إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        




<p><br><strong>كشف وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو"، في 1 يونيو الحالي، عن إعداد بلاده تقريراً يُحصي الهجمات والخطابات والممارسات التي تتضمن معاداة للإسلام وعنصرية حول العالم، ولفت إلى أن التقرير يأتي في إطار جهود تركيا لمكافحة العنصرية والتمييز ومعاداة الإسلام وكراهية الأجانب</strong><strong>.</strong><strong> </strong><strong>وتكشف تصريحات الوزير التركي عن رغبة ملحة في توظيف الإسلام السياسي لتأسيس مسارات مستديمة لتعزيز الدور التركي في مناطق النفوذ، وكذلك إعادة إنتاج صورة نمطية إيجابية لتركيا في أوساط الحواضن الإسلامية المحافظة، سواء داخل تركيا أو في الأوطان البديلة التي يعيشها فيها المسلمون فضلاً عن استثمار البعد الديني في مواجهة الخصوم.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>اللافت أن تصريحات الوزير التركي تزامنت مع تصاعد المواقف الرسمية الغربية الرافضة لدور وممارسات الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية "ديتيب</strong><strong>"</strong><strong> </strong><strong>في الدول الأوروبية، ووقفها الاستعانة بالأئمة الأتراك في المساجد الأوروبية؛ بسبب اتهامات لأنقرة بتعزيز دور الإسلام السياسي في البلاد والتحريض على التطرُّف. ويُشار إلى أن اتحادات تركية تنتمي إلى مجلس الديانة الإسلامية في فرنسا، عارضت في أبريل الماضي ميثاق الأئمة الذي اقترحته حكومة باريس، ويدعو إلى الالتزام بمبادئ الجمهورية العلمانية، ويرفض توظيف الإسلام لأغراض سياسية</strong><strong>.</strong><strong> </strong><strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">أهداف مقصودة</span></strong></p>



<p><strong>يبدو أن تركيا حريصة على استخدام ظاهرة الإسلام السياسي لتحقيق أهداف سياسية. ومن ثم، يمكن القول إن إعلان وزير الخارجية التركي عن إصدار تقرير يرصد الهجمات والخطابات العدائية والمتعصبة ضد الإسلام والمسلمين، جاء للأسباب الآتية:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تحقيق انتصار داخلي لحزب العدالة والتنمية: </strong>لا ينفصل إعلان تركيا عن إصدار تقرير يكشف الممارسات العنصرية ضد المسلمين، وتصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا عن خصوصية السياق الداخلي التركي؛ وذلك في ضوء رغبة الحزب الحاكم في الاستثمار في البعد الديني لتعويض رصيدها المتآكل في أوساط المحافظين الأتراك والقواعد الانتخابية المؤدلجة، كما يأتي الإعلان عن التقرير كمحاولة يتخذها حزب العدالة والتنمية خلال المرحلة الحالية لإرضاء القاعدة الانتخابية المحافظة في الداخل، استعداداً لاقتراع 2023، خصوصاً أن عدداً من استطلاعات الرأي كشفت مؤخراً عن تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد. ومن هذه الإجراءات تحويل متحف "آيا صوفيا" إلى مسجد والسماح بإقامة الشعائر الدينية فيه، وإحياء ليالي رمضان داخله.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– تعويض الاستدارة عن قضايا المسلمين المركزية:</strong> لا يُمكن قراءة إعلان وزير الخارجية التركي عن إصدار تقرير يكشف عن الممارسات القمعية ضد المسلمين حول العالم، بمعزل عن سعي النظام التركي إلى التعاطي مع حالة الغضب في أوساط الإسلاميين الأتراك من ممارسات إسرائيل ضد الفلسطينيين في القدس؛ حيث تعرض النظام الحاكم لتركيا لانتقادات غير مسبوقة في الفترة الأخيرة بعد استدارة لافتة عن القضية الفلسطينية مقابل تعزيز التعاون مع إسرائيل. كما بات لافتاً غض أنقرة الطرف عن ممارسات بكين ضد أقلية الإيجور المسلمين في إقليم تركستان الشرقية في سبيل دعم العلاقات الاقتصادية مع الصين. ومن ثم، ربما أرادت أنقرة بالإعلان عن تقرير يرصد الممارسات العنصرية ضد المسلمين، إعادة إنتاج صورتها في الشارع الإسلامي من جهة، وتحييد تأثيرات الانتقادات السلبية التي تواجهها بسبب انعطافاتها مؤخراً تجاه تل أبيب وبكين من جهة أخرى.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– موازنة ضغوط الخصوم من القوى الأوروبية: </strong>يؤكد توجه تركيا إلى إصدار تقرير يرصد الممارسات العنصرية ضد المسلمين، على رغبة أنقرة في توظيف هذه الخطوة بما يخدم سياستها الخارجية، ويضغط على الدول الأوروبية التي تُناهِض تحركات المنظمات الدينية التابعة لتركيا التي تنشط في أوساط المسلمين بالمجتمعات الغربية؛ حيث كان أحد الاعتبارات التي تسوقها القوى الأوروبية لتبرير توجهاتها ضد بعض الكيانات الدينية التي تتبع أنقرة، وتعمل على أرضها، هو استمرار النشاط السلبي لهذه الكيانات. وهنا يمكن فهم تصريحات الرئيس الفرنسي "ماكرون" في يناير الماضي عندما عارض عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، وقال إن "تركيا اتبعت سياسة عدوانية"، وأضاف أن "تركيا تنفذ مشروعاً لتوسيع الإسلام السياسي". ومن ثم ترغب أنقرة، عبر إصدار تقرير يرصد الممارسات العنصرية الغربية ضد المسلمين، في توظيف البعد الديني لمواجهة ضغوط القوى الغربية عليها، بما يخدم مساعيها إلى تحقيق أهداف سياستها الخارجية عبر تحييد التوجهات السلبية للقوى الأوروبية حيال مصالح تركيا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– استعراض القوة في مواجهة الغرب:</strong> تراهن تركيا على توظيف قضايا الإسلام السياسي، والاتجاه نحو الاستثمار في بعض السلوكيات الغربية العدائية ضد المسلمين لتحقيق أهداف عدة، في الصدارة منها استعراض القوة أمام العالم الغربي، وتوصيل رسالة مفادها أن تركيا قادرة على إزعاج القوى الغربية التي تناهض المصالح التركية. وفي هذا السياق، يشار إلى أن إعلان تركيا عن تقرير يرصد الخطاب العدائي ضد المسلمين يتزامن مع تجدُّد المواجهة في نهاية مايو الماضي بين تركيا من جهة وباريس وبرلين من جهة أخرى، بعد إعلانهما دعم اليونان في نزاعها ضد تركيا حول جزر بحر إيجه، ورفضهما التشكيك في "السيادة" اليونانية على جزرها في بحر إيجه.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– استعادة إرث الخلافة العثمانية كحامية للمسلمين: </strong>يبدو أن عودة النظام الحاكم في تركيا لتوظيف قضايا الإسلام السياسي يأتي في سياق محاولة وصل ما انقطع عبر التاريخ لاستعادة أمجاد دولة الخلافة العثمانية كحامية للمسلمين؛ ولذلك فإن كشْف وزير الخارجية التركي عن إعداد تقرير يُحصي الهجمات والخطابات والممارسات الإقصائية والعنيفة ضد المسلمين حول العالم، ينطلق في الأساس من طموحات تركيا إلى استلهام عصر الخلافة العثمانية؛ لكونها لعبت دوراً محورياً في نصرة المسلمين، كما أن الإعلان عن التقرير المزمع إعداده يبدو كاشفاً أيضاً في جانب منه عن قناعة النظام الحاكم في تركيا بأنه صاحب الحق التاريخي في تمثيل العالم الإسلامي في مواجهة تعصب الغرب ضده.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6</strong><strong>– تعزيز صورة تركيا في أوساط المسلمين بالغرب: </strong>تحاول أنقرة الحفاظ على حضورها في أوساط المهاجرين المسلمين في الدول الغربية، وتجنب تراجع حضورها في أوساط الجاليات التركية في هذه الدول، خاصةً في ظل توجيه انتقادات غير مسبوقة من أبناء الجاليات التركية في الخارج لسلوك الحكومة التركية، على خلفية تدهور الأوضاع المعيشية في الداخل، وتصاعد حدة الاحتقان السياسي في البلاد. ولعل ذلك يمثل أحد دوافعها في السعي وراء توظيف الممارسات الإقصائية ضد المسلمين في الغرب، وتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا لتحسين صورتها في الوعي الجمعي للمسلمين المهاجرين في الغرب عموماً، والأتراك المغتربين خصوصاً. بالتوازي، فإن التقرير الذي تحدَّث عنه وزير الخارجية التركي، المتوقع أن يرصد الانتهاكات ضد المسلمين، لا ينفصل في جوهره عن مساعي التأثير على المسلمين المقيمين في المجتمعات الغربية، عبر خطاب سياسي يرتكز على تصدير صورة ذهنية لتركيا باعتبارها حامية الإسلام، كما تستهدف عبر هذا الخطاب تطويع تيارات الإسلام السياسي في الغرب وفقاً لأجندتها الخاصة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>7</strong><strong>– التعاطي مع الدعوة الأمريكية إلى التصدي للمشاعر المناهضة للمسلمين: </strong>لا تنفصل تصريحات وزير الخارجية التركي عن إصدار تقرير يُحصي الممارسات القمعية ضد المسلمين حول العالم، عن سعي تركيا إلى التعاطي والبناء على تصريحات نظيره الأمريكي "أنتوني بلينكن" الذي دعا، في 2 يونيو الجاري، إلى ضرورة العمل على التصدي للمشاعر "المعادية" للإسلام والمسلمين، وأضاف خلال تقديمه تفاصيل التقرير السنوي للحريات الدينية حول العالم لعام 2021، أن الحرية الدينية "أولوية" في السياسة الخارجية الأمريكية، لافتاً إلى ضرورة التصدي لمعاداة الإسلام.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">توظيف براجماتي</span></strong></p>



<p><strong>ختاماً.. يرجح أن تتصاعد السياسات التركية التي يتبناها حزب العدالة والتنمية بشأن توظيف الخطابات والممارسات العدائية ضد الإسلام خلال المرحلة المقبلة، في إطار سعي الرئيس التركي إلى تحييد الضغوط الغربية على بلاده من جهة، وتوظيف مثل هذا التقرير كخطاب دعائي لتحشيد القوى المُحافِظة في الداخل التركي، ومجتمعات الهجرة لمصلحة دعم الرئيس التركي وحزبه في الاستحقاق الانتخابي المقرر له منتصف العام المقبل من جهة أخرى.</strong></p>

      

دوافع إصدار تركيا تقارير عن معاداة الإسلام حول العالم