقليل الواردات وزيادة الصادرات الأمريكية.5- سعي لتصحيح أخطاء إدارة جو بايدن: قد يهدف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من خلال فرض تعريفات جمركية على جميع واردات الصلب والألومنيوم إلى خلق انطباع لدى الشعب الأمريكي بأنه يسعى إلى تصحيح الأخطاء والمشكلات التي وقع فيها سلفه الديمقراطي جو بايدن، والتي أدت فترة ولايته إلى بلوغ التضخم إلى مستويات عالية جداً لم تشهدها الولايات المتحدة منذ فترات طويلة، إلى جانب أنه تسبب في ارتفاع أسعار السلع والطاقة وغيرها، لذا فإن ترامب يحاول أن يشعر المواطن الأمريكي بأنه يسير على الخطى التي تجعل أمريكا عظيمة كما كانت في فترة ولايته الأولى، وذلك من خلال إظهار أن نهج السلام من خلال القوة الذي يتبناه فعال ومثمر.6- محاولة للضغط السياسي على بعض الدول: قد يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من خلال استخدام الرسوم الجمركية كأداة للتهديد والابتزاز ليس فقط من أجل تحقيق أهداف اقتصادية وتجارية مع الدول المنافسة للولايات المتحدة، بل إنه يستخدمها أيضاً كأداة لتحقيق أهداف سياسية، والدليل على ذلك أنه اشترط على كندا والمكسيك تعزيز حماية حدودهما ومحاربة تهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة، في حين أنه يفضل دائماً الرسوم الجمركية على العقوبات من أجل تحقيق ما يريده.تداعيات محتملةثمة العديد من التداعيات محتملة الحدوث عقب فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوماً جمركية على جميع الواردات من الصلب والألومنيوم إلى الولايات المتحدة، والتي يمكن توضيحها فيما يلي:1- تقليل الدول اعتمادها على الولايات المتحدة: من المتوقع أن يؤدي فرض ترامب رسوماً جمركية بصفة مستمرة إلى عزوف بعض الدول عن اعتمادها على الولايات المتحدة، وستقوم هذه الدول ببناء علاقات مع دول أخرى، إلى جانب أنه قد يؤدي إلى تفكير بعض الدول خاصة الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في الاستقلالية مع مرور الوقت، وذلك لأنهم يفقدون المزايا التي تقدمها لهم واشنطن من خلال علاقاتها معهم مثل المزايا في الأمن والتكنولوجيا والوصول إلى السوق الأمريكية والمساعدة الاقتصادية، لذلك يجب على الولايات المتحدة التقليل من فرضها للرسوم الجمركية وتهديداتها المستمرة، وذلك من أجل تشجيع الدول وجذبها إليها مرة أخرى حتى لا تضطر الدول الحلفاء إلى بناء علاقات مع خصوم الولايات المتحدة، وهذا الأمر سيضر مصالح واشنطن الاقتصادية والتجارية.2- توتر العلاقات التجارية بين واشنطن وبعض الدول: من المؤكد أن يؤدي قرار ترامب بفرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألومنيوم إلى توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وبعض الدول التي ستتضرر من هذه الرسوم، وخاصة كندا والبرازيل والمكسيك، وذلك لأن هذه الدول من أكبر موردي الصلب والألومنيوم للولايات المتحدة، وتليها كوريا الجنوبية وفيتنام، مما يجعل هذه الدول ترد بطريقة مماثلة من أجل الثأر من ترامب، والدليل على ذلك ما أعلنت عنه المفوضية الأوروبية في بيان لها: "لا يرى الاتحاد الأوروبي سبباً لفرض رسوم جمركية على صادراته. وسنرد لحماية مصالح الشركات والقوى العاملة والمستهلكين الأوروبيين من الإجراءات غير المبررة".3- تزايُد أسعار الألومنيوم والصلب داخل الولايات المتحدة: من المرجح أن يؤدي قرار ترامب بفرض رسوم جمركية على جميع واردات الصلب والألومنيوم على جميع الدول بما في ذلك كندا والمكسيك وغيرها من الدول، إلى تزايد أسعار الصلب والألومنيوم في الداخل الأمريكي، خاصة لأن الولايات المتحدة تعتمد بشكل أساسي على واردات الألومنيوم من كندا والإمارات والمكسيك، لكي تلبي احتياجات الطلب المحلي، حيث بلغ إجمالي الاستهلاك الأمريكي في عام 2023 من صافي الواردات أكثر من 80%، إلى جانب أن ذلك سيؤدي إلى زيادة أسعار الطاقة والسيارات والأجهزة وجميع المصنوعات التي تعتمد بشكل أساسي على الصلب والألومنيوم مما يزيد من معاناة الشعب الأمريكي وليس تخفيضها.4- ارتفاع أسعار النفط العالمية: تسبب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على جميع واردات الصلب والألومنيوم في ارتفاع أسعار النفط، كما أدى إلى زيادة أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من عامين، وجدير بالذكر أن سوق النفط العالمي شهد ارتفاعاً في الأسعار بنسبة 0,5%، مع وصول سعر خام برنت إلى 75,06 دولاراً للبرميل، إلى جانب ارتفاع سعر خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي إلى 71,38 دولاراً للبرميل.آثار سلبيةختاماً، يمكن القول إن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد تكون له آثار إيجابية ضئيلة، ولكن له آثار سلبية كثيرة، ومن بين الآثار الإيجابية أنه يعمل على تنشيط ودعم صناعة الصلب والألومنيوم المحلي، لكن الآثار السلبية ستكون أكثر بكثير، ومن بين هذه الآثار شن حروب تجارية مع الدول الأكثر تضرراً من الرسوم الجمركية، إلى جانب تكوين هذه الدول تحالفات وعلاقات مع الدول المعادية للولايات المتحدة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الطاقة والسيارات والبناء وغيرها مما يؤدي إلى معاناة المواطن الأمريكي وليس تخفيضها كما وعد الرئيس الأمريكي خلال حملته الانتخابية.

فرض الرئيس ترامب رسوماً جمركية على واردات الصلب والألومنيوم