إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        
<p>تصاعدت <a>ظاهرة اغتيال رجال الدين في إيران</a>، من السنة والشيعة، في بداية شهر أبريل/رمضان من العام الجاري؛ ففي 3 أبريل الجاري، قُتل رجلا دين سنيان من القومية التركمانية في محافظة غلستان شمال إيران، قبل أداء صلاة التراويح. وكان لافتاً في الجريمتين العنف المفرط؛ حيث تعرضت جثتا القتيلَيْن لهجوم بفؤوس بعد إطلاق النار عليهما. كما هاجم أحد الأشخاص، في 5 أبريل الجاري، ثلاثة من رجال الدين الشيعة في باحة مرقد الإمام الرضا (ثامن أئمة الشيعة) في مدينة مشهد، على نحو أسفر عن مقتل اثنين وإصابة الثالث، وبدا لافتاً أيضاً أن الجريمة اتسمت بالعنف المفرط؛ حيث تعرضت إحدى الجثث للطعن عشرين مرة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">مظاهر معبرة</span></strong></p>



<p><strong>كان لافتاً أن الجدل الذي ثار حول تجدد ظاهرة اغتيال رجال الدين في إيران اكتسب طابعاً سياسياً بامتياز من اللحظة الأولى؛ وذلك لاعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1–  استهداف المرقد الشيعي الأهم في البلاد:</strong> كان لافتاً أن عملية اغتيال رجلي الدين الشيعيين جرت في باحة مرقد الإمام الرضا، وهو الإمام الشيعي الثامن الوحيد المدفون في إيران؛ ما يعني أن منفذ العملية سعى – في الغالب – إلى استهداف الموقع الشيعي الأهم الذي يحظى بمكانة دينية واجتماعية بارزة في إيران بأكملها. ومن هنا، يمكن تفسير أن الرواية الأكثر رواجاً في إيران تعتمد على أن المنفذ يعتنق الفكر التكفيري، على نحو يُعيد إلى الأذهان الهجومين اللذين تعرضت لهما إيران في 7 يونيو 2017، واللذين استهدف أحدهما ضريح الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية وقائد الثورة التي أطاحت بالشاه رضا بهلوي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– التحذير من مغبة انتشار "الدواعش": </strong>لا ينفصل ذلك عن تحذيرات بدأت تتزايد من احتمال أن يكون تنظيم "داعش" قد نجح في اختراق حدود إيران، وركَّز على استهداف الأماكن الشيعية تحديداً. وهنا، فإن النظام في إيران ربما يدعم هذه الرواية؛ لأنها تُضفِي مزيداً من الوجاهة على الادعاءات التي يتبنَّاها لتبرير تدخلاته الخارجية، لا سيما في سوريا والعراق؛ حيث يزعم أن إمعانه في تعزيز الوجود العسكري الإيراني وتأسيس ميليشيات شيعية في الدولتين، يهدف إلى محاربة الإرهاب في تلك الدول، لكن هذه الرواية ستبدو في هذه الحالة منقوصة، وستتعرض لإشكاليات عديدة، خاصةً أن هذه التدخلات لم تمنع – على افتراض أن منفذ العملية داعشي – التنظيم من الوصول إلى الأراضي الإيرانية بالفعل.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– <a> </a>عودة التوتر إلى العلاقات مع "طالبان": </strong>قد تؤدي العملية الأخيرة إلى تصعيد حدة التوتر في العلاقات مع حركة "طالبان"، لا سيما بعد أن أعلنت السلطات الإيرانية أن منفذ العملية – وهو عبد اللطيف مرادي – أفغاني من أصول أوزبكية، وقد دخل البلاد بطريقة غير شرعية؛ إذ إن ذلك يمكن أن يضفي أهمية وزخماً خاصاً على الادعاءات التي تبرز بين الحين والآخر، وتشير إلى أن وصول حركة "طالبان" إلى الحكم في أفغانستان يمكن أن يفرض تداعيات سلبية خطيرة على أمن واستقرار إيران، خاصةً في ضوء التباين المذهبي بين الطرفين، الذي كاد – خلال النسخة الأولى من حكم "طالبان" في منتصف التسعينيات من القرن الماضي – أن يؤدي إلى حرب مباشرة بين الطرفَيْن في عام 1998.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وقد كان لافتاً أن "طالبان" سارعت، في 7 أبريل الجاري، إلى إدانة العملية، مؤكدةً أنْ لا صلة بينها وبين الشعب الأفغاني أو أفغانستان، وهو توجه يعود في المقام الأول إلى أن الحركة لا تسعى – على الأقل في الوقت الحالي – إلى تجديد التوتر مع إيران، خاصةً في ظل حرص الطرفَيْن خلال الفترة التي أعقبت سيطرة الأولى على الحكم في منتصف أغسطس الماضي، على فتح قنوات تواصل سياسية وأمنية؛ لتجنب تكرار ما حدث في عام 1998.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4–  إلقاء الضوء على مشكلات القوميات بإيران: </strong>تلقي عمليات الاغتيال الأخيرة الضوء على المشكلات التي تعاني منها القوميات في إيران، خاصةً من حيث تعرضها للتمييز والتهميش، فضلاً عن تردي الأوضاع المعيشية وانهيار البنية التحتية؛ إذ أشارت تقارير عديدة إلى أن منفذ عملية اغتيال رجلَي الدين السنيَّيْن في غلستان ينتمي إلى طائفة تركمانية متطرفة تتبنى توجهات عدائية للنظام الإيراني، وللشخصيات السنية التي تتعاون معه، على غرار رجلي الدين المقتولين. وربما يمثل ذلك مؤشراً خطيراً، خاصةً أنه يوحي بأن التوتر المستمر في العلاقات بين النظام الإيراني والقوميات الإيرانية المختلفة، يمثل ثغرة أمنية خطيرة؛ وذلك في ظل التشابك العرقي بين تلك القوميات وبين دول الجوار، على نحو يمكن من خلاله تفسير ظاهرة تأسيس جماعات مسلحة عديدة تابعة لتلك القوميات، فضلاً عن توتر العلاقات بين إيران والعديد من تلك الدول في بعض الفترات، على غرار ما يحدث باستمرار بين إيران وأذربيجان.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– تصاعد مشكلات اللاجئين الأفغان: </strong>مثَّل الوجود الأفغاني في إيران فرصةً وتحدياً في الوقت نفسه؛ إذ إن إيران استغلت هذا الوجود في تأسيس ميليشيا شيعية موالية لها، نقلتها إلى سوريا للقتال بجانب نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وهي ميليشيا "فاطميون"، مقابل الحصول على امتيازات مالية واجتماعية عديدة، لكن في الوقت نفسه فرض هذا الوجود أزمات اقتصادية وصحية داخل إيران، خاصةً في الفترة التي تصاعدت فيها حدة العقوبات الأمريكية فضلاً عن انتشار فيروس كوفيد–19.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وقد بدأت المشكلات تتزايد بين إيران وأفغانستان بسبب اللاجئين، على نحو دفع وزارة الخارجية الأفغانية إلى استدعاء مسؤولين في السفارة الإيرانية لدى كابول، في 8 أبريل الجاري؛ للتباحث حول أسباب سوء معاملة حرس الحدود الإيرانيين للاجئين. وقد أشارت تقديرات عديدة إلى أن ما بين 4 و5 آلاف أفغاني يعبرون إلى إيران يومياً منذ سيطرة "طالبان" على الحكم، وأن عدد اللاجئين الأفغان في إيران وصل إلى ما بين 2.5 مليون و3 ملايين لاجئ، أغلبهم لا يحملون أوراقاً رسمية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6–  الترويج لوجود مؤامرة خارجية: </strong>لم تستبعد بعض الاتجاهات داخل إيران أن تكون هناك أطراف خارجية لها دور في تصاعد تلك الظاهرة، في إطار نظرية المؤامرة التي تتبناها، وتقوم على أن كلّاً من السعودية وإسرائيل قد لا تكونان بعيدتَيْن عن تلك الهجمات، في ظل سعيهما إلى تهديد أمن واستقرار إيران بتأجيج النزعات الطائفية والعراقية في البلاد، في إطار المواجهات التي تجري بين الدول الثلاث، سواء بسبب استمرار الحرب في اليمن، التي توقفت بموجب الهدنة الأممية، أو بسبب التدخلات الإقليمية الإيرانية التي يتوقع أن تتواصل في الفترة القادمة، أياً كان المسار الذي سوف تنتهي إليه المفاوضات التي تجري في فيينا حول الاتفاق النووي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">أزمات متجددة</span></strong></p>



<p><strong>على ضوء ذلك، يمكن القول إن ظاهرة اغتيال رجال الدين، ربما تؤشر إلى أن إيران تبدو مُقبِلة على أزمة اجتماعية وطائفية تتصاعد حدتها تدريجيّاً، وقد لا تستطيع السلطات التعامل معها بالآليات التي تتبعها في الوقت الحالي، سواء لاعتبارات داخلية خاصة بالتوتر المستمر في العلاقات بين النظام والقوميات، أو لاعتبارات خارجية خاصة بتفاقم حالة عدم الاستقرار داخل بعض دول الجوار، وفي مقدمتها أفغانستان منذ سيطرة "طالبان" على حكمها، وباكستان في ظل الإطاحة برئيس الوزراء السابق عمران خان.</strong><strong></strong></p>

      

دلالات ظاهرة اغتيال رجال الدين في إيران