كرم سعيد

أجرى رئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة، في الفترة من 5 إلى 10 فبراير 2025، زيارة إلى الهند، في إطار توجه البلاد نحو تنويع تعاونها العسكري خارج الشراكة التقليدية مع روسيا. وتباحَث شنقريحة خلال الزيارة، مع عدد واسع من المسؤولين العسكريين الهنود، بهدف استعراض مجالات التعاون العسكري الثنائي، وسبل تطوير وتعزيز التنسيق الأمني بين البلدين. وتكتسب هذه الزيارة أهمية من كونها تأتي بعد توقيع الجزائر والهند، مطلع نوفمبر 2024، اتفاقاً في المجال العسكري، كما أن الزيارة تأتي في إطار سياق عالمي يتسم بالمزيد من الاضطراب والترقب بعد وصول ترامب إلى السلطة، وسعيه إلى تغيير توازنات وملامح السياقات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط وآسيا؛ ما قد يضع الجزائر والهند في مرمى الضغوط الغربية خلال المرحلة المقبلة.مؤشرات التقاربتشير عدد من المؤشرات إلى تنامي وتيرة التقارب بين الهند والجزائر خلال الآونة الأخيرة على كافة الأصعدة، وهي المؤشرات التي يمكن بيانها على النحو التالي:1– تبادل الزيارات الرسمية بين الجانبين: شهدت الأشهر الأخيرة زيارات متبادلة بين البلدين؛ فبالإضافة إلى زيارة رئيس الجيش الجزائري الأخيرة إلى الهند، قام وفد عسكري هندي برئاسة قائد الأركان بزيارة الجزائر في نوفمبر 2024، كما قامت رئيسة الهند في 14 أكتوبر 2024 بزيارة إلى الجزائر وُصفت بـ"النادرة"؛ حيث كانت الأولى من نوعها منذ عام 2016، والثانية منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في مطلع ستينيات القرن الماضي. وعبَّرت هذه الزيارات الرسمية بين الجانبين عن تطور العلاقات السياسية بينهما، وعمق الرغبة في دفع فرص التعاون بين البلدين.2– تعميق الشراكة الاستراتيجية الشاملة: اتفقت نيودلهي والجزائر على تفعيل علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، وهو ما يتضح من إعلان الرئيسة الهندية، عشية زيارتها إلى الجزائر في أكتوبر 2024، العمل على تنويع الشراكة الاستراتيجية مع الجزائر، واستعداد بلادها لتعميق التعاون، وضمان تطوير الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين. وفي هذا الإطار، وقَّع البلدان سلسلة من الاتفاقيات بشأن عدم ازدواجية الضريبة، واتفاقية تعاون جمركي، واتفاقاً حول ترقية الاستثمارات وحمايتها من كلا الطرفين، مع تكثيف اللقاءات بين المتعاملين الاقتصاديين للبلدين.3– تطوير العلاقات الاقتصادية ورفع المبادلات التجارية: تعكس هذه التطورات الإيجابية في نمط العلاقات القائم بين الجزائر والهند، الحرص المشترك على تطوير العلاقات الاقتصادية، وهو ما ظهر في إقرار المنتدى الاقتصادي الجزائري–الهندي في منتصف أكتوبر 2024، الاتفاق على تأسيس علاقات أعمال وشراكات مثمرة ومربحة للطرفين، بالإضافة إلى توقيع مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري واتحاد غرف التجارة والصناعة الهندية مذكرة تفاهم لتعميق التعاون الاقتصادي، كما تَوافق البلدان على أهمية رفع معدل المبادلات التجارية التي تُقدر في الوقت الحالي بنحو ملياري دولار، برغم الإمكانات الهائلة للبلدين.وفي رؤية الهند، فإن دفع فرص التعاون العسكري مع الجزائر قد يساهم في رفع حجم التبادل التجاري بينهما. وفي المقابل تسعى الجزائر إلى التحرر من التبعية الاقتصادية لبعض الشركاء التقليديين، مثل روسيا وفرنسا. وعلى ضوء ذلك، ترى الجزائر في الهند بوابة اقتصادية استراتيجية؛ فهي تحتل المرتبة التاسعة كشريك تجاري للجزائر؛ حيث سجَّلت الصادرات الجزائرية إلى الهند 780 مليون دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2024، فيما بلغت الواردات من الهند 610 ملايين دولار.4– تعزيز التعاون الأمني والتصنيع العسكري: يمثل التعاون العسكري والأمني أحد المحاور الرئيسية في العلاقات الثنائية بين الهند والجزائر، لا سيما بعدما خصصت الأخيرة للموازنة الدفاعية لعام 2025، نحو 25 مليار دولار، كما ركزت زيارة قائد الجيش الجزائري الأخيرة إلى الهند على دفع العلاقات العسكرية. وتجلى ذلك في زيارته لشركتي "لارسن أند توربو" و"باهارات فورج ليميتد"، المختصتَين في الصناعات العسكرية؛ حيث ناقش آفاق التعاون في مجال التصنيع المشترك ونقل التكنولوجيا الدفاعية الهندية إلى الجزائر. ومن جهتها، ترغب الهند في أن تصبح لاعباً مؤثراً في أسواق صادرات الأسلحة للجزائر من خلال توسيع صفقات السلاح، فضلاً عن رغبة الهند في توظيف الجزائر كمدخل لتوسيع حضور الشركات الدفاعية الهندية التي تصل إلى نحو 100 شركة في الأسواق الدفاعية الأفريقية.5– إعادة نظر الهند في دعم انضمام الجزائر إلى "بريكس": أكدت الهند، خلال زيارة رئيستها إلى الجزائر في أكتوبر الماضي، العمل على إعادة مقاربتها بشأن لحاق الجزائر بـ"بريكس"، من خلال توفير بيئة مغايرة داخل التكتل الاقتصادي تحفز على تعزيز التعاون مع الجزائر. وتعي الجزائر أهمية الهند التي تؤدي دوراً محورياً في إدارة وتوجيه سياسات بريكس، وهو الأمر الذي مثَّل أحد الأهداف المهمة لحرص الجزائر على تعميق العلاقة مع الهند؛ من أجل محاولة الحصول على دعم نيودلهي لانضمامها إلى مجموعة "بريكس"، خصوصاً بعد رفض طلب الجزائر في أغسطس 2023، بعد ما أثير عن اعتراض هندي.دلالات الزيارةعكست زيارة قائد الجيش الجزائري السعيد شنقريحة إلى الهند عدداً من الدلالات المهمة، التي يتمثل أبرزها فيما يلي:1– دعم التوجه شرقاً في السياسة الخارجية للجزائر: تعكس زيارة السعيد شنقريحة قائد الجيش الجزائري إلى الهند وجود توجه استراتيجي لدى الجزائر بالاتجاه نحو الشرق؛ وذلك عبر تنويع شراكاتها مع الصين والهند برغم التوتر الحاصل في علاقاتها مع روسيا على خلفية تدخلات الأخيرة في دول الساحل والصحراء التي تعتبرها الجزائر حديقتها الخلفية؛ هذا بجانب رغبة الجزائر في توظيف العلاقة مع الهند لتحييد الضغوط الروسية من جهة، وموازنة العلاقات مع القوى الغربية، وبخاصة واشنطن، من جهة أخرى؛ إذ إنه برغم مساعي الجزائر إلى انفتاح على الولايات المتحدة في التوقيت الحالي، فإنها لا تزال تُبدي قلقاً من سياسات ترامب السلبية في الشرق الأوسط، وانعكاساتها على الجزائر.2– الرد على التحركات الروسية المضادة في منطقة الساحل: يمكن النظر إلى زيارة رئيس الجيش الجزائري إلى الهند في التوقيت الحالي، وما تمخضت عنه من الإعلان عن دعم العلاقات الدفاعية والاستراتيجية بين البلدين، على أنها بمنزلة رسالة إنذار إلى موسكو، مفادها أن الجزائر بإمكانها التعويل على تعميق علاقاتها مع الهند، كبديل قوي لعلاقاتها الدفاعية والاقتصادية مع روسيا في المستقبل، ولا سيما في ظل التوتر الذي طرأ على العلاقات بين الجزائر وروسيا في الآونة الأخيرة، على خلفية اعتراض الجزائر على التحركات الروسية في منطقة الساحل والصحراء.بالتوازي، فإن ثمة تقديرات ترى أن التعاون العسكري الحالي بين الجزائر والهند، يكشف عن رغبة الجزائر في بناء شراكات عسكرية متنوعة للخروج من وطأة التبعية للروس، ومواكبة بعض الأسلحة والتكنولوجيات الحديثة، كالأسلحة الحربية والمسيرات. ومن ثم، تمثل الهند التي تشهد تطوراً لافتاً في صناعاتها الدفاعية ورقة رابحة يمكن توظيفها جزائرياً لتحييد التحركات الروسية غرب أفريقيا.3– تعزيز دور الهند في أفريقيا: تنظر نيودلهي إلى الجزائر باعتبارها دولة مهمة على مستوى منطقتي شمال أفريقيا والساحل والصحراء الأفريقية، وهو ما يؤشر على تنامي اهتمام الهند بدعم العلاقات الدفاعية مع القارة الأفريقية، وتوسيع صادراتها الدفاعية إلى الأسواق الأفريقية. ويمكن تفسير ذلك انطلاقاً من سعي الهند إلى توطيد نفوذها في القارة السمراء، والسعي إلى ملء الفراغ الناجم عن انسحاب وتراجع بعض القوى الغربية منها، ولا سيما فرنسا، والولايات المتحدة. وتعي الهند أنه من شأن الانفتاح الجزائري على الهند، أن يمثل فرصة لتعزيز التمدد الهندي في الفضاء الأفريقي. وهنا، يمكن تفسير مشاركة قائد الجيش الهندي في احتفالات سبعينية ثورة التحرير الجزائرية؛ ما يعكس اهتمام الهند بالشراكة والتعاون مع الجزائر.4– مساندة موقف الجزائر في ملف الصحراء: وفقاً للعديد من التقديرات، تحاول الجزائر توظيف علاقاتها الدفاعية مع الهند لإقناع الأخيرة بتبني ودعم الرواية الجزائرية فيما يتعلق بملف الصحراء المغربية، والدفع نحو دعم فتح نقاش واسع في المؤسسات الدولية والأمم المتحدة، بشأن تنظيم استفتاء حول تقرير المصير، بينما تتبنى موسكو موقفاً متوازناً تجاه هذه القضية بين المغرب والجزائر بهدف الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية مع الطرفين. وفي هذا الصدد، صرح قائد الجيش الجزائري، خلال لقاءاته مع المسؤولين الهنود في زيارته الأخيرة إلى الهند، بأنه أجرى محادثات موسعة ومثمرة لإطلاع الهند على رؤية الجزائر حيال عدد من القضايا الإقليمية، وتأكيده تطابق رؤى بلاده والهند في قضية الصحراء، والأوضاع في القارة الأفريقية.توسيع الشراكةختاماً، يمكن القول إن زيارة شنقريحة إلى الهند جاءت في سياق تبني بلاده لتوسيع الشراكة الاستراتيجية مع قوى دولية وإقليمية وازنة؛ وذلك من خلال تعزيز العلاقة مع نيودلهي التي تشهد تطوراً واسعاً في صناعاتها الدفاعية، بالإضافة إلى رغبة الجزائر في توظيف العلاقة مع الهند لتعزيز موقعها إقليمياً ودولياً، فضلاً عن أن الانفتاح الجزائري على الهند سوف يُحجِّم أي ضغوط غربية محتملة على الجزائر بعد صعود ترامب إلى المشهد، بالإضافة إلى المساهمة في تحييد التحركات الروسية في منطقة الساحل والصحراء.

أهداف زيارة قائد الجيش الجزائري إلى الهند