عقد إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية، حلقة جديدة من سلسلة "ركن المؤلف"؛ لمناقشة كتاب "التصورات الآسيوية لأمن الخليج"؛ وذلك بحضور د. جوناثان فولتون أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد أبوظبي والزميل الأول غير المقيم في "أتلانتك كاونسل" بالولايات المتحدة، وكذلك د. لي تشين سيم أستاذة العلوم السياسية في جامعة خليفة أبوظبي والباحثة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط بواشنطن.

العامل الصيني

لفت المتحدثان إلى العلاقة بين دول الخليج العربي والصين، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1- تصاعُد أهمية "العامل الصيني" في السياسات العالمية: ذكر المتحدثان أن عدة دول ساوَرها القلقُ إزاء وجود إشارات إلى أنه بعد 15 عاماً من السياسات الأمريكية حيال المنطقة، لن يبقى الوضع كما هو، وأن الموقف الأمريكي قد يتغير، وهو ما جعل العنصر الآسيوي أكثر جذباً للاهتمام من وجهة نظر المؤلفَين؛ إذ إن الدول التي تناولها الكتاب – مثل الهند، وسنغافورة، واليابان، وكوريا الجنوبية – دول حليفة وشريكة للولايات المتحدة، وعقدت مقاربتها تجاه المنطقة بالتعاون معها، إلا الصين التي تبرز منافساً استراتيجياً رئيسياً للولايات المتحدة ضمن تلك القوة الآسيوية الصاعدة.

2- صعوبة الفصل بين الاقتصاد والأمن بالتعاون مع بكين: إن دول الخليج العربي بالطبع تبدو – وفق المتحدثين – مذبذبة بين أطراف التنافس الاستراتيجي؛ فخلال فعالية "ملتقى أبوظبي الاستراتيجي" في نوفمبر، قال الدكتور أنور بن محمد قرقاش المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، ضمن كلمته: "لدينا علاقة أساسية مع الولايات المتحدة، وهي أهم علاقة ثنائية، ولكن في الوقت ذاته تهمنا الصين للغاية، ولا يعجبنا أن يُطْلَب منا الاختيار بين الصين والولايات المتحدة، ولا ألا نقدر على العمل مع كلتَيهما". إن قرقاش يقصد أن الإمارات – شأنها شأن معظم دول الخليج – باستطاعتها الفصل بين الأمن القومي والأمن الاقتصادي، لكن هذا الفصل لم يعد أحد في الولايات المتحدة يؤمن بإمكانيته. فبحسب المتحدثين كذلك فإن "صناع السياسة الأمريكيين، يعتقدون عكس ذلك تماماً؛ فهم يرون أن الأمن القومي والاقتصادي شيء واحد، ومن ثم لا يمكن تقسيمهما. ومن ثم فإنهم يرون أن التعاون مع الصين بمجال البنى التحتية الحيوية أو التقنيات الحساسة له تداعيات على المجال الأمني".

3- مطالبة واشنطن بعدم تعميق علاقات الخليج مع الصين: أوضح المتحدثان أن رسالة الولايات المتحدة واضحة دائماً، ومفادها أن "زيادة التعاون مع الصين تُضْعِف العلاقة مع واشنطن"، وهو ما لا ترغب دول المنطقة في سماعه، وهو ما دلَّل عليه فولتون بما خرج به من جولاته عبر الكثير من بلدان المنطقة في الأشهر الماضية، التي حضر فيها فعاليات تحدث مع المشاركين فيها من إسرائيل ومصر وقطر والسعودية والبحرين؛ حيث قالوا إن الولايات المتحدة تعتبر الصين تهديداً، لكنهم لم يتوصلوا إلى التقييم نفسه ولا يتفقون، معتقدين أن محاولات الولايات المتحدة لإقناعهم غير مجدية، بل أغلبها قائمة على الافتراضات.

4- تراجع الالتزام الأمريكي بأمن الشرق الأوسط: خضعت منطقة الشرق الأوسط، منذ عاصفة الصحراء – وفق المتحدثين– للهيمنة والتفوق الأمريكيَّين. أما قبلها فلم تكن الولايات المتحدة سوى عنصر موازنة خارجي، ولم تكن ذات حضور فعلي كبير. ولكن عقب الغزو العراقي للكويت، عُقدِت اتفاقات تعاون دفاعية بين واشنطن وأربع دول خليجية، واتفاقية لتعزيز الوصول إلى المنشآت مع سلطنة عمان، وشهدت المنطقة مزيداً من أوجه التعاون مع السعودية؛ ما جعل الولايات المتحدة عامل موازنة أكثر فاعليةً في الإقليم الذي وُجِّه نحو الهيمنة أو التفوق الأمريكي. أما الآن فقد بدأت الولايات المتحدة تشير بكل وضوح إلى عدم رغبتها في الاحتفاظ بذلك الدور. وبحسب المتحدثين عملت واشنطن مع إيران ولم تُشرِك الدول الخليجية أو العربية في مفاوضات الاتفاق النووي، ثم كان الإعلان عن سياسة التوجه إلى آسيا (pivot to asia)، وكل ذلك دعا اللاعبين في المنطقة إلى الاعتقاد بأن الالتزام الأمريكي قد بدأ يتراجع.

أما إدارة ترامب فقد انتهجت نهجاً في التعامل مع الحلفاء والشركاء يرتكز على تحقيق المنفعة. تجلى ذلك في أكثر من مناسبة؛ أبرزها تعليق الرئيس الأمريكي السابق على استهداف منشآت شركة "أرامكو" السعودية؛ حين قال إنه كان هجوماً على السعوديين لا على الأمريكيين، وإن من يطلب مزيداً من الحماية فعليه دفع ثمنها، ثم تصريحه بالالتزام بـ"جعل أمريكا عظيمة مجدداً"، وتأميم الكثير من الصناعات، والتركيز على تطوير القدرات الأمريكية وتحقيق الاكتفاء الذاتي بقطاع الطاقة؛ ومن ثم بات واضحاً جداً أن إدارة ترامب لم تعد مهتمة بالاحتفاظ بالدور الأمني خارج حدودها. وتحت قيادة بايدن، كان من الممكن القول إن ذلك قد تغير، إلا أنه في الفترة الأولى من رئاسته، ركَّز بشكل كبير على التعاون مع الدول من خلال تبني قيم ديمقراطية مشتركة، وهو ما جعل من الصعب على الكثير من الحلفاء والشركاء في الشرق الأوسط التعاون مع واشنطن.

5- تفضيل بعض دول المنطقة النموذج التعاوني الصيني: أوضح المتحدثان أنه حين طرحت الصين مبادرة الحزام والطريق في 2013، صار هناك بديل، وما يجعل ذلك البديل جاذباً للدول الأخرى هو أن الصين لا تُملِي عليها فعل شيء، وتؤكد احترامها السيادة، وثقتها بحكمة قرارات، وأنك تبنيها على مصالحك، ولا ترسم لك توقعات. هذا خلق قوة محركة جديدة؛ فالآن الولايات المتحدة صار لديها منافس في ذلك الصدد. وكثير من الدول تقدر ما تقدمه الصين، حتى إن كانت لاعباً جديداً في المنطقة. وهذه حقيقة يرى المتحدثان أنها يُساء فهمها أو لا تُفْهم بشكل كامل. تلك هي الجزئية التي تتشدد فيها الولايات المتحدة مع حلفائها، فتقول لهم إنهم لا يدركون ما يفعلون مع الصين. وقد يكون ذلك صائباً بالنظر إلى البلدان الأقرب للصين التي تجمعها معها تجارب إيجابية وسلبية، مثل اليابان والهند وكوريا. إن التحدث إلى من هم في جنوب شرق آسيا يوصل الصورة كاملة.

التوجُّه شرقاً

أوضح المتحدثان أن الولايات المتحدة باتت أقل اهتماماً بمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي لصالح مناطق أخرى، وذلك على النحو التالي:

1- صعود الاهتمام الأمريكي بمنطقة الهندوباسيفيك: وفق المتحدثين، كان العامل المشترك بين الإدارات الأمريكية السابق ذكرها، وضع منطقة الهندوباسيفيك أولويةً. ومن الواضح أن ثمة عدداً من الأسباب لذلك؛ منها ما تحمله آسيا من فرص اقتصادية هائلة، والشعور الأمريكي بالإرهاق من الشرق الأوسط؛ حيث يرى الناس أن عقوداً من الانخراط في المنطقة لم تحقق للولايات المتحدة ما كانت تصبو إليه، فسيطرت، من ثم، حالة من الإحباط على الجانبين، لكن هناك تناقض في هذه الرؤى؛ حيث يقول الناس: "الأمريكيون تركونا، ولقد سَئِمنا منهم"، وفي الوقت نفسه يقولون لهم: "لا تتركونا وترحلوا".

2- تحول الهندوباسيفيك إلى ساحة تنافس بين واشنطن وبكين: بحسب المتحدثين، فإن الأهم من تلك الفرص الاقتصادية التي يمنحها الهندوباسيفيك هو العنصر الصيني؛ حيث قررت الولايات المتحدة أن التنافس الاستراتيجي هو السياسة الدفاعية الجديدة من الآن فصاعداً؛ فقد حددت أمريكا الصين منافساً لها؛ فلو كان من شيء واحد تعلمته أمريكا من الكارثة في أوكرانيا فهو أن روسيا ليست التهديد الذي تصورته قبل نحو عام، وأنه ربما ينطبق الأمر نفسه على الصين أيضاً، لكن بوجه عام، يُنظر إلى الصين باعتبارها منافساً اقتصادياً وتكنولوجياً، بل أيديولوجياً كذلك.

3- قلق بعض الدول الآسيوية من النفوذ الصيني المتصاعد: بحسب المتحدثين، فإن كوريا واليابان والهند وسنغافورة – وهي دول حليفة وشريكة للولايات المتحدة – تميل إلى العمل وفق الشكل المعتاد؛ فجميعها لديها مشكلات مع الصين، وقلقة من النهج التجاري الصيني إزاء السياسة الدولية، وتخشى ألا يكون لدى الصين التزام بقواعد النظام العالمي، أو أن تكون بكين تسعى للحصول على ما تريد، مستغلةً ثقلها الاقتصادي. ففي قمة آسيوية عُقِدت في 2010، توحدت الدول الآسيوية فيما بينها في المفاوضات مع الصين، فشعر وزير الخارجية الصيني آنذاك بالاستياء، فخاطبهم بقوله: "أنتم دول صغيرة، ونحن دولة كبيرة".

4- وجود تنافس آسيوي ديناميكي يؤثر على أمن الدول: ذكر أحد المتحدثين أن الكتاب يبُرِز قضية أخرى، هي تأثير المنافسات الآسيوية التي يرى البعض أنها تختلف عن منافسات الغرب؛ وذلك من حيث إن آسيا ليس لديها تاريخ من الحروب وأعمال التوسع، ومن حيث إن القرن في آسيا يمر بسلام بعكس نظيره في أوروبا، إلا أن نظرة سطحية للسنوات الثماني الماضية تبرز أن كثيراً من التنافسات الآسيوية لم تظهر للعلن؛ حين لم تكن ثمة حرب باردة ولا هيمنة أمريكية؛ وذلك على خلاف ما حدث حين اعتمد ترامب النهج النفعي إزاء التحالفات الآسيوية؛ فما إن توعد بتوجيه ضربة استباقية لكوريا الشمالية، حتى تم إطلاق الصواريخ على اليابان وكوريا الجنوبية، وكان رد فعل ترامب كأنه يقول: "لقد وجهت بإجلاء الأمريكيين". إن المشكلة الأولى في ذلك هي أن هيكل الأمن بشمال شرق آسيا يرتكز على التحالف مع الولايات المتحدة؛ فإذا تنحى هذا العامل بعيداً فستُعادِي اليابان وكوريا الشمالية كلٌّ منهما الأخرى بصورة لم تعهدها منذ أن استعمرت طوكيو الكوريتين. في الحقيقة فإن في آسيا تنافسات مثل تلك التي بين الهند وباكستان. إن الاعتقاد بأن هيكلة الأمن الآسيوي سيدعم المنطقة، فكرة غير مكتملة على الأرجح؛ فالأمن الآسيوي يتسم بدرجة كبيرة من عدم المؤسسية؛ ما قد يُعقِّد الأمور للخليج.

علاقات متبادلة

ركزت الحلقة النقاشية على نماذج بعض الدول الآسيوية في تعاطيها مع دول الخليج العربي إلى جانب قوى إقليمية أخرى، وتلك الدول هي: اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة، وذلك على النحو التالي:

1- علاقات وثيقة بين كوريا الجنوبية وإيران: ذكر المتحدثان أنه في حالة كوريا الجنوبية، برزت إيران باعتبارها جزءاً مهماً في قرار سيول إزاء نشر أمريكا وحدة بحرية في الخليج؛ وذلك لأن كوريا الجنوبية وإيران تربطهما علاقات وثيقة جداً؛ حيث كانت سيول تستورد من طهران الكثير من النفط والصلب الإيراني الذي يتميز بالسعر المنخفض والجودة العالية والذي يقوم عليه قدر كبير جداً من الصناعة الكورية، بما في ذلك البناء وبناء السفن، إلا أن كوريا – التي تحتل إيران مكانة كبيرة لديها – تحتاج إلى تكثيف دوريات مكافحة القرصنة، وإذا نفذتها بالتعاون مع الولايات المتحدة، يمكن أن يُنظر إليها على أنها موالية لواشنطن، فتتعرَّض العلاقات مع إيران للخطر، وهو ما مثَّل أحد الشواغل الكبرى لدى كوريا الجنوبية التي ثار فيها قلق داخلي مرجعه إلى أن الأمر لم يكن الأمر يتعلق بإيران فقط؛ إذ إن كوريا الشمالية وإيران متفاهمتان ومتفقتان بشأن كثير من القضايا.

2- تعزيز كوريا الجنوبية التعاون الدفاعي في الخليج: وفق المتحدثين، فإن كوريا، من بين البلدان الثلاثة، ربما يكون لديها الفرص الكبرى للتنويع بعض الشيء فيما يتعلق بالعلاقات القائمة على الأمن، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن كوريا لديها القليل من المشاركة الأوسع مع الخليج؛ ليس فقط في مجال الطاقة، بل أيضاً في مجالات مثل الدفاع. حيث أنشأت كوريا وحدة خاصة للتدريب على مكافحة الإرهاب في الخليج، كما وقعت اتفاقيات لبيع صواريخ متوسطة المدى للإمارات العربية المتحدة. وقد خططت كوريا لتسويق طاقة نووية مدنية مع الإمارات العربية المتحدة؛ لذلك فهذا الأمر يعتبر مشاركة على نطاق أوسع. وتتمتع كوريا أيضاً بالكثير من فرص بناء السفن مع الإمارات وقطر؛ حيث ترغب كلتاهما في توسيع أسطولهما من النفط والغاز الطبيعي المسال؛ حتى يتسنى لهما التمتع بأمن أفضل فيما يتعلق بنقل الهيدروكربونات. ولدى كوريا الكثير من الشركات الهندسية التي تقوم بالكثير من أعمال البناء، ولديها أيضاً الكثير من هذه الفرص الإضافية، وكذلك لديها فرص في المسائل الدفاعية.

3- ترقُّب ياباني لتعزيز كوريا الجنوبية تعاونَها الدولي: أوضح المتحدثان أن المسؤولين في اليابان مهتمون كثيراً بما تفعله كوريا، لا سيما في الخليج العربي. ولا يجب أن نستغرب ذلك؛ لأنه مؤخراً قامت كوريا بالتعاون بشكل غير رسمي مع إسرائيل والإمارات وسنغافورة، وعقدت العديد من الجلسات الدبلوماسية غير الرسمية، ولقاءات مع رجال الأعمال من الدول الأربعة؛ حيث بحثت هذه الدول كيفية تعزيز التعاون بينها؛ علمًا بأن بينها الكثير من الأمور المشتركة، مثل القطاع التكنولوجي المتطور، وفكرة أنها دول صغيرة إلى حد ما.

4- توظيف اليابان نفط المنطقة في مواجهة التحدي الصيني: وفيما يتعلق باليابان، برز دور هام للولايات المتحدة أيضاً بسبب التحالف بينهما وكذلك لإيران؛ لأن إيران واليابان لديهما تاريخ من التعاون، خاصةً في النصف الثاني من القرن العشرين، من حيث واردات النفط. وتستخدم اليابان واردات النفط من إيران؛ لأنها أرادت أن تتمتع باكتفاء ذاتي أكبر. جدير بالذكر أن عامل الصين كان مهماً إلى حد ما بالنسبة لليابان؛ لأسباب تاريخية واضحة أيضاً، ولكن أيضاً لأن اليابان بدأت في التأثير بشكل أكبر على إمدادات النفط في الشرق الأوسط. وقد أصبحت الصين في منتصف التسعينيات من القرن الماضي مستورداً للنفط بشكل كامل؛ حيث كانت قبل ذلك تتمتع بالاكتفاء الذاتي نسبياً، ولكن بعد منتصف التسعينيات، بدأت تتنافس مع أصدقائها الآسيويين ومع بقية الدول على نفط الشرق الأوسط، فبدأت اليابان – التي لطالما كانت تستورد الكثير من النفط والغاز من الشرق الأوسط – تشعر بأن الصين يمكن أن تجتذب إمداداتها إليها، بعيداً عن اليابان، ومن ثم فإن ذلك سيكون بمنزلة مثار قلق لأمن الطاقة لليابان؛ لذلك ردت اليابان على ذلك بطرح منشآتها لنفط الشرق الأوسط، وهي المرافق الموجودة في أوكيناوا ومقاطعتين أخريين؛ حيث تخزن النفط من شركة أرامكو، ومن أبوظبي، ومن الكويت؛ لذلك كانت هذه إحدى طرق مواجهة التحدي الصيني المتعلق بإمدادات النفط.

5- فرص في الطاقة المتجددة بين الخليج واليابان: بحسب المتحدثين، فإنه ليس لليابان حضور مثير للإعجاب خارج قطاع الطاقة، ويرجع ذلك إلى أن اليابان لديها تخوف يتعلق بالطاقة المتجددة. وتقوم اليابان بالكثير، لكن ليس في مجال الهندسة والمشتريات والتوريدات؛ حيث إن التمويل لديها منخفض؛ لذا فهي تلعب في الصفوف الخلفية، ولكنها تلعب أدواراً رئيسية جداً في تمويل مشاريع الطاقة المتجددة في الخليج؛ لذلك لا أرى شيئاً يتعلق بمجال الدفاع سيحدث في المستقبل القريب؛ لأن اليابان مقيدة بدستورها السلمي الخاص بها، والقيود المفروضة على قوات الدفاع عن النفس في الخارج، ولدينا فرص فيما يتعلق بالطاقة المتجددة، خارج إطار النفط والغاز.

6- اهتمام سنغافورة بالخليج لتأمين إمدادات النفط: وفق المتحدثين، فإن الأمر في حالة سنغافورة، كان يتسم بكونه حساساً للغاية بالنسبة إلى التطرف الذي كان يحدث في الشرق الأوسط في بداية القرن الحادي والعشرين؛ لأن سنغافورة وآسيا كانت لديهما مشكلاتهما الخاصة مع التطرف؛ لذا شعرت سنغافورة أنه يتعين عليها الانخراط في شؤون الخليج؛ وذلك لحماية طرق إمدادات النفط الخاصة بها؛ فهي لديها مركز لتكرير النفط وإعادة تصديره، ومن ثم شاركت الولايات المتحدة في دوريات لمكافحة القرصنة. في قرار سنغافورة بالانخراط بشكل أكبر مع الخليج، كانت الصين عاملاً كبيراً؛ لأن الصين ظلت لفترة طويلة تنظر إلى سنغافورة على أنها أغلبية صينية، كما لو كانت ينبغي أن تكون جزءاً تابعاً للصين؛ لأن 70% من سكانها من أصل صيني؛ لذا يجب أن تعكس الثقافة الصينية والسياسة الخارجية الصينية، لكن الحكومة السنغافورية كانت تفرق دائماً بين السنغافوريين من أصل صيني والسنغافوريين من غير أصل صيني، وتنظر إليهما على أنهما مختلفان تماماً؛ لذا شعرت الصين بالانزعاج الشديد عندما انضمت سنغافورة إلى فرقة العمل الأمريكية لمكافحة الإرهاب وتسيير دوريات في مياه الخليج، لكن سنغافورة سلكت طريقها الخاص. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن سنغافورة كانت معتادة لعقود عديدة على التعامل بتوازن بين المطالب الصينية والمطالب الأمريكية.

تقييم الأمن

ركزت الحلقة النقاشية على تقييم الأمن في الخليج العربي في إطار التفاعلات الآسيوية المختلفة، وذلك على النحو التالي:

1- عدم قلق الدول الآسيوية من الأمن في الخليج العربي: بحسب المتحدثين، فإن هناك سؤالاً مهماً حول إذا ما كان الخليج يشكل قضية محورية في السياسات الخارجية لهذه البلدان الثلاثة؟ هل الخليج يمثل قضية رئيسية؟ وهل يحلمون بأمن الخليج أو عندما يأتي يوم ينعدم فيه الأمن، خاصةً أنها تستورد أكثر من 70% من منتجاتها النفطية والبترولية من الخليج. الحالات الثلاث توضح تماماً أنه على الرغم من أن الهيدروكربونات الخليجية أساسية لهذه الاقتصادات الثلاثة، فإن الوضع الأمني الخليجي لا يمثل تحدياً للسياسة الخارجية؛ فهو ليس مصدر قلق للسياسة الخارجية للعديد من الأسباب؛ فالولايات المتحدة موجودة هناك، وربما تعيد نشر أعداد من قواتها، ومن الواضح أنه كانت هناك مخاوف، لكن يبدو أنهم يفكرون في أن الولايات المتحدة موجودة هناك.

هذه الدول الثلاث أيضاً ظلت معتادة بشكل كبير على التجارة مع الخليج لعقود عديدة، وأنه لبعض هذه الأسباب، بما في ذلك التخزين الاستراتيجي للنفط، كان الخليج يُعتمد عليه بشكل كبير، وكما تعلمون، لم تفسخ قطر أياً من هذه العقود على الرغم من الأزمة القطرية؛ لذلك تلعب دول الخليج العربي عموماً دوراً مركزياً بالنسبة إلى آسيا أو بالنسبة إلى هذه البلدان الآسيوية الثلاثة، ولكن ليس لديها كوابيس حول الوضع الأمني للخليج، لكن لديها كوابيس حول أمور ذات اعتبارات محلية. وكما تعلمون فإن العلاقات ليست على ما يرام بين الهند وباكستان، ولا بين اليابان وكوريا، ولا بين اليابان والصين، ولا بين سنغافورة وماليزيا؛ لذا فإن المخاوف تتعلق أكثر بالجيران وليس بالخليج.

2- صعوبة استمرار سياسة "صفر أعداء" الصينية: ذكر المتحدثان أنه بخصوص سياسة "صفر أعداء" التي تتبناها الصين، فإن السؤال الأهم: هل يمكن للصين الاستمرار في هذه السياسة إلى الأبد؟ هل تستطيع الصين أن تكون صديقة لكل الدول؟ لا أرى مانعاً من ذلك. إن مصالح الصين في الشرق الأوسط تتمركز حول الاقتصاد. أما مصالحها الرئيسية فداخلية في الأساس؛ فهناك ضغوطات هائلة في الداخل وضغوطات إقليمية أيضاً في بحر الصين الجنوبي والدول المجاورة لها. هذه هي الأشياء المهمة حقاً بالنسبة إلى الصين. أما الخليج فمكان لها للقيام بأنشطة اقتصادية والحصول على أموال. لا ينطبق الأمر نفسه على الولايات المتحدة التي ترى أن الخليج له أهمية استراتيجية؛ فهي تتبنى سياسة موازنة القوة في الخليج بحيث تختار أطرافاً لتكون حليفتهم ضد أطراف أخرى، في حين أن الصين تقول: "لم نمر بالتجارب السيئة التي مررتم بها (الولايات المتحدة). لم يأخذنا أحد رهائن في طهران.. لا تتوقعوا أن نتفق مع آرائكم".

3- تفضيل الصين الاستثمار في الخليج العربي مقارنةً بإيران: بحسب المتحدثين، فإن هناك دولة واحدة فقط هي التي لديها سلطة على الحكومة الإيرانية، وهي الصين. فروسيا فلم تعد مفيدة في هذا السياق. أما الصين فهي شريان اقتصادي مهم لطهران، وكل عام تأتي في صدارة الشركاء الاقتصاديين لها؛ فهم الشريك الوحيد الذي يمكنهم الاعتماد عليه. لكن بالنسبة إلى الصين، عندما ننظر إلى ما تقوم به مع إيران وما تقوم به هنا في الخليج، سنجد أنه لا وجه مقارنة. فهنا في الإمارات يوجد نحو 400 ألف صيني. أما في إيران فقد يكون هناك شخصان.. حجم التبادل التجاري بين دول الخليج والصين يبلغ نحو 200 مليار دولار. أما مع إيران فلا يتجاوز 10 مليارات دولار؛ لذا فإن الصين ترى الخليج مكاناً يمكنها الاستثمار فيه وإنشاء شركات خاصة، بينما لا تعتقد كذلك في إيران؛ فهي تخشى من الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس في تحديد أنشطتها الاقتصادية، وترى بشكل عام أنها بيئة غير مشجعة لها على القيام بأعمال، ولا تثق باستثمار أموالها هناك كما أنها تخشى من العقوبات الثانوية أيضاً.

4- تزايد التحوط الأمني للدول الآسيوية ضد إيران: وفق المتحدثين، فإننا نرى كيف تساهم بعض الدول الآسيوية في التحوط أمنياً ضد إيران؛ فدول الخليج تقول إنها ستستمر في العمل مع الولايات المتحدة، لكنها أيضاً اختارت عدداً من القوى خارج المنطقة، وتحاول أن تجعلها تنظر إلى المنطقة بالطريقة التي تنظر بها إلى أنفسها؛ وذلك من خلال حوافز اقتصادية وشراء الكثير من الأسلحة والقيام بالكثير من التجارة وإنشاء مناطق تجارة حرة. ويمكن القول بأن الصين والهند مثالان جيدان على البلدان التي لا تقدم لإيران الكثير من الناحية المادية؛ لأن دول الخليج العربي توفر لها مزايا أكثر بكثير.

5- صعوبة تحمُّل الصين الدور الأمني في الخليج العربي: ليس ثمة احتمال – بحسب المتحدثين – لتَشَكُّل إطار لأمن الخليج يعتمد على الصين في حالة رحيل الولايات المتحدة؛ إذ إنهم لا يظنون أن الكثير من دول الخارج سوف تكون مستعدة للتعاون مثلما فعلت في ظل الإطار الأمريكي. ولا يتضح كيف سيبدو ذلك النظام المتمحور حول الصين. لقد وضع وزير الخارجية الصيني وانج يي خطة من 5 نقاط لأمن الخليج قبل عامين، لكنها كانت باهتة؛ اعتمدت على دعم الاحترام المتبادل وتعزيز المساواة والعدالة، وحظر الانتشار النووي، وتقوية الأمن الجماعي وتسريع التعاون التنموي، دون أن تذكر شيئاً عن حماية الدول من جيرانها العدوانيين، أو تطوير القدرات والتدريب المشترك؛ فالرؤية الصينية المعتمدة على أن إيران ستتعايش بسلام مع جيرانها إذا رحلت الولايات المتحدة عن المنطقة، اعتماداً على الفرص الاقتصادية، هي رؤية غير واقعية.

وختاماً، تنظر الكثير من الدول الآسيوية إلى إيران باعتبارها مشكلة تخص الولايات المتحدة؛ فهي ليست مشكلتها حقاً؛ وذلك بالطريقة التي تنظر بها دول الخليج إلى مشكلة روسيا وتقول إن هذه مشكلة بين روسيا والولايات المتحدة أو بين روسيا وأوروبا؛ لا تهمني حقاً في حد ذاتها، وبذلك لم تفرض عقوبات عليها، باستثناء قطر والكويت اللتين تدعمان أوكرانيا بشكل كبير، وأحد الجوانب المهمة للغاية في هذا الشأن هو أن الدول الأوروبية تقدر الموقف الحيادي لدول الخليج وسط تقديرات بأنها ستُقدِّر ذلك أكثر في المستقبل؛ لأن المنافذ المتاحة لإشراك روسيا في المنتديات الدولية تتضاءل يوماً عن يوم، بينما يوفر الخليج منصة للتحدث مع المسؤولين الروس، والتحدث مع الأمريكيين، والتحدث مع الأوروبيين، وهنا يكمن الدور الهام للغاية لدول الخليج، بصرف النظر عن الطاقة. .

التصورات الآسيوية لأمن الخليج العربي (لقاء مع المؤلف)