عمرو عبدالعاطي

بشَّر الرئيس دونالد ترامب، خلال خطاب تنصيبه في العشرين من يناير الجاري ليكون الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة، بعصر ذهبي جديد؛ حيث أكد أن "الحقبة الذهبية لأمريكا بدأت للتو"، وأن "انحدارها قد انتهى"، مشدداً على أنه لن يسمح لأحد باستغلال الولايات المتحدة بعد الآن، وتعهد بأن تكون الأولوية هي "جعل أمريكا مزدهرة وحرة"، وأعلن عن نيته توقيع سلسلة من الأوامر التنفيذية التاريخية لتعزيز سياسات إدارته.وفي أعقاب تنصيبه، وقع الرئيس ترامب سلسلة من الأوامر التنفيذية التي تستهدف إلغاء العديد من السياسات التي وضعتها إدارة سلفه جو بايدن، وأخرى من شأنها إحداث تغييرات شاملة في عديد من القضايا التي قسمت البلاد، ومنها الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، والعفو عن المعتقلين في قضايا اقتحام الكونجرس في 6 يناير، والحد من الهجرة، وتعزيز إنتاج الوقود الأحفوري، والتراجع عن اللوائح البيئية. تحديات قادمةعلى الرغم من هيمنة حزب الرئيس (الحزب الجمهوري) على أغلبية مجلسَي الكونجرس الأمريكي (مجلس النواب ومجلس الشيوخ)، والأغلبية المحافظة في المحكمة العليا الأمريكية؛ حيث عين ثلث أعضائها التسعة خلال رئاسته الأولى؛ فإن الرئيس يواجه تحديات صعبة لتحقيق وعده بإطلاق "عصر ذهبي لأمريكا"، وهي التحديات التي تتمثل فيما يلي: 1– دعاوى قضائية ضد ثلاث من القرارات التنفيذية: في اليوم الأول من توليه منصبه، واجه الرئيس دونالد ترامب سلسلة من الدعاوى القضائية تتحدى ثلاثة أوامر تنفيذية وقعها فور تنصيبه. تضمنت هذه الأوامر السعي إلى إلغاء حق الجنسية المكتسبة بالولادة، وإنشاء إدارة الكفاءة الحكومية (DOGE)، وإعادة تصنيف آلاف الموظفين الفيدراليين لجعل فصلهم أكثر سهولةً. وقد تركزت الدعاوى على الانتهاكات المزعومة للقوانين والدستور الأمريكي، خاصة فيما يتعلق بحقوق المواطنة والقوانين التنظيمية الفيدرالية.أثار الأمر التنفيذي بإلغاء حق الجنسية المكتسبة بالولادة جدلاً واسعاً بين جماعات الحقوق المدنية وحقوق المهاجرين؛ حيث اعتبرته هذه الجماعات انتهاكاً للقانون الفيدرالي والدستور الأمريكي، ولا سيما التعديل الرابع عشر من الدستور. وقد قام اتحاد الحريات المدنية الأمريكي وعدد من المنظمات الأخرى برفع دعوى قضائية تطالب بإعلان عدم قانونية الأمر التنفيذي ومنعه. وتتضمن الدعوى القضائية التي تم تقديمها أن الأمر التنفيذي قد يؤدي إلى جعل الأطفال المولودين في الولايات المتحدة من آباء غير قانونيين أو مؤقتين عديمي الجنسية. وقد جاء في نص الدعوى أن هذا الأمر "غير دستوري"، ويشكل تهديداً للحقوق الأساسية للأفراد، كما أكد المحامون أن هذا القرار قد يؤثر سلباً على حياة العديد من الأطفال والعائلات؛ ما يستدعي تدخل القضاء لحماية حقوقهم.وقد واجهت إدارة الكفاءة الحكومية ثلاث دعاوى قانونية تتهمها بخرق قانون الشفافية الفيدرالي، وادعت أنها تعمل كـ"عملية ظل" يقودها مليارديرات غير منتخبين لتحقيق مكاسب شخصية، وأنها تعمل خارج حدود اللوائح الفيدرالية المعمول بها. وتؤكد الدعاوى القضائية المرفوعة ضد هذه الإدارة أنها تعمل كلجنة استشارية اتحادية، ويجب أن تلتزم بمتطلبات الشفافية المنصوص عليها في قانون اللجنة الاستشارية الفيدرالية.أما الأمر التنفيذي المتعلق بإعادة تصنيف الموظفين الفيدراليين، فقد واجه انتقادات لتأثيره السلبي على حقوق العمال، واعتبرته النقابات أداة لتطبيق اختبارات الولاء السياسي. ومع تقدم هذه القضايا من خلال المحاكم، من المرجح أن تشكل المشهد المستقبلي للسلطة التنفيذية والتفسيرات الدستورية في الولايات المتحدة.2– الأغلبية الجمهورية الضئيلة بالكونجرس: تعني الأغلبية الجمهورية الضئيلة بمجلس النواب (219/215)، التي تعد أضيق أغلبية في مجلس النواب منذ ما يقرب من 100 عام، والأغلبية في مجلس الشيوخ (53/47)؛ أن أي تشريع سيتطلب دعم كل الأعضاء الجمهوريين؛ ما يجعل من الصعب تمرير تدابير مثيرة للجدل أو توسعية دون تعاون بين الحزبين. وستحتاج العديد من السياسات المقترحة من ترامب إلى 60 صوتاً في مجلس الشيوخ للتغلب على المماطلة، وهو أمر يمثل تحدياً بالنظر إلى المناخ السياسي الحالي. وفي حين أن تسوية الميزانية تسمح بمرور بعض التدابير المتعلقة بالضرائب بأغلبية بسيطة، فإن هذا النهج يقتصر على قضايا محددة.وينقسم المشرعون الجمهوريون حول أفضل السبل للنهوض بأجندة ترامب؛ فيفضل البعض توحيد المبادرات الرئيسية في حزمة تشريعية واحدة كبيرة، بينما يدعو آخرون إلى فصلها إلى مشاريع قوانين أصغر. ويمكن أن يؤدي هذا الخلاف إلى التأخير وعدم الكفاءة في تمرير أجندة الرئيس ترامب التشريعية، فضلاً عن أن أي مقترحات تزيد من الدين الوطني بشكل كبير ستواجه تدقيقاً من الأعضاء المحافظين في الحزب. وهذا القلق يعقد القدرة على توحيد الجمهوريين حول مبادرات الإنفاق التوسعية أو التخفيضات الضريبية التي يقترحها ترامب.3– تداعيات ارتدادية للتعريفات الجمركية على الشركاء التجاريين: تواجه خطة الرئيس دونالد ترامب لتحقيق وعوده الانتخابية وتأسيس عصر ذهبي للولايات المتحدة العديد من التحديات الاقتصادية الكبيرة. يتمثل أحد التحديات الرئيسية في إدارة التوازن بين السياسات التجارية العدوانية وتأثيرها المحتمل على الاقتصاد. وتهدف التعريفات الجمركية التي اقترحها ترامب على الشركاء التجاريين الرئيسيين، بما في ذلك كندا والمكسيك والصين، إلى تعزيز التصنيع المحلي، ولكنها تخاطر بتعطيل سلاسل التوريد العالمية، لا سيما في صناعات مثل صناعة السيارات. ويحذر الاقتصاديون من أن مثل هذه الاضطرابات يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار المستهلكين، وانخفاض الطلب، وانخفاض أرباح الشركات؛ ما قد يعيق الاستثمار والنمو الاقتصادي في نهاية المطاف. وعلاوةً على ذلك، يمكن للتدابير الانتقامية من الشركاء التجاريين أن تؤدي إلى تفاقم هذه التحديات؛ ما يخلق حالة من عدم اليقين في الأسواق الدولية.4– الانعكاسات الاقتصادية السلبية لسياسات الهجرة: من المتوقع أن تؤدي خطة الرئيس الأمريكي للترحيل الجماعي للمهاجرين، إلى نقص حاد في القوى العاملة في قطاعات حيوية مثل الزراعة والبناء. ووفقاً للخبراء، فإن ترحيل عدد كبير من المهاجرين قد يترك فجوة في سوق العمل؛ ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وزيادة تكاليف الإنتاج، وهو ما يتعارض مع أهداف ترامب الاقتصادية المتمثلة في خفض الأسعار وتعزيز النمو.وتشير إحدى الدراسات إلى أن ترحيل 500,000 مهاجر قد يؤدي إلى فقدان 44,000 وظيفة لمواطنين أمريكيين. ويمكن لهذا التأثير أن يفاقم مشكلة البطالة ويزيد من الضغوط الاقتصادية على الأسر الأمريكية. وبحسب تقديرات مجلس الهجرة الأمريكي فإن تكلفة ترحيل مليون شخص سنوياً قد تصل إلى 88 مليار دولار؛ ما يشكل عبئاً مالياً كبيراً على الحكومة الأمريكية.5– تقييد ارتفاع الدين الوطني تحركات ترامب لخفض الضرائب: يشكل الدين الوطني المتصاعد قيداً ماليّاً كبيراً على قدرة ترامب على تنفيذ التخفيضات الضريبية الطموحة وبرامج الإنفاق. ويمكن لمقترحات مثل خفض معدلات ضريبة الشركات بشكل أكبر أو إلغاء الضرائب على استحقاقات الضمان الاجتماعي أن تسرع من استنزاف الأموال الحيوية، مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية. وفي الوقت نفسه، قد تعمق هذه التدابير العجز المالي ما لم تقابلها تخفيضات كبيرة في الإنفاق أو زيادات في الإيرادات في مجالات أخرى. ويمكن أن يقوض هذا التوازن المالي الثقة بالحكم الأمريكي والاستقرار الاقتصادي؛ ما يحد قدرة ترامب على الوفاء بوعوده بالتجديد الاقتصادي للولايات المتحدة.مخاطر التشتتخلاصة القول أن التحديات التي تواجه دونالد ترامب في الوفاء بالوعود التي قُطعت خلال خطاب التنصيب متعددة الأوجه، ومتجذرة بعمق في المشهد السياسي والقيود المؤسسية والديناميات المجتمعية. وقد تضع شخصية الرئيس الأمريكي التي تميل إلى التصريحات المثيرة للجدل واتباع توجهات غير متوقعة، عراقيل أمام تنفيذ سياساته الطموحة.تاريخياً، يعتمد ترامب على إثارة الجدل واستقطاب الانتباه كأداة لتوجيه النقاش العام؛ ما يزيد تعقيد المشهد السياسي ويُفاقم الانقسامات داخل المجتمع الأمريكي. وهذا النهج قد يُساعده في تعزيز ولاء قاعدته الشعبية، لكنه أيضاً يُعرض أجندته لمخاطر التشتت أمام ضغوط الكونجرس والمعارضة. ومع بدء ولايته الثانية، يبقى السؤال الرئيسي حول مدى قدرة ترامب على تحقيق توازن بين طموحاته السياسية وأساليبه الجدلية التي غالباً ما تؤدي إلى توتر الأجواء السياسية. والطريقة التي سيتعامل بها مع هذه التحديات ستكون حاسمة في تحديد مدى نجاحه في تنفيذ رؤيته لـ"العصر الذهبي" الذي وعد به خلال خطاب التنصيب.

تحديات تنفيذ "ترامب" لوعوده خلال خطاب التنصيب