إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

في الوقت الذي تتصاعد فيه الجهود الدولية لمواجهة الإرهاب المتصاعد في القارة الإفريقية، خاصةً في دائرتي انتشاره الرئيسيتين في كل من الساحل والصحراء والقرن الإفريقي؛ حرص تنظيم داعش على استغلال التدهور الأمني والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية في وسط إفريقيا لتعزيز وجوده فيها، لا سيما أنه يرغب في تحويلها إلى منطقة نفوذ خالصة له من بين كل التنظيمات الإرهابية، وهو ما كشف عنه إعلان الولايات المتحدة الأمريكية في مارس 2021 إدراج فرعي تنظيم داعش في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وموزمبيق، ضمن قائمة الجماعات الإرهابية الأجنبية؛ وذلك بسبب مقتل أكثر من 2000 شخص بريء على أيدي عناصرهما.







تمدد غير تقليدي



على الرغم من إعلان تنظيم داعش عن تأسيس "ولاية وسط إفريقيا" في عام 2019، فإن هذه "الولاية" الجديدة تنقسم إلى ثلاث دوائر منفصلة من الناحية الجغرافية، ولا تنخرط عناصرها في بنية تنظيمية موحدة؛ حيث ينتشر داعش في كل من موزمبيق والكونغو الديمقراطية بجانب تنزانيا، وهو ما جعله ينشط في إطار حالة من المرونة التنظيمية، استطاع من خلالها تجنُّب الأخطاء التي وقع فيها التنظيم الأم في سوريا والعراق، عندما عمل على خلق حالة من التواصل الجغرافي والتنظيمي؛ ما أدى إلى القضاء عليه وتدمير دولته المزعومة.



ويُعَدُّ الوجود الداعشي في الكونغو الديمقراطية الأبرز من الناحية التنظيمية في منطقة وسط إفريقيا؛ حيث اعتمد التنظيم في وجوده على مجموعة من العناصر المتطرفة التي كانت قد تلقت تدريبات عسكرية في أفغانستان ثم عادت إلى الكونغو الديمقراطية، وقامت باستقطاب مجموعات أخرى مسلحة، على غرار ميليشيا "القوات الديمقراطية المتحالفة"، بعد أن قاموا بمبايعة أبو بكر البغدادي في عام 2017؛ حيث أصدر التنظيم بعدها مقطعًا مصورًا لعناصره خلال تدريبات عسكرية حاملين راية داعش.



وقد مثَّل إعلان تنظيم داعش مسؤوليته عن الهجوم الذي شهدته منطقة كامانجو في إقليم شمال كيفو بالكونغو الديمقراطية في أبريل 2019؛ بداية الإعلان الرسمي عن وجود التنظيم في وسط إفريقيا؛ حيث حرصت الأذرع الإعلامية على إبراز اسم "ولاية وسط إفريقيا"، وهو ما يعني أن داعش انتظر قرابة عامين حتى يعلن عن ولايته الجديدة، قضاهما في الإعداد الجيد وتدريب المجموعات وتوفير مصادر التمويل، على نحو جعله قادرًا على شن الهجمات الإرهابية بشكل شبه مستمر، ومنها العديد من الهجمات الكبيرة الواسعة النطاق، وكان أبرزها الهجوم على سجن كانجباي في مدينة بيني عاصمة إقليم شمال كيفو شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ ما أدى إلى فرار أكثر من 1300 سجين، في أكتوبر 2020.



وفى موزمبيق، اعتمد تنظيم داعش في وجوده على المجموعات المتطرفة القائمة بالفعل في البلاد، على غرار "تنظيم أهل السُنة والجماعة" في شمال البلاد، بعد استقطاب عناصره إلى صفوفه، معتمدًا في ذلك على جاذبية الفكر الداعشي القائم على مفهوم "الخلافة والدولة الإسلامية الكبرى". ومنذ أن أعلن تنظيم داعش عن وجوده في موزمبيق، وهو يعتمد على أسلوب "الهجمات الخاطفة" من ناحية، وعدم الدخول في مواجهات عسكرية واسعة مع قوات الجيش من ناحية أخرى، والتركيز على "الأهداف الرخوة"، مثل مهاجمة الأسواق والمنازل، وسرقة المؤن والخطف مقابل الفدية من ناحية ثالثة. وحتى الوقت الراهن، لم يتمكن تنظيم داعش من السيطرة المحكمة على مساحة جغرافية ممتدة، إلا أن مقاتليه تمكنوا من الاستهداف المتكرر لشبكة الطرق في شمال موزمبيق، خاصةً تلك التي تربط المناطق الساحلية المطلة على المحيط الهندي بالمناطق الداخلية؛ الأمر الذي حمل انعكاسات خطيرة على اقتصاد المنطقة.







دلالات متعددة



يحمل إدراج الولايات المتحدة الأمريكية فرعَي تنظيم داعش في جمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق على قوائم الإرهاب؛ مجموعة من الدلالات، لا سيما أن هذا التصنيف جاء بسبب الهجمات الدموية المروعة التي تشنها عناصر داعش، وأدت إلى سقوط آلاف القتلى. ويمكن تحديد أبرز تلك الدلالات في النقاط التالية:



1– مخاطر "الهلال الداعشي" الجديد: من الناحية الجغرافية تشكل تنزانيا حلقة الوصل المباشرة بين شمال موزمبيق وشرق الكونغو الديمقراطية؛ الأمر الذي يجعل من غير المنطقي الحديث عن فرع لداعش في وسط إفريقيا من دون أن يمتد نشاطه ليشمل تنزانيا. وعلى الرغم من أن تنزانيا ظلت بعيدة لعقود عن كونها مسرحًا لعمليات التنظيمات الإرهابية في شرق إفريقيا؛ حيث لم تشهد عمليات كبيرة منظمة منذ تفجير السفارة الأمريكية في دار السلام في عام 1998، لكن في أكتوبر 2020 أعلن تنظيم داعش عن تنفيذه عمليات إرهابية في تنزانيا، على غرار الهجوم الذي شنته عناصره في قرية كيتايا بمنطقة متوارا الواقعة داخل تنزانيا على مقربة من الحدود مع موزمبيق، وهو الهجوم الذي أودى بحياة 3 جنود تنزانيين ونحو 10 مدنيين. ويشير ذلك إلى أن تنظيم داعش يسعى إلى بلورة "هلال داعشي" جديد في القارة الإفريقية مركزه منطقة وسط إفريقيا، وأطرافه في غرب وشرق القارة؛ وذلك في إطار سعيه إلى تعزيز وجوده داخل القارة السمراء، التي يهدف إلى أن تصبح المعقل الجديد لـ"الخلافة الداعشية" المزعومة بعد سقوطها في العراق وسوريا.







2– تقاطع دوائر الإرهاب في إفريقيا: يعد النشاط الإرهابي في شمال موزمبيق امتدادًا لنشاط حركة الشباب المجاهدين في الصومال؛ لكونها لعبت الدور الأبرز في عمليات التدريب المبكرة للعناصر المحلية؛ وذلك في إطار سعيها إلى تقديم نفسها كتنظيم إقليمي ينشط في مناطق عديدة من شرق إفريقيا، فضلًا عن محاولاتها للتمدد في كل من إثيوبيا وتنزانيا. وعلى الجانب الآخر، تتصل منطقة شمال شرق الكونغو الديمقراطية اتصالًا مباشرًا بدائرة الساحل الإفريقي عبر جمهورية إفريقيا الوسطى؛ الأمر الذي يجعل من اليسير على التنظيمات المسلحة في هذه المنطقة الحصول على تدفقات منتظمة من الأسلحة والعتاد العسكري، في ظل غياب أي مظهر للرقابة على الحدود الدولية، وهو ما يشير إلى وجود تقاطع كبير لدوائر الإرهاب في منطقة وسط وشرق إفريقيا، تجعل من الصعب محاصرة أنشطة التنظيمات الإرهابية خلال الفترة القادمة، إذا لم يكن هناك استراتيجية واضحة لمواجهتها تتعاون فيها القوى الإقليمية والدولية بقوة وفاعل.







3– استغلال تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية: لم يكن لتنظيم داعش أن يحقق هذا الانتشار في منطقة وسط إفريقيا بهذا النحو المتسارع، الذي وصل إلى حد الإعلان عن "ولاية" جديدة له، لولا تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تمثل واحدة من أهم عوامل انتشار الفكر الداعشي؛ فالتغلغل الذي حققه تنظيم داعش في كل من شمال موزمبيق وشمال شرق الكونغو الديمقراطية، لم يكن ليتحقق من دون استغلال الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية البالغة الصعوبة في المنطقتين. فمن بين جميع الأقاليم في موزمبيق، يعد إقليم "كابو دلجادو" –وهو أحد معاقل تنظيم داعش– هو الأقل في مختلف مؤشرات التنمية الاقتصادية والإنسانية؛ الأمر الذي دفع العديد من المصادر إلى تسميته باسم "الإقليم المنسي".



ولا يختلف الوضع كثيرًا في إقليم كيفو الذي يعد معقلًا للنشاط الإرهابي في شمال شرق الكونغو الديمقراطية؛ حيث يقبع أكثر من 70% من سكانه تحت خط الفقر. وقد جعلت هذه الأوضاع من التنافس على الاستغلال الاقتصادي للأرض مصدرًا رئيسيًّا للتوتر بين سكان الإقليم، في ظل تنامي معدلات الفقر والبطالة، وهي الظروف التي شكَّلت –في مجملها– بيئة خصبة لنمو نشاط التنظيمات الإرهابية.







4– غياب المواجهة الشاملة للإرهاب: يأتي الانتشار الداعشي الواسع في منطقة وسط إفريقيا نتيجةً لغياب الرؤية الشاملة لمواجهة الإرهاب داخل القارة الإفريقية، والتركيز على أجزاء محدودة فقط، على غرار شرق القارة مثل الصومال، وأقصى شمالها مثل الجزائر ثم ليبيا، وأقصى غربها مثل نيجيريا، وهو ما منح تنظيم داعش القدرة على التوغل في عمق القارة الإفريقية بعد أن تمكن من الانتقال جنوبًا من الحدود بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، إلى التوسع في وسط إفريقيا. وهذا الوضع يحمل العديد من التداعيات الخطرة، وفي مقدمتها الوصل بين مراكز نشاط التنظيمات الإرهابية في إقليمي القرن الإفريقي والساحل الإفريقي عبر شرق الكونغو، ومنها إلى جمهورية إفريقيا الوسطى؛ الأمر الذي يفتح المجال أمام تبادل مظاهر الدعم بين التنظيمات المختلفة عبر الحدود الدولية التي تعاني من ضعف كبير في قدرتها على أداء وظيفتها الأمنية.







اتجاه متصاعد



أخيرًا، يمكن القول إن ظاهرة الإرهاب في وسط القارة الإفريقية تبدو في اتجاهها إلى التصاعد خلال الفترة المقبلة، في ظل استغلال التنظيمات الإرهابية المشكلات الهيكلية المزمنة التي تعاني منها دول القارة منذ عقود، التي أتاحت فرصًا كبيرة لتمدد العديد من التنظيمات المسلحة، خاصةً مع ذوبان الفارق بين التنظيمات المتمردة ذات الطابع المحلي والتنظيمات المتصلة بالإرهاب العالمي.

لماذا فرضت واشنطن عقوبات على فرعيّ "داعش" بالكونغو وموزمبيق؟