لم تمثل جائحة فيروس كورونا تحديًا على الصعيد الصحي والاقتصادي فقط، بل مثلت تحديًا كبيرًا على الصعيد العسكري؛ فقد تم تقليص التدريبات العسكرية أو إلغاؤها، بينما تم تأجيل بعض عمليات نشر القوات، في حين تم تمديد مهمة بعض القوات؛ بسبب خطورة التنقل، كما مثَّل الوباء اختبارًا لقدرة القوات العسكرية على التكيف، لا سيما عندما أصيب البحارة على متن سفن الأسطول الأمريكي السابع في شرق آسيا بالفيروس.

ورغم أن الجائحة قد أثَّرت على العالم بأسره، فإن محاولات التنسيق المشترك لمواجهة الجائحة لم تنعكس على تحسين العلاقات بين الدول؛ حيث استمرَّت المنافسة بين القوى العظمى من خلال استمرار التخطيط الدفاعي وشراء الأسلحة والمعدات العسكرية.
وفي هذا السياق، يرصد تقرير "التوازن العسكري" الذي أصدره المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، أهم الاتجاهات التي طرأت في مجال تطوير القدرات العسكرية والإنفاق الدفاعي في العالم خلال عام 2020.

اتجاهات الإنفاق العسكري في 2020:

1- زيادة الإنفاق الدفاعي رغم جائحة كورونا: على الرغم من أن جائحة كورونا قد أدَّت إلى انكماش الناتج الاقتصادي العالمي بنسبة 3.5% في عام 2020، فإن الإنفاق الدفاعي العالمي قد ارتفع ليصل إلى 1.83 تريليون دولار أمريكي؛ وذلك بزيادةٍ قدرُها نحو 3.9% عن عام 2019.

2- تباطؤ نمو ميزانية الدفاع الأمريكية: هناك تباطؤ في نمو ميزانية الدفاع الأمريكية لعام 2020؛ حيث ارتفعت تلك الميزانية بنسبة 6.3% بالقيمة الحقيقية لتصل إلى 738 مليار دولار أمريكي، التي كانت أقل قليلًا من الزيادة البالغة 6.6% في عام 2019.
ومع ذلك فقد ظلت الولايات المتحدة أكثرَ الدول إنفاقًا في مجال الدفاع لعام 2020، بما يمثل نحو 40.3% من إجمالي الإنفاق الدفاعي العالمي للعام الماضي.

3 – تصاعد الإنفاق العسكري في آسيا: استمر الاتجاه التصاعدي للنفقات الدفاعية في آسيا؛ حيث كانت القارة تمثل نحو 17.8% من إجمالي الإنفاق الدفاعي العالمي في عام 2010، لكنها هذه النسبة ارتفعت لتصل إلى 25% بنهاية عام 2020. ويُعزَى ارتفاع نسبة الإنفاق الدفاعي في آسيا إلى زيادة الإنفاق الدفاعي في الصين؛ وذلك على الرغم من تباطؤ النمو الحقيقي في ميزانية الدفاع الصينية إلى 5.2% في عام 2020 نزولًا من 5.9% في عام 2019.
ولكن الزيادة الاسمية في ميزانية الدفاع الصينية لعام 2020، التي بلغت 12 مليار دولار أمريكي، كانت لا تزال أكبر من الزيادات الإجمالية لميزانيات دفاع جميع الدول الآسيوية الأخرى.

تراجع لافت في الإنفاق الدفاعي الأوروبي:

على الصعيد الأوروبي، ازداد إجمالي الإنفاق الدفاعي بنسبة 2% في عام 2020؛ ما مثل تراجعًا عن الزيادة البالغة 4.1% في عام 2019. إلا أن التزام دول مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة بزيادة ميزانياتها الدفاعية في عام 2021 وما بعده، يشير إلى اعتزام الاتحاد الأوروبي تجنبَ أي تخفيضات دفاعية كبيرة. وإذا ما استمرَّت خطط الإنفاق الأوروبية في مسارها الحالي، فإن أوروبا في عام 2021 قد تكون القارة الأسرع نموًّا في الإنفاق الدفاع العالمي.

وقد استمر أعضاء الناتو الأوروبيون في زيادة نفقاتهم الدفاعية نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي، لكن لا يزال أمامهم الكثير لتنفيذ توصيات الحلف بإنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الميزانيات الدفاعية بحلول عام 2024. وعلى الرغم من أن تقرير التوازن العسكري 2021 قد خلص إلى أن 9 دول فقط من أصل 28 عضوًا أوروبيًّا في الحلف قد استطاعت تحقيق هدف الـ 2% في عام 2020؛ فإن مسار الإنفاق يتصاعد؛ حيث نما الإنفاق إلى 1.52% في عام 2019، ثم إلى 1.64% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2020؛ وذلك من متوسط 1.25% فقط من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014.

فقد ازداد متوسط الإنفاق الدفاعي نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي، بوتيرة سنوية منذ عام 2014، مع ازدياد التهديدات المحتملة في السنوات التي أعقبت سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم. وفي الواقع، فإن متوسط الإنفاق الدفاعي لعام 2020 هو الأعلى منذ عام 2009.
أما عن توقعات الإنفاق العسكري العالمي خلال عام 2021، فقد تمكنت معظم الدول التي أعلنت بالفعل عن ميزانياتها لعام 2021، من الحفاظ على مخصصات الدفاع وتطوير القدرات العسكرية.

القدرات العسكرية الصينية:

1- تعزيز القدرات الدفاعية ببحر الصين الجنوبي: يبدو أن الصين عازمة على أن تكون هي القوى العسكرية المهيمنة في آسيا؛ فجيش التحرير الشعبي الصيني يقوم بتعزيز حضوره في جزر سبراتلي التي تحتلها الصين في بحر الصين الجنوبي.
وقد تضاعفت أعداد قوارب الصين السريعة في السنوات الخمس الماضية، لتصل إلى 55 قاربًا سريعًا في عام 2020. وفي الوقت ذاته، تزداد قدرة البحرية الصينية في مجال الحرب ضد الغواصات؛ حيث استمر بناء السفن البحرية المقاتلة بوتيرة متسارعة.

2- زيادة أعداد السفن البرمائية الكبيرة: كما تضاعف عدد السفن البرمائية الكبيرة إلى 6 سفن منذ عام 2015. وسيزداد عدد هذه السفن مع بدء تشغيل السفن الجديدة، بما في ذلك السفن الهجومية البرمائية. وتعمل الصين أيضًا على تطوير القدرات العسكرية اللازمة لدعم نطاق عمليات قواتها المسلحة؛ فعلى سبيل المثال، ازداد عدد سفن دعم الأسطول الصيني من 7 إلى 12 سفينة منذ عام 2015.
كما أن زيادة أعداد ناقلات "Y-20" الثقيلة تعني أن سلاح الجو التابع لجيش التحرير الشعبي، قد ضاعف أسطول النقل الجوي الثقيل في السنوات الأربع الماضية.

3- استعراض القوة العسكرية إزاء دول الجوار: وقد ترافق مع ازدياد القوة العسكرية الصينية، قيام الجانب الصيني باستعراض قوته في المنطقة؛ فخلال عام 2020، وقعت اشتباكات حدودية بين القوات الصينية والهندية، فضلًا عن ازدياد وتيرة الرحلات الجوية للطائرات الصينية بالقرب من مناطق تحديد الدفاع الجوي في اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان.

4- تصاعد محتمل في الإنفاق العسكري الإقليمي: أشار التقرير إلى أن النمو المطرد للقدرات العسكرية الصينية، سيدفع باقي دول المنطقة إلى زيادة إنفاقها الدفاعي؛ لمواكبة التهديدات الصينية.في حين أن التقرير قد أكد أنه يتعين على الصين أن تحافظ على تطوير قوتها العسكرية، بل أن تحافظ على تقديم تدريبات متقدمة لقواتها للحفاظ على مستوى نمو عسكري دائم ولائق.

أنظمة الدفاع الجوي:

1- اهتمام متزايد بتطوير الأنظمة الصاروخية: يشير التقرير إلى أن تنامي الاهتمام الروسي بتطوير أنظمة الدفاع الصاروخية والجوية، فضلًا عن استخدام أذربيجان للذخائر والطائرات بدون طيار في حرب ناجورنو كاراباخ، وكذلك الحرب الدائرة في ليبيا– قد أدت إلى تعزيز الاهتمام العالمي بالدفاع الجوي.

2- إعادة الاستثمار في قدرات الدفاع الجوي: وفي هذا السياق، بدأت بعض الدول تعيد الاستثمار ف قدرات الدفاع الجوي القصير المدى؛ وذلك بعدما تم التقليل من الاستثمارات في هذا المجال في السنوات السابقة.
وقد تناول التقرير أن هناك انعكاسين ينتجان عن الاهتمام بأنظمة الدفاع الجوية والصاروخية: الأول هو تراجع أهمية المعدات العسكرية الثقيلة، وهو ما اتضح من قيام سلاح مشاة البحرية الأمريكي بتصفية أسطول دباباته القتالية، فضلًا عن وجود جدالات ونقاشات حول اتباع المملكة المتحدة النهج ذاته.
لكن التقرير يشير إلى أن مؤيدي توجه الاستغناء عن المعدات العسكرية الثقيلة ليسوا بالقوة الكافية لتطبيق رؤيتهم على نطاق واسع.
وقد استدل التقرير على ذلك بأنه رغم تصفية المشاة الأمريكية أسطول دباباتهم القتالية، فإنه سيتم الاحتفاظ ببعض الدبابات الرئيسية.

3- تنافس متزايد حول التقنيات الدفاعية الجوية: أما الانعكاس الثاني فيتمثل في تنافس كافة الدول، حتى القوى المتوسطة، حول تعزيز تقنياتها العسكرية الخاصة بأنظمة الدفاع الجوي؛ ما ينبئ بزيادة المنافسة في المستقبل على امتلاك وتحديث أنظمة الدفاع الجوي؛ ليس فقط بهدف تطوير القدرات العسكرية، بل للحماية من أي هجوم محتمل من دولة أخرى أو من ميليشيات شبه عسكرية.

تصاعد توظيف التكنولوجيا:

1- تزايد الاعتماد على التدريبات الافتراضية: حسب التقرير، فإن جائحة كورونا قد عرقلت استمرار التدريبات العسكرية والمناورات المشتركة التي كان يتم إجراؤها لضمان استمرار استعداد الجيوش لأي تهديد محتمل. ومن ثم، قامت بعض الدول باستخدام برامج الواقع الافتراضي والرقمي لمحاكاة التدريبات والمناورات القتالية الحقيقية.

2- دمج القوات البرية وحدات تقنية واستخبارية: كشف التقرير عن لجوء القوات البرية إلى دمج وحدات الاستخبارات والمعلومات والفضاء والسيبرانية في تشكيلات القتال التقليدية.
واسترشد التقرير بفرقة العمل المتعددة المجالات (MDTF) التابعة للجيش الأمريكي، التي تجمع بين قدرات المدفعية البعيدة المدى والفضاء السيبراني والاستخبارات وعمليات المراقبة والاستطلاع بدون طيار.
وفي فبراير 2020، افتتح الجيش الإسرائيلي وحدة متعددة الأبعاد كجزء من برنامج "تنوفا Tnufa" تعتمد على المدرعات والمشاة والهندسة والاستخبارات وأفراد القوات الجوية. وتم توظيف هذه الوحدة لأول مرة على الحدود الشمالية لإسرائيل في صيف عام 2020.

3 – توظيف الأقمار الصناعية في العمليات العسكرية: أصبحت الأقمار الصناعية عاملًا مهمًّا لدعم العمليات العسكرية؛ فالأقمار الصناعية تعمل على توفير البيانات المتعلقة بالاتصالات وأجهزة الكمبيوتر، وكذلك هي عامل رئيسي لجمع المعلومات الاستخبارية، كما تلعب دورًا مهمًّا في عمليات المراقبة والاستطلاع.

4- دعم التكامل بين القوة السيبرانية والقوة العسكرية: يشير التقرير إلى أنه في بعض البلدان، مثل أستراليا وألمانيا، تحتفظ منظمات الذكاء الاصطناعي بالريادة في إطلاق العمليات السيبرانية الهجومية، بدلًا من الهياكل العسكرية التقليدية.
في حين أنه في بعض الحالات الأخرى، يتم تشكيل وحدات مشتركة تدمج المنظمات الاستخبارية بالوحدات العسكرية تحت قيادة وكالات الاستخبارات. ومن الأمثلة على ذلك "القوة الوطنية السيبرانية" في المملكة المتحدة.

وعلى الرغم من استمرار تطوير القدرات التي ترتكز على الإنترنت والفضاء الإلكتروني، لا تزال هناك مشاكل تتعلق بتوليد أعداد كافية من الموظفين المؤهلين للعمل في هذه الوحدات، فضلًا عن النقص في القدرات الصناعية الدفاعية للتأقلم مع التغييرات التي يفرضها الأمن السيبراني.

لذا يتعيَّن على الدول أن تقوم بتطوير أنظمة إدارة معاركها، من خلال تحقيق التكامل الفعال بين تعزيز قدراتها السيبرانية الدفاعية والهجومية من جانب، وبين استخدام الاستخبارات الإلكترونية والمراقبة والاستطلاع، بالإضافة إلى تعزيز القدرات الحركية لتوجيه الضربات.
وتتبنى الولايات المتحدة مفهوم العمليات المتكاملة والمتعددة المجالات (MDO)، ويعني الحاجة إلى التكامل عبر جميع المجالات القتالية= على المستوى التكتيكي، وهو ما تؤكده وزارة الدفاع البريطانية أيضًا.

ويشير التقرير إلى أن الولايات تسعى إلى تطوير حلول للدفاع السيبراني باستخدام الذكاء الاصطناعي؛ وذلك لأن الأقمار الصناعية الموجودة في الفضاء معرضة لهجمات قرصنة إلكترونية.
وتقوم بعض الدول بتجربة دمج قدرات الحرب الإلكترونية والحرب الكهرومغناطيسية؛ حيث أنشأ الجيش الأمريكي وحدة جديدة للاستخبارات وعمليات المعلومات والفضاء الإلكتروني والحرب الإلكترونية والعمليات الفضائية كجزء من مفهوم فرق العمل المتعددة المجالات، كما ترى المملكة المتحدة أن الأنشطة الإلكترونية والكهرومغناطيسية هي أنشطة مترابطة.

اتجاهات تطوير القوات الجوية:

1- تطوير مقاتلات الجيل التالي (ما بعد الجيل الخامس): كشفت القوات الجوية الأمريكية(USAF)، في سبتمبر 2020، عن أنه قد تم بالفعل إطلاق النموذج الأوَّلي للتكنولوجيا المتعلقة ببرنامج الهيمنة الجوية من الجيل التالي. ويعتقد المحللون أن شركة لوكهيد مارتن هي الشركة الرئيسية التي طوَّرت هذه التقنية. ويتمثل الهدف الرئيسي لهذه التقنية في تزويد القوات الجوية الأمريكية بالقدرة على العمل والانتصار في المجال الجوي المتنازَع عليه مع خصم يتمتع بقدرات عسكرية جوية تتساوى مع قدرات الولايات المتحدة، أو مع خصم يتمتع بمستوى مقارب لقدراتها. كما تعمل مجموعة مكونة من فرنسا وألمانيا وإسبانيا على تطوير طائرات مقاتلات الجيل التالي، بينما تشكلت مجموعة بقيادة المملكة المتحدة، وبمشاركة إيطاليا والسويد، لإطلاق مشروع اسمه Tempest بهدف تطوير التقنيات الجوية. وتسعى هذه المجموعة إلى ضم شركاء آخرين إليها، في حين أن المجموعة التي تضم فرنسا وألمانيا وإسبانيا، لا ترغب في ضم مزيد من الدول إليها، وهو ما يثير القلق بشأن نهج أوروبا الذي يبدو أنه لا يزال منقسمًا بهذا الشأن.

2- رفع كفاءة المقاتلات الحالية من الأجيال الأقدم: يسعى عدد كبير من الدول إلى تطوير الطائرات المقاتلة التي يمتلكونها حاليًّا؛ فعلى سبيل المثال، يقوم السلاح الجوي الأسترالي بدعم طائراته المقاتلة، سواء التي يقودها الطيارون أو الطائرات من دون طيار؛ وذلك بهدف تحسين وتعزيز القدرة القتالية لهذه الطائرات.
وفي الوقت نفسه، تتطلع إسبانيا إلى استبدال 20 طائرة من من طراز Eurofighters مكانَ مقاتلات من طراز F/A-18A؛ حيث ستقوم ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة بإضافة رادار نشط ممسوح إلكترونيًّا على الطائرة من طراز Eurofighters لتعزيز قدرتها القتالية.
كما تخطط السويد لتحديث بعض طائراتها من طراز JAS39C / D Gripens؛ لإبقائها في الخدمة مع طائرات JAS39E جنبًا إلى جنب.

3 – تطوير دقة وفاعلية أنظمة الصواريخ أرض–جو: كشف التقرير أيضًا عن توجه القوات الجوية إلى التركيز على الحاجة لمواجهة تهديدات الصواريخ من طراز أرض–جو. فقد بدأت الولايات المتحدة، في منتصف عام 2020، تختبر صاروخًا موجهًا طويل المدى مضادًّا للإشعاع (AARGM-ER)؛ وذلك بهدف تطوير صاروخ يتمتع بمدى أوسع ومتوسط سرعة طيران أكبر؛ لمواجهة أحدث جيل من أنظمة الصواريخ أرض–جو البعيدة المدى.
كما أن من المتوقع كذلك، حسب التقرير، أن يتم دمج صاروخ AARGM-ER في الطائرات من طِرازات F/A-18E/F و F-35 و EA-18G.

اتجاهات الإنفاق وتحولات نظم التسليح في العالم