ياسمين أيمن

تتباين الآراء المرتبطة بمساعي إدارة "بايدن" لإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والتي تجاوزت 400 يوم وتسبب في مقتل ما يتجاوز 40 ألفاً من المدنيين الفلسطينيين، وهو أمر يمكن لمسه في تصريحات كبار المسؤولين الأمريكيين، وعلى رأسهم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي صرَّح مؤخراً بأن إسرائيل حققت أهدافها داخل غزة، وأن عليها إنهاء هذه الحرب. فيما هناك تصريحات أخرى تؤكد استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل. ومع فوز "ترامب" فإن الفترة المتبقية لبايدن في البيت الأبيض توصف بأنها "البطة العرجاء"، وهي الفترة الزمنية القصيرة التي تسبق تركه البيت الأبيض في 20 يناير 2025. إذ تتضاءل فيها قدرة الرئيس على إجراء تغييرات جذرية في ملفات السياسة الأمريكية المختلفة سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. دوافع "بايدن"هناك مجموعة من الدوافع التي قد تمثل عوامل محفزة لـ"بايدن" لتغيير الوضع القائم في غزة خلال أيامه الأخيرة بالبيت الأبيض، من أبرزها ما يلي:1- إضافة إنجاز لإرث "بايدن" التاريخي: إن خروج "بايدن" من البيت الأبيض لا يعني خروجه من الرئاسة الأمريكية فقط، ولكنها ستكون فترة انتهاء نشاطه السياسي الذي امتد على مدار أكثر من 50 عاماً، حينما انتخب لعضوية مجلس الشيوخ، وعمل كنائب للرئيس الأسبق باراك أوباما، ولذلك ربما قد يرغب "بايدن" في تبييض صفحته السياسية وإرثه السياسي الذي سيظل يتضمن انتقادات بمساعدة إسرائيل على ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان داخل قطاع غزة، بسبب الدعم العسكري والدبلوماسي الممتد لها، وعدم تدخله لوقف الحرب. وهو ما أشارت إليه المسؤولة المستقيلة من وزارة الخارجية الأمريكية في مارس 2024، أنيل شيلين، التي أعربت عن رفضها للسياسة الأمريكية المتبعة تجاه تل أبيب داخل قطاع غزة.2- تبييض ماء وجه الإدارة الديمقراطية: قد تسعى الإدارة الديمقراطية الراهنة لتحقيق أي نجاح يُكتب في سجل نجاحاتها في ملف السياسة الخارجية، خاصة أنها أخفقت في مختلف الملفات المرتبطة بالسياسة الخارجية، وعكست ملامح ضعف الولايات المتحدة الأمريكية في لعب دور فاعل في الصراعات داخل منطقة الشرق الأوسط، فيما عدا ما يتعلق بحماية إسرائيل، ولذلك قد تسعى الإدارة للضغط على حكومة بنيامين نتنياهو لوقف الحرب على قطاع غزة، والتوصل لصفقة للإفراج عن بقية الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس.3- حرمان "ترامب" من تحقيق نصر على "بايدن": من المعروف أن الرئيس المنتخب "دونالد ترامب" يرغب في إنهاء الحرب سريعاً حتى قبل دخوله للبيت الأبيض، بيد أنه لم يكشف عن الآلية التي يمكنه من خلالها تحقيق ذلك، ولكن هناك توقعات كبيرة بقدرته على تحقيق ذلك الهدف، وهو أمر قد يكون محفزاً لإدارة "بايدن" للتدخل بقوة وإنهاء هذه الحرب التي ستمثل ميزة إضافية لـ"ترامب" في حال نجح في إنهائها فور عودته للمكتب البيضاوي مطلع يناير 2024.فرص التغييرهناك مسارات محتملة يمكن لإدارة الرئيس جو بايدن اتباعها في الوقت الراهن لتغيير مسار الحرب في غزة، أو بمعنى أدق إنهاء الحرب، والتوصل لصفقة لعودة الأسرى المحتجزين لدى حماس، ويمكن توضيح هذه المسارات فيما يلي:1- زيادة الضغط لإدخال المساعدات الإنسانية: من الممكن الاقتصار في الوقت الراهن على مسألة إدخال المزيد من المساعدات الإنسانية؛ حيث تضغط الإدارة الأمريكية على إسرائيل للسماح بإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة، بحيث يصل عدد الشاحنات التي يتم السماح لها بالدخول إلى قطاع غزة إلى 360 شاحنة يومياً، وإلا سيتم وقف المساعدات العسكرية إلى إسرائيل، خاصة أن الأمم المتحدة تحذر من تدهور الأوضاع بشكل أكبر، وزيادة مستوى المجاعة داخل القطاع. وهو ما دفع إسرائيل للسماح بزيادة عدد الشاحنات من 30 شاحنة خلال أكتوبر 2024 إلى ما يصل إلى 150 شاحنة. علماً أن هذا العدد لا يصل إلى الحد المطلوب لتلبية احتياجات السكان الذين يصل عددهم إلى ما يزيد على مليوني فرد، والذين يعانون من الهجمات الإسرائيلية المستمرة على شمال ووسط قطاع غزة، وصعوبة في الوصول للموارد الغذائية بسبب عدم وجود مؤسسات أو قوات مسؤولة عن توزيع تلك المساعدات.2- مماطلة إسرائيل لحين بدء ولاية الرئيس "ترامب": حتى لو قامت واشنطن بالضغط على تل أبيب، وأوقفت تدفق المساعدات العسكرية إلى إسرائيل، فمن غير المتوقع أن يسهم ذلك في إنهاء الحرب الدائرة على قطاع غزة في الوقت الرهن، بالرغم من تكبد إسرائيل عشرات المليارات من الدولارات في شكل خسائر في الميزانية؛ حيث من المتوقع أن تماطل إسرائيل لحين وصول الرئيس المنتخب الجديد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، خاصة أنه من المتوقع أن يتبع سياسات أقل تشدداً تجاه إسرائيل بشأن حقوق الإنسان والمساعدات، كما أنه سيسعى لإنهاء الحرب، ولكن بما سيصب في صالح إسرائيل في جميع الحالات، فلن تكون إسرائيل حينها مضطرة لتقديم تنازلات كبيرة لقبول أي صفقة للتفاوض.3- احتمالية نجاح "بايدن" في وقف الحرب: هناك بعض التوقعات التي تشير إلى أن إيقاف المساعدات العسكرية المرسلة إلى إسرائيل سيؤثر سلباً على مسار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وقد يمنح ذلك الفرصة لوقف إطلاق النار حتى ولو بشكل مؤقت لحين إقرار صفقة تبادل للأسرى، وللاتفاق على أسلوب إدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب. علماً أن مساعي إسرائيل في الوقت الراهن لضم الضفة الغربية لتكون تحت إدارتها، وبناء المستوطنات بها، يؤكد أن إسرائيل لا تملك أي نية لوقف هذه الحرب، خاصة أنها تحقق مكاسب على مستويات عدة، وفي تصورها أن استمرار الحرب سيزهق روح القضية الفلسطينية إلى الأبد. ولكن توجه واشنطن لوقف الدعم العسكري لإسرائيل، سيشجع الدول الغربية التي ترسل المساعدات العسكرية لإسرائيل على غرار كندا والمملكة المتحدة على وقف إرسال الأسلحة أيضاً، بما سيضع إسرائيل في مأزق، ويدفعها لإنهاء الحرب على قطاع غزة، لأنها لن تكون قادرة على فتح حرب على جبهتين في لبنان وفلسطين دون وجود مساعدات عسكرية لها.4- الدفع باتجاه خفض مستوى العمليات العسكرية: يمكن لإدارة بايدن أن تبطئ من مستوى الحرب الدائرة داخل قطاع غزة، وتقليل معدلات المجازر الدائرة داخل القطاع، وسيكون ذلك عن طريق خفض مستوى الدعم العسكري المقدم، وتغيير طبيعة الشحنات العسكرية المرسلة، وبذلك ستثبت أمام الرأي العالمي قدرة واشنطن على التأثير على قرارات إسرائيل. علماً بأنه بعد لقاء تم بين الرئيس بايدن ونظيره الإسرائيلي إسحاق هرتسوج في البيت الأبيض، أعلنت واشنطن أنه "لن يكون هناك تغيير في المساعدات العسكرية لإسرائيل، حتى مع فشلها في تنفيذ الخطوات التي طلبتها واشنطن".أمل ضعيفختاماً، يمكن القول إن هناك صعوبة في ظل قراءة مؤشرات الوضع الراهن، بترجيح احتمالية حدوث تغيير في الوضع القائم، أو إنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لا سيَّما أن "بايدن" ينظر إلى دعمه لإسرائيل باعتباره نابعاً من قناعاته وليس من معطيات ومتطلبات الوقت الراهن التي توجه السياسة الأمريكية في اتجاهات معينة، حيث إنه طالما صنَّف نفسه بأنه "صهيوني بامتياز"، وبأنه داعم قوي لإسرائيل طوال رحلته المهنية. وبالتالي، وفي ظل مراجعة دقيقة لخطوات "بايدن" كرئيس على مدار الأربعة أعوام الماضية، يمكن التنبؤ بأنه لن يتبنى خطوات جريئة خلال فترة "البطة العرجاء"، وهو ما يعني استمرار الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة لعدة أشهر أخرى.

فرص تغيير "بايدن" مسار الحرب الإسرائيلية في غزة