نهلة عبد المنعم 

بات نشاط فرع "داعش خراسان" العابر للحدود يُشكل تحديات أمنية مُتنامية لدى الدول الغربية؛ إذ انعكست الاضطرابات مُتعددة الأوجه التي تُحيط بأفغانستان على تطور قدرات التنظيم نحو التمدد خارج نطاقه الجغرافي، موظفاً الصراعات الدولية المُحتدمة كعوامل مُساعدة على الحشد والتجنيد عبر رسائل سياسية ذات صبغة دينية، ففي 20 أكتوبر 2024 اعتقلت السلطات الألمانية مُهاجراً ليبيّاً يُشتبه في انتمائه لتنظيم داعش بتهمة التخطيط لشن هجوم ضد السفارة الإسرائيلية في برلين، فيما أعلنت السلطات الأمريكية في 16 أكتوبر 2024 تورط داعش خراسان في مُحاولة فاشلة لتدبير هجوم عنيف يستهدف يوم انعقاد الانتخابات الرئاسية في البلاد.ومن جانبه، حذر رئيس جهاز المخابرات البريطانية MI5، كين ماكالوم في 8 أكتوبر 2024 من أن تنامي قدرات فرع داعش بخراسان قد أدى إلى استئناف جهود التنظيم في تصدير الإرهاب لأوروبا وللدول الغربية، كما رصد الجهاز ارتفاعاً طفيفاً في أعداد مواطني بريطانيا الراغبين في السفر للالتحاق بفرع التنظيم تأثُراً بالدعاية التي يبثها، وشدد ماكالوم على أن هذا التهديد بات يتفاقم بشكل مضطرد خلال الفترة الأخيرة.سياقات مُحفزةثمة دوافع تُحيط بالعلاقة الطردية بين تصاعُد نفوذ ولاية داعش في أفغانستان "خراسان" وعودة التهديدات الإرهابية إلى الدول الغربية، وهو ما يُمكن رؤيته على النحو التالي:1- تأثير السيولة الأمنية في أفغانستان على تطور قدرات داعش: أسهمت الاضطرابات الأمنية التي تلت الانسحاب العشوائي للقوات الأمريكية وحلفائها من أفغانستان في تطور قدرات داعش الذي استطاع توظيف الطبيعة الجغرافية الوعرة للبلاد بالتوازي مع تراجع القدرات الدفاعية والاستخباراتية لحركة طالبان في إنشاء معسكرات لتدريب عناصره على القتال مع تعزيز قدراتهم على تصنيع المُتفجرات إلى جانب تطوير أدوات الأجنحة الإعلامية والقطاعات المسؤولة عن التجنيد الإلكتروني ما انعكس على توسعة نفوذه إزاء الحشد المتطرف في الغرب سواء عبر دفع الذئاب المُنفردة لتنفيذ هجمات خاطفة أو إدارة الاتصالات المباشرة مع الموالين له لتحفيز الخلايا النائمة مثل عمليته المُحبطة مؤخراً في الولايات المتحدة.إذ أعلنت وزارة العدل الأمريكية في 8 أكتوبر 2024 اعتقال مواطن من أصل أفغاني يُدعى ناصر أحمد توحيدي بتهمة التآمر لتنفيذ هجوم إرهابي في يوم الانتخابات الرئاسية الأمريكية بعد رصد السلطات اتصالات وقعت بين توحيدي وشخص من المسؤولين عن التجنيد الإلكتروني في ولاية داعش خراسان، وفي 7 أغسطس 2024 أعلنت النمسا إلقاء القبض على شاب من أصول مقدونية نتيجة تخطيطه بالتعاون مع شبكة داعشية لاستهداف ثلاث حفلات غنائية للمطربة الأمريكية تايلور سويفت في العاصمة فيينا عقب شهور من تجنيده إلكترونياً بواسطة ولاية داعش خراسان.2- استغلال داعش للحرب الإسرائيلية ضد فلسطين ولبنان: أدت آلة الحرب الإسرائيلية العنيفة إلى تعزيز الخطابات المُطالبة بالثأر من حكومة تل أبيب عبر استهداف مصالحها ومصالح حُلفائها وبالأخص في الدول الغربية التي تُساند إسرائيل في حروبها، ففي 21 أكتوبر 2024 دعا التنظيم الموالين له وكذلك الذئاب المنفردة عبر النسخة الـ40 من إصدار "صوت خراسان" إلى تكثيف هجماتهم ضد إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية رداً على الحرب الدائرة في الشرق الأوسط.3- انعكاسات التنافس الإرهابي على أمن الدول الغربية: يسعى تنظيم داعش إلى إعادة تسليط الضوء على إمكانياته إزاء تنفيذ عمليات إرهابية كبرى ومؤثرة بداخل الدول الغربية ذات القدرات العسكرية والاستخباراتية المتطورة لاستعادة الهالة الإعلامية تجاه أنشطته، والتي خفتت نوعاً ما عقب تراجع معقله الرئيسي في سوريا والعراق، كما يستخدم داعش هجماته في زيادة وتيرة الحشد والتجنيد لصفوفه باعتباره التنظيم الأكثر تأثيراً على الساحة.وفي إطار التنافس بين الجماعات الإرهابية حول الترويج لما تتبناه من عقائد دينية، يدعو تنظيم داعش الموالين له للتصعيد ضد الدول الغربية كونه الأحق بالدفاع عن المسلمين من جبهات الإسناد الموالية لإيران التي يدفع التنظيم بفساد عقيدتها، وفقاً لما يُروجه.4- توظيف موجات الهجرة لتهريب واستقطاب العناصر المُتطرفة: يعمل تنظيم داعش على استغلال موجات الهجرة الاضطرارية نحو الغرب والتي خلفتها الصراعات المختلفة لاستقطاب مُضطربي الهوية عبر خلايا نائمة تسعى لاحتضان المُهاجرين ومعالجة مشاكلهم تجاه الفقر والاغتراب، بالتوازي مع احتمالات تهريب عناصر متطرفة ضمن هذه الموجات؛ إذ أشارت السلطات الأمريكية إلى أن المتهم بمحاولة تنفيذ هجوم إرهابي في يوم الانتخابات الرئاسية هو مهاجر أفغاني وصل إلى البلاد في ديسمبر 2021 عقب سيطرة حركة طالبان على الحُكم في كابول.5- تعدد مصادر التهديد ضد الغرب نتيجة تشابُك الملفات السياسية: تواجه الدول الغربية تحديات أمنية متعددة المصادر نتيجة تنامي العداء مع جبهات مختلفة، وفي هذا الإطار قال رئيس جهاز المخابرات البريطانية MI5، كين ماكالوم، إن بلاده وكذلك الدول الغربية تواجه مخاطر مُتصاعدة جراء تنامي نشاط داعش بالتوازي مع مساعي روسيا وإيران لتنفيذ مخططات اغتيال وإحداث اضطرابات سياسية وأمنية بالمنطقة، وبالتالي فإن تعدد المواجهات يُعزز من فرص الجماعات المتطرفة لاستغلال الموقف، فبحسب دورية "النبأ" التابعة لتنظيم داعش دعت القيادات الذئاب المنفردة لتوظيف الصراعات السياسية بين القوى الكبرى للانتشار في المجتمعات المستهدفة.ويعد الصراع المتفاقم بين إسرائيل وحماس وجبهات الإسناد التابعة لإيران في الشرق الأوسط من أبرز الملفات التي تزيد من الأعباء الأمنية على الدول الغربية جراء الدعوة لاستهداف المصالح الإسرائيلية وتصعيد الهجمات في المنطقة، ونظراً لما تُمثله السفارات والقنصليات الإسرائيلية من رمزية سياسية وأمنية يُطالب داعش عناصره بتركيز هجماتهم في محيطها، وهو ما حاول المواطن ذو الأصول الليبية الذي اعتُقل في أكتوبر 2024 تنفيذه ضد مبنى السفارة الإسرائيلية في ألمانيا قبل اعتقاله بتهمة التخطيط لهجوم لصالح داعش، فيما أكدت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر أن المؤسسات الإسرائيلية في البلاد تواجه تهديداً كبيراً من جانب الجماعات التكفيرية ولذلك تخضع للمراقبة على مدار الساعة من جانب السلطات الأمنية.6- تنامي شبكات تمويل الإرهاب المرتبطة بداعش خراسان: أدى نفوذ داعش خراسان إلى تعزيز قدرات الشبكات المالية الموالية له لتمويل أنشطة التنظيم في الغرب، إذ أشار تقرير وزارة الخزانة الأمريكية الصادر في فبراير 2024 حول مخاطر تمويل الإرهاب إلى أن داعش خراسان استغل مجموعات موالية له في تركيا لتمرير الأموال المشبوهة والأسلحة من أفغانستان لأوروبا من أجل شن هجمات عنيفة في المنطقة.تداعيات مُحتملةإن تنامي قدرات داعش خراسان نتيجة الترهل الأمني في أفغانستان وسط استخدام همزات وصل لتصدير الإرهاب نحو الدول الغربية تأثُراً بالمحفزات السياسية والأمنية المحيطة بالمشهد قد يؤدي إلى تداعيات يُحتمل أن تزيد من الضغوط المفروضة على الأنظمة السياسية بالمنطقة: 1- تزايد الاستغلال الإرهابي للثغرات القانونية: تؤثر بعض الإشكاليات القانونية على تسهيل مهمة تنظيم داعش في استهداف الدول الغربية؛ إذ كشفت العملية التي أحبطتها السلطات الأمريكية في أكتوبر 2024 عن استغلال المُهاجر الأفغاني ناصر أحمد توحيدي للمواد المتعلقة بحرية تداول الأسلحة في الولايات المتحدة من أجل شراء ما يلزمُه من أدوات وطلقات نارية لاستخدامها في الهجوم الذي خطط له، وكذلك فإن بعض القوانين الأوروبية لا يزال تغييرها يواجه تحديات حقوقية تعوق مواكبتها للتحديات الناشئة في ملف الإرهاب الدولي.ونظراً لما تُمثله الثغرات القانونية في الغرب من تحديات للأمن، فإن عدم التعامل السريع مع الأزمة قد يُضاعف من استغلال الجماعات الإرهابية للموقف عبر توظيف مراكز مشبوهة لجمع التمويلات أو بث العقائد المتطرفة خلف ستار الحريات المدنية والشخصية، إلى جانب تنامي التجنيد لصالح التنظيمات.2- تنامي التجنيد الإلكتروني لصالح داعش: إن تطور القدرات الإلكترونية لتنظيم داعش خراسان بالتوازي مع ضعف القدرات السيبرانية لأفغانستان والدول التي يتموقع بها التنظيم وسط الإشكاليات القانونية حول حرية المعتقدات الدينية والشخصية في الغرب يُنذر بزيادة معدلات التجنيد عبر الإنترنت لصالح داعش النشط على شبكات التواصل الاجتماعي وعبر تطبيقات الألعاب التي تستهدف الشباب وصغار السن، كما أن الدعاية العاطفية المُحيطة بالأزمات السياسية الدولية تُحفز من سياقات التأثير التي يستخدمها قادة التجنيد الإلكتروني في التنظيم.3- زيادة نشاط الذئاب المنفردة: تؤثر الدعاية الرائجة لتنظيم داعش على تنامي نشاط الذئاب المنفردة تحت وطأة التجنيد لأفراد يتم تعبئتهم فكرياً عبر الإنترنت ليعملوا بشكل مستقل عن الهيكل التقليدي لقيادة التنظيم ما يُعقد من تتبعهم أمنياً، كما أن الهجمات التي يُنفذونها تتسم بانخفاض التكلفة مع القدرة على حصد عدد كبير من الأرواح عن طريق عمليات يصعُب كشفها أحياناً؛ إذ يلجأون لعمليات الدهس وهجمات الطعن وأحياناً التفجيرات الانتحارية، ويتطلب التصدي لنشاط الذئاب المنفردة تعزيز التعاون الاستخباراتي بين الدول وتطوير أدوات مراقبة المحتويات المتطرفة على الإنترنت.4- تصاعد أدوار شبكات التمويل المشبوهة: يسعى داعش لاستغلال الأوضاع لاستعادة المشاهد الدموية التي خلفها نشاطه في الغرب خلال عام 2015 والسنوات القليلة التي تلته. وإسقاطاً على ما حذرت منه وزارة الخزانة الأمريكية في فبراير 2024 حول تورط بعض الخلايا في نقل أموال التنظيم من أفغانستان إلى أوروبا لتمويل هجمات في المنطقة، فإن التنظيم قد يُعزز جهوده في استمالة العناصر من أجل محاولة تكوين شبكات تدعم الإنفاق على أنشطته إذا لم يتم تقويض محاولاته إزاء الاستقطاب في أوروبا.تهديدٌ مُتنامٍيُمكن القول إن تطور قدرات داعش خراسان وما أفرزته من تنامي طموحات التنظيم نحو تعزيز نفوذه في الغرب يرتبط بالإشكاليات العامة لظاهرة الإرهاب التكفيري العابر للقارات الذي يبني أيديولوجيته على إقناع الموالين له بضرورة التوسع نحو المجتمعات الغربية للتأثير من الداخل على القوى السياسية التي تُعادي العقيدة الدينية التي يرتكز عليها، وفي ضوء ذلك يستغل التنظيم المُحفزات السياسية المحيطة بالمشهد الدولي الحالي لتعزيز التجنيد في صفوفه بالغرب.

انعكاسات تنامي نشاط داعش خراسان على أمن الدول الغربية