إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

حقق الحزب الديمقراطي خسائر غير متوقعة خلال انتخابات الخامس من نوفمبر 2024، حيث خسروا الانتخابات الرئاسية، وفقدوا أغلبيتهم في مجلس الشيوخ، بينما حافظ الجمهوريون على أغلبيتهم في مجلس النواب، بما يبشر بولاية رئاسية لترامب تتسم بإحكام السيطرة على القوانين والتشريعات والميزانيات. وقد دفعت هذه الخسارة الديمقراطيين للتفكير في مواطن خلل الحزب التي ساهمت في خسارة الانتخابات، والبدء في البحث عن استراتيجية جديدة يمكن من خلالها للحزب استعادة مكانته بين الناخبين في الانتخابات القادمة. خسارة الديمقراطيينكانت هناك جملة من الأسباب التي ساعدت في خسارة الحزب الديمقراطي لأغلبية مقاعد مجلسي الشيوخ والنواب، وكذلك البيت الأبيض، وفيما يلي يمكن توضيح أبرز هذه الأسباب:1- عدم انفصال هاريس عن بايدن: لم تنجح المرشحة الديمقراطية ونائبة الرئيس كامالا هاريس في خلق شخصية مستقلة عن الرئيس جو بايدن، فاعتبرها الناخبون امتداداً لسياسات إدارة بايدن، التي لم تكن ملائمة لهم على مختلف المستويات، بما في ذلك السياسات الاقتصادية التي تسببت في ارتفاع أسعار السلع والمساكن بصورة أغضبت الناخب الأمريكي، وهو أمر تنبأت به معظم استطلاعات الرأي الوطنية التي أظهرت ثقة أكبر بين الناخبين في قدرة ترامب على إدارة ملف الاقتصاد مقارنة بهاريس.2- خسارة الناخبين اللاتينيين والسود: بالرغم من أن هؤلاء الناخبين كانوا من بين الداعمين للحزب الديمقراطي بشكل أساسي، لكنهم في انتخابات الخامس من نوفمبر سواء الخاصة بالكونجرس أو الرئاسة مالوا للتصويت لصالح الجمهوريين، وكان أحد أسباب اللاتينيين هو الاعتراض على سياسات الإدارة الديمقراطية الخاصة بالهجرة، والتي سمحت بتفاقم مشكلة الهجرة على الحدود الأمريكية. بينما استشعر السود الضغوط الاقتصادية التي زادت مع ارتفاع الأسعار.3- تدشين الجمهوريين حملة انتخابية قوية: بالرغم من المشاكل الكثيرة التي ارتبطت بالرئيس المنتخب ترامب، والقضايا الجنائية المتهم بها، إلا أنه والجمهوريين نجحوا في تحويل تلك المشكلات لدعاية تصب في صالح الجمهوريين؛ حيث عمدوا إلى تسليط الضوء على إخفاقات الحزب الديمقراطي الاقتصادية، كما تحدثوا عن سياساته الليبرالية المتعلقة بفكرة المثلية الجنسية ودعم التحول الجنسي بين المراهقين، والتي كانت سبباً في نفور الكثير من الناخبين غير الداعمين لهذه الأفكار، هذا بجانب التطرق لإخفاقات السياسة الخارجية، وإسهام بايدن في تأجيج الصراع داخل منطقة الشرق الأوسط سواء داخل غزة أو لبنان، وهو ما كان سبباً في خسارة الكتلة التصويتية من الناخبين المسلمين والعرب في ولاية ميشيغان، أو حتى الانسحاب الفوضوي من أفغانستان الذي سمح بعودة حكم طالبان بعد عقدين من حرب أمريكية مكلفة مالياً وبشرياً.خطة الحزبهناك خلافات كبيرة داخل الحزب الديمقراطي في الوقت الراهن على غرار ما حدث في عام 2016، حينما خسرت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون الانتخابات أمام ترامب، ولكن ليس بالتصويت الشعبي، حول ضرورة إجراء إصلاحات عميقة بالحزب الذي تضررت صورته ومكانته عند الناخبين في الفترة الأخيرة، وأعرب بعض الديمقراطيين من أعضاء الحزب عن آرائهم في هذا الصدد. وبالرغم من أن الحزب لم يبدأ الآن في تنفيذ هذه المقترحات، لكن يمكن تسليط الضوء على أبرز تلك المقترحات:1- بناء هوية تجذب الطبقة العاملة: صرَّح أعضاء الكونجرس الأمريكي من التقدميين بأن الحزب الديمقراطي "تخلى عن الطبقة العاملة"، وأنه أصبح "حزب النخبة"، ومن بينهم السيناتور التقدمي عن ولاية فيرمونت بيرني ساندرز، وأيضاً براميلا جايابال، رئيسة الكتلة التقدمية في الكونجرس، وأنه من الضروري العمل على إعادة جذب الطبقة العاملة الأمريكية التي لطالما عُرفت بانجذابها للديمقراطيين، وهذه النقطة تعد نقطة خلاف بين التقدميين داخل الحزب والمعتدلين في الوقت الراهن؛ حيث قال رئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية جيمي هاريسون إن "الرئيس جو بايدن هو الرئيس الأكثر تأييداً للعمال الذي رأيته في حياتي"، مشدداً على أن الحزب لم يتخلَّ عن الطبقة العاملة، بل إنه دافع عن حقوقها. بيد أن مؤشرات التصويت توضح أن طبقة العمال لم تصوت لصالح هاريس والديمقراطيين.2- ضرورة توسيع أجندة الحزب الديمقراطي: هناك جدل داخل الحزب في الوقت الراهن يدور حول جدوى أجندة الحزب؛ حيث يركز السياسيون الديمقراطيون على حقوق المثليين والمتحولين جنسياً وحقوق الإجهاض ومعالجة أوضاع المهاجرين بدرجة تفوق القضايا التي تشغل بال الناخب الأمريكي، خاصة أولئك الذين ينتمون إلى الطبقة منخفضة الدخل غير الحاصلين على تعليم عالٍ، وهو ما تسبب في الخسارة داخل الولايات المتأرجحة. وقد أكد على ذلك النائب الديمقراطي الفائز بمقعد لمجلس النواب في ولاية تكساس، هنري كويلار، مشيراً إلى مخاوف الناخبين اللاتينيين من الدعم الغذائي والسكني والصحي الذي قدمته الإدارة الفيدرالية للمهاجرين غير المسجلين. وهو ما يعني أن الحزب بحاجة للتركيز على القضايا الأكثر أهمية للناخب، وتبني سياسات أكثر قوة تجذب الناخبين.كذلك يناقش الديمقراطيون في الوقت الراهن داخل الكونجرس سبل حماية المكاسب التشريعية التي نجحوا في تحقيقها خلال الفترة الماضية، خاصة أن هناك قطاعات واسعة من المقرر أن تتضرر مع وصول ترامب إلى سدة الحكم وسيطرة الجمهوريين على الكونجرس، وزيادة احتمالية إلغاء بعض الأوامر التنفيذية، وعرقلة تمويلات التشريعات. وفي ضوء ذلك، هناك أفكار مطروحة حول ضرورة تشكيل كتل داخل الكونجرس تؤخر تمرير تشريعات ترامب أو قرارته مثل قرار "الترحيل الجماعي" للمهاجرين غير المسجلين الذي ينوي تنفيذه، سواء من خلال الضغط على بايدن لتوقيع أوامر تنفيذية تسمح بسرعة تجنيس هؤلاء المهاجرين أو منحهم وضع الإقامة القانوني، أو من خلال الموافقة على تمرير الميزانيات المتعلقة بقوانين البنية التحتية من الحزبين وقانون الرقائق والعلوم، وقانون خفض التضخم، مع زيادة المخاوف من توجه ترامب لتغيير وجهة تمويلات تلك التشريعات. وهو أمر في حال تحقق، فإنه سيساعد على حماية المكتسبات التي نجح الناخبون الأمريكيون في الحصول عليها في عهد بايدن، وستظل ورقة يستخدمها الديمقراطيون للحديث عن إنجازات إدارة بايدن.3- الدفع بوجوه ديمقراطية جديدة: يدرك الحزب الديمقراطي حاجته للدفع بوجوه جديدة أكثر قدرة على جذب جمهور الناخبين الأمريكيين؛ إذ إن خسارة هاريس في الانتخابات كان أحد أسبابها انخفاض شعبيتها مقارنة بشعبية الرئيس السابق ترامب، وهو الأمر ذاته الذي كان يعاني منه الرئيس جو بايدن؛ إذ لم يحظَ بنفس الشعبية والمكانة التي سبق وحظي بها الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، وهو ما يعني أن المرشحين للرئاسة يجب أن يكونوا من بين الشخصيات الأكثر شعبية وجاذبية، خاصة أن الناخبين بشكل عام لا يميلون إلى الشخصيات المتحذلقة في الخطاب السياسي، بقدر ما يميلون إلى الشخصيات البسيطة التي تستخدم عبارات أكثر سهولة تصل إليهم بسهولة كذلك، وهو ما يتم تفسيره على أنه كان سبباً في خسارة الديمقراطيين للطبقة العاملة. بما يعني أن الديمقراطيين عليهم كذلك الزج بوجوه جديدة، كمرشحين من أبناء الطبقة العاملة الذين يتحدثون بلغة قريبة من الناس.4- تبني حملات إعلامية ضد ادعاءات الجمهوريين: يرى بعض الديمقراطيين التقدميين على غرار النائب&nbsp;جريج كاسار&nbsp;من تكساس، الذي سيترشح لتزعم كتلة التقدميين في الكونجرس في الشهر المقبل، أن الديمقراطيين عليهم تصحيح المزاعم والادعاءات التي يروج ترامب لها، مثل أن ارتفاع أسعار المساكن حدث بسبب المهاجرين وليس بسبب السياسات الاقتصادية في "وول ستريت"، وأن تدهور خدمات الرعاية الصحية في الولايات المتحدة ليس بسبب ضغط المهاجرين، ولكن بسبب التكاليف المرتفعة للأدوية والأجهزة الطبية التي تتسبب بها شركات الأدوية الكبرى التي يدافع عنها ترامب، وينتقد سياسات التفاوض معها على الأسعار.ختاماً، يمكن القول إن المشكلة الرئيسية الموجودة داخل الحزب الديمقراطي في الوقت الراهن تتمثل في الانقسامات الداخلية حول طبيعة الإصلاحات التي يجب إجراؤها لاستعادة مكانة الحزب بين الناخبين الأمريكيين من مختلف الفئات الانتخابية التي خسروها هذا العام، كما أن المشكلة الأبرز هي القضايا التي يجب أن تركز عليها أجندة الحزب، والتي يجب أن تكون قضايا تهم الناخبين، وعلى رأسها الاقتصاد؛ حيث يحتاج الحزب إلى تبني رسائل أكثر قوة بشأن الاقتصاد والهجرة والسياسة الخارجية، لكن استخدام لغة خطاب غير واضحة أسهم في تنفير ملايين الأمريكيين، وخاصة داخل الولايات المتأرجحة التي ساعدت على فوز ترامب في الانتخابات، وكذلك خسارة الديمقراطيين بعض مقاعد الكونجرس.

ما هي خطة الحزب الديمقراطي لتعويض خسارته في الانتخابات؟