إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        




<p></p>



<p><br><strong>شهدت الآونة الأخيرة تنامي نفوذ الاقتصاد الصيني على عدة مستويات اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية، فضلًا عن تمددها في الدول الآسيوية المجاورة؛ </strong><strong>حيث </strong><strong>تعتبر منطقة المحيطَين الهندي والهادئ (الهندو–باسفيك) حلبة رئيسية للتنافس والصراع الحالي بين الولايات المتحدة والصين؛ نظراً إلى تزايد ثقلها السياسي والاقتصادي والديموغرافي تزايداً متسارعاً؛ </strong><strong>ما أثار مخاوف الولايات المتحدة الأمريكية وبعض حلفائها، ودفعها إلى تبني </strong><strong>خطط جديدة</strong><strong> لمواجهة الصين بعيداً عن الحل الأمني والمواجهة العسكرية؛ وذلك من خلال إقامة تحالفات أكثر اتساعاً، تشمل المجالات الاقتصادية والتكنولوجية وقضايا تغير المناخ؛</strong><strong> إذ ترى واشنطن أن التحالفات الجديدة ستزيد نفوذها في المنطقة، وستُعيد الهيمنة الأمريكية على آسيا وتعزز قدرتها التنافسية في مواجهة الصين.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">الارتباط بالحلفاء</span></strong></p>



<p>دفع تنامي النفوذ الصيني، الولايات المتحدة إلى تبني خطط جديدة واستراتيجيات مختلفة تركز على تحالفات أكثر اتساعاً تزيد نفوذها في المنطقة، وتُعيد الهيمنة الأمريكية على آسيا، أو بمعنى آخر، تعزز ارتباط واشنطن بحلفائها في المنطقة. وفي هذا الإطار، دشن الرئيس الأمريكي "بايدن"، في 23 مايو 2022، بالعاصمة اليابانية طوكيو، اتفاقية تجارية باسم الاتفاقية الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيطين الهندي والهادئ (IPEF)، خلال اجتماعه مع قادة مجموعة الرباعية "الكواد"، التي تضم الهند وأستراليا واليابان. وتسعى الولايات المتحدة إلى جذب دول أخرى من جنوب شرق آسيا، لتشمل كامل المحيط الهادئ والمحيط الهندي، مع إبقاء تايوان خارج الاتفاقية؛ تفادياً لغضب الصين التي تعتبر تايوان جزءاً من أراضيها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وتشمل الاتفاقية 13 دولة تضم الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان وأستراليا ونيوزيلندا والهند وسبع دول من أصل 10 أعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وهي: بروناي وإندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورا وتايلاند وفيتنام. وترتكز الاتفاقية على أربعة أبعاد رئيسية هي التجارة العادلة، ومرونة سلسلة التوريد، والبنية التحتية والتكنولوجيا الخضراء، والضرائب ومكافحة الفساد. وتأمل واشنطن الانتهاء من الاتفاقات الخاصة بكل ركيزة في غضون 12 إلى 18 شهراً، كما تستهدف سد الفجوة في استراتيجية آسيا الأمريكية التي خلَّفها خروجها من الشراكة عبر المحيط الهادئ لعام 2017.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وتسعى الولايات المتحدة إلى أن تتجاوز الاتفاقية اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة التي تضم الصين من حيث عدد السكان والنطاق الاقتصادي؛ حيث بلغ إجمالي عدد سكان الـ13 دولة المنضمة إلى الاتفاقية نحو 2.5 مليار نسمة في عام 2020. ويُقدَّر إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول بنحو 34.6 تريليون دولار أمريكي. وبالمقارنة مع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، نجد أن الأخيرة تضم 15 عضواً؛ أهمهم كوريا الجنوبية والصين واليابان. ويبلغ عدد سكان الدول المشارِكة في الاتفاقية نحو 2.27 مليار نسمة، وناتجها المحلي الإجمالي يساوي 26.1 تريليون دولار تقريباً.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">دوافع جوهرية</span></strong></p>



<p>يمكن القول إن هذه الاتفاقية تأتي ضمن سياسة طرح خطط اقتصادية أمريكية جديدة للتعامل مع التحدي الصيني. وترتبط هذه الخطط بعدد من الدوافع الرئيسية المتمثلة فيما يأتي:</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>1– <strong>تنامي القوة الاقتصادية والتكنولوجية الصينية:</strong><strong> </strong>تنامت قوة الصين الاقتصادية خلال الأعوام الأخيرة، لا سيما مع تطور السياسة الصناعية الصينية والتمدد الهائل للصين عبر سلاسل التوريد العالمية، وهو الأمر الذي انعكس على الاقتصاد العالمي؛ فعلى مدار العقود الأخيرة تراجعت الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي؛ وذلك في وقت تزايد فيه نفوذ الصين الاقتصادي حتى إن بعض التقديرات تذهب إلى أنها باتت تمثل 16% من الاقتصاد العالمي. ويلاحظ أيضاً أن هناك حالة من التفوق التكنولوجي للصين على المستوى العالمي، ولعل هذا ما يدلل عليه دور الشركات الصينية في تكنولوجيا الجيل الخامس؛ لذلك ارتفعت المخاوف الأمريكية من تداعيات هذا التفوق الصيني الذي قد يمنح بكين الفرصة للسيطرة على الأسواق، وبناء تطبيقات عسكرية متقدمة.&nbsp;</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2</strong><strong>– زيادة التنافس الجيوسياسي بين واشنطن وبكين:</strong> وخاصةً في منطقة بحر الصين الجنوبي؛ حيث ترى بكين أن بحر الصين حيز مهم لمصالحها المختلفة، كما تتزايد أهميته في ظل احتياطات النفط المتوقعة به التي قد تساعد بكين على تخفيض وارداتها النفطية. ربما تكون هذه الأهمية الاستراتيجية للبحر المدخل التفسيري لتعزيز الصين وجودها العسكري البحري، وإنشاء جزر صناعية داخل بحر الصين. بالإضافة إلى ذلك، ارتفع مستوى التوترات بين الصين وتايوان في الشهور الأخيرة، وخصوصاً مع الدعم الذي تقدمه واشنطن لتايوان باعتبارها حليفاً مهماً لها يمكن من خلاله تطويق النفوذ الصيني في المنطقة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– التمدد الصيني خارجيّاً: </strong>وضعت الحكومة الصينية موارد هائلة في البنية التحتية والمشاريع التجارية الكبرى في عدة أجزاء من العالم، بما في ذلك جنوب شرق وجنوب آسيا، وتقدمت الصين في الأشهر الأخيرة بطلب للانضمام إلى اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، واتفاقية شراكة الاقتصاد الرقمي، وهو تحالف بين نيوزيلندا وتشيلي وسنغافورا يُنظَر إليه على أنه نموذج لاتفاقيات التجارة الرقمية المستقبلية. ويمكن أن تغطي اتفاقية التجارة الرقمية مجموعة من القضايا، بما في ذلك معايير التكنولوجيا لتسهيل التجارة الإلكترونية مثل الدفع الإلكتروني والفواتير، والقواعد التي تحكم حماية البيانات الشخصية وتدفقات البيانات عبر الحدود. وفي السياق ذاته، تعزز الصين بقدر كبير دورها في الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، وهي اتفاقية تجارية تضم 15 دولة؛ ما أثار المخاوف لدى أمريكا وحلفائها من أن غياب الولايات المتحدة عن اتفاقيات التجارة الإقليمية يمنح بكين فرصة لتأسيس ريادتها في وضع القواعد والمعايير للتجارة والاقتصاد، لا سيما في التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والتجارة الرقمية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">نتائج مغايرة</span></strong></p>



<p>ليس من المتوقع أن تنجح الخطط الاقتصادية الأمريكية في تحقيق أهدافها في تقويض أو تحجيم النفوذ الصيني من خلال التحالفات الجديدة؛ وذلك لعدة أسباب أهمها:</p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1</strong><strong>– تخوف بعض الدول من مضامين الاتفاقية الشاملة:</strong> من المتوقع أن تكون اليابان وكوريا الجنوبية، الحليفان لأمريكا، أول من ينخرط في الاتفاقية الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيطين الهندي والهادئ IPEF، وكذلك سنغافورا والفلبين وتايلاند، فيما ترغب فيتنام في دراسة إطار العمل تخوفاً من تدخل الولايات المتحدة في سياستها الداخلية، بينما لم يتخذ القادة في إندونيسيا والهند موقفاً واضحاً بعد، وتُقوِّض هذه المخاوف من نجاح الشراكة الأمريكية، لا سيما أن الصين تتبنى سياسة للتعاون الاقتصادي دون إرفاق مثل هذه الشروط القائمة على القيم.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2</strong><strong>– وجود أُطر إقليمية بديلة ومنافسة:</strong> تواجه الاتفاقية التي طرحتها الولايات المتحدة مؤخراً منافسة من أطر أخرى بديلة ومنافسة تحظى بدعم صيني واضح. فعلى سبيل المثال، لعبت بكين دوراً رئيسياً في التفاوض بشأن الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) التي تعد أكثر تركيزاً على تعزيز التجارة من خلال إزالة التعريفات الجمركية والروتين، مع اتباع نهج أقل شموليةً لرفع المعايير الاقتصادية من الشراكة عبر المحيط الهادئ ، كما تعتبر الاتفاقية الشاملة والمتقدمة المعاد تجميعها للشراكة عبر المحيط الهادئ (CPTPP)، إطاراً تجارياً مهماً في المنطقة؛ لالتزامها بتوسيع الوصول إلى التجارة، بالإضافة إلى أحكام لحماية حقوق العمال وتعزيز الشفافية ومعالجة القضايا البيئية وتغير المناخ.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3</strong><strong>– مخالفة شروط اتفاقيات التجارة الحرة التقليدية:</strong> على الرغم من عدم الانتهاء من تفاصيل الاتفاقية الشاملة للشراكة عبر المحيطين الهندي والهادئ كاملةً، أوضحت إدارة "بايدن" أن الخطة ليست اتفاقية تجارية تقليدية من شأنها خفض التعريفات الجمركية أو فتح الوصول إلى الأسواق الأمريكية، بل شراكة لتعزيز المعايير الاقتصادية المشتركة، تحاول أمريكا من خلالها الاستمرار في تشكيل قواعد المشاركة والتأثير عليها، في مجالات مثل تدفقات البيانات عبر الحدود ، والاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، وسلاسل التوريد المرنة، والطاقة النظيفة. ولكن مع ذلك، بالرغم من أن الأعضاء المحتملين يشاركون واشنطن رغبتها في تحجيم النفوذ الصيني، فإن افتقار الاتفاقية إلى أحكام تجارية واضحة يجعلها غير جاذبة للدول، خاصةً في جنوب شرق آسيا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4</strong><strong>– ارتفاع حجم الشراكة التجارية بين الصين ودول المنطقة:</strong> تحظى منطقة آسيا والمحيط الهادئ بقبول كبير للعولمة والتجارة الحرة، خاصةً بعد التنفيذ الرسمي للشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP)، التي تسهم في تعزيز تحرير وتسهيل التجارة الحرة العادلة والاستثمار القائم على القواعد بين أعضائها. وباعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لمعظم دول المنطقة، وتم فتح سوق كبيرة يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة بالكامل أمام دول المنطقة، ومن ثم قد لا تتمكن الولايات المتحدة بمفردها من الوفاء بالتزامات واحتياجات التعاون الاقتصادي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5</strong><strong>– الصدام مع احتياجات المنطقة التنموية: </strong>إن معظم البلدان في منطقة آسيا والمحيط الهادئ موجهة أساساً نحو التصدير. ومع افتقار الاتفاقية إلى أي معاملات تفضيلية، قد تؤدي إلى الفصل الاقتصادي والحصار التكنولوجي وفصل السلسلة الصناعية؛ حيث لا تهتم الولايات المتحدة بالائتمان، ولم تفتح أسواقها أمام الشركاء المتعاقدين، ومن ثم فإن تنفيذها سيضر بالمصالح الأساسية للمنطقة، وسيؤدي إلى الانقسام والمواجهة في المنطقة، بدلاً من الحرية والانفتاح والازدهار التي تطالب بها الولايات المتحدة ظاهرياً؛ حيث إنها لا تريد القيام بأعمال تجارية متبادلة مع الدول الآسيوية، بل تسعى إلى جذب المزايا التكنولوجية فقط، وتعزيز الهيمنة الاقتصادية، واحتواء الصين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">ميراث عدم الثقة</span></strong></p>



<p><strong>وأخيراً ونظراً إلى التجربة السابقة، وسيادة حالة عدم اليقين وانعدام الثقة، تتخوف دول المنطقة بشأن إمكانية انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية المعلنة كما انسحبت من اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ (</strong><strong>TPP</strong><strong>)، وهي صفقة تجارية تقليدية خفضت التعريفات لتعزيز الوصول إلى الأسواق، لكن لم يكن لها دعم كافٍ في الكونجرس الأمريكي، فضلاً عن حالة عدم اليقين بشأن استعداد اليابان لممارسة اللعب الخشن ضد الصين وتايوان على المستويين السياسي والاقتصادي بشأن اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ.</strong></p>

      

هل تنجح الخطط الاقتصادية الأمريكية الجديدة في مواجهة الصين؟