محمد فوزي


        
<p><strong>تبنَّت الإمارات في السنوات الأخيرة العديد من المبادرات والسياسات التي استهدفت مواجهة ظاهرة التغيرات المناخية، بما يضمن التعاطي معها وتحجيم آثارها السلبية المتصاعدة إقليمياً وعالمياً. ويجد المتابع للنهج الإماراتي في هذا الصدد أن ملف التغيرات المناخية أصبح على رأس أولويات العمل الحكومي الإماراتي، سعياً للوصول إلى "الحياد الصفري المناخي" والاستثمار في الموارد الخضراء، وهي جهود تتسق مع التحركات الدولية المكثفة لمواجهة التغيرات المناخية وانعكاساتها السلبية على المستويات الاقتصادية والاجتماعية في الدول المختلفة. علاوة على ذلك، فإن التحركات المكثفة في هذا الشأن يمكن أن تعزز دور الإمارات على المستويَين الإقليمي والعالمي.</strong><strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تهديد مُتَنامٍ</span></strong></p>



<p><strong>يمكن القول إن هناك جملة من الدوافع والأسباب التي تقف خلف إيلاء الإمارات أولوية كبيرة لمواجهة ظاهرة التغيرات المناخية؛ وذلك على النحو الآتي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تعزيز المكانة الدولية للإمارات: </strong>يأتي اهتمام الإمارات بمواجهة ظاهرة التغيرات المناخية وما يترتب عليها من تداعيات سلبية، باعتبارها أحد مقتضيات الدور العالمي والإقليمي الرائد للإمارات؛ وذلك ضمن محاولات تعزيز حضور الدولة على الساحة العالمية، وخصوصاً مع التحولات في أدوات السياسة الخارجية والعلاقات بين الدول؛ حيث يعتقد "بيتر فان هام" peter van ham أن محاولة الدول تطوير سمعتها الخارجية تعبر عن "تحول في النماذج والأدوات السياسية، والانتقال من العالم الحديث القائم على الجغرافيا السياسية والسلطة إلى عالم ما بعد الحداثة المستند على نحو جوهري إلى الصور والنفوذ".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>&nbsp;وفي هذا الإطار، حرصت دولة الإمارات خلال سنوات على تشييد صورة إيجابية باعتبارها رائدة في العديد من المجالات، وفي مواجهة كافة التحديات. وقد ركزت المقاربة الإماراتية في السياسة الخارجية على السعي إلى بناء جسور مع المجتمع الدولي والإقليمي بهدف تخفيف التوترات وتعزيز الاستقرار العالمي، ومواجهة القضايا والأزمات المُلحَّة، وعلى رأسها قضية التغيرات المناخية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– تزايد مخاطر التغيرات المناخية:</strong> من الاعتبارات الرئيسية التي جعلت من ملف التغيرات المناخية ذا أولوية بالنسبة إلى الحكومة الإماراتية، اعتبارات ترتبط بالتداعيات الكارثية المحتملة لتفاقم الظاهرة؛ وذلك في ظل ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة في العديد من دول العالم، وانتشار ظواهر الجفاف والفيضانات وغرق المدن، وما سيصاحب ذلك من ارتدادات سلبية على كافة المجتمعات؛ إذ ستتسبب الظاهرة في خسائر بشرية كبيرة، وموجات نزوح ضخمة، وكذا ما سيترتب عليها من إضرار بقطاعات الزراعة العالمية والبنى التحتية، وهو ما سيترتب عليه تفاقم في أوضاع الأمن الغذائي العالمي، فضلاً عن التداعيات السلبية على سلاسل التوريد العالمية، وما سيصاحب ذلك من أضرار بالغة بالنسبة إلى الاقتصادات العالمية المختلفة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– التكامل مع الجهود الدولية: </strong>بدأ المجتمع العالمي يهتم بظاهرة التغيرات المناخية منذ نهاية السبعينيات، وهو ما تجسَّد في عقد المؤتمر العالمي الأول للمناخ من قبل لجنة برئاسة ممثل الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1979، ومع التفاقم الكبير في مظاهر وتداعيات التغيرات المناخية في السنوات الأخيرة، بدأت دول العالم ومنظمات المجتمع الدولي تصطف وتتوحد خلف "الاتفاقية الإطارية للمناخ" كمدخل عالمي للتعامل مع الأزمة، وبطبيعة الحال كانت دولة الإمارات ذات دور ريادي في دفع وتعزيز الجهود الدولية الرامية إلى التعاطي بفاعلية مع هذه الأزمة، وتقليص حجم تداعياتها. وفي تتويج لهذه الجهود الإماراتية تم اختيار الإمارات لاستضافة مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية، بشأن تغير المناخ "كوب 28" الذي سيُعقد في عام 2023.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– تصاعد حضور التهديدات غير التقليدية في استراتيجيات الدول:</strong> لا ينفصل اهتمام دولة الإمارات بالتغيرات المناخية عن التحولات التي تشهدها الاستراتيجيات الأمنية للدول، وتصاعد الاهتمام بالتهديدات غير التقليدية، التي تتجاوز التهديدات العسكرية والأمنية التقليدية، أو على حد تعبير "ريتشارد أولمان" فإنه بات من الضروري توسيع مفهوم الأمن القومي للدولة، والنظر إليه بأنه "بمنزلة نشاط أو سلسلة من الأحداث التي تهدد بشكل كبير، وعلى مدى فترة زمنية قصيرة نسبياً، بتدهور نوعية الحياة لسكان الدولة، أو تهدد بشكل كبير بتضييق نطاق خيارات السياسة المتاحة لحكومة الدولة أو للكيانات الخاصة غير الحكومية داخلها، سواء كانت هذه الكيانات أفراداً أو جماعات أو مؤسسات".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">مقاربة شاملة</span></strong></p>



<p><strong>تبنت الإمارات في تعاطيها مع أزمة التغيرات المناخية مقاربة شاملة، سعت إلى تحقيق الاستدامة البيئية من خلال إطار تشريعي وتنظيمي متكامل، مع التنسيق والتعاون مع المجتمع الدولي بهذا الخصوص. ويمكن تناول أبرز أبعاد المقاربة الإماراتية في هذا الصدد على النحو الآتي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– </strong><strong>التزام إماراتي بتوطين الطاقة النظيفة: إ</strong>حدى الركائز الأساسية في مقاربة الإمارات للتعاطي مع أزمة التغيرات المناخية تتمثل في السعي إلى توطين الطاقة النظيفة على حساب مصادر الطاقة الأحفورية، وقد بدأ هذا التوجه مبكراً؛ حيث تم تأسيس شركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر" عام 2006، ثم جاء نجاح أبوظبي في استضافة مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "آيرينا" عام 2009، كما أعلنت الإمارات في عام 2017 عن إطلاق أول استراتيجية طويلة الأمد على مستوى المنطقة (الاستراتيجية الوطنية للطاقة 2050)، وهي الاستراتيجية التي تستهدف تعزيز مساهمة الطاقة المتجددة في إجمالي مصادر الطاقة بالدولة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ووفقاً للبيانات الرسمية المنشورة على البوابة الرسمية لحكومة دولة الإمارات، فإن الدولة "تستهدف، ضمن استراتيجية الطاقة حتى عام 2050 مزيجاً من مصادر الطاقة المتجددة والنووية والنظيفة؛ لضمان تحقيق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والأهداف البيئية باستثمارات تبلغ 600 مليار درهم حتى 2050؛ لضمان تلبية الطلب على الطاقة، كما تهدف الاستراتيجية إلى رفع كفاءة الاستهلاك الفردي والمؤسسي بنسبة 40%، ورفع مساهمة الطاقة النظيفة في إجمالي مزيج الطاقة المنتجة في الدولة إلى 50% منها 44% طاقة متجددة و6% طاقة نووية، وتحقيق توفير يعادل 700 مليار درهم حتى عام 2050 ، بالإضافة إلى خفض الانبعاثات الكربونية من عملية إنتاج الكهرباء بنسبة 70% خلال العقود الثلاثة المقبلة".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– تبني خيار "الطاقة النووية السلمية":</strong> عقب استضافة الإمارات في أبريل 2021 الحوار الإقليمي حول المناخ بمشاركة 10 من الاقتصادات الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بجانب المبعوث الرئاسي الأمريكي لشؤون التغير المناخي جون كيري؛ أعلنت الإمارات عن بدء التشغيل التجاري لأولى محطات "براكة"؛ أولى محطات الطاقة النووية السلمية في العالم العربي، كما أعلنت الإمارات، في مارس 2022، عن بدء التشغيل التجاري لثاني محطات براكة للطاقة النووية السلمية،&nbsp;وهي الخطوات التي ستساهم في تعزيز جهود الإمارات زيادة حصة الطاقة النظيفة من إجمالي مزيج الطاقة المحلي، بما يتواكب مع استراتيجية الإمارات للطاقة 2050، كما ستعزز جهود حماية البيئة والعمل من أجل المناخ، وتساهم في تحقيق التزامات الدولة بمساهماتها المحددة وطنياً بشأن المناخ.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– دعم البنية التشريعية والمعرفية المناخية: </strong>بالتزامن مع ما سبق، سعت الإمارات إلى تعزيز البنى التشريعية الوطنية، وكذا القدرات البحثية والمعرفية، في مجال مكافحة التغيرات المناخية. وقد عبر مشروع "شبكة الإمارات لأبحاث المناخ" عن هذا التوجه؛ حيث يوفر منظومة بحثية متكاملة تضمن تحديد التأثيرات والتداعيات التي تتعرض لها المنطقة، وما يمكن أن تتعرض له مستقبلاً، بما يعزز القدرة على التعامل معها، وفق رؤى علمية منضبطة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وفي السياق ذاته، أعلن الدكتور "عبد الله بلحيف النعيمي" وزير التغير المناخي والبيئة بالإمارات، في مارس 2021، عن البدء في إعداد المسودة الأولى لقانون التغير المناخي، الذي سيكون القانون الوطني الأول من نوعه على مستوى المنطقة، وسيُسهم في دعم جهود التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر، ودعم الابتكار والبحث والتطوير في مجال العمل من أجل المناخ، وهو القانون الذي سيساهم في دعم جهود الإمارات في هذا الملف، وسيعزز مكانة الدولة في مؤشرات التنافسية العالمية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– التنسيق مع المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي: </strong>تسعى الإمارات سعياً حثيثاً إلى دعم الجهود الدولية الرامية إلى تعزيز القدرات في مواجهة التغيرات المناخية، وقد كانت الإمارات أولى دول المنطقة في الإعلان عن سعيها إلى تحقيق الحياد المناخي، عبر إطلاق المبادرة الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050. وتعتبر الإمارات من أهم شركاء المجتمع الدولي في مجال مواجهة التغيرات المناخية؛ إذ إنها عضو في جميع الاتفاقات الدولية المعنية بمواجهة التغيرات المناخية، ومن هنا حظيت الإمارات بثقة المجتمع الدولي لاستضافة "كوب 28" عام 2023.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ويُلاحَظ في هذا السياق، أن الإمارات دعمت جهود التحول العالمي نحو تعزيز الاعتماد على الطاقة النظيفة؛ حيث شهدت تمويلات صندوق أبوظبي للتنمية في قطاع الطاقة المتجددة، نمواً ملحوظاً مع نهاية عام 2020؛ إذ بلغ عدد المشاريع الممولة 90 مشروعاً بقيمة إجمالية بلغت نحو 1.3 مليار دولار استفادت منها 65 دولة في مناطق مختلفة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>في الختام.. يمكن القول إن ملف مواجهة التغيرات المناخية وتداعياتها السلبية يمثل أحد الركائز الأساسية لأجندة العمل الوطني الإماراتي، وهو الأمر الذي يعزز مكانة الإمارات عالمياً في جميع المؤشرات التنموية، خصوصاً أن مواجهة التغيرات المناخية تمثل عاملاً محدداً رئيسياً للتنمية المستدامة والتقدم الاقتصادي في المستقبل. ويُرجَّح أن تكتسب المبادرات المناخية للإمارات المزيد من الزخم في الفترة القادمة في ظل التغيرات المناخية الحادة التي عايشتها العديد من الدول، وخصوصاً الدول الغربية، خلال الشهور الأخيرة.</strong><strong></strong></p>

      

ما أبعاد الاستراتيجية الإماراتية لمواجهة التغيرات المناخية؟