إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

تسعى مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، وكذلك المرشح الجمهوري دونالد ترامب، إلى جذب النقابات العمالية الأمريكية لدعم حملتهما الانتخابية؛ حيث تؤكد هاريس أن وصول منافسها الرئيس السابق من جديد إلى البيت الأبيض يعني مزيداً من الخسائر للعمال الأمريكيين، خاصة أن ترامب يميل بدرجة أكبر نحو دعم رجال الأعمال، كما أنه لا يشجع فكرة التنظيمات النقابية التي تناهض بيئات العمل غير العادلة. أما ترامب فيتهم من يصوت أو يدعم هاريس من العمال بـ"الغباء".ويمثل ناخبو النقابات العمالية نحو 10% من متوسط إجمالي المصوتين في الولايات المتحدة. وبالرغم من أن النسبة ليست كبيرة أو قادرة على تحديد الفائز في الانتخابات الرئاسية، فإنها كتلة تصويتية قادرة على إحداث تغيير في نتيجة الانتخابات في بعض الولايات المتأرجحة إذا مالت نحو مرشح معين دون الآخر.القضايا المؤثرةهناك مجموعة من القضايا التي يُمكنها التأثير في الناخبين المنتمين إلى النقابات خلال الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في الخامس من نوفمبر القادم، وهي القضايا التي يتمثل أبرزها في:1- تعزيز وجود الموظفين المنتمين إلى النقابات في الوظائف الفيدرالية: تعتبر هذه القضية من القضايا الأكثر جذباً للناخبين النقابيين، ويمتلك فيها الديمقراطيون سجلاً أكثر ثراءً مقارنة بالجمهوريين؛ فبعدما سعت إدارة دونالد ترامب في عام 2018 لتقليص وجود نحو 950 ألف موظف فيدرالي بسبب انتمائهم إلى النقابات من خلال ثلاثة أوامر تنفيذية، ثم تدابير أخرى في عام 2020؛ عملت إدارة جو بايدن على معالجة هذه الأمور بعدة طرق تمثلت في السماح بتعزيز وجود الموظفين الفيدراليين المنتمين إلى النقابات، فزادت أعدادهم لعشرات الآلاف، فضلاً عن رئاسة نائبته هاريس فريق عمل بالبيت الأبيض تركزت اختصاصاته في البحث عن سبل تبسيط إجراءات تنظيم نقابات العمال الفيدرالية، وهو أمر من شأنه منح مساحة أكبر للنقابات العمالية بالتفاوض مع الحكومة الفيدرالية لتوضيح مطالب العمال، وتحسين ظروف عملهم.2- الاهتمام بصحة وسلامة العمال في أماكن العمل: تهتم الإدارات الديمقراطية بدرجة أكبر بسلامة وصحة العمال الأمريكيين مقارنة بالإدارات الجمهورية، وهو ما تجلى خلال فترة حكم ترامب؛ إذ كان هناك تدنٍّ في سرعة إحلال مفتشين جدد محل المفتشين المتقاعدين التابعين لإدارة السلامة والصحة المهنية التابعة لوزارة العمل؛ ما أدى إلى تراجع عمليات الرقابة على مستوى الالتزام بسلامة وصحة العاملين في أماكن العمل، مقارنة بما كانت عليه الأوضاع خلال فترة حكم الرئيس الأسبق باراك أوباما. وخلال فترة انتشار جائحة فيروس كورونا، أهملت إدارة ترامب تعليمات السلامة في أماكن العمل؛ ما عرَّض الآلاف من العاملين للخطر.وبالرغم من أن التقديرات تشير إلى أن الوضع خلال إدارة بايدن لم يتسم بالمثالية؛ إذ كانت هناك زيادة في وقوع الحوادث داخل مقرات العمل، فإن الإدارة بدت أكثر اهتماماً بسلامة العمال، خاصة خلال الجائحة من خلال أمر تنفيذي وقَّع عليه بايدن بعد دخوله المكتب البيضاوي بيومين خلال عام 2021، فضلاً عن مشروع القانون المقدم في يوليو 2024، بهدف حماية 36 مليون عامل من ارتفاع درجات الحرارة عبر دفع أماكن العمل إلى تبني تدابير حماية لهم، فضلاً عن مساعي الإدارة الأمريكية لزيادة الميزانية المخصصة لإدارة السلامة والصحة المهنية خلال عام 2025 بنسبة تصل إلى 3.7%.3- تعزيز وجود النقابات وقدراتها على التفاوض مع أصحاب الأعمال: يهتم الناخبون المنتمون إلى النقابات بضمان استمرار نقاباتهم، وضمان سيطرتهم على مجالس النقابة التي تتفاوض من أجل تمثيل مصالحهم مع الجهات التنفيذية. وبموجب قانون العلاقات العمالية الوطنية الذي وقع عليه روزفلت، تُعقَد انتخابات لمجالس النقابات يشرف عليها مجلس العلاقات العمالية الوطنية. وأثناء فترة حكم أوباما كان المجلس يسمح بإجراء انتخابات "بسرعة" حينما يعرب العمال من أعضاء النقابة عن رغبتهم في وجود تمثيل نقابي يتفاوض مع أصحاب الأعمال، على أن يعترف أصحاب الأعمال بتلك النقابات، وهو ما ألغاه ترامب في عام 2019، ثم أعاده بايدن في عام 2023. وبما أن تلك النقابات ومجالسها تمثل مصالح العمال، فمن الطبيعي أن تميل النقابات لدعم الديمقراطيين الذين يمنحوهم مساحة أكبر للتفاوض والحركة.ميل نحو الديمقراطيين تمتلك النقابات العمالية نفوذاً داخل الولايات المتأرجحة التي تمثل ساحات معارك رئيسية في الانتخابات الرئاسية، وهو ما يتجلى بشكل أكثر وضوحاً في ولايات مشيجان وبنسلفانيا ونيفادا وويسكونسن؛ حيث يبلغ نسبة المصوتين النقابيين نحو 20% من إجمالي أعداد الناخبين، وهي نسب هامة قادرة على ترجيح كفة الانتخابات. وعلى مدار العقود المنصرمة كانت هناك توجهات تصويتية للنقابات العمالية، وهو أمر عززته مواقف الرؤساء. وفيما يلي يمكن تناول أهم توجهات النقابات تجاه مرشحي الرئاسة:1- الارتباط التاريخي الواسع بين النقابات و الديمقراطيين: بالرغم من مساعي ترامب والجمهوريين إلى جذب تلك الكتلة التصويتية، فإنها غالباً ما مالت نحو الديمقراطيين؛ حيث تُظهر استطلاعات الرأي الوطنية المختلفة تفضيلاً أكبر للمرشح الديمقراطي عن الجمهوري بالنظر إلى الأيديولوجيات التي يمثلها كل حزب، التي تميل إلى دعم العمال والنقابات العمالية بصورة أكبر في حالة الديمقراطيين مقارنة بالجمهوريين. وقد ظل الناخبون المنتمون إلى النقابات يدعمون المرشحين الديمقراطيين طوال خمسة عقود.&nbsp;ولكن في السنوات الأخيرة تذبذبت نسب الدعم؛ حيث انخفضت قليلاً في عام 2016، حينما حصلت هيلاري كلينتون على 8 نقاط مئوية أعلى من دونالد ترامب، مقارنة بأوباما الذي حصل في انتخابات عام 2012 على 18 نقطة أعلى من منافسه الجمهوري. ولكن قبل انسحاب بايدن من السباق الانتخابي لعام 2024، انخفضت نسبة التأييد له؛ حيث أظهر استطلاع رأي أجرته صحيفة نيويورك تايمز وكلية سيينا في نهاية عام 2023، حصول بايدن وترامب على نسب تأييد متساوية من الناخبين المنتمين إلى النقابات بنسبة بلغت 47% من الذين سيصوتون لهما في ست ولايات متأرجحة في انتخابات عام 2024، بانخفاض عن نسب التأييد التي حصل عليها بايدن في انتخابات عام 2020.2- إعلان الاتحاد الأمريكي للعمل تأييد هاريس ونائبها: للمرة الأولى في تاريخ الاتحاد الأمريكي للعمل ومؤتمر المنظمات الصناعية، الذي يضم نحو 60 نقابة عمالية ويمثل 13 مليون عامل حول البلاد، يتم الإعلان عن تأييد واضح لمرشح انتخابي بعينه خلال حملته الانتخابية، وهو ما حدث مع حملة هاريس ونائبها حاكم ولاية مينيسوتا تيم والز، بالنظر إلى سجلهما في دعم النقابات العمالية خلال وجودهما في الكونجرس الأمريكي أو خلال فترة الوجود في حكم ولاية مينيسوتا؛ فعلى سبيل المثال، صدَّق والز على قانون في الولاية يمنح إجازة مرضية مدفوعة الأجر للعاملين في الولاية، فضلاً عن قانون آخر يضبط أوضاع العاملين في دور رعاية المسنين، وهو ما جعلهم يؤيدون هاريس–والز.3- استغلال هاريس مواقف إدارة بايدن للحصول على الدعم النقابي: تستغل هاريس والديمقراطيون مواقف إدارة بايدن لتعزيز مواقفهم كذلك؛ حيث أبدت إدارة الرئيس جو بايدن دعماً كبيراً للنقابات العمالية على غرار ما حدث خلال إدارة الرئيس الأسبق فرانكلين د. روزفلت؛ فمثلاً كان الرئيس بايدن أول رئيس يحضر اعتصام مشيجان مع أعضاء نقابة عمال السيارات المضربين في سبتمبر 2023، وأبدى دعمه لمطالبهم المشروعة، كما أن إدارته أبدت تأييدها انضمام الأفراد إلى النقابات؛ ولذلك لم يكن من الغريب أن يؤيد عمال النقابات هاريس حينما أعلنت انضمامها إلى السباق الرئاسي الجاري.4- تزايد ابتعاد النقابات عن ترامب وفانس: بجانب ما تم ذكره فيما سبق، فإن ترامب مارس أشكالاً أخرى من التضييق على النقابات، والتقليل من شأنها، ودعم أصحاب الأعمال، على غرار ثنائه على إيلون ماسك مالك شركتي تسلا وسبيس إكس، حينما قام بفصل موظفين حاولوا تشكيل نقابة للاعتراض على بيئة العمل المفروضة عليهم، وهو ما ظهر كذلك في موقف نائبه السيناتور جي دي فانس حينما عارض أغلب القضاة والموظفين الحكوميين ذوي السجلات التاريخية الداعمة للنقابات؛ ولذلك لم يكن هناك دعم واضح من النقابات العمالية لصالح حملة ترامب–فانس.&nbsp;تأثير نسبيختاماً، يمكن القول إن تأثير النقابات العمالية على الانتخابات الأمريكية غير واسع النطاق، ونسبي مرتبط بولايات معدودة، لكن مع إدراك الحملات الانتخابية لهاريس وترامب أهمية هذه الأصوات، حتى لو كانت ضئيلة، وقدرتها على مساعدتهما على الفوز في الولايات المتأرجحة التي تتحكم في النتيجة النهائية للانتخابات، فمن الطبيعي أن تعمل حملة كل مرشح على جذب تلك الكتل التصويتية، التي مالت تاريخياً نحو التصويت لصالح الديمقراطيين، وتعرب عن دعمها لهاريس الآن، خاصةً مع المواقف المعادية والتصريحات المناهضة للنقابات العمالية التي تفوه بها ترامب في أغلب المناسبات.

ما حدود تأثير النقابات العمالية في مشهد انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024؟