عرض: صباح عبد الصبور

يشكل الصراع في ميانمار عامل ضغط هائل على الصين؛ حيث يخوض النظام الحاكم في ميانمار صراعاً عسكرياً داخلياً ضد تحالف من الأقليات العرقية المسلحة معروفاً باسم "تحالف الإخوة الثلاثة"، وهو التحالف الذي شكل تحدياً للمجلس العسكري في ميانمار؛ وذلك منذ إطاحته بالحكومة المنتخبة ديمقراطياً في عام 2021. وبطبيعة الحال، تمثل تشابكات الصراع في ميانمار إشكالية أمنية كبيرة بالنسبة إلى الصين التي لا ترغب في رؤية بؤرة مشتعلة بجوارها تُهدِّد الأمن والمصالح الصينية.

وفي هذا الصدد، نشرت "مجموعة الأزمات الدولية" تقريراً بعنوان "مراكز الاحتيال ووقف إطلاق النار: العلاقات بين الصين وميانمار منذ الانقلاب"، يستعرض فيه الأوضاع في ميانمار بعد الانقلاب عسكري عام 2021؛ حيث وقعت اضطرابات واشتباكات مع الجماعات المتمردة على الحدود مع الصين. ومن جانبها، تتمتع بكين بنفوذ في ميانمار أكبر من أي قوة أجنبية أخرى؛ ففي حين أنها لا تستطيع أن تملي النتائج، فإنها يمكن أن تؤثر على الأحداث؛ فقد دعمت ضمنياً هجوماً كبيراً للمتمردين في شمال شرق ميانمار، وهو الهجوم الذي ألحق بالمجلس العسكري هزيمة مدوية في جيب استراتيجي على الحدود الصينية. وفي الوقت ذاته، تقدم مساعي حثيثة لتهدئة المناطق الحدودية، لمكافحة الجريمة المنظمة ولمنع تدفق اللاجئين. ويشدد التقرير على أهمية أن تبحث القوى الأخرى عن مجالات التعاون المحتملة مع الصين لحل أزمة ما بعد الانقلاب في ميانمار وتعزيز الاستقرار على المدى الطويل.

علاقات متأرجحة

يشير التقرير إلى أن العلاقات التاريخية بين الصين وميانمار متأرجحة، وشهدت حالة عدم ثقة متبادلة؛ حيث تشعر نايبيداو بالقلق بشأن نوايا جارتها العملاقة، وترى بكين أن ميانمار شريك لا يمكن الاعتماد عليه. وقد سلط التقرير الضوء على أهم المحطات التاريخية في العلاقة بين البلدين؛ وذلك على النحو التالي:

1– توتر العلاقات بين البلدين منذ قيام جمهورية الصين حتى عام 1988: منذ استقلالها في عام 1948، كانت علاقة ميانمار بالصين متوترة؛ فقد كانت ميانمار أول دولة غير شيوعية تعترف بالجمهورية الشعبية، وأقامت علاقات دبلوماسية معها في يونيو 1950، وفي المقابل بذلت بكين جهوداً كبيرة لتعزيز العلاقات الثنائية، وبدأ المسؤولون الصينيون يشيرون إلى علاقتهم على أنها "باوك فاو"، وتعني "أخوية" باللغة البورمية؛ لتأكيد طبيعتها الخاصة، لكن العلاقات توترت منذ البداية؛ لأن الآلاف من قوات الكومينتانج القومية لجأت إلى شمال ميانمار في عام 1949، وشنت غارات دورية على الصين؛ ما أثار شبح التوغل الصيني المسلح؛ نظرًا إلى أن ميانمار كانت تفتقر إلى القوة اللازمة لطرد حزب الكومينتانج، كما تدهورت العلاقات في ظل الحكم الاستبدادي للجنرال ني وين، الذي تولى السلطة في عام 1962، وروج لمواقف معادية للأجانب تجاه المهاجرين من جنوب آسيا والصين؛ ما أدى إلى فرار أعداد كبيرة من البلاد، بما في ذلك نحو 100 ألف صيني بورمي.

2– تقارب العلاقات في التسعينيات بعد تولي الجيش السلطة في ميانمار: تغير الوضع فجأة في عام 1988، بعد اندلاع احتجاجات حاشدة مناهضة للحكومة في جميع أنحاء ميانمار؛ إذ قُمِعَت الانتفاضة من قبل جيش ميانمار الذي تولى السلطة من نظام ني وين في سبتمبر من ذلك العام؛ ما يمثل بداية أكثر من عقدين من الحكم العسكري المباشر. وفي السنوات التالية، تم عزل ميانمار عن الغرب، وفرض عقوبات عليها بسبب قمعها للمعارضة واضطهاد الزعيمة المؤيدة للديمقراطية أونج سان سو تشي.

واغتنمت الصين الفرصة، وأصبحت شريان حياة سياسياً واقتصادياً للنظام العسكري، فضلاً عن مورد رئيسي للأسلحة. ومع تقارب العلاقات، سحبت بكين دعمها لتمرد الحزب الشيوعي البورمي، الذي انهار في نهاية المطاف في عام 1989 وسط تمردات داخلية. ولإبعاد الصراع عن أراضيها، دفعت الصين الجماعات إلى الحفاظ على وقف إطلاق النار مع جيش ميانمار، مع تسليح تلك الجماعات بشكل مباشر أو غير مباشر لردع الجيش عن مهاجمتها. ومع ذلك، كانت المشاعر العامة في ميانمار معادية للصين؛ بسبب دعم بكين للنظام العسكري وارتفاع مستويات الهجرة الصينية إلى شمال ميانمار.

3– عودة التوتر للعلاقات بعد تحول ميانمار نحو الغرب في عهد ثين سين: في عام 2011 شعرت بكين بالقلق عندما قررت حكومة الرئيس ثين سين شبه المدنية إعادة التوازن إلى علاقات ميانمار الخارجية من خلال إعادة التعامل مع الغرب، وخاصةً الولايات المتحدة، كثقل موازن للنفوذ الصيني، ورغبةً في تقليل الاعتماد على بكين، كما أعلنت إدارته في سبتمبر 2011 أنها ستعلق إلى أجل غير مسمى أكبر مشروع للصين في ميانمار، وهو سد مييتسون للطاقة الكهرومائية. وأعقب ذلك فترة من العلاقات الشائكة، مع تراجع النفوذ الصيني في ميانمار.

4– استعادة العلاقات المتقاربة مع تولي أونج سو تشي حكم ميانمار: اطمأنت بكين عندما تولت أونج سان سو تشي الحكم في ميانمار في عام 2016، وسعت إلى إصلاح العلاقات، وأظهرت حساسية تجاه المخاوف الصينية؛ ولذلك كانت الصين في وضع جيد للاستفادة من طرد الجيش العنيف للروهينجا إلى بنجلاديش في الفترة 2017–2018؛ إذ أدى إلى قطيعة ميانمار الدبلوماسية مع الغرب، وانتقلت بكين إلى دور الحامي الدبلوماسي الرئيسي لميانمار، مع استخدام حق النقض في مجلس الأمن لصالحها.

وفي يناير 2020، قام شي جين بينج بزيارة دولة، وهي الزيارة الأولى التي يقوم بها زعيم صيني منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، وأصبحت ميانمار الدولة الثالثة التي تدخل "مجتمع المصير المشترك" مع الصين. وبحسب التقرير، كان التقارب الجديد أكثر من مجرد تقارب رمزي؛ فلدى الصين أهداف استراتيجية رئيسية في ميانمار التي توفر طريقاً من جنوب غربها غير الساحلي إلى خليج البنغال؛ ما يسمح لها بتبسيط تدفقات التجارة والطاقة كجزء من مبادرة الحزام والطريق، وبسط الطاقة في حوض المحيط الهندي، كما خططت لمشاريع بنية تحتية طموحة كجزء من الممر الاقتصادي بين الصين وميانمار.

5– تفاقم انعدام الثقة المتبادل بعد انقلاب 2021 في ميانمار: يشير التقرير إلى أن الانقلاب العسكري الذي شهدته ميانمار في فبراير عام 2021 أوقف الخطط الصينية فجأةً، وأعاد انعدام الثقة القديم إلى الواجهة. وكان استياء الصين واضحاً للعيان؛ ففي ديسمبر 2022، امتنعت عن استخدام حق النقض للسماح لمجلس الأمن بتبني قرار هو الأول من نوعه بشأن ميانمار، يطالب بوقف فوري للعنف، ويحث الجيش على إطلاق سراح جميع "المحتجزين تعسفياً"، ورفضت الاعتراف بمين أونج هلاينج قائد الانقلاب كرئيس للدولة.

6– اهتمام الصين بتفعيل أدواتها الدبلوماسية مع ميانمار في 2023: بدأت الطفرة الدبلوماسية الصينية في ميانمار في أوائل أبريل 2023 بحسب التقرير؛ وذلك من خلال زيارة قام بها رئيس الحزب في مقاطعة يونان "وانج نينج"، الذي التقى مين أونج هلاينج والوزراء، ووقعوا سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية. وفي مايو 2023، قام وزير الخارجية الصيني آنذاك تشين جانج بزيارة نايبيداو، واجتمع مع مين أونج هلاينج، وبشكل منفصل، مع القائد العسكري السابق ثان شوي.

وفي مايو 2023، قالت وسائل الإعلام الرسمية في ميانمار إن رئيس المخابرات العسكرية الصينية اللواء يانج، التقى نائب القائد العام "سوي وين" في نايبيداو. وكانت هذه أول زيارة يتم الإعلان عنها علناً لضابط عسكري صيني إلى ميانمار منذ الانقلاب؛ ما يؤكد تحول بكين نحو إعادة المشاركة.

لكن على الرغم من تزايد التعامل مع نايبيداو، أشارت الصين إلى أنها لا تنوي تطبيع العلاقات مع النظام؛ فخلال رحلته في مايو 2023 أخبر "تشين جانج" الرئيس "مين أونج هلاينج" أن "الصين ستُواصِل تقديم المساعدة في حدود قدرتها". وفي الوقت نفسه، ذكر تشين بشكل واضح أن الصين "تدعم جهود جميع الأطراف في ميانمار للتعامل بشكل صحيح مع الخلافات وتحقيق المصالحة بموجب الإطار الدستوري والقانوني"، في إشارة إلى وجهة نظر بكين بأن الانقلاب خرج عن هذا الإطار. ولا تزال الصين – وفقاً للتقرير – تفضل أن يدخل النظام في حوار مع أونج سان سو تشي بشأن طريق العودة إلى الحكم الدستوري.

7– تآكل العلاقات بين البلدين بسبب مراكز الاحتيال عبر الإنترنت: في 27 أكتوبر 2023، شن تحالف الإخوان الثلاثة – الذي يتكون من جماعات عرقية متمردة؛ هي: جيش أراكان، وجيش التحالف الوطني الديمقراطي في ميانمار، وجيش تحرير تانج الوطني– هجوماً منسقاً ضد قوات النظام في ولاية شان الشمالية على حدود الصين، وتم قطع طرق التجارة البرية إلى بكين.

وبحسب التقرير، استمر الهجوم حتى عام 2024؛ ما تسبب في خسائر متزايدة للنظام، الذي أثبت عدم قدرته على شن هجوم مضاد فعال. ووفقاً للتقرير، لم تكن العملية 1027 ممكنة لولا موافقة بكين؛ فقد وقع جزء كبير من القتال بالقرب من الحدود. ومن شبه المؤكد – من وجهة نظر التقرير – أن سبب سماح الصين بهجوم عام 2023 يتعلق بانتشار مراكز الاحتيال عبر الإنترنت في ميانمار في السنوات الأخيرة، وفشل النظام في قمعها.

إذ أفادت الأمم المتحدة بأن ما يصل إلى 120 ألف شخص، معظمهم من الصينيين أو مواطنون أجانب آخرون، متورطون في عمليات الاحتيال هذه في ميانمار. وقد أصبحت منطقة كوكانج على الحدود الصينية، نقطة ساخنة بين البلدين؛ إذ حددت بكين قوة حرس الحدود المتحالفة مع النظام التي كانت تدير إدارة المنطقة وأمنها على أنها متمردة في عدم الامتثال لمطالب الصين بإغلاق مراكز الاحتيال. وفي بعض الحالات، شاركت هذه القوة في إدارة هذه العمليات، وحصلت في حالات أخرى على حصة من الأرباح. ويشير التقرير إلى أن بكين قد اتخذت خطوة غير عادية تتمثل في دعوة شخصيات أعمال بارزة في كوكانج إلى معرض تجاري في الصين في 1 أكتوبر ثم اعتقلتهم.

وفي حين دعت الصين إلى وقف إطلاق النار بين ميانمار وتحالف الإخوة الثلاثة، بدا أن تركيزها الدبلوماسي كان ينصبُّ على تحذير النظام لممارسة ضبط النفس العسكري وتسليم المشتبه بهم في الاحتيال، بدلاً من الضغط على تحالف الجماعات المسلحة لإنهاء عملياته. وقد أرسلت بكين مسؤولين رفيعي المستوى إلى نايبيداو، بما في ذلك وزير الأمن العام وانج شياو هونج، الذي يقود الجهود الرامية إلى إغلاق مراكز الاحتيال، في 31 أكتوبر 2023. وخلال عام 2023، سلمت سلطات مختلفة في ميانمار – بما في ذلك النظام والمليشيات المتحالفة معه والجماعات العرقية المسلحة – ما مجموعه 41 ألف مشتبه به إلى الصين، معظمهم مواطنون صينيون، وشرعت في ترحيل عدة آلاف آخرين في عام 2024.

سقوط لاوكاينج

عندما سيطر تحالف الإخوة الثلاثة على معظم منطقة كوكانج، وفرض حصاراً على بلدة لاوكاينج الرئيسية، بذلت الصين جهوداً حثيثة لوقف إطلاق النار؛ حمايةً لحدودها وخوفاً من تدفقات اللاجئين؛ وذلك على النحو التالي:

1– جهود سرية صينية لتحقيق التوافق بين أطراف الصراع: قامت الصين بجمع الأطراف معاً لمناقشة وقف إطلاق النار. وقد عُقد الاجتماع الأول يومي 7 و8 ديسمبر من العام الماضي بوساطة المبعوث الصيني الخاص إلى ميانمار "دنج شيجون". وقد كشف متحدث باسم النظام عن المفاوضات السرية مؤكداً أنها بدأت بمساعدة الصين، وأن من المتوقع إجراء المزيد من المناقشات في وقت لاحق من ديسمبر.

كما صرح متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية بأن المحادثات حققت "نتائج إيجابية"، وأن الصين مستعدة "لمواصلة تقديم الدعم". وذهب المتحدث الصيني إلى أبعد من ذلك في 14 ديسمبر ، قائلاً إنه "بفضل جهود الوساطة الصينية، توصلنا إلى اتفاق بشأن عدد من الترتيبات، بما في ذلك وقف إطلاق النار المؤقت في كوكانج والحفاظ على زخم الحوار"، فيما لم يصدر تحالف الإخوة الثلاثة أي بيان رسمي.

2– سعي صيني لتفكيك المنظمات الإجرامية العاملة على الحدود: بعد أيام قليلة من الجولة الأولى من المحادثات، في العاشر من ديسمبر، تحركت الصين بشكل حاسم لتفكيك المنظمات الإجرامية العاملة على طول الحدود. وأصدرت الشرطة الصينية أوامر اعتقال بحق عشرة أفراد من عائلات كوكانج البارزة لتورطهم المزعوم في مراكز الاحتيال والقتل والاتجار بالبشر.

3– دعم بكين لسيطرة الجماعات المسلحة على لاوكاينج: في 23 ديسمبر 2023، استضافت الصين جولة ثانية من المحادثات. ونقل أحد المشاركين في إحدى الجماعات المسلحة عن ممثل النظام تحذيره من أن البلدات التي استولت عليها الجماعات العرقية المسلحة لن تتمتع بالسلام أبداً؛ لأن قوات النظام ستقصفها من الجو. وبحسب التقرير، أدت الغارات الجوية التي شنها النظام بالقرب من لاوكاينج إلى مقتل مدنيين، بما في ذلك مواطنون صينيون؛ ما أثار "احتجاجاً جدياً" من بكين.

4– محاولة بكين التكيف مع تراجع الجيش في ميانمار: فقد شنت الجماعات المتمردة هجوماً على قاعدة كتيبة مشاة شمال بلدة لاوكاينج، وورد أنها استولت عليها في اليوم التالي. وفي 4 يناير، أعربت الصين عن "استيائها الشديد" من قذيفة مدفعية طائشة أطلقها الجيش وهبطت على أراضيها؛ ما أدى إلى إصابة عدة أشخاص. وفي اليوم نفسه، غادر الجيش الميانماري آخر قاعدة متبقية له في لاوكاينج، وقام بالتفاوض على انسحاب ما يقرب من 2400 جندي وأفراد أسرهم، بما في ذلك ستة جنرالات برتبة عميد. وصارت منطقة كوكانج بأكملها الآن تحت سيطرة التحالف الوطني الديمقراطي، وليس هذا فحسب؛ بل عانى النظام أيضاً من إذلال كبير، وهو الاستسلام الأكثر أهميةً في تاريخ جيش ميانمار.

5– دعم بكين الوضع الراهن "شبه السلمي": وفقاً للتقرير، فإن بكين لن تعارض تحقيق سلام دائم على طول حدودها، إلا أنها أصبحت في الغالب تعتبر ذلك أمراً غير مرجح في المستقبل المنظور. ومن ثم، فهي تفضل دعم الوضع الراهن شبه السلمي الذي يأتي مع سيطرة الجماعات المسلحة العرقية القوية على المناطق على طول الحدود، مع الاعتراف بأنها ستجد نفسها تدير اشتباكات دورية عند حدوثها.

بالإضافة إلى ذلك، يمنح هذا الترتيب بكين نفوذاً كبيراً على منطقة مهمة تربط الصين بجنوب شرق آسيا. وبحسب التقرير، أشار النظام بوضوح إلى استيائه من الدور الذي لعبته الصين في تسهيل سيطرة حركة الدفاع الوطني على كوكانج.

6– استفادة بكين من الضغوط المتزايدة على النظام في ميانمار: وضعت الأحداث في ولاية شان الشمالية المزيد من الضغط على علاقات بكين مع النظام؛ ما أدى إلى تفاقم "عدم الثقة المتبادل" الذي طال أمده، لكن النظام يحتاج إلى الصين ومساعدتها الاقتصادية والدبلوماسية؛ من أجل زيادة التجارة والاستثمار، وتسهيل المناقشات مع الجماعات المسلحة الشمالية، وإيقاف اتخاذ إجراءات دولية أكثر تضافراً ضدها، بما في ذلك في مجلس الأمن. وبحسب التقرير، تساهم هذه الاعتبارات في تقوية نفوذ الصين على نايبيداو؛ ما يعزز مكانتها باعتبارها الطرف الأجنبي الذي يتمتع بأكبر قدر من النفوذ في ميانمار بعد الانقلاب، ومن ثم الطرف الأكثر قدرةً على تشكيل مسار الصراع الحالي.

7– إبقاء بكين على فرص التواصل مع حكومة الوحدة الوطنية: تأمل حكومة الوحدة الوطنية – وهي الإدارة الموازية التي أنشأها أولئك الذين أطاح بهم الانقلاب – أن تؤدي العملية 1027 وما تلاها إلى انهيار النظام العسكري؛ إذ إنها تريد فتح قناة خاصة بها إلى بكين.

وفي 2 يناير 2024، أصدرت أول بيان لها حول العلاقات مع الصين، وهو البيان الذي يتكون من عشر نقاط بما في ذلك الالتزام بسياسة "صين واحدة"؛ أي الفكرة الحاسمة لبكين بأن تايوان جزء من صين واحدة، واتخاذ تدابير لحماية الاستثمارات الصينية في ميانمار، والتعاون في مكافحة الجريمة العابرة للحدود الوطنية، بما في ذلك مراكز الاحتيال. وتكتسب هذه البادرة أهمية إضافية بالنظر إلى أن بكين تنظر إلى الحكومة الموازية على أنها متحالفة مع الغرب.

وبحسب التقرير، وضعت حكومة الوحدة الوطنية نفسها بشكل أقرب بكثير إلى الغرب، مع وجود العديد من القادة المتمركزين هناك، ولها مكتب في واشنطن، وتركز الكثير من دبلوماسيتها على العواصم الغربية التي كانت بمنزلة مصادر للدعم السياسي والمادي والمساعدة الفنية، لكن من الممكن أن تقرر حكومة الوحدة الوطنية أن الابتعاد عن الغرب قد يكون ضرورياً من الناحية الاستراتيجية على المدى الطويل؛ نظراً إلى أهمية الصين الإقليمية.

8– دفع الصين جميع الأطراف نحو قبول الوضع الراهن الجديد على طول حدودها: بحسب التقرير، من المرجح أن الصين لن تسعى إلى فرض نتائج محددة على أزمة ما بعد الانقلاب في ميانمار؛ إذ إنها سترغب في تحقيق أهداف رئيسية معينة. ويشمل ذلك الحفاظ على وقف إطلاق النار على طول الحدود بعد أن سيطر التحالف الوطني الديمقراطي على منطقة كوكانج، وسبل استئناف التجارة الحدودية مع ميانمار، ومواصلة حملتها على مراكز الاحتيال بالتعاون مع بلدان أخرى في المنطقة؛ لمنع هذه العمليات الإجرامية من مجرد الانتقال إلى أجزاء أخرى من ميانمار. وستريد الصين أيضاً الاستمرار في دفع جميع الأطراف إلى قبول الوضع الراهن الجديد على طول حدودها بعد وقف إطلاق النار في 11 يناير.

توصيات مهمة

قدَّم التقرير عدداً من التوصيات المهمة للتوصل إلى حل للصراع في ميانمار بالنسبة إلى الصين من ناحية والمجتمع الدولي من ناحية أخرى؛ وذلك على النحو التالي:

1– أهمية الحذر الصيني من الصفقات النفعية التي تؤجج الصراع على المدى البعيد: يرى التقرير أهمية أن تكون بكين حذرة بشأن الخطوات التي تعمل على تجميد الصراع دون معالجة دوافعه الأساسية؛ إذ إن الصفقات ذات الإطار الضيق المدفوعة بالنفعية، تميل إلى أن تكون ذات مدة صلاحية قصيرة، وتخاطر بتمهيد الطريق لجولات جديدة من القتال في المستقبل.

2– قدرة بكين على تحقيق استقرار نسبي عبر مسار الاقتصاد السياسي: تستطيع الصين الضغط لتحقيق هدوء مؤقت. ومن أجل تحقيق قدر أكبر من الاستقرار، ويمكن لها – وفقاً للتقرير – التأثير في الاقتصاد السياسي بالمناطق الحدودية، من خلال تشجيع ودعم مصادر الدخل القانونية في الجيوب التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة على طول حدودها، مع الضغط في الوقت نفسه من أجل وضع حد للأعمال غير المشروعة؛ وذلك في جميع المجالات – وخاصةً إنتاج المخدرات والاتجار بها – بدلاً من استهداف الأنشطة الإجرامية التي تضر الصين أكثر من غيرها، فضلاً عن الثقل الاقتصادي لتزويد الجماعات المسلحة بفرص اقتصادية بديلة، مثل المساعدة في إنشاء مناطق تجارة وتصنيع حدودية. ولقد خططت الصين بالفعل لمثل هذه المشاريع كجزء من الممر الاقتصادي المتوقف بين الصين وميانمار، ويمكنها إعادة توظيفها بما يتوافق مع الحقائق الجديدة.

3– ضرورة السعي الدولي لاستكشاف مجالات جديدة للاتفاق مع الصين حول ميانمار: يشدد التقرير على أنه يتعين على الدول الغربية أن تحافظ على الحوار مع الصين بشأن الظروف في ميانمار، وأن تسعى إلى تنمية الفرص للعمل القائم على الإجماع في مجلس الأمن، مع ضمان عدم تقويض الصين المبادرات التي يسعى إليها الآخرون. وفي حين أن مقاومة بكين العامة للنقاش الدولي حول القضايا في جوارها، وترددها في تأطير قضايا السياسة الخارجية من حيث حقوق الإنسان، يجعل التوصل إلى توافق في الآراء أمراً صعباً؛ يعتقد التقرير ضرورة أن يظل الأعضاء الآخرون في مجلس الأمن، قادرين على استكشاف مجالات جديدة محتملة للاتفاق، واغتنام أي فرص يوفرها استعداد المجلس الواضح لمناقشة صراع ميانمار؛ حيث تمنع المنافسات الجيوسياسية الحوار. وفي هذا الصدد، يؤكد التقرير أهمية أن يعين الأمين العام مبعوثاً خاصاً جديداً إلى ميانمار دون مزيد من التأخير.

4– تفعيل دور مجلس الأمن الدولي بشأن ميانمار: يمكن للدول الأعضاء الرئيسية في مجلس الأمن أن تساعد في التغلب على الركود الحالي الذي يعيشه المجلس بشأن ميانمار؛ فمنذ صدور قرار مجلس الأمن في ديسمبر 2022، قاومت الصين، بحسب التقرير، المزيد من مشاركة المجلس. وقد أحبط موقفها الأعضاء الآخرين الذين يريدون استخدام صوت المجلس لتسليط الضوء على فظائع النظام وغيرها من جوانب الأزمة؛ إذ إن هناك قيمة في الحفاظ على توافق الآراء في المجلس لتمكين الاستجابة لأي تدهور إضافي في الأوضاع. ومع ذلك، يجب على الأعضاء اتباع دبلوماسية نشطة بشأن ميانمار، ومواصلة مراقبة التطورات عن كثب والبحث عن فرص لتسليط الضوء على الأزمة هناك؛ وذلك من خلال عقد جلسات إحاطة – على سبيل المثال – دون الإضرار بالعلاقة مع بكين.

ضرورة التحرك

وختاماً، يشير التقرير إلى أنه بالنسبة إلى الصين، كان انقلاب فبراير 2021 بمنزلة تعقيد غير مُرحَّب به في علاقاتها مع ميانمار المجاورة. وقد رفضت بكين تطبيع العلاقات مع النظام، وتواصل الإشارة إلى استيائها على المستوى الثنائي. ومع ذلك فإنها تسعى إلى الحفاظ على العلاقات مع جميع الأطراف الرئيسية – باعتبار ذلك جزءاً من نهج طويل الأمد لإدارة الحدود – للحفاظ على نفوذها ومنع المنافسين الجيوسياسيين من الاستفادة من الاضطرابات، كما أنها لن تقف مكتوفة الأيدي وتترك النظام ينهار، خشية أن تحل محله حكومة الوحدة الوطنية ذات الميول الغربية، أو أي تشكيل آخر من حركة المقاومة المناهضة للصين على نطاق واسع. وبحسب التقرير، يظل بناء الإجماع الدولي على التحرك بشأن ميانمار، بما في ذلك في مجلس الأمن، أمراً صعباً، لكنه ليس مستحيلاً، بل ينبغي للأعضاء اغتنام الفرص لتسليط الضوء على محنة ميانمار المنسية أمام الجمهور العالمي.

المصدر:

- Scam Centres and Ceasefires: China–Myanmar Ties Since the Coup, International Crisis Group, March 27, 2024.

أبعاد استجابة الصين للاضطرابات في ميانمار