ميرال حسين

أجرى رئيس الوزراء الياباني "شيجيرو إيشيبا" زيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة بين 6–8 فبراير؛ حيث تماشت هذه الزيارة مع الأهداف الأوسع نطاقاً التي تتبناها طوكيو في تعزيز تحالفها مع واشنطن، مع التعامل بحذر مع حالة عدم اليقين العالمية والتوتر مع جارتيها الصينية والكورية الشمالية. ومن ثم شكلت هذه الزيارة لحظة محورية في العلاقات اليابانية الأمريكية؛ إذ عكست الاستمرارية الاستراتيجية والتكيف مع التحديات الجيوسياسية والاقتصادية المتسارعة. وبناءً على ذلك، أثيرت التساؤلات حول الأبعاد الاستراتيجية للزيارة، والمكتسبات التي يمكن لليابان جَنيُها بعد هذه الزيارة.دوافع مدروسة كان لزيارة رئيس الوزراء الياباني "شيجيرو إيشيبا" إلى واشنطن، في الأيام الأولى للرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، عدة دلالات كشفت عن النهج الاستراتيجي لليابان للحفاظ على تحالفها مع الولايات المتحدة، بل وتعزيزه؛ وذلك على النحو التالي:1– محاولة طوكيو ضمان استمرار الدعم الأمريكي: إذ استهدفت زيارة " إيشيبا"، في المقام الأول، إعادة تأكيد الشراكة الاستراتيجية بين اليابان والولايات المتحدة؛ حيث يؤكد التركيز على التزام الولايات المتحدة "الثابت" بالدفاع عن اليابان، أهمية التعاون الأمني ​​وسط صعود الصين العسكري وتهديدات كوريا الشمالية، كما تسعى الزيارة إلى ضمان استمرار مشاركة الولايات المتحدة في منطقة الهندوباسيفيك؛ نظراً إلى المخاوف بشأن سياسة ترامب الخارجية القائمة على مبدأ "أمريكا أولاً".بالإضافة إلى ذلك، استهدفت اليابان تأمين الدعم الأمريكي فيما يتعلق بجزر "سينكاكو"، وضمان تغطية المادة 5 من معاهدة الأمن اليابانية الأمريكية صراحةً لهذه الأراضي المتنازع عليها. وتعزز هذه الخطوة الردع الياباني ضد الحزم البحري المتزايد للصين في بحر الصين الشرقي.2– تأمين العلاقات الاقتصادية بين الدولتين: كانت هذه الزيارة مدفوعة بعوامل اقتصادية؛ إذ أرادت اليابان بهذه الزيارة إعادة تأكيد مكانتها باعتبارها المستثمر الأجنبي الأول في الولايات المتحدة خلال عام 2023؛ حيث تعهد "إيشيبا" بزيادة الاستثمار الياباني إلى تريليون دولار بعد أن بلغت 783.3 مليار دولار في 2023. بالإضافة إلى إظهار الالتزام بتوسيع واردات الغاز الطبيعي المسال الأمريكي، لتأكيد استراتيجية اليابان في استخدام المشاركة الاقتصادية لتعزيز العلاقات السياسية.والأكثر من ذلك أن اليابان أرادت، من خلال معالجة المخاوف التجارية، استباق أي تدابير لفرض تعريفة جمركية محتملة من الولايات المتحدة، والحفاظ على علاقات اقتصادية مستقرة وسط سياسات "ترامب" التجارية غير المتوقعة.3– الحفاظ على التوافقات الأمنية بين طوكيو وواشنطن: بالإضافة إلى المصالح الاقتصادية، جاءت الزيارة لتأكيد دور اليابان باعتبارها الحليف الأكثر استقراراً للولايات المتحدة في المنطقة، وتعزيز التعاون الدفاعي وسط التوترات الأمنية المتزايدة، خاصةً مع وجود 54000 جندي أمريكي متمركزين في اليابان. ومن ثم، حرصت اليابان، من خلال هذه الزيارة، على تأكيد الالتزامات بالاستقرار الإقليمي، وخاصةً فيما يتعلق بالصين وكوريا الشمالية. كذلك يوضح التوسع العسكري المستمر لليابان – بإعلانها في عام 2022 مضاعفة ميزانيتها الدفاعية بحلول عام 2027 – التوافق مع الأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة، وخاصةً في مواجهة نفوذ الصين.فضلاً عن ذلك، كانت طموحات كوريا الشمالية النووية أيضاً على جدول الأعمال؛ حيث سعى "إيشيبا" إلى تجديد التعاون الأمريكي في مجال الأمن والمواطنين اليابانيين المختطفين.4– ضمان التعاون التكنولوجي: بجانب الأمن، ركزت الزيارة أيضاً على التعاون التكنولوجي، وخاصةً في مجال الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات والطاقة. وتعكس المناقشات حول زيادة الاستثمار الياباني في الولايات المتحدة أيضاً الجهود المبذولة لتحقيق التوازن بين المصالح الاقتصادية والعلاقات الدبلوماسية.5– محاولة رئيس الوزراء الياباني تعزيز مكانته السياسية الداخلية: فعلى الصعيد المحلي، واجه "إيشيبا" ضغوطاً سياسية عقب خسارة حزبه الأغلبية البرلمانية؛ ما جعل النجاح الدبلوماسي في واشنطن أمراً بالغ الأهمية لقيادته. ومن ثم، استهدف "إيشيبا" من خلال هذه الزيارة تعزيز صورته كزعيم، ومواجهة شكوك وسائل الإعلام المحلية حول قدرته على التعامل مع الدبلوماسية العالية المخاطر.نتائج إيجابيةأسفرت زيارة رئيس الوزراء الياباني إلى واشنطن عن نتائج اقتصادية وأمنية ملموسة؛ ما ضمن استمرار التعاون بين الولايات المتحدة واليابان مع تجنب الصراعات المحتملة، أبرزها ما يلي:1– تأكيد التقارب الاقتصادي بين الدولتين: إذ طمأنت الزيارة كلا البلدين بشأن اعتمادهما الاقتصادي المتبادل؛ حيث ضمنت اليابان مكانتها التجارية مع تقديم حوافز اقتصادية للولايات المتحدة، كما أن إعلان اليابان الالتزام بالاستثمارات الأمريكية الإضافية، يخفف الاحتكاك الاقتصادي المحتمل، ويضمن بقاء اليابان محصنةً ضد المواجهات التجارية المفاجئة. وبالفعل، على الرغم من تحذير "ترامب" من أن التعريفات الجمركية على اليابان لا تزال احتمالاً، فقد أعرب عن ثقته بإمكانية التوصل إلى اتفاق مفيد للطرفين.2– مطالبة رئيس الوزراء الياباني بتجنيب بلاده الرسوم الجمركية الأمريكية: أبدى رئيس الوزراء الياباني "شيجيرو إيشيبا"، تفاؤله من إمكانية تجنب بلاده الرسوم الجمركية الأمريكية الكبيرة، مؤكداً إدراك "ترامب" أهمية الاستثمار الضخم لليابان في الولايات المتحدة؛ حيث قال "إيشيبا" إنه أطلع "ترامب" على عدد شركات صناعة السيارات اليابانية التي توفر فرص عمل في الولايات المتحدة.3– التحول في استراتيجية الاستثمار الياباني في الولايات المتحدة: إذ كانت إحدى النتائج الرئيسية للزيارة هي التحول الاستراتيجي من الاستحواذ الكامل إلى استثمار كبير، وهو ما انعكس في إعلان الاتفاق على استثمار شركة "نيبون ستيل" في شركة "يو إس ستيل" دون حصة أغلبية، على عكس نهج الرئيس الأمريكي السابق "جو بايدن" بمنع محاولة الاستحواذ لأسباب تتعلق بالأمن القومي؛ حيث سمح هذا الحل الوسط لليابان بدعم النفوذ الاقتصادي في القطاع الصناعي الأمريكي مع معالجة المعارضة السياسية للاستحواذات الأجنبية، كما يشكل هذا سابقة لكيفية تعامل اليابان مع قيود الاستثمار في القطاعات الأمريكية الحساسة.4– تأكيد ترامب التزام الولايات المتحدة بأمن اليابان: فقد أشار الرئيس ترامب، خلال مؤتمر صحفي على هامش زيارة رئيس الوزراء الياباني، إلى أن "التحالف بين الولايات المتحدة واليابان سوف يزدهر ويستمر في المستقبل"، وأكد الالتزام "بأمن اليابان وبالدفاع عنها باعتبارها دولة صديقة وحليفة".5– إشارة الرئيس الأمريكي إلى ضرورة التعاون في مواجهة الصين: يبدو أن قضية الصين كانت واحدة من القضايا المطروحة في زيارة رئيس الوزراء الياباني إلى واشنطن؛ إذ أشار الرئيس الأمريكي إلى أنه ناقش مع رئيس الوزراء الياباني التعاون من أجل مكافحة الهجوم الاقتصادي الصيني، وأضاف: "بلدان كثيرة باتت مستعدة للاستثمار في بلادنا. والمشاعر العالمية تجاهنا لم تكن بهذه القوة مطلقاً من قبل".6– محاولة تقديم ترامب مداخل جديدة لإدارة العلاقات مع كوريا الشمالية: صحيح أن الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الياباني اتفقا على العمل لنزع السلاح النووي بالكامل من كوريا الشمالية، وكذلك أشار إيشيبا إلى أنه حصل على دعم قوي من ترامب للتوصل إلى حل فوري لمشكلة اختطاف المواطنين اليابانيين على يد عملاء من كوريا الشمالية، بيد أن ترامب طرح في الوقت ذاته فكرة إقامة علاقات مع بيونج يانج، وذكر في المؤتمر الصحفي مع نظيره أنه يخطط لمواصلة علاقته مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون في ولايته الثانية، وأضاف ترامب أنه يعتقد أن "التفاهم معه يشكل ميزة كبيرة للجميع"، وقال أيضاً: "أستطيع أن أخبركم أن اليابان تحب الفكرة؛ لأن علاقتها ليست جيدة معه".7– الحذر الدبلوماسي بشأن القضايا الخلافية: رغم التقارب بين طوكيو وواشنطن، تظل هناك قضايا محل خلاف. ومن ثم، تجنبت اليابان بعناية تأييد تحركات "ترامب" المثيرة للجدل في السياسة الخارجية، مثل اقتراح "ترامب" تسلم الولايات المتحدة لغزة، وهو ما رفضته اليابان، مؤكدةً دعمها لحل الدولتين. وهذا يشير إلى حرص اليابان على اتباع نهج طويل الأجل، يتمثل في الحفاظ على التزامات التحالف دون التورط في سياسات أمريكية تقع بها في فخ مواجهة.8– محاولة "إيشيبا" التكيف الاستراتيجي مع أسلوب "ترامب" الدبلوماسي: عكس نهج "إيشيبا" محاولته لإعادة خلق مشاركة سلفه السابق "شينزو آبي" الناجحة مع "ترامب"، مع التركيز على الدبلوماسية الشخصية والتنازلات الاقتصادية لتأمين المكاسب الاستراتيجية؛ فعلى الرغم من أن "إيشيبا" يفتقر إلى العلاقة الطويلة الأمد التي كانت تربط آبي بترامب، فإن جهوده الرامية إلى بناء الثقة وتسليط الضوء على المساهمات الاقتصادية لليابان تجعله زعيماً برجماتياً. وقد مهدت الزيارة الطريق لمشاركات مستقبلية؛ ما يدل على أن اليابان مستعدة للتكيف مع سياسات ترامب مع ضمان بقاء التحالف قوياً.خلاصة القول: يمكن القول إن زيارة رئيس الوزراء الياباني "شيجيرو إيشيبا" إلى واشنطن حققت بعض مقاصدها؛ حيث حاولت اليابان استباق أي تدابير لفرض تعريفة جمركية محتملة من الولايات المتحدة، والحفاظ على علاقات اقتصادية مستقرة وسط سياسات "ترامب" التجارية غير المتوقعة، وكذلك استمرار التعاون الدفاعي، وتعزيز العلاقات الاقتصادية، والحفاظ على الحياد الدبلوماسي الذي يسمح بالمرونة في الشؤون العالمية.وبالنظر إلى المستقبل، فمن المرجح أن تستمر اليابان في التعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة من خلال التكيف مع تحديات اختلال التوازن التجاري وقضايا الأمن الإقليمي مع ضمان الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وعلى الرغم من عدم اليقين بشأن سياسات "ترامب"، فإن استراتيجية اليابان والمشاركة الدبلوماسية سيكونان حاسمَين للحفاظ على مكانتها كلاعب رئيسي في المشهد العالمي المتغير بسرعة.

دلالات زيارة رئيس الوزراء الياباني إلى واشنطن