ياسمين أيمن

مع تصديق الكونجرس في السادس من يناير 2025 على فوز دونالد ترامب على منافسته المرشحة الديمقراطية ونائبة الرئيس كامالا هاريس، في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الخامس من نوفمبر الفائت، ليصبح بذلك الرئيس المنتخب السابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية؛ ينشط ترامب على صعيد آخر في انتقاء أعضاء إدارته الجديدة، بما في ذلك أعضاء وزارة الخارجية الأمريكية، حيث أعلن ترامب عن اختياره مجموعة من المرشحين لمنصب سفراء الولايات المتحدة الأمريكية لمختلف الدول. وحتى الآن لم يقم ترامب بالانتهاء من اختياراته لمناصب السفراء، والذين سيحتاجون إلى تأكيد من مجلس الشيوخ الأمريكي أولاً. ولكن من الملاحظ أن اختيارات الرئيس المنتخب تقوم بالأساس على عوامل محددة ترتبط بالروابط والعلاقات التي تجمعه بهذه الشخصيات، بغض النظر عن خلفيتهم العملية ومدى ملاءمتها للمناصب الدبلوماسية.والأمر اللافت للنظر هو عدد من تم اختيارهم ممن يوصفون بأنهم غير ملائمين للمنصب، حيث يرى البعض أنهم لن يتركوا انطباعاً سيئاً عن واشنطن فقط في الساحة العالمية، ولكن ترشيحهم يصل إلى حد الإهانة للدول التي سيتم إرسالهم إليها.محددات حاكمةسارع ترامب إلى تسمية عدد كبير من السفراء قبل وصوله للبيت الأبيض، وهو أمر غير مسبوق بالنظر إلى أنه عادة ما ينتظر الرئيس دخوله للمكتب البيضاوي للبدء في انتقاء السفراء. بيد أنه لم تأتِ ترشيحات ترامب من الفراغ، أو بناء على دراسة مسبقة لمهنية وخلفية كل شخص، وإنما جاءت مرتبطة بعوامل أساسية يمكن الإشارة إليها فيما يلي:1- الولاء التام للرئيس المنتخب ترامب: في كل ترشيح لسفير من سفراء ترامب بالخارج، يؤكد خلال منشور له على منصته الخاصة تروث سوشيال، أن اختياراته لهذه الشخصيات تتم بناء على ما لمسه منهم من تقدير لأجندة ترامب "اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" والمعروفة بماجا، بما يؤكد أن الولاء الأول الذي يسعى ترامب للمسه من الشخصيات هو الولاء له ولأجندته ولأفكاره وليس للولايات المتحدة. وهو ما يعني أنه سيكون هناك ارتفاع في نسبة التعيينات السياسية خلال إدارة ترامب الثانية، علماً بأنها وصلت إلى 46% خلال إدارته الأولى، بما يخالف أحد القوانين المرتبطة بالمناصب الدبلوماسية التي أصدرها الكونجرس في عام 1980، والتي تنص على أنه يمكن للرئيس تعيين ما يصل إلى 30% للسفراء من خارج السلك الدبلوماسي، مع بقاء 70% من تلك المناصب للشخصيات ذات الخلفية الدبلوماسية داخل وزارة الخارجية الأمريكية.2- غالبية المرشحين من السفراء رجال أعمال: من الملاحظ أن عدداً كبيراً من الشخصيات التي انتقاها ترامب لمنصب سفير تأتي من خلفيات تجارية عملية وليست دبلوماسية، حيث إن أغلب الشخصيات التي تم الإعلان عنها حتى الآن هم من فئة رجال الأعمال التي تتشابه في توجهاتها مع توجهات الرئيس المنتخب ترامب. فمثلاً، وقع الاختيار على قطب العقارات الملياردير توم باراك، لشغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى تركيا التي تمثل أهمية كبيرة لواشنطن حالياً، في ضوء دورها الكبير في إدارة الملف السوري بعد إسهامها في الإطاحة بنظام بشار الأسد. كما أن المرشح ليكون السفير الأمريكي القادم في هولندا، جو بوبولو جونيور، هو مؤسس ومدير تنفيذي لشركة استثمار خاصة مقرها في دالاس، تُعرف بشركة تشارلز آند بوتوماك كابيتال.3- اختيار شخصيات من المتبرعين للحملة الانتخابية لترامب: بنى ترامب ترشيحاته على الشخصيات التي تبرعت لحملته الانتخابية، فمثلاً قام المرشح لمنصب سفير الولايات المتحدة لدى إسبانيا، رجل الأعمال الكوبي الأمريكي بنجامين ليون جونيور، بالتبرع خلال السباق الانتخابي الرئاسي في عام 2024، بما يصل إلى مليوني دولار أمريكي لإحدى لجان العمل السياسي التابعة للرئيس المنتخب. فيما تبرع بوبولو جونيور بما يزيد على مليون و50 ألف دولار أمريكي للجان العمل السياسي التابعة لترامب وتلك التي تدعم المرشحين الجمهوريين في مجلس النواب الأمريكي.4- شخصيات قريبة من دائرة معارف الرئيس ترامب: بالرغم من أن بعض المناصب تتطلب سفراء مخضرمين، لكن ترامب تخلى عن تلك الفكرة، وفضَّل اللجوء إلى شخصيات قريبة من محيط عائلته ومعارفه. فمثلاً، رشح صديقة نجله الأكبر، كيمبرلي جيلفويل، لمنصب سفير الولايات المتحدة لدى اليونان، بالرغم من فضائحها الإعلامية، وأن هذا المنصب يتطلب شخصية محنكة. وعلى جانب آخر، اختار والد صهره، تشارلز كوشنر، ليكون سفير واشنطن في باريس، علماً بأنه كان مداناً بإحدى الجرائم الفيدرالية التي عفا عنها الرئيس ترامب.وبالرغم من فضائح لاعب كرم القدم الأمريكي سابقاً والمرشح السابق لمجلس الشيوخ، هيرشيل ووكر، المرتبطة باتهامات بالعنف المنزلي وإنكار نسب ابن له من علاقة غير شرعية، فإن ترامب قام بترشيحه كسفير للولايات المتحدة لدى جزر الباهاما. علماً بأنه في العادة يختار رئيس الولايات المتحدة سفراء لندن وباريس من الشخصيات القريبة من دائرته، لكن الملاحظ حالياً أن ترامب توسع في مسألة المحاباة عند اختيار الشخصيات.تداعيات خارجيةمن المتوقع أن تكون لترشيحات ترامب مجموعة من التداعيات على مستوى السياسة الخارجية الأمريكية، وهو أمر من الممكن الإشارة إليه فيما يلي:1- زيادة الخطاب المعادي للمنظمات الدولية: من المعروف أن المرشحة لمنصب سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، إليز ستيفانيك، النائبة عن نيويورك، نادت بـ"إعادة تقييم كامل لتمويل الولايات المتحدة" للمنظمة، كما أنها تتبنى مواقف مناهضة للمنظمة بشأن رفض بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، حيث تتهم الأمم المتحدة بأنها منظمة تدعم "معاداة السامية"، وهو ما يعني أن خطابها المعادي للمنظمة سيكون مطروحاً بقوة خلال تواجدها بالمنظمة الأممية. كما يبدو أنها ستكون مدافعة وبقوة عن كل مواقف تل أبيب أمام الأمم المتحدة.2- تدهور صورة الولايات المتحدة الدبلوماسية: إن اختيار شخصيات غير ملائمة كسفراء للولايات المتحدة في مناصب ذات طابع حساس، من شأنه التأثير سلباً على مكانة واشنطن الدبلوماسية العالمية، خاصة أن الشخصيات المرشحة لا يملك أغلبها دراية واضحة بالأنظمة السياسية للدول التي تم ترشيحهم لها. ولذلك، هناك احتمالية لعرقلة ترشيحهم في مجلس الشيوخ وليس رفضهم، حيث عادة ما يمارس أعضاء المجلس نوعاً من أنواع "المماطلة غير الرسمية" بحيث تطول عملية تأكيد المرشح، ويضطر الرئيس لتغييره. وقد سبق وحدث هذا الأمر خلال عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، حينما سحب جورج تسونيس ترشيحه في عام 2014 كسفير إلى النرويج، بعدما أخفق في جلسات استماع مجلس الشيوخ حول النظام السياسي في النرويج. كما تكرر الأمر خلال إدارة جو بايدن.3- إخفاق محتمل في إدارة بعض الملفات الحيوية: من المتوقع في ظل افتقار الشخصيات المرشحة لمختلف المناصب لمهارات الدبلوماسيين المرتبطة بالمفاوضات، أن يكون هناك إخفاق في حشد الالتفاف حول موقف واحد تجاه مختلف القضايا. فمثلاً في ظل الخلفية المهنية المختلفة لمات ويتاكر المرشح لمنصب سفير الولايات المتحدة لدى حلف شمال الأطلسي، حيث عمل خلال ولاية ترامب الأولى في منصب المدعي العام بالإنابة، سيكون من الصعب عليه التفاوض مع دول أوروبا حول القضايا التي تهم الحلف، وتسوية الأمور.4- احتمالات متزايدة لتضارب المصالح: بما أن عدداً كبيراً من الشخصيات التي اختارها ترامب من فئة رجال الأعمال التي تملك مصالح مالية داخل مختلف الدول، فمن المتوقع أن يغلب هذا الأمر على مصالح الولايات المتحدة، حيث سيتم تفضيل المصالح الشخصية المالية المرتبطة بالأرباح، وهو ما سيساهم في حدوث نوع من أنواع "تضارب المصالح". وهناك مخاوف من حدوث ذلك بسبب عدد من المرشحين، من بينهم المرشح للسفير الأمريكي لدى تركيا.5- المراهنة على بعض الشخصيات المؤهلة لترميم صورة الدبلوماسية الأمريكية: ليس كل الشخصيات التي اختارها ترامب تفتقر للخبرة بالنظر إلى وجود شخصيات عملت سابقاً في مناصب دبلوماسية، على غرار المرشح للعمل كسفير لدى اليابان، جورج جلاس، المصرفي والسفير السابق لدى البرتغال، حيث إنه يملك مواقف مشابهة لترامب بشأن التعامل مع الصين، وسبق وحذر الحكومة البرتغالية من تنامي الاستثمارات الصينية في البلاد، بما يجعه قادراً على التقارب مع اليابان بشأن هذه القضية.وأيضاً هناك المرشح لمنصب سفير الولايات المتحدة لدى كندا، وهو السفير السابق خلال رئاسة ترامب الأولى لدى هولندا، بيت هوكسترا، والذي عمل كذلك كرئيس سابق للجنة الاستخبارات في مجلس النواب، وهو أمر يجعله يتمتع بقدر من الخبرة التي تؤهله للتعامل مع ملف كندا المضطرب في الوقت الراهن، في ظل التهديدات المستمرة من ترامب بفرض المزيد من الرسوم الجمركية على صادراتها للولايات المتحدة، وفي ظل تصريحاته بضمها "كولاية رقم 51" للولايات المتحدة. وينطبق الأمر ذاته على المرشح للعمل كسفير لدى المكسيك، حيث التوترات الراهنة بشأن كارتلات تجارة المخدرات، ومشكلة المهاجرين، فضلاً عن الرسوم الجمركية، حيث سمَّى ترامب السفير الأسبق لدى السلفادور، والضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، رون جونسون، الذي يمتلك خبرة في دول أمريكا اللاتينية.6- صعوبة التوصل إلى اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين: تشير التكهنات إلى أنه سيكون من الصعب على سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل الذي تم ترشحيه من جانب ترامب، مايك هاكابي، أن ينجح في المفاوضات بين إسرائيل وفلسطين، لا سيَّما أنه مؤيد لموقف تل أبيب الذي يسعى لضم الفضة الغربية، ووضعها تحت الاحتلال العسكري في مخالفة للقانون الدولي، والموقف الأممي بهذا الشأن.ختاماً، يمكن القول إن الفترة المقبلة من الدبلوماسية الأمريكية ستكون فترة يغلب عليها طابع الصفقات التجارية، وهو أمر حدث خلال ولاية ترامب الأولى، لكن من المتوقع تناميه خلال ولايته الثانية. خاصة أن الخلفيات التجارية التي يتمتع بها مختلف المرشحين تدفعهم لعقد صفقات تجارية أكثر منها سياسية، وهو الأمر الذي سيميز إدارة ترامب خلال الفترة المقبلة بشكل عام، حيث يسعى الرئيس المنتخب لتحقيق أكبر قدر من المكاسب المادية على حساب كافة المبادئ والأهداف الأخلاقية التي تتبناها واشنطن باعتبارها نظاماً ديمقراطياً يدعم حقوق الإنسان عالمياً.

انعكاسات اختيارات ترامب لسفراء الولايات المتحدة على السياسة الأمريكية