إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        




<p><br><strong>دخلت الأزمة السياسية في سريلانكا مرحلة جديدة خلال الأيام الماضية؛ وذلك بعد تصاعد حدة الاحتجاجات المناهضة للنظام الحاكم والسياسات الاقتصادية التي يتبناها النظام؛ ففي يوم 9 يوليو الجاري، اقتحم آلاف المتظاهرين مقر رئاسة الجمهورية، كما اقتحموا مقر رئاسة الوزراء؛ حيث رفع المحتجون شعارات تطالب برحيل النظام الحاكم. وعليه، أثارت هذه التطورات شكوكاً عديدةً بشأن مستقبل سريلانكا في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها الدولة، واقتناع الرأي العام بأن السياسات التي تبناها النظام الحاكم لا تكفي لمعالجة الأزمة.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">دلالات جوهرية</span></strong></p>



<p><strong>تنطوي الاحتجاجات الأخيرة في سريلانكا على عدد من الدلالات الجوهرية المتمثلة فيما يأتي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– سيطرة المحتجين على مقرات حكومية حيوية:</strong> تبدو موجة الاحتجاجات الراهنة في سريلانكا مختلفة عن الموجات السابقة من حيث أهدافها؛ فقد تبنى المحتجون نهجاً تصعيدياً من خلال اقتحام مقر رئاسة الجمهورية ومقر رئيس الوزراء، كما أحرق المتظاهرون منزل رئيس الوزراء. وحتى يوم 11 يوليو الجاري، استمر وجود المتظاهرين في مقر الرئاسة، بل إن بعض التقارير الإعلامية تناقلت صوراً لاستقرار المحتجين في مقر الرئاسة، وتعهُّدهم بعدم ترك المقر إن "لم يرحل النظام الحاكم بالكامل".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– الضغط على الرئيس لتقديم استقالته:</strong> عززت الاحتجاجات الضغوط على الرئيس السريلانكي "جوتابايا راجاباكسا" الذي هرب من مقر الرئاسة قبل اقتحامه من قِبل المحتجين، وهو الأمر الذي دفعه، في نهاية المطاف، إلى الإعلان عن تنحيه من منصبه؛ وذلك بحلول يوم 13 يوليو الجاري. وذكر رئيس البرلمان "ماهيندا أبيوردانا" أن الرئيس يستقيل "لضمان انتقال سلمي" في الدولة، كما أعلن رئيس الوزراء "رانيل فيكريمسينجي" استقالته لإفساح المجال أمام تولي حكومة تضم جميع الأحزاب.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- الاستياء من هيمنة عائلة "راجاباكسا": </strong>لقد انطوت موجة الاحتجاجات الأخيرة، في جانب منها، على استياء مجتمعي من عائلة "راجاباكسا" التي عملت خلال السنوات الماضية على ترسيخ نفوذها السياسي والسيطرة على مقاليد السلطة من خلال تولي أفراد الأسرة العديد من المناصب. هذا النفوذ السياسي صاحبته اتهامات واسعة النطاق للعائلة بالفساد، واستغلال المناصب الرسمية من أجل تحقيق بعض المكاسب المالية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– تجنُّب المؤسسة العسكرية الصدام مع المحتجين:</strong> لا يمكن إغفال أن استمرار سيطرة المحتجين على المقر الرئاسي، وإعلان الرئيس عن استقالته، مرتبط بتجنُّب المؤسسة العسكرية الصدام مع المحتجين، ومحاولة دفع الأوضاع نحو التغيير السلمي. ولعل هذا ما عبَّر عنه بيان الجيش السريلانكي، يوم 10 يوليو الجاري، الذي ذكر أنه بالرغم من إطلاق الجنود النار على بعض المحتجين، يوم 9 يوليو الجاري، فإنه نفى "نية التسبُّب في أي أذى مُتعمَّد للمتظاهرين". وذكر البيان أن "الجيش ينفي نفياً قاطعاً إطلاق النار على المتظاهرين، لكنه أطلق بضع رشقات نارية في الهواء والجدران الجانبية لمدخل البوابة الرئيسية لمجمع منزل الرئيس كرادع". كما صرَّح قائد الجيش السريلانكي "شافيندرا سيلفا"، يوم 10 يوليو الجاري، بأن فرصة حل الأزمة السياسية الحالية بطريقة سلمية متاحة الآن، وطالب جميع السريلانكيين بدعم القوات المسلحة والشرطة لضمان الحفاظ على السلام في البلاد.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– تحركات مكثفة من المعارضة لتعزيز حضورها:</strong> حاولت المعارضة السريلانكية استغلال تطورات الأزمة في تعزيز حضورها السياسي وملء الفراغ الناجم عن استقالة الرئيس ورئيس الوزراء؛ إذ اتفقت أحزاب المعارضة، يوم 10 يوليو الجاري، على تشكيل حكومة مؤقتة من جميع الأحزاب. وأوضح حزب المعارضة الرئيسي "سلطة الشعب المتحدة"، أنه أجرى مناقشات مكثفة من أجل تشكيل الحكومة. وذكر الأمين العام للحزب رانجيت مادوما باندارا: "نسعى إلى تشكيل حكومة مؤقتة من جميع الأحزاب لفترة محدودة، قبل أن نذهب إلى انتخابات برلمانية". وأعلن حزب "سلطة الشعب المتحدة"، يوم 12 يوليو الجاري، أنه سيرشح زعيمه لمنصب رئيس الدولة المقبل.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6– التأثيرات الممتدة للأزمة الاقتصادية: </strong>شكَّلت الأزمة الاقتصادية المُحفِّز الجوهري للاضطرابات السياسية الأخيرة في سريلانكا؛ فعلى مدار الشهور الماضية تفاقمت الأوضاع الاقتصادية داخل سريلانكا؛ حيث تراجعت قيمة العملة بنسبة كبيرة، وارتفعت معدلات التضخم والبطالة والفقر بالتزامن مع تراجع أعداد السائحين القادمين إلى سريلانكا، وكذلك تراجع تحويلات السريلانكيين العاملين في الخارج. كما تقلصت احتياطيات سريلانكا من العملات الأجنبية؛ حيث وصلت في أواخر عام 2021 إلى 2.7 مليار دولار، ثم وصلت في بداية شهر مايو الماضي إلى 50 مليون دولار. وفي هذا الإطار، أعلنت وزارة المالية السريلانكية، في شهر أبريل الماضي، أنها ستتخلَّف عن سداد مجموع ديونها الخارجية البالغة قيمتها 51 مليار دولار، وأشارت إلى أن ذلك يشكل "حلاً أخيراً" في ظل معاناة الدولة من النقص في العملات الأجنبية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>7– توظيف واشنطن الأزمة في صراعها مع روسيا:</strong> يُلاحَظ أن الحرب الأوكرانية لم تكن غائبةً عن مشهد الأزمة السياسية في سريلانكا؛ حيث حاولت واشنطن توظيف الأزمة السريلانكية في صراعها مع روسيا؛ فقد اتهم وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن"، أثناء زيارته إلى هونج كونج يوم 10 يوليو الجاري، روسيا بالتسبُّب فيما يجري في سريلانكا، وقال: "نرى تداعيات هذا العدوان الروسي في كل مكان، قد يكون ساهم في الوضع في سريلانكا، نشعر بالقلق إزاء انعكاساته في أنحاء العالم".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>8– محاولات الهند استعادة الاستقرار داخل سريلانكا:</strong> سارعت الهند، التي تنظر إلى سريلانكا باعتبارها إحدى مناطق نفوذها الحيوي، إلى إصدار بيان من خلال وزارة خارجيتها، يوم 10 يوليو الجاري، قالت فيه إنها "تقف بجانب شعب سريلانكا في سعيه إلى تحقيق تطلعاته في الازدهار والتقدم من خلال الوسائل والقيم الديمقراطية والمؤسسات الراسخة والإطار الدستوري". وأضاف البيان: "الهند هي الجار الأقرب لسريلانكا، ويشترك بلدانا في روابط حضارية عميقة".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ولا يمكن إغفال أن اهتمام الهند بما يجري داخل سريلانكا ومحاولاتها استعادة الاستقرار سريعاً هناك، ناتج عن اعتبارات رئيسية، قد يكون أهمها تخوف نيوديلهي من الارتدادات الإقليمية للاضطرابات في سريلانكا، واحتمالية انتقال عدم الاستقرار إلى دول الجوار، علاوة على التخوف من أن تُشكِّل الحالة السريلانكية نموذجاً يمكن استلهامه في الهند وغيرها من الدول، وخصوصاً أن الهند هي الأخرى تعاني من مشكلات اقتصادية. وفي سياق متصل، ترتبط تحركات الهند تجاه سريلانكا بحسابات التنافس مع الصين؛ فبكين عملت على تطوير حضورها في سريلانكا خلال السنوات الماضية، ولا سيما عبر ما يمكن وصفها بـ"دبلوماسية فخ الديون" المتضمنة تقديم قروض للحكومة السريلانكية، وهو ما يمنح بكين بعض النفوذ السياسي والاقتصادي في سريلانكا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">الدور الخارجي</span></strong></p>



<p><strong>ختاماً.. بالرغم من الدور الذي لعبته استقالة الرئيس السريلانكي ورئيس الوزراء في تهدئة الأوضاع، ولو نسبياً، فإن الأزمة الداخلية لا تزال قائمةً في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية، وهو الأمر الذي يتطلَّب بعض التدخلات من الأطراف الدولية المختلفة؛ فالولايات المتحدة طالبت، يوم 10 يوليو الجاري، الحكومة السريلانكية الجديدة بضرورة أن "تعمل سريعاً من أجل تحديد وتنفيذ الحلول التي من شأنها توفير استقرار اقتصادي طويل الأمد، وتهدئة استياء شعب سريلانكا".</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>كما أن المؤسسات الدولية متداخلة في مشهد الأزمة الراهنة في سريلانكا؛ حيث أصدر صندوق النقد الدولي – الذي يُجري محادثات مع الحكومة السريلانكية بشأن خطة لإنقاذ الاقتصاد السريلانكي بقيمة ثلاثة مليارات دولار – بياناً يوم 10 يوليو الجاري، قال فيه إنه "يراقب الوضع عن كثب". وذكر بيان للبنك الدولي، في اليوم ذاته: "نأمل التوصل إلى حل للوضع الحالي يسمح باستئناف حوارنا بشأن برنامج يدعمه صندوق النقد الدولي"، وأضاف أنه "يشعر بقلق عميق إزاء تأثير الأزمة الاقتصادية على الناس".</strong></p>

      

لماذا تصاعدت الاضطرابات السياسية داخل سريلانكا؟