د. محمد عباس ناجي

تبدي القوات المسلحة الإيرانية (الجيش) اهتماماً خاصاً بتوسيع نطاق التعاون العسكري مع نظيرتها الباكستانية، على نحوٍ لا يمكن فصله عن جملة من المتغيرات التي فرضتها التطورات التي طرأت على الساحة الإقليمية خلال المرحلة الماضية، ومنها تداعيات سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر 2024، واتساع نطاق الفجوة بين إسلام أباد والحرس الثوري، وتزايد اتجاه المعارضة الإيرانية المسلحة نحو استغلال حالة الضعف التي تنتاب النظام الإيراني لشن مزيد من الهجمات، وتصاعد حدة التوتر في العلاقات بين إسلام أباد وطهران من ناحية وحركة "طالبان" الأفغانية من ناحية أخرى.ففي هذا السياق، قام رئيس هيئة الأركان المشتركة الإيرانية محمد باقري بزيارة باكستان، في 19 يناير 2025، وهي الزيارة التي استغرقت يومين، والتقى فيها كلاً من الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري، وقائد الجيش عاصم منير. وتعد زيارة باقري الثالثة من نوعها؛ حيث سبق أن زار إسلام أباد في يوليو 2018، وأكتوبر 2021، كما أن قائد الجيش الباكستاني عاصم منير زار طهران في يوليو 2023.دوافع عديدةيمكن تفسير اهتمام الجيش الإيراني بتعزيز التعاون مع نظيره الباكستاني في ضوء دوافع عديدة على النحو التالي:1– توسيع الجيش الإيراني نفوذه بمواجهة الحرس الثوري: يبدو أن مرحلة جديدة من التنافس بين الجيش والحرس الثوري سوف تبدأ خلال المرحلة القادمة، على ضوء التراجع الملحوظ في أدوار الحرس على المستوى الخارجي، نتيجة المعطيات الجديدة التي فرضتها الحرب التي شنتها إسرائيل في المنطقة، بدايةً من السابع من أكتوبر 2023 حتى وقف إطلاق النار في غزة في 19 يناير 2025.وفي هذا السياق، ربما يسعى الجيش إلى تعزيز قدراته العسكرية، على نحوٍ يفسر اتجاهه إلى تطوير التعاون مع الجيش الباكستاني، ومن ثم الاستفادة من الخبرة العسكرية الباكستانية، فضلاً عن استثمار تخوفات إسلام أباد من التوجهات الراديكالية التي يتبناها الحرس الثوري، خاصةً في ظل دعمه القوي لميليشيا "زينبيون" الشيعية التي كونها ودربها للمشاركة في الصراع الداخلي السوري بجانب قوات الأسد؛ حيث يتوقع أن يسعى الحرس إلى دفع بعض كوادرها وعناصرها للعودة إلى باكستان مجدداً، بعد انتهاء مهمة هذه الميليشيا بالفشل في سوريا، عقب سقوط النظام السوري. وربما من هنا، يمكن تفسير اهتمام الجيشين بالإعلان عن المشاركة في المناورات البحرية "أمان 25"، التي سوف تنظمها باكستان خلال المرحلة القادمة.2– تنشيط "الدبلوماسية الدفاعية" لإيران مع دول الجوار: تسعى إيران إلى تعزيز التحالفات الإقليمية، لا سيما مع دول الجوار، مثل باكستان، في مواجهة التهديدات المشتركة؛ وذلك عبر تعزيز التعاون العسكري والأمني مع تصاعد التوترات الإقليمية والدولية، وهو ما يتسق مع رغبة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في تطوير العلاقات مع دول الجوار، باعتبار ذلك إحدى أولويات الحكومة الإيرانية الحالية، كما يتسق مع تنامي الضغوط على النفوذ الإيراني، وما يرتبط بذلك من محاولة طهران بناء علاقات مع بعض الدول الفاعلة إقليمياً.3– مواجهة تهديدات تنظيم "داعش" ضد الدولتين: تبدي إيران وباكستان تخوفات من إمكانية تسلل عناصر تنظيم "داعش" إلى داخل الدولتين، عقب التطورات التي طرأت على الساحة السورية، بداية من يوم 27 نوفمبر 2024، الذي شهد اجتياح هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري والفصائل السورية المسلحة الأخرى حلب ثم حماة وحمص، حتى وصلت إلى العاصمة دمشق وأسقطت نظام الرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر 2024. وفي رؤية طهران، فإن هذا الاحتمال ما زال قائماً بقوة، خاصةً في ظل سعي التنظيم إلى الرد على الضربات التي سبق أن وجهتها إيران إلى مواقعه داخل سوريا خلال المرحلة الماضية، في سياق الدعم الذي كانت تقدمه إلى نظام الأسد، فضلاً عن محاولاتها الرد على العمليات الإرهابية التي قام التنظيم بتنفيذها داخل إيران نفسها؛ حيث قامت، في أول أكتوبر 2018، بتوجيه ضربات صاروخية ضد مواقع التنظيم في شرق الفرات، رداً على العملية التي نفذها خلال عرض عسكري كان يحضره الرئيس الأسبق حسن روحاني في الأحواز في سبتمبر 2018.وتتشارك إسلام أباد مع طهران هذه التخوفات؛ حيث ترى أن التنظيم ربما يسعى إلى استغلال تصاعد حدة عدم الاستقرار على المستوى الأمني في الداخل من أجل توسيع نطاق نشاطه وتجديد عملياته الإرهابية، لا سيما في ظل الاحتقان الطائفي بين السنة والشيعة الذي تفاقم خلال الفترة الأخيرة.4– توجيه ضربات جديدة ضد جماعات المعارضة: لا يستبعد الجيش الإيراني أن تقوم الخلايا والتنظيمات المسلحة التابعة لبعض جماعات المعارضة التي تنتمي إلى القوميات الإيرانية، مثل جيش العدل، بتنفيذ مزيد من العمليات داخل إيران خلال المرحلة القادمة، خاصةً أن هناك مؤشرات توحي بأن هذه الجماعات بدأت ترصد حالة الضعف التي تنتاب النظام، نتيجة الضربات القوية التي يتعرَّض لها على المستوى الإقليمي، فضلاً عن الأزمات الداخلية التي لم يستطع، عبر الإجراءات العديدة التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة، احتواء تداعياتها.وهنا، يبدو أن طهران وإسلام أباد تسعيان إلى استيعاب دروس المواجهة العسكرية المباشرة والمحدودة التي اندلعت بين الطرفين خلال الفترة من 16 إلى 18 يناير 2024، عندما قامت إيران، رداً على العملية الإرهابية التي نُفِّذت أثناء احتشاد المواطنين أمام ضريح القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني في 3 من الشهر نفسه، بتوجيه ضربات عسكرية مباشرة ضد مواقع للمعارضة الإيرانية المسلحة، خاصة جيش العدل داخل باكستان، على نحوٍ دفع الأخيرة إلى شن هجمات موازية بعد ذلك بيومين ضد قواعد تابعة لجماعات معارضة باكستانية، مثل جبهة تحرير بلوشستان، داخل إيران.ويعني ذلك أن الدولتين تحاولان تجنب الاستناد إلى هذا الخيار مجدداً، عبر رفع مستوى التنسيق العسكري والأمني، ومن ثم رصد تحركات التنظيمات التابعة للمعارضة، وربما توجيه ضربات مشتركة ضدها خلال المرحلة القادمة. وبالفعل، فقد كان أحد محاور المحادثات التي أجراها باقري في إسلام أباد يتركز حول مواجهة هذه التنظيمات؛ حيث أكد باقري وعاصم منير ضرورة التصدي بحزم للعناصر والتنظيمات الإرهابية بما يضمن الحفاظ على الأمن والاستقرار على الحدود المشتركة بين الدولتين.5– ممارسة ضغوط أقوى على حركة "طالبان": تصاعدت حدة التوتر بين حركة "طالبان" الأفغانية وكل من باكستان وإيران خلال المرحلة الماضية؛ إذ ما زالت الخلافات الحدودية قائمةً بين "طالبان" وإيران، فضلاً عن الخلاف حول حصص مياه نهر هيلمند، كما اندلعت اشتباكات مسلحة بين قوات "طالبان" والجيش الباكستاني؛ حيث هاجمت الأولى نقاطاً محددة داخل باكستان، في 28 ديسمبر 2024، رداً على الضربات العسكرية التي وجهها الجيش الباكستاني داخل أفغانستان، قبل ذلك بثلاثة أيام.من هنا، حاولت إيران وباكستان، خلال زيارة باقري إلى الأخيرة، توجيه رسائل مباشرة إلى "طالبان" أن إصرارها على تبني السياسة نفسها في إدارة الخلافات مع الدولتين، سوف يدفعهما إلى توسيع نطاق التنسيق الأمني والعسكري ضدها، وربما توجيه ضربات مشتركة داخل أراضيها لاستهداف بعض الجماعات التي تسعى إلى مهاجمة مواقع في كلتا الدولتين.احتمال الحربعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن الجيشين الإيراني والباكستاني، مع اتجاههما نحو رفع مستوى التنسيق فيما بينهما، إلا أنه ثمة متغيراً أساسياً قد يكون له دور في تحديد مسارات هذا التعاون خلال المرحلة القادمة، ويتعلق باحتمالات اندلاع حرب مباشرة بين إيران وكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل؛ بسبب استمرار الخلافات العالقة بين الطرفين حول البرنامجين النووي والصاروخي والدور الإقليمي.إذ إن هذه الحرب المحتملة، التي قد تتزايد احتمالاتها مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، سوف تدفع الجيش الباكستاني إلى إبقاء الوضع على ما هو عليه، أو ضبط مستوى التنسيق مع إيران انتظاراً لما سوف تؤول إليه المواجهة المحتملة بين الطرفين خلال المرحلة القادمة؛ حيث ستكون باكستان من أولى الدول المعنية بقراءة واستشراف المسارات المحتملة التي يمكن أن تنتج عن أي مواجهة عسكرية قد تندلع بالقرب من حدودها.

لماذا يتصاعد التعاون بين الجيشين الإيراني والباكستاني؟