عرض: إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

مع سيطرة حزب "بهاراتيا جاناتا" على الحكومة المركزية في الهند والعديد من الولايات الشمالية الأكثر سكاناً والأشد فقراً، لكنه يكافح في الوقت الآني من أجل تحقيق التقدم في الجنوب الأكثر ثراءً والأفضل تعليماً، الذي يُعَد المحرك الاقتصادي للهند.

وفيما أطلق الحزب الحاكم حملته رسمياً في ولايات الجنوب في يناير الماضي، يمكن القول إن حملته بدأت بشكل غير رسمي قبل ثلاث سنوات؛ حيث جند الحزب آلاف الناشطين وعمل على تغيير القيادات المحلية في هذه الولايات، فضلاً عن اهتمام رئيس الوزراء ناريندرا مودي بزيارة الجنوب 17 مرة في العام الماضي وحده، وسط حديث البعض عن إمكانية ترشحه لمقعد في البرلمان الوطني في تاميل نادو الولاية الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الجنوب، فضلاً عن ولايته الحالية فاراناسي في الشمال.

ومن هذا المنطلق، نشرت مجلة "إيكونوميست" تقريراً حمل عنوان "من داخل معركة ناريندرا مودي للانتصار في الجنوب"، مشيراً إلى أسباب تنامي اهتمام حزب "بهاراتيا جاناتا" بتوسيع نفوذه إلى الولايات الجنوبية في الهند، والتحديات التي لاتزال تواجه الحزب في سبيل تحقيق أهدافه على نحو تام.

أهمية الجنوب

يوضح التقرير أسباب اهتمام حزب "بهاراتيا جاناتا" بالولايات الجنوبية، في سياق الاهتمام بتأكيد سيطرته على مختلف المناطق الهندية، وهو ما استعرضه التقرير من خلال النقاط التالية:

1– الحصول على الدعم في الانتخابات القادمة: تأتي الاعتبارات الحزبية في مقدمة أسباب اهتمام حزب "بهاراتيا جاناتا" بمد نفوذه إلى الجنوب، وبعد أن سيطر لفترة طويلة على أغلبية مقاعد البرلمان في الولايات الشمالية والوسطى الناطقة بالهندية، بالإضافة إلى ولاية جوجارات في الغرب. وفي عام 2019، فاز الحزب بمعظم مناطق الشمال الشرقي. وقد أعطى ذلك "بهاراتيا جاناتا" 303 مقاعد من أصل 543 في مجلس النواب الهندي "لوك سابها".

ومن المتوقع فوز حزب "بهاراتيا جاناتا" مرة أخرى هذا العام، وقد حدد هدفاً بالحصول على 370 مقعداً، بعضها تابع لمناطق بالشمال والغرب، لكنه لا يزال في حاجة لعمل أفضل في الجنوب، ومن أجل تعزيز سيطرته بشكل كامل على البلاد. وبملاحظة فوز الحزب في عام 2019 بـ29 مقعداً من أصل 129 مقعداً في "لوك سابها"، تمثل الولايات الجنوبية الخمس، وهي: أندرا براديش، وكارناتاكا، وكيرالا، وتاميل نادو، وتيلانجانا، غير أن الحزب في ثلاثٍ من تلك الولايات لم يَفُز بأي مقعد. ومن بين ناخبي حزب "بهاراتيا جاناتا" على المستوى الوطني، كان 11% فقط من الجنوب في عام 2019.

2– محاولة تقليص نفوذ حزب "المؤتمر" في الجنوب: الدافع الثاني وراء تركيز "بهاراتيا جاناتا" على الجنوب هو استراتيجيته الرامية إلى إزاحة منافسه الرئيسي حزب "المؤتمر"، باعتبار أنه القوة المنافسة السياسية الوطنية الحقيقية في الهند. ورغم أن حزب "المؤتمر" لم يَعُد يهيمن على الجنوب كما كان الحال في سنواته الأولى، فإنه فاز بانتخابات الولاية في كارناتاكا وتيلانجانا العام الماضي، وأكثر من نصف مقاعده البرلمانية توجد في الجنوب. ورغم أن "المؤتمر" يتنافس على الأصوات المحلية مع الأحزاب الحاكمة في كيرالا وتاميل نادو، فإن هذه الأحزاب جميعها تنتمي إلى حزب "التحالف الوطني التنموي الشامل" الهندي المعارض.

3– الأهمية الاقتصادية للولايات الجنوبية: لدى حزب "بهاراتيا جاناتا" أيضاً أسباب اقتصادية للاهتمام بالجنوب الأكثر ثراءً، وخاصةً أن صورة مودي رئيس الوزراء بالدولة، تعتمد إلى حد كبير على ادعائه بأنه المشرف الفعال على الاقتصاد الرئيسي الأسرع نمواً في العالم، غير أن الولايات الجنوبية هي التي ولَّدت القدر الأعظم من النجاح الاقتصادي الذي حققته الهند؛ إذ تعد بنجالور وحيدر أباد عاصمتا كارناتاكا وتيلانجانا، موطناً لمعظم شركات التكنولوجيا الرائدة في الهند، بالإضافة إلى الشركات العالمية العملاقة، مثل أمازون ومايكروسوفت. ومن بين موردي Apple الـ14 في الهند، يوجد 11 منهم في الجنوب، كما توجد نحو 46% من شركات التكنولوجيا الناشئة بالهند في الجنوب، في حين تأتي 66% من صادرات صناعة خدمات تكنولوجيا المعلومات من هناك.

وبجانب تشيناي عاصمة ولاية تاميل نادو، تعد بنجالور وحيدر أباد أيضاً من الوجهات الكبيرة للشركات الأجنبية التي تُنشِئ "مراكز القدرات العالمية" لتقديم خدمات المكاتب الخلفية الداخلية مقابل جزء بسيط من التكلفة في الوطن. ومن بين تلك التي تم إنشاؤها مؤخراً، كان 79% منها في الجنوب، وتقع 16% من مصانع الهند في ولاية تاميل نادو؛ ما يجعلها مركزاً مهماً للتصنيع. ونتيجةً لذلك، فإن مستويات المعيشة في الجنوب تختلف عن الشمال. ويعيش نحو 20% من سكان الهند في الولايات الجنوبية الخمس، في حين يعيش نحو 26% منهم في اثنتين فقط من أفقر الولايات في الشمال، وهما: أوتار براديش وبيهار.

وبالمقارنة بين الولايتين، فإن الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الجنوب أعلى بنحو 4.2 مرة، في حين أن معدلات وفيات الرضع أقل من النصف، كما يُعد متوسط معدل معرفة القراءة والكتابة بين النساء الذين تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاماً في الجنوب من بين أعلى المعدلات في الهند؛ حيث يبلغ في المتوسط 86%، وفي أوتار براديش وبيهار يبلغ 70%.

4– مراهنة الحزب على بعض نجاحاته السابقة في الجنوب: إذ يُشار إلى أن إحدى الولايات الجنوبية التي حقَّق فيها حزب "بهاراتيا جاناتا" نجاحات بالفعل كانت كارناتاكا؛ حيث فاز بـ25 مقعداً من أصل 28 في عام 2019، قبل خسارته انتخابات الولاية للكونجرس العام الماضي. ويرجع ذلك جزئياً إلى اتهامات بالفساد ورد الفعل العنيف تجاه منع الطالبات المسلمات من ارتداء الحجاب. ومع ذلك، فإن من المحتمل أن يحتفظ "بهاراتيا جاناتا" بتقدُّمه هناك في الانتخابات الوطنية هذا العام؛ فالأشخاص الذين يعارضونه على مستوى الولايات غالباً ما يستمرون في دعمه في الانتخابات العامة؛ وذلك بفضل الشعبية الهائلة التي يتمتع بها مودي رئيس الوزراء.

وبالمنطق نفسه، يمكن لـ"بهاراتيا جاناتا" الحصول على عدد قليل من مقاعد البرلمان الوطني في تيلانجانا. ورغم فوز حزب "المؤتمر" في انتخابات الولاية العام الماضي هناك، فإن "بهاراتيا جاناتا" ضاعف حصته من الأصوات إلى 14%، وقد يحصل أيضاً على مقعد أو مقعدين في ولاية كيرالا، التي يحكمها حالياً "الحزب الشيوعي الهندي" (الماركسي)، ويمكنه تشكيل تحالف مع الأحزاب المحلية في ولاية أندرا براديش.

5– الأهمية الكبيرة لولاية "تاميل نادو": في سياق المنافسات الانتخابية، فإن المعركة ستكون أشد ضراوةً في ولاية تاميل نادو، التي تجعلها مقاعدها الـ39 في "لوك سابها" أكبر جائزة انتخابية في الجنوب؛ وذلك مع استهداف "بهاراتيا جاناتا" الحصول على ما يصل إلى سبعة من مقاعد الولاية هذا العام وزيادة حصته من الأصوات إلى 20% من 4% في عام 2019، ثم يأمل بعد ذلك ترسيخ تحالف للإطاحة بحزب "درافيدا مونيترا كازاجام" الحاكم (DMK) في انتخابات الولاية في عام 2026، غير أن التحدي الذي يواجهه "بهاراتيا جاناتا" حاد بوجه خاص في تاميل نادو التي يسيطر عليها منذ الستينيات أحزاب نابعة من حركة درافيديون، التي بدأت كثورة ضد البراهمة (أعلى الطوائف الهندية)، وتطور ذلك إلى حملة لإلغاء النظام الطبقي وحماية اللغة والثقافة المحلية، بل طالب زعماء درافيديون في الماضي بإقامة دولة مستقلة.

وفي محاولة لكسر قبضة أحزاب درافيديون على السلطة، عيَّن "بهاراتيا جاناتا" ك. أنامالاي الذي يبلغ من العمر 39 عاماً – وهو من التاميل وذو شخصية كاريزمية – رئيساً للحزب في الولاية عام 2021، بعد عامين من استقالته من منصب ضابط شرطة، وهو ابن لأحد المزارعين المحليين، وقد أدار حملة شرسة لتعبئة الناخبين الشباب، وخاصةً في المناطق الريفية؛ وذلك لمواجهة اتهامات أحزاب درافيديون بأن "بهاراتيا جاناتا" يهيمن عليه البراهمة الشماليون.

وأيضاً من أجل تعزيز وجود الحزب في الولاية، فإنه يؤكد أولويات النمو في قلب حملته الانتخابية بالولاية؛ وذلك بالتركيز أكثر على القضايا الاقتصادية، ومع تشديد أنامالاي أيضاً على أهمية التعامل بحذر مع فكرة جعل اللغة الهندية لغة وطنية، وخاصةً أن هذه القضية كثيراً ما أثارت احتجاجات في الجنوب، بما في ذلك أعمال الشغب المميتة في ولاية تاميل نادو في عام 1965، دون إغفال أنامالاي التركيز على قضايا الفساد المزعوم ضد حزب "درافيدا مونيترا كازاجام" الحاكم بالولاية، الذي ينفي هذه الادعاءات.

مواجهة التحديات

في مسعى لتحقيق أهدافه في الولايات الجنوبية، قام حزب "بهاراتيا جاناتا" بتعديل رسائله في الجنوب للتركيز بشكل أكبر على التنمية وبدرجة أقل على أيديولوجيته القومية الهندوسية، التي يقول النقاد إنها تثير العداء تجاه المسلمين والأقليات الأخرى، لكن دون أن يعني ذلك غياب التحديات على نحو تام، وخاصةً مع الشكوك حول مدى استعداد "بهاراتيا جاناتا" لمقايضة الأهداف الأيديولوجية بالوحدة الوطنية؛ وذلك في ضوء ما يلي:

1– الاتهامات لحزب "بهاراتيا جاناتا" باستخدام خطاب عنصري: مع اتفاق المواطنين في عموم الهند على أن ناريندرا مودي يعمل بجدية لخدمة المواطنين، وأن حزب "بهاراتيا جاناتا" يُعَدُّ أقل فساداً من غيره من الأحزاب؛ تُوجَّه انتقادات لاذعة إلى الحزب بشأن ما يُعتبَر تعمداً لتقديم المسلمين كأعداء للهندوس؛ وذلك فيما تثير بعض التصريحات العامة لحزب "بهاراتيا جاناتا" في الجنوب الشكوك حول مدى استعداده لتخفيف خطابه القومي الهندوسي؛ فعلى سبيل المثال، اتهم مسؤولو الحزب في ولاية كيرالا الشباب المسلمين بالانخراط في "جهاد الحب" من خلال إغواء الشابات الهندوسيات والمسيحيات لحملهنَّ على التحول.

وأيضاً اتهم أنامالاي رئيس الحزب بولاية تاميل نادو، نجل رئيس وزراء الولاية بتقليد "الأيديولوجية الخبيثة" للمبشرين المسيحيين العام الماضي عندما شبَّه الشكل المحافظ من الهندوسية المنتشر في شمال الهند بالمرض، وهو ما قد يتعارض مع تصريحات أنامالاي بتفضيله إبقاء الدين "أمراً شخصياً للغاية"، لكنه شعر بأنه مضطر إلى التحدث عند تعرض الهندوسية للهجوم.

2– التباين الثقافي بين الشمال والجنوب: حاول رئيس الوزراء الهندي، عند إلقائه خطاباً بولاية تاميل نادو في 27 فبراير، تجاوز التباينات الثقافية بين الشمال والجنوب؛ إذ تحدث عن حبه للغة والثقافة المحلية، مذكراً بأنه اقتبس جزءاً من قصيدة تاميلية من القرن السادس قبل الميلاد في الأمم المتحدة؛ وذلك أثناء توضيحه أن حكومته تدعم تاميل نادو؛ حيث أشاد بروح المبادرة التي تتمتع بها الولاية، لكنه مع ذلك كان يتحدث في الغالب باللغة الهندية.

ومن ناحية أخرى، ومع مسعى "بهاراتيا جاناتا" إلى تأسيس هوية وطنية تتمحور حول الهندوس، وسط روايته عن القمع الذي تعرضوا له على مدى قرون من قبل الغزاة المسلمين والبريطانيين، فإن صدى هذه الفكرة كان أقل بكثير في الجنوب؛ حيث وصل الإسلام في وقت مبكر وانتشر بشكل أكثر سلميةً، مع تمتع المنطقة بتاريخ طويل من النشاط الاجتماعي الذي يهدف إلى تحديث الهندوسية وتعزيز الهوية المحلية.

3– الانعكاسات السلبية للتفاوت الاقتصادي: المشكلة الأخرى التي يواجهها حزب "بهاراتيا جاناتا" هي أن التفاوتات الاقتصادية بين الشمال والجنوب أدت إلى تفاقم التوترات السياسية. وهذا هو الحال بوجه خاص منذ أن فرض مودي ضريبة وطنية على السلع والخدمات في عام 2017؛ إذ يشكو زعماء الجنوب من أنهم لا يحصلون من الحكومة المركزية إلا على جزء صغير من مساهماتهم الضريبية، وفي فبراير الماضي، احتجوا في العاصمة دلهي، قائلين إن سياسة مودي المتمثلة في توزيع عائدات الضرائب بين الولايات على أساس حجم السكان تُعاقِب الجنوب فعلياً على تنظيم الأسرة الأكثر نجاحاً.

4– المشكلات المتوقعة حال ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب: قد يتصاعد أيضاً النزاع بين الشمال والجنوب بشكل أكبر مع مراجعة الحدود الانتخابية المقرر إجراؤها بعد عام 2026؛ فمن الممكن أن تؤدي العملية إلى توسيع مقاعد مجلس النواب في البرلمان من 543 إلى نحو 753 مقعداً، مع ذهاب معظم المقاعد الجديدة إلى الشمال، وهو ما كان محور انتقاد خاص من قِبل رئيس وزراء تاميل نادو؛ حيث قال للمجلس المحلي في 14 فبراير إن "ترسيم الحدود أشبه بالسيف المُصلَتْ على رأس تاميل نادو". ورغم رفض مسؤولي حزب "بهاراتيا جاناتا" هذه المخاوف باعتبارها "إثارة للذعر من الانفصاليين"، فإنهم مع ذلك يعتقدون أن الجمع بين انتخابات هذا العام وترسيم الحدود وانتخابات الولاية في كيرالا وتاميل نادو في عام 2026 يمكن أن يمنحهم فرصة نادرة لتأسيس موطئ قدم أكبر في الجنوب، وهم يسعون لذلك بينما لا يزال مودي –الذي تمتد شعبيته إلى ما هو أبعد من قلب الهند – في الحكم.

ولكن في الختام، فإنه إذا التزم "بهارتيا جاناتا" برسالته المعلنة بشأن دعم الوحدة الوطنية، واحترم الخصوصيات الثقافية، فقد يمنحه ذلك الفرصة التي يسعى إليها في صناديق الاقتراع في الجنوب، بل إن طموحات الحزب القومية الهندية قد تعمل على كبح اندفاعاته الأيديولوجية في أماكن أخرى. ولكن إذا ما فشل مودي في إقناع الناخبين الجنوبيين، فقد يعتمد أكثر على ترسيم الحدود، والضغوط المالية، وغيرهما من الوسائل الأقل ديمقراطيةً لتحقيق مراده؛ الأمر الذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى نتائج عكسية؛ ما يؤدي إلى إحياء المشاعر الانفصالية في الجنوب، كما تشير تجارب التاريخ.

المصدر:

"Inside Narendra Modi’s battle to win over the south", The Economist, February 29, 2024. https://www.economist.com/asia/2024/02/29/inside–narendra–modis–battle–to–win–over–the–south

فرص حزب "بهاراتيا جاناتا" في استقطاب الولايات الجنوبية بالهند