عمرو عبدالعاطي

تتميز العلاقات الأمريكية–الصينية منذ إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب الأولى (2017–2021) بالتنافس، في سياق هيمنة سياسات منافسة القوى العظمى على الاستراتيجية الأمريكية تجاه منطقة الهندوباسيفيك، ورؤيتها أن بكين مع تصاعد قوتها الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، تُمثل تحدياً للولايات المتحدة؛ ولذلك تبنَّى ترامب مقاربة تقوم على مواجهة الصين في مختلف المجالات، ومنها التجارية، والتكنولوجية، والجغرافية السياسية، والأيديولوجية.وقد تميزت سنوات حكم ترامب الأربعة الأولى في البيت الأبيض بالنزاعات التجارية والمنافسة التكنولوجية والتوترات الجيوسياسية، التي كانت تحكمها رؤية ترامب "أمريكا أولاً"؛ ما أدى إلى إعادة تقويم كبيرة للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين. وقد هيمنت الحرب التجارية التي قادتها إدارة ترامب الأولى مع الصين، وفرض تعريفات جمركية على السلع الصينية، واتهام بكين بممارسات تجارية غير عادلة، على طبيعة العلاقات الأمريكية–الصينية. وامتدت المواجهة الاقتصادية بين واشنطن وبكين إلى ما هو أبعد من مجرد القضايا التجارية والاتهامات الأمريكية للصين بسرقة وظائف الأمريكيين، لتشمل المخاوف من التحركات الصينية لسرقة الملكية الفكرية، وعمليات النقل القسري للتكنولوجيا، والقيود المفروضة على الوصول الأمريكي إلى الأسواق الصينية. وقد تفاقمت التوترات والمنافسة بين واشنطن وبكين مع جائحة كوفيد –19، وتوجيه الرئيس المنتخب في بداية عام 2020 اتهامات متكررة للصين بأنها مصدر فيروس كوفيد–19، مركزاً على مختبر الفيروسات في مدينة ووهان الصينية.الاتجاهات البارزةثمَّة مجموعة من الاتجاهات المحتملة للعلاقات الصينية الأمريكية بعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:1– سياسات اقتصادية وتجارية أمريكية قاسية ضد الصين: يشير خطاب دونالد ترامب خلال فترته الرئاسية الأولى وخلال حملته الانتخابية لعام 2024، إلى عودة إدارة الرئيس المنتخب الجديدة إلى تبني السياسات الاقتصادية العدوانية تجاه الصين. يؤكد ترامب أن اتخاذ إجراءات قوية ضد بكين أمر ضروري لحماية العمال الأمريكيين، وتقليل العجز التجاري الكبير بين الولايات المتحدة والصين. وقد أعرب عن نيته مضاعفة التعريفات الجمركية التي فرضتها إدارته الأولى على مئات المليارات من الدولارات من السلع الصينية، في حالة إعادة انتخابه.يدعو الرئيس المنتخب إلى إلغاء وضع "الدولة الأكثر تفضيلاً" الذي منحته الولايات المتحدة للصين عند انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001؛ الأمر الذي سيسمح للولايات المتحدة بفرض تعريفات تمييزية على الصين؛ ما يمثل تحولاً كبيراً في العلاقات التجارية، كما يخطط لتنفيذ خطة لمدة أربع سنوات لتقليل واردات السلع الأساسية من الصين بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 60% على الواردات الصينية.وسيكون لتلك التعريفات تأثير كبير على الاقتصاد الصيني غير المستقر، الذي يعاني في الوقت الراهن من ارتفاع معدلات البطالة وركود في العقارات والديون الحكومية. وتشير توقعات إلى أن ارتفاع التعريفات الجمركية الأمريكية على الواردات الصينية لتصل إلى 60% سيؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي الصيني المتوقع إلى النصف.ويهدف ترامب من رفع التعريفات الجمركية الأمريكية على الواردات الصينية إلى إجبار الحكومة الصينية على العودة إلى طاولة المفاوضات على غرار تلك التي استخدمتها الإدارة الأولى؛ حيث دفع فرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية على أكثر من 360 مليار دولار من المنتجات الصينية إلى قبول بكين بالتفاوض مع واشنطن والتوقيع في عام 2020 على صفقة تجارية التزمت الصين بموجبها بتحسين حقوق الملكية الفكرية وشراء 200 مليار دولار إضافية من السلع الأمريكية. ومن المرجح أن تستجيب بكين للتدابير التجارية الأمريكية العدوانية بإجراءاتها الانتقامية الخاصة بها؛ ما قد يؤدي إلى تصعيد الصراع التجاري بين البلدين.2– احتدام المنافسة التكنولوجية الأمريكية–الصينية: اشتدت المنافسة التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين بشكل كبير خلال إدارة ترامب الأولى؛ فقد نددت بسياسة الصين الصناعية الموجهة من الدولة، التي تسعى إلى جعل الصين رائدة عالمياً في التكنولوجيا المتقدمة. وقد فرضت قيوداً على تصدير أشباه الموصلات، ومعدات تصنيع الرقائق الإلكترونية لمنع الصين من الحصول على هذه التقنيات، ومارست ضغوطاً على حلفاء الولايات المتحدة حول العالم لمنع التعامل مع الشركات الصينية، وفي مقدمتها شركة هواوي، التي كانت تؤسس شبكات الجيل الخامس بعدد من تلك الدول؛ وذلك بهدف الحفاظ على التفوق التكنولوجي الأمريكي ومعالجة مخاوف الأمن القومي الأمريكي.ومن المرجح أن يحتدم التنافس التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين خلال إدارة ترامب الثانية، مع توقعات باستمرار القيود المفروضة على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة إلى الصين. وقد تكون هناك جهود أمريكية لزيادة الحد من قدرة الصين على إنتاج رقائق متقدمة باستخدام التكنولوجيا الأمريكية والغربية، مع تعزيز التصنيع المحلي من خلال تخفيف القيود التي فرضتها إدارة جو بايدن على قطاع التكنولوجيا الأمريكي والحد من الأعباء التنظيمية؛ لتوفير بيئة أكثر ملاءمةً للابتكار وتسارع التقدم في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية.3– عدم اليقين بشأن مستقبل العلاقات الأمريكية–التايوانية: أغضب ترامب الصين عقب انتخابه في 2016 بتلقي مكالمة تهنئة في ديسمبر 2016 من رئيسة تايوان آنذاك تساي إنج ون؛ حيث لم يتحدث أي رئيس أمريكي مباشرة إلى زعيم تايواني منذ أن أقامت واشنطن وبكين علاقات في عام 1979. وقد هدد ترامب بفرض تعريفات جمركية أعلى بمقدار 150% إلى 200% على السلع الصينية إذا غزت الصين تايوان التي تعتبرها بكين جزءاً من أراضيها.وفي الوقت ذاته، انتقد ترامب هيمنة تايوان على صناعة أشباه الموصلات العالمية، واتهمها "بسرقة" تكنولوجيا الرقائق من الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى ضغط اقتصادي على تايوان إذا فرضت الإدارة تعريفات جمركية أو تدابير أخرى تستهدف قطاع التكنولوجيا في تايوان. وقد اقترح ترامب أن تدفع تايوان مقابل الحماية الأمريكية؛ ما قد يؤدي إلى مطالب بزيادة الإنفاق الدفاعي من قبل تايوان، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى إجهاد ميزانية تايوان، وربما يؤدي إلى تغيير ديناميات التعاون العسكري الأمريكي التايواني.وقد تؤدي حالة عدم التقين بشان مواقف الرئيس المنتخب من تايوان إلى إساءة تفسير تصريحات ترامب من قبل كل من تايوان والصين؛ ما قد يؤدي إلى تغييرات في سياسات كل منهما، وهو الأمر الذي قد يردع الإجراءات الصينية ضد تايوان أو يخاطر بتصعيد الصين من إجراءاتها لمنع استقلال تايوان.4– البناء على العلاقات الشخصية بين ترامب والرئيس الصيني: على الرغم من احتدام المنافسة بين الولايات المتحدة والصين خلال إدارة دونالد ترامب الأولى، فإن الرئيس المنتخب أكد علاقته الشخصية بالرئيس الصيني شي جين بينج كرادع للصراع حول تايوان؛ فقد ذكر ترامب لصحيفة "وول ستريت جورنال" في أكتوبر الماضي أنه لن يضطر إلى استخدام القوة العسكرية لمنع حصار الصين لتايوان لأن شي يحترمه. وخلال حملته الانتخابية تحدث ترامب عن علاقته الشخصية مع الرئيس الصيني، التي بدأت بشكل كبير خلال فترة ولايته الأولى، ولكنها كانت تتوتر بسبب النزاعات التجارية وأصول جائحة كوفيد–19. ويمكن أن يؤدي هذا النهج إلى نتائج لا يمكن التنبؤ بها؛ لأنه يعتمد اعتماداً كبيراً على الديناميات الشخصية بدلاً من البروتوكولات الدبلوماسية المعمول بها.5– تراجع التعاون الأمريكي–الصيني في قضايا تغير المناخ: من المرجح أن يؤثر موقف الرئيس المنتخب من قضايا تغير المناخ – ولا سيما رفضه ظاهرة الاحتباس الحراري عالمياً باعتبارها "خدعة"، وانتقاد الجهود المبذولة لمعالجتها، والتعهد بتعزيز إنتاج الوقود الأحفوري، وخاصة النفط والغاز، وتفكيك المبادرات الفيدرالية التي تهدف إلى الحد من الانبعاثات، وأخيراً الانسحاب خلال إدارته الأولى من اتفاقية باريس للمناخ – على التعاون بين الولايات المتحدة والصين بشأن القضايا البيئية، التي كانت أبرز محاور التعاون بين واشنطن وبكين خلال إدارة جو بايدن.6– التركيز على الصين كمنافس استراتيجي وخصم للولايات المتحدة: يتوقع أن تستمر إدارة الرئيس المنتخب في النظر إلى الصين على أنها منافس استراتيجي وخصم محتمل للولايات المتحدة مع التركيز على مواجهة النفوذ الصيني عالمياً وآسيوياً، من خلال تبني استراتيجيات أكثر عدوانيةً لمواجهة المبادرات الصينية، مثل "الحزام والطريق" والدبلوماسية الاقتصادية الصينية، وكذلك زيادة الجهود الأمريكية لتعزيز التحالفات والشراكات في مناطق مثل منطقة الهندو–باسيفيك؛ لموازنة النفوذ الصيني المتنامي.7– الحفاظ على التواصل مع الصين لإدارة المنافسة: على الرغم من توقع احتدام المنافسة بين الولايات المتحدة والصين خلال إدارة دونالد ترامب الثانية، فإن من المرجح أن يسعى الرئيس الجمهوري المنتخب إلى الحفاظ على قنوات اتصال مع بكين لإدارة المنافسة وتجنب سوء التقدير الذي قد يُحوِّل المنافسة الأمريكية–الصينية إلى صراع عسكري، ولا سيما مع تأكيد الرئيس شي جين بينج حاجة الولايات المتحدة والصين إلى "إيجاد طريقة للتعايش" في رسالة التهنئة إلى الرئيس المنتخب ترامب. ويشير هذا إلى أن الصين منفتحة على الحفاظ على الحوار والتعاون مع الولايات المتحدة حتى مع توتر العلاقات.فرصة للصينعلى الرغم من توقع أن تشهد العلاقات الأمريكية–الصينية خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب الثانية مزيداً من التوترات مع احتدام المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية بين واشنطن وبكين، فإن سياسات الرئيس المنتخب في منطقة الهندو–باسيفيك ودولياً قد تمثل فرصة لبكين؛ فقد تؤدي عقيدة ترامب "أمريكا أولاً" إلى إعادة تقييم التزامات الولايات المتحدة في آسيا؛ ما قد يغير ميزان القوى في القارة، ويخلق فرصاً للصين لتوسيع نفوذها. وقد تخلق شكوك ترامب تجاه المؤسسات الدولية المتعددة الأطراف فراغاً في الحوكمة العالمية؛ ما قد يسمح لبكين بلعب دور أكثر بروزاً في تشكيل المعايير والمؤسسات الدولية.

الاتجاهات المحتملة للعلاقات الأمريكية–الصينية بعد فوز ترامب