إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

ما زالت إيران حريصة على توجيه إشارات متناقضة بشأن موقفها من الحرب التي تشنها إسرائيل في لبنان، بعد قطاع غزة، خاصةً عقب اغتيال الأمين العام لحزب الله "حسن نصر الله" في 27 سبتمبر 2024، على نحو يُوحي بأنها ربما تكون أكثر ميلاً إلى عدم التصعيد أو الانخراط في تلك الحرب؛ تجنباً لما يعتبره المسؤولون الإيرانيون "فخاً" ينصبه رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" لإيران. لكن رغم ذلك، فإن هناك اتجاهاً داخل إيران يمارس ضغوطاً من أجل الانخراط في الحرب الحالية، حتى مع إدراكه الكلفة العالية التي يمكن أن يفرضها هذا الانخراط المحتمل على أمن واستقرار ومصالح إيران، فضلاً عن إدراكه أيضاً حجم الاختراق الأمني الذي تعاني منه إيران على غرار وكلائها من الميليشيات في المرحلة الحالية.&nbsp;دوافع عديدةيستند هذا الاتجاه الداعي إلى الانخراط في الحرب ضد إسرائيل، حتى لو لم تكن إيران على أتم الاستعداد لها، إلى اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:1– الرغبة في إبعاد شبح الحرب عن حدود إيران: يرى هذا الاتجاه أن الانخراط في الحرب ضد إسرائيل في لبنان قد يكون أفضل بكثير من الاضطرار إلى الانخراط في تلك الحرب داخل إيران نفسها. وبمعنى آخر، فإن هذا الاتجاه يرى أن من الضروري أن يكون الانخراط في الحرب الحالية اختياراً قبل أن يكون اضطراراً. ووفقاً لتلك الرؤية، فإن إيران قد تكون الهدف القادم لإسرائيل، خاصةً أن النتائج البارزة التي حققتها الأخيرة في إدارة التصعيد العسكري مع حركة حماس في قطاع غزة وحزب الله في لبنان، فضلاً عن الاختراقات الأمنية الواسعة التي تمكنت من توسيع نطاقها داخل إيران ولدى معظم الوكلاء، إن لم يكن مجملهم، قد تُغرِيها بمواصلة الحرب الحالية لتشمل بجانب الوكلاء إيران نفسها. وهنا، فإن الأفضل بالنسبة إلى إيران، طبقاً لرؤية هذا الاتجاه، أن تكون ساحة الحرب بعيدة عن حدودها، وفي أراضي الدول الأخرى، حتى لو كان ذلك على حساب الوكلاء.2– الالتزام بمقاربة المرشد "خامنئي" بشأن الحرب: يستند هذا الاتجاه إلى المقاربة التقليدية التي سبق أن أعلنها المرشد الأعلى للجمهورية "علي خامنئي"، في عام 2014، عندما قال إن "إيران تحارب خصومها في حلب وحمص ودمشق وبيروت وغزة بدلاً من أن تضطر إلى محاربتهم في طهران وأصفهان". ويعني ذلك، وفقاً لهذا الاتجاه، أن إيران تتبنى استراتيجية متقدمة تقوم على الالتزام بخط أحمر أساسي، وهو عدم التعرض لهجوم مباشر من الخارج، سواء من جانب إسرائيل أو من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، أو من جانب أي طرف آخر، وتقليص احتمالات هذا الهجوم عبر التلويح بامتلاك القدرة على رفع كلفته عن طريق الوكلاء الموالين لإيران في المنطقة، الذين يتولون مهمة إدارة التصعيد مع هذه القوى نيابةً عن إيران.3– التطلع للحفاظ على نفوذ إيران لدى الوكلاء: من شأن عزوف إيران عن التدخل حالياً لدعم الوكلاء في المواجهة المتصاعدة مع إسرائيل، في رؤية هذا الاتجاه، أن يفرض عواقب سلبية خطيرة على العلاقات بين الطرفين. وقد أشارت تقارير عديدة بالفعل إلى أنه عقب الهجمات الإلكترونية التي سُميت "هجمات البيجر" و"الووكي توكي"، التي شنتها إسرائيل ضد حزب الله في 17 و18 سبتمبر 2024، طلب حزب الله – الذي يبدو أنه كان يُدرك أن ذلك قد يمثل مقدمة لشن حرب واسعة ضده – من إيران التدخل مباشرةً لتخفيف الضغط الذي تفرضه تلك الحرب عليه، وهو ما قُوبل برفض من جانب الأخيرة، التي استندت في هذا السياق إلى مبرر عدم الانجرار إلى "فخ نتنياهو".ومن دون شك، فإن إيران تُدرك أن الوكلاء قد لا يكون لديهم خيارات كثيرة في إدارة العلاقات معها، باعتبارها قائدة ما يُسمى "محور المقاومة"، لكن ذلك لا ينفي أن وصول الوكلاء إلى قناعة بأن ثمة تراجعاً في قدرة إيران على دعمهم والانخراط في المواجهات العسكرية التي يشاركون فيها من شأنه أن يدفعهم إلى توسيع مساحة وحرية الحركة المتاحة أمامهم في إدارة هذه المواجهات والتعامل مع الأزمات والتطورات التي تستتبعها بعيداً عن حسابات ومصالح إيران نفسها، على نحو يعني في المقام الأول تراجع النفوذ الإيراني لدى الوكلاء، الذي استنزف قسماً من الموارد الإيرانية على مدى أكثر من أربعة عقود.4– عرقلة الأجندة الخارجية للرئيس "بزشكيان": يبدي هذا الاتجاه قلقاً واضحاً إزاء الأجندة الجديدة التي يعمل عليها حالياً الرئيس "مسعود بزشكيان" وطاقم حكومته، لا سيما مساعده للشؤون الاستراتيجية "محمد جواد ظريف" ووزير الخارجية "عباس عراقجي"؛ إذ يرى هذا الاتجاه أن الرئيس وطاقمه الحكومي يسعون إلى استغلال التصعيد الحالي في المنطقة وعزوف إيران حتى الآن عن المشاركة فيه لتعزيز القدرة على فتح قنوات تواصل مع الدول الغربية، وربما الوصول إلى صفقة جديدة حول الاتفاق النووي.وفي رؤيتهم، فإن الزيارة التي سيقوم بها الرئيس "بزشكيان" إلى قطر، يومي 30 سبتمبر وأول أكتوبر 2024، ورغم أن عنوانها الرئيسي المشاركة في اجتماع رؤساء الدول المشاركة في منتدى حوار التعاون الآسيوي، قد تكون مناسِبة لتبادل رسائل بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، وتفعيل دور قطر وسيطاً بين الطرفين، وهو أحد الأهداف التي يرى هذا الاتجاه أن الرئيس سعى إلى تحقيقها خلال مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.وفي رؤية هذا الاتجاه، فإن هذه الأجندة التي يتبناها الرئيس وطاقمه الحكومي لن تفرض تداعيات إيجابية على مصالح إيران، خاصةً فيما يتعلق بإنقاذ الاتفاق النووي، لا سيما مع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي الحالي "جو بايدن"، وتزايد احتمالات عودة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" إلى البيت الأبيض مجدداً في يناير 2025، في حالة فوزه على مرشحة الحزب الديمقراطي نائبة الرئيس "كامالا هاريس" في الانتخابات الرئاسية التي سوف تجرى في 5 نوفمبر 2024.ومن هنا، فإن هذا الاتجاه يرى أن الانخراط في التصعيد العسكري مع إسرائيل من شأنه أن يقلص قدرة الرئيس "بزشكيان" على تنفيذ أجندته أو اتخاذ خطوات إجرائية في سبيل فتح قنوات تواصل أو إجراء مفاوضات جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي سوف تشارك، في الغالب، في التصدي لأي هجمات قد تشنها إيران ضد إسرائيل بواسطة الصواريخ الباليستية أو الطائرات من دون طيار، على غرار ما حدث في 13 أبريل 2024، وقد وجهت رسائل مباشرة إلى إيران تفيد بهذا المعنى خلال الفترة الأخيرة.جدل متواصلعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن الجدل سوف يتواصل داخل إيران خلال المرحلة القادمة حول حدود الدور الذي يمكن أن تقوم به في إدارة التصعيد العسكري بين إسرائيل ووكلائها في المنطقة، خاصةً في ظل إصرار إسرائيل على مواصلة عملياتها العسكرية في معظم الدول التي يوجد فيها الوكلاء، على غرار لبنان وسوريا واليمن، بجانب الأراضي الفلسطينية، وفي ظل التهديدات التي ما زالت تواصل توجيهها إلى إيران وآخرها ما جاء على لسان رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" الذي وجه رسالة إلى الشعب الإيراني في 30 سبتمبر 2024، قال فيها إن "إسرائيل تقف بجانبكم"، متهماً النظام الإيراني بـ"إغراق المنطقة في الظلام والحرب"، ومشيراً في الوقت نفسه إلى أنه "لا يوجد مكان على الأرض لا تستطيع إسرائيل الوصول إليه".

لماذا يضغط اتجاه في إيران للانخراط في الحرب ضد إسرائيل؟