د. أحمد عبدالعليم حسن


        
<p><strong>تمثل الدعوة الأوكرانية إلى انخراط مقاتلين أجانب في الحرب ضد روسيا، أمراً خطيراً، ولا تقتصر خطورته على كييف فحسب، بل تمتد إلى باقي القارة الأوروبية، خاصةً في ظل التوظيف المزدوج للمقاتلين الأجانب ووجود خبرة روسية في هذا الإطار، وبما يعكس تحوُّل أوكرانيا إلى ساحة للحرب الهجينة في المرحلة المقبلة. ومن جانب آخر، فإن استدعاء المقاتلين الأجانب للصراع قد فتح الباب واسعاً أمام تنامي أنشطة اليمين المتطرف في أوروبا، ومحاولة تجنيد الموالين لهم في الحرب، وما يرتبط بذلك من إمكانية تحول أوكرانيا إلى ساحة لنقل الأيديولوجيات المتطرفة والأكثر تطرفاً، جنباً إلى جنب مع احتمالية ارتفاع تكلفة الصراع بقدر كبير في المستقبل القريب.</strong><strong></strong></p>



<div style="height:13px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">توظيف مزدوج</span></strong></p>



<p><strong>هناك العديد من المؤشرات الدالة على تصاعد توظيف المقاتلين الأجانب في خضم الحرب الأوكرانية الحالية، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- تقنين أوكرانيا استقبال المقاتلين الأجانب رسمياً:</strong> وقَّع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مرسوماً رئاسياً يسمح للمقاتلين الأجانب المتطوعين الراغبين في دعم أوكرانيا ضد التدخل العسكري الروسي، بدخول البلاد من دون تأشيرة. وقد تمّ تطبيق القرار اعتباراً من الأول من مارس 2022. وذكر المرسوم أن هذا القرار لا ينطبق بطبيعة الحال على المواطنين الروس. وقد جاء الإعلان عن القرار الأوكراني بعد مناشدات قام بها الرئيس تزامناً مع بدء العمليات العسكرية الروسية ضد بلاده؛ إذ دعا أصدقاء أوكرانيا إلى المشاركة في الدفاع عنها عبر تشكيل فيلق دولي لذلك.</p>



<div style="height:30px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- إدخال عشرات المرتزقة الموالين لروسيا إلى أوكرانيا: </strong>بالتزامن مع بدء العمليات العسكرية الروسية في الأراضي الأوكرانية، كشفت تقارير صحفية أن روسيا نقلت نحو 400 مقاتل من دولة مالي إلى أوكرانيا، وأن من من مهام هؤلاء المرتزقة اغتيال الرئيس الأوكراني الحالي، كذلك فلم تكتفِ روسيا بتوظيف المقاتلين الأجانب غير النظاميين، وإنما سعت إلى توظيف مقاتلين أجانب نظاميين على غرار الحديث عن إمكانية نقل جنود من بيلاروسيا إلى أوكرانيا لدعم القوات الروسية، وكذلك الحديث عن رفض كازاخستان في الثاني من مارس الجاري إرسال جنود إلى أوكرانيا ضمن معاهدة الأمن الجماعي مع روسيا.</p>



<div style="height:30px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- دعم غربي لانخراط المقاتلين الأجانب في أوكرانيا: </strong>جاء إعلان وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس، عن دعمها توجه الراغبين في القتال إلى أوكرانيا، لافتاً ومفاجئاً، خاصةً في ظل ما يرتبط بانخراط المقاتلين الأجانب من تداعيات سلبية على الدول محل الصراع ودول الجوار في مناطق الصراعات حول العالم. وكانت تراس قد أعادت تغريدة لنظيرها الأوكراني حول ضرورة اتصال المقاتلين المتطوعين بالبعثات الدبلوماسية الأوكرانية من أجل تسهيل نقلهم إلى كييف من أجل مواجهة روسيا.</p>



<div style="height:30px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- توعُّد روسي لـ"المرتزقة الغربيين" في أوكرانيا:</strong> أعلنت وزارة الدفاع الروسية في 3 مارس 2022، أن مَن وصفتهم بأنهم "مرتزقة غربيون" في أوكرانيا سوف يحرمون من معاملة أسرى الحرب، كما زعمت أن هجمات المرتزقة الأجانب على القوات الروسية في أوكرانيا تتم باستخدام أسلحة تم تقديمها من جانب الغرب. ويعني الموقف الروسي أنه بمجرد وقف إطلاق النار سوف يتم محاكمة المقبوض عليهم وفق القانون الروسي.</p>



<div style="height:30px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تأجيج الوضع</span></strong></p>



<p><strong>إن تحوُّل القارة الأوروبية إلى بؤرة للمقاتلين الأجانب يرتبط بالعديد من التداعيات السلبية التي يمكن توضيحها على النحو التالي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- </strong><strong>تصاعد أنشطة ميليشيات اليمين المتطرف: </strong>أدَّى الهجوم الروسي على أوكرانيا إلى دفع قادة الميليشيات الأوروبية اليمينية المتطرفة إلى جمع الأموال عبر الإنترنت ومحاولة تجنيد المقاتلين والتخطيط للسفر إلى أوكرانيا من أجل مواجهة التدخل العسكري الروسي، وهو ما تجلى بوضوح في فرنسا وفنلندا. جدير بالذكر أن كتيبة "آزوف" التابعة للحرس الوطني الأوكراني، تستقطب بالفعل مقاتلين أجانب من اليمين المتطرف من جميع أنحاء العالم، وهي ظاهرة من المرجح أن يكون لها تداعيات سلبية على الأمن الأوروبي في المديين المنظور والمتوسط.</p>



<div style="height:30px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- تحوُّل أوكرانيا إلى ساحة للحرب الهجينة: </strong>أكد الرئيس الأوكراني، في 3 مارس 2022، أن 16 ألف مقاتل أجنبي قد وصلوا بلاده للمساعدة في القتال ضد روسيا، وهي أرقام أولية في ظل توقعات بوصول أعداد أكبر خلال الأيام القليلة المقبلة، وهو ما يعكس إمكانية تحوُّل أوكرانيا بوجه خاص والقارة الأوروبية بوجه عام إلى نقطة تموضع للحرب الهجينة التي تتماهى فيها مظاهر التهديدات النظامية وغير النظامية، وهو ما يعزز في مجمله من تدهور الوضع الأمني في أوكرانيا في ظل احتدام متوقع للمعارك الميدانية.</p>



<div style="height:30px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- الترويج للأيديولوجيات المتطرفة بين المقاتلين: </strong>من شأن طبيعة بيئة الصراع الحالية والمحتملة في أوكرانيا أن تمثل فرصة من أجل نقل الأيديولوجيات المتطرفة والأكثر تطرفاً إلى المقاتلين المنخرطين في المعارك. وفي ظل كون أغلب المتطوعين حتى اللحظة من الولايات المتحدة ودول أوروبية، فإن عودة هؤلاء المقاتلين مرةً أخرى إلى بلدانهم من المرجح أن تشكل تهديداً حقيقياً على الأمن والاستقرار فيها، لا سيما أن أغلب هؤلاء المقاتلين العائدين سيكون لديهم علاقات شبكية مع مقاتلين من دول أخرى حول العالم.</p>



<div style="height:30px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- ارتفاع محتمل لتكلفة الصراع في أوكرانيا:</strong> من المرجح أن يؤدي انخراط المقاتلين الأجانب، ومحاولة توظيفهم من طرفي الصراع الرئيسيين، إلى رفع تكلفة الصراع بقدر أكبر؛ إذ من المتوقع أن يتزايد أعداد النازحين في الداخل الأوكراني مع تزايد أعداد اللاجئين الفارين من أوكرانيا؛ حيث كشفت التقديرات عن وجود نحو 875 ألف لاجئ أوكراني حتى 3 مارس 2022. ومن جانب آخر، فإن هناك توقعات من جانب الاتحاد الأوروبي أن يصل عدد الأوكرانيين المتأثرين بالحرب بشكل مباشر إلى نحو 18 مليون أوكراني.</p>



<div style="height:30px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وختاماً، فإن استدعاء المسؤولين الأوكرانيين المقاتلين الأجانب من أجل الانخراط في المعارك الميدانية ضد الجنود الروس، برغم أنه قد يحقق مكاسب آنية مؤقتة على الأرض، فإنه على المديين المتوسط والطويل قد يُمثِّل معضلة حقيقية أمام صانع القرار الأوكراني، وبما يعكسه ذلك من خطورة محتملة على أي استقرار في الداخل الأوكراني إذا تم التوصل إلى تسويات سياسية في المستقبل القريب.</strong><strong></strong></p>

      

تداعيات الانخراط المتزايد للمقاتلين الأجانب في الحرب الأوكرانية