إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

تشير الكثير من المعطيات إلى أن تنظيم داعش يعمل في الآونة الأخيرة على تعزيز قواعده في النيجر؛ حيث قام مؤخرًا بشَّن عدد من الهجمات الدامية، راح ضحيتها عشرات المدنيين، وكان من أبرزها العملية التي نفذها التنظيم في قرية "تيليا" جنوب غرب البلاد في أواخر مارس 2021، والتي أسفرت عن مقتل ما يزيد عن 141 مدنيًّا بين رجال ونساء وأطفال، إضافة إلى قيام عناصره بالاستيلاء على قرابة 5 آلاف جمل، وأكثر من 20 ألفًا من الأبقار والأغنام، بجانب عدد كبير من السيارات.مؤشرات مختلفة1- اتساع نفوذ التنظيم: في الوقت الذى تسعى فيه العديد من القوى الدولية والإقليمية إلى تحجيم نفوذ التنظيمات الإرهابية المختلفة في منطقة الساحل الإفريقي، بعد أن أصبحت تمثل خطرًا داهمًا يهدد أمن واستقرار تلك المنطقة؛ نجد ارتفاعًا في وتيرة هجمات داعش في النيجر؛ ما يشير إلى أن التنظيم صار يتمتع بنفوذ واسع داخل البلاد، يُمكِّنه من شن هجمات نوعية في مناطق متعددة وأوقات متقاربة؛ حيث تتوزع هجماته في أماكن متفرقة، مع التركيز على المناطق التي تُتاخم حدود النيجر مع كل من مالي وبوركينا فاسو؛ ما أدى إلى مقتل العشرات في تلك المناطق.2- تصاعد استهداف الطوارق:من اللافت أيضًا أن غالبية الضحايا في الهجمات الأخيرة لداعش هم من قبائل الطوارق المعروفة بتحالفها مع تنظيم القاعدة من خلال جماعة "أنصار الدين" التي دخلت في تحالف "نصرة الإسلام والمسلمين" الذي يضم تنظيم القاعدة وحركة تحرير ماسينا وجماعة "الموقعون بالدماء"، وهو ما يعني أن أحد الدوافع من وراء تلك الهجمات هو الانتقام من حلفاء تنظيم القاعدة، وإعطاء انطباع بأن التنظيم غير قادر على حماية حلفائه؛ ما قد يدفع العديد من القبائل في تلك المنطقة إلى التعاون مع تنظيم داعش؛ حتى تتجنب هجماته التي تبدو أكثر قسوةً ودمويةً من هجمات التنظيمات والمليشيات الأخرى المنتشرة في تلك المنطقة، وهو الأمر الذي قد يساهم في تعزيز&nbsp;وجود داعش في النيجر.3- تعزيز القواعد بشكل أكبر: يعمل تنظيم داعش على تعزيز قواعده في النيجر؛ لكونها تمثل بالنسبة إليه بيئة مناسبة للتمدُّد والانتشار. وتشير العديد من التقارير إلى أن الهجمات الأخيرة لداعش كان يشرف عليها قائد التنظيم "أبو الوليد الصحراوي" شخصيًّا، وهو ما يعني أن قيادة التنظيم كانت حريصة على تنفيذ تلك الهجمات بهذا الشكل المروع، على نحوٍ يحمل رسالة مفادها أنه لم يعد داخل النيجر حكومةٌ أو جيشٌ قادر على منع التنظيم من تنفيذ هجماته الدموية. وأن قيادة التنظيم قادرة على التحرك والإشراف على الهجمات؛ ما يعني أن النيجر أضحت منطقةَ نفوذٍ خالصة لداعش.تصعيد مستمرأدَّى تصعيد داعش لوتيرة هجماته الأخيرة في النيجر إلى طرح عدد من التفسيرات حول دوافع التنظيم من وراء تلك الهجمات، لا سيما أنها تتزامن مع محاولات التنظيم تعزيز وجوده في مناطق أخرى من القارة على غرار وسط وغرب إفريقيا. ويمكن تناول أهم تلك التفسيرات كما يلي:1– الاستحواذ على موارد مالية جديدة: يسعى داعش، من خلال تكثيف هجماته في النيجر، إلى الحصول على مصادر جديدة للتمويل؛ ما يُمكِّنُه من الإنفاق على التجنيد والأنشطة الإجرامية التي يقوم بها، لا سيما مع معاناة الكثير من الشباب في النيجر من الفقر المدقع، وهو الأمر الذي قد يدفعهم إلى الالتحاق بالتنظيم للحصول على الامتيازات المالية والاقتصادية التي يوفرها التنظيم لعناصره والموالين له. وفي هذا الصدد نجد أن التنظيم تمكن خلال الهجمات الأخيرة من الاستيلاء على أموال ضخمة من خلال الهجوم على القبائل الرعوية والقرى، والاستيلاء على مئات الرؤوس من الماشية، بجانب فرض الإتاوات والضرائب على التجار. ويُلاحَظُ أن هذه الموارد تُمكن التنظيم من توسيع أنشطته في منطقة الساحل الإفريقي.2– تأسيس معقل للتنظيم في النيجر: يشير نشاط تنظيم داعش في النيجر إلى أن التنظيم يسابق الزمن لتأسيس معقل جديد بها، في محاولة لاستغلال هشاشة الدولة، وتردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية داخلها، فضلًا عن ضعف قدرات وإمكانات المؤسسة العسكرية، وعجزها عن مواجهة التنظيمات الإرهابية التي ترتع داخل البلاد. ولا شك أن كل هذه الأمور تمثل بيئة مواتية للتنظيم لتأسيس قواعد ومعسكرات تدريب تشجع العديد من المتطرفين في النيجر ودول الجوار على الالتحاق بصفوف التنظيم، خاصةً في ظل انتشار الأفكار المتطرفة في تلك المناطق.3– استغلال فشل الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب: يحاول التنظيم، من جهة أخرى، استغلال فشل الجهود الدولية في مواجهة الإرهاب في الساحل الإفريقي بوجه عام، والنيجر بوجه خاص، وعلى رأسها الجهود الفرنسية في كبح جماح التنظيمات الإرهابية في تلك المناطق، بالإضافة إلى محاولة داعش في النيجر تعويض الخسائر والانكسارات التي مُني بها التنظيم الأم في سوريا والعراق.4– دعم فروع التنظيم الأخرى: ربما يسعى التنظيم من وراء تصعيد هجماته الأخيرة في النيجر إلى التحول إلى تنظيم عابر للحدود، ودعم فروع التنظيم الأخرى؛ ما قد يؤهل قائد التنظيم "أبو الوليد الصحراوي" لتولي منصب الخلافة الداعشية حال انتقالها إلى القارة الإفريقية، محاولًا الاستفادة من كونه عربيَّ الجنس، وهو ما يعد من الشروط الرئيسية لتولي هذا المنصب.كما يحاول "الصحراوي"، من خلال تصعيد الهجمات في النيجر، إلى تثبيت فرعه الجديد "ولاية الصحراء الكبرى" في التنظيم، لا سيما بعد أن أصبح يُثير مخاوف القوى الدولية صاحبة المصالح في منطقة الساحل الإفريقي، وعلى رأسها فرنسا، كما أن تعزيز وجود داعش في النيجر قد يساعد فرع الصحراء الكبرى على مد نفوذه إلى وسط إفريقيا، من خلال التواصل التنظيمي مع فرع التنظيم في وسط إفريقيا "ولاية وسط إفريقيا"، الذي وضعته الولايات المتحدة مؤخرًا على قائمة الإرهاب، بعد تزايد جرائمه كثيرًا في كل من الكونغو الديمقراطية وموزمبيق؛ ما أدى إلى مقتل المئات بالإضافة إلى نزوح الآلاف في الفترة الماضية.5– تنافس مع التنظيمات الإرهابية الأخرى: تشير الوحشية التي اتبعها التنظيم في تنفيذ هجماته الأخيرة في النيجر، والأعداد المرتفعة من الضحايا، إلى أن التنظيم لا يسعى إلى تصدُّر المشهد الإرهابي في النيجر فحسب، بل في منطقة الساحل بأكملها؛ وذلك في إطار التنافس التنظيمي بينه وبين تنظيم القاعدة؛ حيث تُعد القدرة على شن هجمات مروعة من أهم آليات إثبات القوة والنفوذ. وهو ما يتسق مع سعي التنظيم إلى التوسع إلى أكبر عدد من بلدان القارة الإفريقية؛ وذلك في إطار سعيه إلى أن تصبح القارة المقر القادم للخلافة الداعشية المزعومة.طموح داعشيوهكذا، يمكن القول بأنه إذا نجح تنظيم داعش في تعزيز وجوده داخل النيجر، فإن ذلك سيساهم بقدر كبير في توسيع الهلال الداعشي الجديد، الذي يبدأ مع فرع ولاية "الصحراء الكبرى" الذي ينشط في كل من النيجر وتشاد ومالي وبوركينافاسو، مرورًا بفرع "ولاية غرب إفريقيا" في نيجيريا والكاميرون، وانتهاءً بفرع "ولاية وسط إفريقيا" الذي ينشط في كل من الكونغو الديمقراطية وموزمبيق وتنزانيا، وهو ما قد يفتح الباب من جديد أمام المقاتلين الأجانب الذين يرغبون في الالتحاق بصفوف التنظيم للتوجه نحو إفريقيا، خاصةً أن تصاعد نشاط التنظيم داخل القارة، تزامن مع صدور عدد من التقارير التي تشير إلى التحاق عدد من المقاتلين الأجانب بصفوف ولاية وسط إفريقيا من دول كينيا وتنزانيا، وربما أوغندا وجزر القمر أيضًا.أخيرًا، يمكن القول إن هناك أهدافًا متعددة من تصعيد هجمات داعش مؤخرًا في النيجر، والوحشية الكبيرة التي صاحبتها؛ حيث يهدف التنظيم إلى إثبات قوته ونفوذه، وتوسيع مصادر التمويل؛ وذلك في إطار التنافس مع التنظيمات الإرهابية الأخرى، ولا سيما تنظيم القاعدة؛ الأمر الذي يعني أن القارة مقبلة على موجة من العنف الداعشي ربما تفوق الموجة السابقة التي شهدتها سوريا والعراق، ما لم تتخذ القوى الدولية والإقليمية خطوات جادة لوقف تمدد وانتشار التنظيم في القارة.

مستقبل الهلال الداعشي في القارة الأفريقية