إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        
<p><strong>لم تتمكن الجماعة المنظمة للاحتجاجات التي وقعت في محيط مبنى الكونجرس في 18 سبتمبر الجاري من جذب حشود كبيرة من المؤيدين، في ظل التحذيرات من كونها فخاً حكومياً. ورغم ذلك استهدفت تلك الاحتجاجات تحقيق العديد من الأهداف الهامة، ومنها محاولة الترويج لأفكار مثيري الشغب في الكونجرس يوم 6 يناير الماضي، باعتبارهم سجناء سياسيين، ومحاولة تحويل الانتباه من محاسبة المسؤولين عن الفوضى الحادثة في ذلك اليوم، إلى الحديث عن حقوق المسجونين والمعاملة التي يتعرضون لها، في ظل حرمانهم من الإجراءات القانونية العادلة. ومن جهة أخرى، قد يستغل الرئيس السابق دونالد ترامب تلك القضية لحشد أنصاره، بالتركيز على قضية المحتجزين في أحداث 6 يناير استعداداً لخوضه الانتخابات الرئاسية التي ستجري في نوفمبر 2024.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">أهداف الاحتجاجات</span></strong></a></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>حظيت الاحتجاجات التي وقعت أمام مبنى الكونجرس في 18 سبتمبر على زخم أمني واسع لمنع تكرار أعمال العنف التي وقعت في 6 يناير الماضي. وعلى الرغم من محدودية المشاركة في التظاهرات، فإنها كشفت عن محاولات لتشتيت الانتباه عن محاسبة المسؤولين عن أعمال الشغب في ذلك اليوم، لصالح محاولة تصوير المسجونين بأنهم "سجناء سياسيون". وتتمثل أبرز أهداف تلك الاحتجاجات على النحو التالي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1</strong><strong>– <a>تقديم الدعم للمحتجزين في تهم غير جنائية في أحداث 6 يناير</a>:</strong> نظمت هذه الاحتجاجات جماعة "لوك أهيد أمريكا" بهدف دعم مؤيدي الرئيس السابق دونالد ترامب الذين اقتحموا مبنى الكونجرس يوم 6 يناير الماضي وقت انعقاد مجلسي الكونجرس (النواب والشيوخ) للتصديق على فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية لعام 2020؛ وذلك لتقديم الدعم لهم على خلفية قرارات احتجازهم بسبب المشاركة في أعمال العنف؛ فمن بين قرابة 600 شخص تم احتجازهم، وُجهت اتهامات إلى 185 شخصاً على الأقل بتهمة الاعتداء على عناصر الأمن أو الموظفين أو مقاومتهم أو عرقلتهم، فيما اتُهم أكثر من 70 شخصاً بتدمير أو سرقة ممتلكات حكومية. وقد اعترف 60 شخصاً على الأقل بارتكابهم أعمال عنف.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وقد صرح مات برينارد منظم التجمعات والمدير التنفيذي لمجموعة "لوك أهيد أمريكا" والناشط السابق في حملة ترامب والمؤيد لمزاعمه؛ بأن عملية احتيال واسعة النطاق تقف وراء هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية، وأن الهدف من التظاهرات يتمثل في دعم الأفراد الذين لم يثبت ارتكابهم أعمال عنف، وتقديم الدعم للذين تعرضوا للاعتقال ولم تُوجه إليهم تهم تتعلق بالاعتداء على رجال الشرطة، أو الإقبال على ارتكاب عنف، أو تدمير الممتلكات العامة. وأشار برينارد إلى أن الاحتجاجات تستهدف تشجيع المشرعين على مطالبة وزارة العدل بتحقيق العدالة الحقيقية لهؤلاء الأشخاص، وهو ما يعني –في كثير من الأحيان– إسقاط التهم عنهم، ولا سيما في ظل حرمان هؤلاء الأفراد من المحاكمات العادلة والسريعة وبقاء عدد منهم في الحبس الاحتياطي. وقد ندد المتظاهرون بما وصفوه بإقبال إدارة بايدن على اعتقال "سجناء سياسيين" لم يقترفوا أي أعمال عنيفة بل تُساء معاملاتهم كذلك. ويُشار في هذا الصدد إلى أن جماعة "لوك أهيد أمريكا" أعلنت أنها تخطط لعقد احتجاجات مشابهة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة على مدار الأسابيع المقبلة لتقديم الدعم للمعتقلين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2</strong><strong>–<a> التمهيد لخوض ترامب الانتخابات الرئاسية القادمة</a>: </strong>بالنظر إلى تدني شعبية الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال الفترة الحالية، مع تنامي تفشي الجائحة داخل العديد من الولايات الأمريكية، والانسحاب الفوضوي من أفغانستان، والأزمة الدبلوماسية التي اندلعت مؤخراً مع فرنسا؛ سيطر الأمل على بعض الأمريكيين الداعمين لترامب بإمكانية إعادته إلى البيت الأبيض مرة أخرى بفوزه في الانتخابات الرئاسية التي ستُجرَى في نوفمبر 2024، من خلال توظيف هذه الاحتجاجات لخدمة مساعيهم في هذا الإطار. ومن الممكن أن يستفيد ترامب من قضية سجن مثيري الشغب في 6 يناير الماضي في حشد أنصاره مجدداً قبل الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الجمهوري لاختيار مرشحه للانتخابات الرئاسية القادمة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– <a>توظيف الاحتجاجات في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس</a>: </strong>يحاول بعض النواب الجمهوريين المؤيدين لترامب، الاستناد جزئياً إلى تلك الاحتجاجات للحصول على مقاعد في مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي المقررة في نوفمبر 2022؛ حيث حضر احتجاجات 18 سبتمبر مرشح الحزب الجمهوري في مجلس النواب من ولاية واشنطن جو كينت الذي يتحدى الجمهورية جايمي هيريرا بيوتلر من واشنطن والتي صوتت لصالح عزل ترامب. وأثار كينت قضية "المسجونين السياسيين"، واعتبر أن عملية الاعتقالات تشير إلى العيش في "جمهورية الموز"، ولا سيما في ظل حرمان السجناء من القيام بالإجراءات القانونية، مقارناً المعاملة التي يتلقاها المحتجزون بتهم متعلقة بإثارة الشغب في 6 يناير، بما قامت به القوات الأمريكية في العراق. كما اعتبر مايك كولينز –وهو صاحب شركة صغيرة في جورجيا وينافس النائبة جودي هايس– أن هناك سجناء سياسيين و"مجرمي جنح لأسباب لا تتعلق بالعنف محتجزين حالياً بدون أي سند، ولا يمكنهم الاتصال بالمحامين، وأحياناً يتم وضعهم في الحبس الانفرادي".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4</strong><strong>– <a>الترويج لمقتحمي الكونجرس باعتبارهم "شهداء سياسيين":</a></strong> يستمر ترامب في الدفاع عن أنصاره المعتقلين عقب اقتحام مبنى الكونجرس، الذين يتعرضون –وفقاً له– "للاضطهاد"، كما يواصل التشكيك في عدالة القضاء الأمريكي، مؤكداً أن محاكمة هؤلاء الأشخاص أثبتت أن الولايات المتحدة "نظام ذو مستويين من العدالة". ومن ثم، يبدو أن هناك محاولة لقلب الحقائق، وتصوير مثيري الشغب من أنصار ترامب بأنهم ضحايا، ولا سيما أن المسؤول عن التجمعات برر سبب تنظيم التظاهر عند تقديمه طلب التصريح إلى مجلس شرطة الكونجرس؛ بأن الحدث كان من المفترض أن "يجلب الوعي والاهتمام بالمعاملة غير العادلة وغير الأخلاقية للسجناء السياسيين في 6 يناير"، وهو الأمر الذي يعكف ترامب على ترسيخه في أذهان الأمريكيين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5</strong><strong>– <a>إعادة كتابة تاريخ أحداث 6 يناير</a>: </strong>تشير تحليلات إلى أن الاحتجاجات كانت محاولة لإعادة كتابة تاريخ 6 يناير باعتبار أنه كان هجوماً سلمياً؛ حيث انتشرت العديد من الإشاعات التي تشير إلى تورط حركة "حياة السود مهمة" و"أنتيفا" في أحداث الشغب يوم 6 يناير، التي حظيت بزخم واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي البرامج الإذاعية اليمينية. ومن ثم، فإن الترويج المستمر لتلك السردية، ومحاولة تصوير مرتكبي الشغب بأنهم ضحايا، يُضائل الفرص المتاحة لمحاسبة المتورطين عن العنف في ذلك اليوم، وما مثَّله من اعتداء على الديمقراطية الأمريكية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">دلالات متعددة</span></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>كشفت تلك الاحتجاجات، التي لم تكن ذات تأثير داخل الولايات المتحدة، كما كان يتوقع الكثيرون؛ عن جملة من الدلالات، ومن أهمها:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1</strong><strong>– <a>مخاوف واسعة من استنساخ تجربة 6 يناير</a>:</strong> على الرغم من الدعوات إلى سلمية التظاهرات، وعدم الاحتكاك بالقوات الأمنية عبر دعوة المحتجين إلى الامتناع عن رفع اللافتات التي تشير إلى ترامب؛ فإنه كانت هناك مخاوف مستمرة من قبل الشرطة الأمريكية والمشرعين من تكرار أحداث العنف التي وقعت في 6 يناير الماضي وما يرتبط بها من استهداف أفراد الشرطة ومشرعي الكونجرس، ولا سيما في ظل ترويج ترامب وعدد من الجمهوريين بالكونجرس، لأشهُر، للادعاءات الخاصة بتزوير الانتخابات الرئاسية، بحجة الدفاع عن الديمقراطية الأمريكية. وعلاوة على ما سبق، كانت توجد العديد من المخاوف من أن تنضم جماعات أكثر تطرفاً تعاني من مظالم أخرى إلى الفعاليات، وهو ما لم يحدث.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2</strong><strong>– <a>الاستفادة من الخلل الأمني السابق</a>:</strong> لمنع تكرار أحداث العنف التي وقعت في 6 يناير، فرضت القوات الأمنية سياجاً أمنياً حول مبنى الكونجرس بلغ ارتفاعه ثمانية أقدام، بالإضافة إلى اتخاذ كافة التدابير اللازمة للحيلولة دون اندلاع أعمال شغب جديدة، ونُشرت كذلك العديد من المدرعات والعناصر الأمنية المزودة بالمعدات اللازمة، فضلاً عن استعداد قوات الحرس الوطني، وتأهب الشرطة لمنع وقوع الاشتباكات بين مؤيدي ترامب ومعارضيه، بالإضافة إلى وجود غيرها من وكالات إنفاذ القانون. وفي هذا الإطار، أكد رئيس شرطة الكابيتول توم مانجر أنه لن يتم التسامح مع العنف أو أي سلوك إجرامي من أي نوع.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3</strong><strong>– <a>إعادة تشكيل الحزب الجمهوري</a>:</strong> تستمر تداعيات أحداث 6 يناير حتى الوقت الحالي في إلقاء ظلالها على المشهد السياسي الأمريكي؛ حيث تقاعد النائب الجمهوري الصاعد أنتوني جونزاليس عن ولاية أوهايو الذي صوت لعزل الرئيس ترامب، وبرر عدم إقدامه على الترشح مرة أخرى بأن الأمر يعود إلى "الديناميكيات السامة داخل الحزب الجمهوري"، وإلى "البيئة السياسية الفوضوية"، بينما لم يصدر قادة الحزب الجمهوري بياناً لدعم جونزاليس، وهو ما يؤكد النفوذ الذي يتمتع به ترامب داخل أروقة الحزب. كما يُمثل صمت قادة الحزب الجمهوري وإحجامهم عن إدانة الانتقادات اللاذعة التي يوجهها مؤيدو ترامب إلى زملائهم الجمهوريين؛ أحد العوامل التي تتسبب في الخلافات داخل الحزب الجمهوري، كما يحاول الجمهوريون تجاهل ما حدث، والتقليل من شأن أحدث العنف في 6 يناير؛ لإتاحة الفرصة لهم للمضي قدماً للاستعداد لانتخابات التجديد النصفي للكونجرس القادمة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ورغم أن التظاهرات كانت صورية، فإنها تشير إلى الانقسامات وحجم "المتطرفين" الموجودين بالفعل داخل الحزب الجمهوري، وهو الأمر الذي يظهر من تعدد المرشحين الجمهوريين الذين حضروا التظاهرات. بينما يعتقد البعض –ومن بينهم النائب الديمقراطي تيد ليو– أن المشاركة المنخفضة في تلك الاحتجاجات تُظهر أن تأثير ترامب على الحزب الجمهوري قد بدأ يتراجع.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>في الختام، فشلت الجماعة المنظمة للاحتجاجات في جذب حشود كبيرة، في ظل التحذيرات من كونها فخاً حكومياً. ورغم ذلك فإنها لها العديد من الأهداف الهامة، من بينها محاولة الترويج لمثيري الشغب في الكونجرس يوم 6 يناير باعتبارهم سجناء سياسيين، ومحاولة تحويل الانتباه من محاسبة المسؤولين عن الفوضى الحادثة في ذلك اليوم إلى الحديث عن حقوق المسجونين والمعاملة التي يتعرضون لها في ظل حرمانهم من الإجراءات القانونية العادلة. ومن جهة أخرى، قد يستغل الرئيس السابق دونالد ترامب تلك القضية لحشد أنصاره بالتركيز على قضية المحتجزين في أحداث 6 يناير استعداداً لخوضه الانتخابات الرئاسية التي ستُجرَى في نوفمبر 2024.</strong></p>

      

أهداف احتجاجات "العدالة لمعتقلي 6 يناير" أمام الكونجرس