إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        




<p><br><strong>يعيش العالم، في الوقت الراهن، في ظل تحديات جمَّة تهدد أمنه الغذائي، وحياة الملايين من البشر، وتُلقي بظلالها على دول العالم كافة بصورٍ شتى. ورغم توافر الأسباب المُحرِّكة نحو انعدام الأمن الغذائي العالمي، كالتغير المناخي، وتباطؤ النمو الاقتصادي من جراء جائحة كوفيد–</strong><strong>19</strong><strong>، وتفاقم الصراعات حول العالم، فإن الحرب الأوكرانية ساهمت في تسريع وتفاقم أزمة الغذاء العالمية، نظراً إلى دورها الواضح في الحد من إمدادات العالم من المحاصيل الأساسية كالقمح والذرة وزيت عباد الشمس، وهو ما أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وزيادة أعداد الجوعى في ظل تزايد التوترات الجيوسياسية الحالية، فلم تعد الأزمة حصراً على الدول الفقيرة فحسب، بل طالت الدول الغنية كذلك.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تهديدات متزايدة</span></strong></p>



<p><strong>ساهمت عدد من العوامل في تفاقم أزمة الغذاء عالمياً في الآونة الأخيرة، وهي ما نُسلِّط الضوء على أبرزها فيما يأتي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1</strong><strong>– تصاعد حِدَّة الصراعات المُسلَّحة: </strong>يُمثِّل الصراع المسلح واحداً من أكبر المحركات نحو انعدام الأمن الغذائي في بلدان النزاع، سواء حدث ذلك من جراء نهب الجماعات المسلحة، كما في حالة مالي ونيجيريا وجنوب الفلبين، أو نتيجةً حتميةً للتنافس بين القوى الإقليمية كما في حالة ليبيا، أو كان وليداً لحربٍ شاملة مثلما هو حاصل في أوكرانيا. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن نحو 60% من جياع العالم يعيشون في مناطق الصراع، وإن نحو 81% من 161 مليون شخص عانوا من أزمات في عام 2021 – أي 132 مليوناً – يقطنون في بلدان متأثرة بالهشاشة والصراع والعنف؛ ففي إقليم تيجراي بإثيوبيا، على سبيل المثال، ثمَّة مجاعة شديدة طالت نحو مليوني شخص، حتى باتوا يعانون من نقص حاد في الغذاء، وفق تقديرات الأمم المتحدة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>2– <strong>التأثيرات السلبية للتغيُّر المناخي: </strong>يرتبط تغير المناخ والظواهر الجوية غير المواتية ارتباطاً وثيقاً بظاهرة الجوع؛ نظراً إلى تأثيرات ذلك السلبية والمباشِرة على سلامة المحاصيل الزراعية وتوافر المياه في الأساس. تبدو تلك الظاهرة جليَّة في البلدان التي ترتفع فيها درجات الحرارة بدرجة كبيرة، وعلى وجه التحديد دول القرن الإفريقي، كالصومال الذي يعاني حالياً من أسوأ جفاف منذ 40 عاماً وسط درجات حرارة عالية غير مسبوقة. وجنوب إثيوبيا الذي شهد نفوق نحو 3 ملايين رأس من الماشية، فيما أدَّت موجة الحر التي سجَّلت رقماً قياسياً في شمال غرب الهند إلى إتلاف المحاصيل في العام الجاري، وهو ما دفع الحكومة إلى تعليق صادرات القمح في شهر مايو الجاري، فيما فرضت قيوداً على صادراتها من السكر عند 10 ملايين طن، بغية منع ارتفاع الأسعار محلياً.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3</strong><strong>– تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي بفعل جائحة كورونا: </strong>تسببت جائحة كوفيد–19 في خسائر فادحة في أنظمة الغذاء العالمية، وأثَّرت على قدرة العالم على إطعام 7.9 مليار شخص؛ ففي عام 2020 وحده، واجه ما بين 720 و811 مليوناً الجوع في العالم. ورغم بدء الاقتصادات العالمية في التعافي من تداعيات الجائحة، فإن عمليات التعافي تسير ببطء شديد، في ظل تدهور القدرة المالية للعديد من البلدان، ومن ثم تراجع إمكانية التعافي السريع في خضم التحديات السياسية والاقتصادية والدولية المحيطة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>4– <strong>التداعيات الممتدة للحرب الروسية – الأوكرانية: </strong>أدت الحرب الروسية – الأوكرانية، التي عمدت فيها روسيا إلى تسليح الغذاء وتعطيل الإمدادات العالمية من أوكرانيا عمداً، علاوة على العقوبات الاقتصادية الموقعة على روسيا التي عطَّلت الإمدادات الروسية من القمح والسلع الغذائية الأساسية؛ إلى تعريض حياة الملايين من البشر للخطر؛ إذ تلعب أوكرانيا دوراً رئيسياً في نظام الغذاء العالمي، وتمثل مع روسيا – وفق الصندوق الدولي للتنمية الزراعية – نحو 12% من السلع الغذائية والمحاصيل المتداولة في العالم.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ولعل ما يقرب من نصف واردات القمح والذرة تلك – التي تقدر بنحو 40% – تذهب إلى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، التي تعاني بالفعل من أزمة غذاء حادة. وفي إطار انعدام الأمن الغذائي المتزايد، تتوقع الأمم المتحدة أن يعاني نحو 20 مليون شخص في جميع أنحاء المنطقة من الجوع خلال العام الجاري من جراء الحرب على أوكرانيا، خاصةً مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بحدة؛ نظراً إلى ارتفاع أسعار المدخلات، بجانب ارتفاع تكاليف النقل والاضطرابات التجارية في الأسواق.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">انعكاسات مقلقة</span></strong></p>



<p><strong>أدَّت التهديدات العالمية للأمن الغذائي إلى تداعيات شديدة الخطورة على مختلف الأصعدة، نتناولها كالآتي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>1– <strong>تضخم أسعار الغذاء: </strong>يشهد العالم حالة من التضخم في أسعار الغذاء بدرجة مفزعة. بدا ذلك جلياً في تصريحات محافظ بنك إنجلترا، حين أشار إلى أن بريطانيا تواجه مستويات مروعة من تضخم أسعار الغذاء، وهو ما ربطه بدرجة كبيرة بالحرب في أوكرانيا التي أدت بدورها إلى ارتفاع تكاليف الغذاء ونقصه في البلدان الغنية والفقيرة على السواء؛ فاعتباراً من الخامس من مايو 2022، ارتفع مؤشر أسعار المحاصيل الزراعية في بريطانيا بنسبة 41% مقارنةً بشهر يناير 2021، فيما ارتفعت أسعار الذرة والقمح بنسبتَي 54% و60% على التوالي، وهو ما جعل تكلفة المعيشة في بريطانيا باهظة. ولا يقتصر ذلك على بريطانيا بالطبع، بل تواجه العديد من الدول المشكلة ذاتها وأكثر.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>2– <strong>ارتفاع مُعدَّلات الجوع عالمياً: </strong>وفق "أنطونيو جوتيريش" الأمين العام للأمم المتحدة، فإن النقص الغذائي المرتبط بالحرب في أوكرانيا، يمكن أن يدفع عشرات الملايين من الناس إلى الجوع الجماعي وسوء التغذية في أزمة قد تستمر لسنوات، خاصةً مع زيادة فرص حدوث ركود عالمي. وبحسب تقديرات برنامج الغذاء العالمي، فإن نحو 49 مليوناً يواجهون مستويات طارئة من الجوع، ونحو 811 مليوناً يواجهون المجاعة كل ليلة، فيما زاد عدد الذين هم على شفا المجاعة في منطقة الساحل الإفريقي في الوقت الحالي، عشر مرات على الأقل عما كانوا عليه في فترة ما قبل كوفيد–19.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ووفق أحدث تقرير للشبكة العالمية لمكافحة الأزمات الغذائية، فإن بلداناً مثل إثيوبيا وجنوب السودان وجنوب مدغشقر واليمن، يعاني فيهم نحو 570 ألفاً من أشد مراحل انعدام الأمن الغذائي، في ظل انهيار سبل العيش، لتبقى النتيجة الحتمية – ما لم تتسع الجهود لتقديم يد العون – المجاعة والموت.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>3– <strong>عجز الخزانة العامة نتيجةً لارتفاع الإنفاق: </strong>تتعرَّض الحكومات لضغوطات كبيرة بشأن طرق التعامل مع ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء؛ من أجل تخفيف العبء على الأسر وتوفير الأمن الغذائي وتهدئة الاضطرابات الاجتماعية؛ لذا فإن معظم الحكومات تكون مجبرة على الإعلان عن تدابير للحد من ارتفاع الأسعار المحلية، غير أن لتلك الإجراءات تكاليفها المالية الكبيرة، التي تؤدي – بالتبعية – إلى تفاقم الطلب العالمي وعدم التوافق في العرض؛ ما يفرض ضغطاً متزايداً على الأسعار الدولية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ليس ذلك فحسب، بل يُلحق الإنفاق الاجتماعي المتزايد الضرر بخزينة البلدان المنخفضة الدخل التي تتبع مثل تلك السياسات الاجتماعية، دون وضع خطط تضمن عدم تأثير تلك السياسات سلباً على الأداء الاقتصادي للدولة ككل؛ فبحسب "فيريسك مابليكروفت" استشارية المخاطر الدولية، فإن البلدان ذات الدخل المتوسط والمنخفض استنفدت العديد من احتياطاتها المالية والمادية في محاربة كوفيد، وتحمَّلت ديوناً كبيرة لتأتي الحرب الروسية الأوكرانية وتُعمِّق أزمة الغذاء بها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>4– <strong>اتساع نطاق الاضطرابات السياسية: </strong>تُعد البلدان التي تعتمد بقدر كبير على واردات الغذاء والطاقة، مثل الأرجنتين وتونس وباكستان والفلبين، من البلدان العديدة ذات الدخل المتوسط ​​أو المنخفض التي تواجه خطراً متزايداً حول تأجج الاضطرابات المدنية خلال عام 2022. ومن المُرجَّح أن تُسبِّب أزمة الغذاء عالمياً ارتفاع الاضطرابات السياسية والأزمات الإنسانية وعدم الاستقرار والمنافسات الجيواستراتيجية، وهو ما بدت مؤشراته فعلياً في عدد من البلدان، مثلما حدث في سريلانكا التي تسبب ارتفاع أسعار الغذاء والكهرباء ونقص البنزين بها في أزمة سياسية أسفرت عن استقالة رئيس الوزراء السريلانكي في التاسع من مايو الجاري.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>فيما ساهم التضخم المتفشي في باكستان في عدم قدرة الباكستانيين على تحمل تكاليف المواد الغذائية؛ ما دفعهم نحو التظاهر ضد الحكومة، حتى تمكنوا من إسقاط رئيس الوزراء الباكستاني السابق "عمران خان" في أبريل الماضي. وفي إيران كذلك، اندلعت احتجاجات عنيفة في إقليم خوزستان، في 13 مايو الجاري، بعد قرار الحكومة رفع أسعار الخبز وزيت الطهي ومنتجات الألبان. وما يزيد وضع الإيرانيين سوءاً العقوبات الأمريكية الصارمة ونظام الحكم السلطوي. ومع استمرار مستويات المعيشة في التردي، فقد تواجه إيران انفجاراً مماثلاً للانتفاضة التي أُحبِطَت في جميع أنحاء البلاد خلال عامي 2017 و2018.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>5– <strong>تزايد مشكلة لبن الأطفال</strong>: تواجه العديد من البلدان حول العالم أزمة في لبن الأطفال، ومن اللافت للانتباه أن تتربَّع الولايات المتحدة على عرش البلدان التي تكابد تلك الأزمة؛ فقد أظهرت بيانات من Datasembly أنه بين نوفمبر 2021 وأوائل أبريل 2022، قفز مُعدَّل نفاد مخزون لبن الأطفال في الولايات المتحدة قفزةً مقدارها 2–8% في النصف الأول من عام 2021 إلى 31%. وفي الأسابيع الثلاثة الأولى في شهر أبريل، زاد المعدل بنحو 9% لتصل نسبة نفاد المخزون إلى 40%، وهو ما أرجعه "بن رايش" الرئيس التنفيذي لشركة Datasembly، إلى مشكلات سلسلة التوريد، وعمليات سحب المنتجات، والتضخم التاريخي الذي تشهده الولايات المتحدة؛ الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى إرسال طائرة شحن عسكرية تابعة للجيش الأمريكي، إلى ألمانيا لجلب عدة أطنان من عبوات حليب الأطفال الرضع على متنها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>6– <strong>صعوبة الوصول إلى الأسمدة: </strong>من المتوقع أن يواجه المزارعون خلال الأشهر القليلة المقبلة صعوبة في إمكانية الوصول إلى الأسمدة، بما سيكون له تداعياته السلبية على العديد من المحاصيل في مناطق مختلفة؛ ففي مارس 2022، قفزت أسعار الأسمدة قفزةً قدرها 20% منذ يناير 2022، وهي بذلك أعلى ثلاث مرات مقارنةً بالعام الماضي. ولعل ذلك يعود بقدر كبير إلى كون روسيا وبيلاروسيا مصدرين رئيسيين للأسمدة؛ حيث تمثلان نحو 38% من إجمالي الأسمدة البوتاسية عالمياً، و17% من الأسمدة المركبة، ونحو 15% من الأسمدة النيتروجينية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>7– <strong>تفاقم أزمة زيت الطهي: </strong>أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى حدوث فوضى في تجارة زيت عباد الشمس، كما أدى إلى تقليص الإمدادات المحدودة بالفعل من الزيوت النباتية الأخرى، حتى باتت الفوضى المتزايدة في تجارة زيت الطهي من أهم مؤشرات أزمة الجوع العالمية التي تلوح في الأفق. علاوة على ذلك، يشهد العالم انخفاضاً في إنتاج غلة الذرة، نتيجة تغير المناخ، التي من المرجح أن تستمر على مدار العقود الثلاثة المقبلة حتى 2050؛ حيث يُتوقع أن يعيش أكثر من نصف سكان العالم في مناطق لا يتوافر فيها ما يكفي من المياه لمدة شهر واحد على الأقل في العام.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>ختاماً.. أدت الحرب الأوكرانية إلى تعاظم مخاطر انعدام الأمن الغذائي، ورغم أنها ليست السبب الوحيد الذي يهدد الأمن الغذائي العالمي، فإن العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على روسيا، عقب غزوها لأوكرانيا، ساهمت في تقلب أسعار السلع الغذائية عالمياً، وهو ما حذر منه الأمين العام للأمم المتحدة، الذي رأى في ذلك تـأثيرات خطيرة على جهود مكافحة الجوع في العالم وفي إفريقيا على وجه الخصوص. وفي خضمِّ ما يُكابده العالم من أزمة غذاء، خرجت روسيا على لسان </strong><strong>نائب وزير خارجيتها "أندريه رودينكو"، لتُصرِّح بأن تسوية أزمة الغذاء قد تكون ممكنة في حالة رفع العقوبات المفروضة على صادرات بلاده؛ الأمر الذي يضع العالم في تحدٍّ بين مقتضيات المصلحة والاعتبارات الأخلاقية.</strong></p>

      

ما احتمالات انتشار المجاعات على المستوى العالمي؟