الإيكونوميست

عرض: صباح عبد الصبوراتسمت سياسة الرئيس الفنزويلي خلال السنوات الماضية بالصدام مع نفوذ واشنطن في منطقة أمريكا اللاتينية، وهو الأمر الذي دفعه في الوقت ذاته إلى انتقاد التقارب بين واشنطن وبعض دول المنطقة. ولعل النموذج الأبرز على ذلك غويانا، التي تجمعها علاقات متوترة مع فنزويلا؛ ففيما كان يمارس "نيكولاس مادورو" ضغوطاً على غويانا بشأن الملفات العالقة بين الدولتين، لا سيما فيما يتعلق الحدود المتنازع عليها، كان في الوقت ذاته ينتقد تدخل واشنطن في معادلة العلاقات بين الدولتين، وينتقد الدعم الأمني والعسكري المقدم من الولايات المتحدة لغويانا.وفي هذا الصدد، نشر موقع مجلة "إيكونوميست" تقريراً بعنوان "استفتاء مريب: نيكولاس مادورو يهدد بضم غويانا إلى كاراكاس"؛ وذلك في ديسمبر 2023. ويشير التقرير إلى أن الرئيس الفنزويلي الحالي "مادورو" لا يحظى بشعبية كبيرة في الداخل الفنزويلي. وفي هذا السياق يسعى مادورو إلى صرف انتباه الناخبين عن إخفاقاته، تزامناً مع الانتخابات الرئاسية الفنزويلية 2024؛ فقد لجأ إلى جذب الانتباه إلى قضية وطنية داخلية، وهي ضم أراضٍ من غويانا؛ إذ إنها القضية الوحيدة التي يتفق عليها جميع الفنزويليين تقريباً. دلالات رئيسيةأفاد التقرير بأن النظام السياسي الفنزويلي قد حشد قواه لدعم قضية ضم أراضٍ من غويانا إلى كاراكاس، وتحسين صورة مادورو السياسية لضمان فوزه في الانتخابات؛ وذلك عن طريق ما يلي:1– مخاطبة الرأي العام الفنزويلي المؤيد للضم: يشير التقرير إلى أن قضية غويانا تعد القضية الوحيدة التي يتفق عليها جميع الفنزويليين تقريباً؛ فلقد تعلموا على مدى أجيال أن الخريطة الصحيحة لبلدهم يجب أن تتضمن قطعة كبيرة من دولة غويانا المجاورة. وقد اكتسب النزاع أهمية أكبر منذ عام 2015؛ عندما بدأت شركة "إكسون موبيل" – وهي شركة النفط الأمريكية العملاقة – تحقق سلسلة من الاكتشافات الضخمة قبالة ساحل غويانا، وبعضها في المياه التي تطالب بها فنزويلا؛ لذلك عندما كان القائمون على الدعاية داخل نظام الرئيس نيكولاس مادورو يفكرون في كيفية إثبات أن زعيمهم الذي لا يحظى بشعبية، والذي يواجه انتخابات رئاسية العام المقبل، لا يزال قادراً على تعبئة الجماهير، بدا إجراء استفتاء على النزاع الحدودي المستمر منذ قرون كأنه تكتيك واعد.2– الحشد لاستفتاء شعبي يدعم موقف مادورو: يشير التقرير إلى أنه في الثالث من ديسمبر – ووسط ضجة وطنية كبيرة وتغطية شاملة على شاشة التلفزيون الحكومي – تم إجراء التصويت على الاستفتاء الشعبي. وقد تم طرح خمسة أسئلة على الناخبين، تستكشف بشيء من التفصيل كيف يمكن إعلان الحدود الحالية، التي تم الاتفاق عليها في عام 1899؛ لكونها غير قانونية، والدعوة إلى إعادة رسمها. وكان أحد أهم الأسئلة للعامة هو ما إذا كانوا متفقين على أن ثلثي مساحة اليابسة الحالية في غيانا – وهي منطقة تعادل مساحة فلوريدا تقريباً المعروفة باسم "إيسيكويبو" – ينبغي أن تضمها فنزويلا، ومن ثم تُشكِّل دولة جديدة.3– التلاعب بنتائج الاستفتاء لدعم موقف مادورو السياسي: وفقاً للتقرير، كانت نتيجة الاستفتاء متوقعة، خاصةً أن النظام الذي أُجرِي الاستفتاء معروف عنه التلاعب بالانتخابات. ووفقاً للهيئة الانتخابية التي تسيطر عليها الحكومة، فإن 95% من الإجابات على كل سؤال كانت "نعم"، كما كانت مسألة الإقبال أكثر إثارةً للجدل؛ إذ أعلن المجلس الانتخابي الوطني في الخامس من ديسمبر أن 10.4 مليون فنزويلي قد صوتوا، و"قد كان هذا رقماً لا يُصدَّق".فوفقاً للتقرير، فإنه في الانتخابات الرئاسية عام 2018، التي اعتُبرت على نطاق واسع مزورة، والتي ادعى مادورو أنه فاز بها، بلغت نسبة المشاركة الرسمية 9.4 مليون. وقد أظهرت لقطات تلفزيونية لهذا التصويت حشوداً كبيرة من الناس ينتظرون الإدلاء بأصواتهم. وفي يوم الاستفتاء، على النقيض من ذلك، شوهدت الحشود بالكاد. ولم يتم الإبلاغ عن أي طوابير خارج الآلاف من مراكز الاقتراع، كما أن المذيعين الحكوميين الذين مارسوا إعطاء الانطباع بأن فنزويلا دولة ديمقراطية مزدهرة، كافحوا للعثور على ناخبين لتصويرهم؛ وذلك كما ورد في التقرير.4– الدعم الحكومي لنتائج الاستفتاء: وفقاً للتقرير، ربما كانت نسبة المشاركة الحقيقية أقل من الـ2.4 مليون صوت الذين صوتوا في أكتوبر في الانتخابات التمهيدية للمعارضة، والتي أجريت دون موارد حكومية، وفازت فيها "ماريا كورينا ماتشادو"، وهي منتقدة شرسة لمادورو، بأغلبية 93 درجة من الأصوات، ولكنها ممنوعة من منصبها. وبحسب التقرير، لم يُثِر التراجع الشعبي عن المشاركة أي قلق لمادورو؛ فبينما كان يخاطب أنصاره في تجمع حاشد بعد التصويت بالقرب من القصر الرئاسي في كاراكاس، أعلن مادورو أن "الشعب الفنزويلي تحدث بصوت عالٍ وواضح". وفي هذا السياق ، أشار "خورخي رودريجيز" رئيس الجمعية الوطنية للنظام، إلى أن التفويض كان كبيراً جداً لدرجة أن الحكومة لم يكن أمامها خيار سوى "الالتزام به"، وهذا ما تفعله، على الورق على الأقل.5– إعلان إنشاء دولة جديدة تابعة لفنزويلا: يشير التقرير إلى أنه في 5 ديسمبر الجاري، أمر مادورو بإنشاء دولة فنزويلية جديدة تسمى "غويانا إسكويبا"، وقام بتعيين الجنرال "رودريجيز كابيلو"، رئيساً لها، وتم نشر خريطة جديدة لفنزويلا الأكبر الآن. وفي هذا السياق، صرح مادورو، الذي اتسم حكمه بالهجرة الجماعية والفقر المتزايد، بحسب التقرير، بأن شركة النفط الحكومية "بيترليوس دي فنزويلا " (PDVSA)، يجب أن تبدأ في منح تراخيص التشغيل لاستغلال النفط الخام والغاز والمناجم في إيسيكويبو، وينبغي تنظيم "الرعاية الاجتماعية" لسكانها.6– تزامن الاستفتاء مع تحسن علاقات مادورو مع المعارضة وواشنطن: يشير التقرير إلى أنه في أكتوبر الماضي وقَّع ممثلو نظام مادورو اتفاقاً في بربادوس مع أعضاء المعارضة حول كيفية إجراء الانتخابات الرئاسية في عام 2024. وفي مقابل بعض التعهدات المتواضعة، رفعت الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة من العقوبات لمدة ستة أشهر أولية، وأهمها عقوبات على شركة النفط الوطنية الفنزويلية. وهذا يعني أنه يستطيع توسيع الإنتاج، ويمكن للنظام أن يبدأ في بيع نفطه بأسعار السوق.وفي هذا السياق، ذكَّرت إدارة الرئيس جو بايدن مؤخراً مادورو بأنه بحاجة إلى الوفاء بواجباته بناءً على الصفقة، من خلال إطلاق سراح السجناء الأمريكيين، وبدء عملية إعادة تأهيل السياسيين المحظورين، بما في ذلك السيدة ماتشادو، بحلول نهاية نوفمبر. وقد بدا – بحسب التقرير – أن حكومة مادورو تمتثل جزئياً لهذا الطلب قبل ساعات من انتهاء الموعد النهائي؛ فقد أعلنت في 30 نوفمبر أن السياسيين المعارضين يمكنهم الاستئناف ضد الحظر حتى 15 ديسمبر.7– مخاوف فنزويلا من رد الفعل الأمريكي والبرازيلي: لطالما تجنب "لويز إيناسيو لولا دا سيلفا" رئيس البرازيل إلقاء اللوم على مادورو في الكارثة الاقتصادية التي مرت بها فنزويلا في ظل حكمه الذي دام عقداً من الزمن، لكن في الثالث من ديسمبر أبدى "لولا داسيلفا" انزعاجه في قمة مجموعة الدول الـ28، وأضاف: "إذا كان هناك شيء واحد لا تحتاجه أمريكا الجنوبية الآن، فهو الصراع". وقبل الاستفتاء، ادعى "فلاديمير بادرينو لوبيز" وزير الدفاع، أن النزاع "ليس حرباً في الوقت الحالي". ومع ذلك، من غير المرجح أن تغزو فنزويلا جارتها. وفي السياق ذاته أشار "روسيو سان ميجيل" المحلل العسكري إلى أن فنزويلا تتمتع بميزة عسكرية هائلة على غويانا، لكن فنزويلا لن تواجه غويانا فقط؛ إذ إن من المحتمل أن واشنطن والبرازيل ستَهُبَّان بسرعة للدفاع عن الدولة الصغيرة بمساعدة عسكرية.خلاصة القول أن الأزمة الراهنة بين فنزويلا وغويانا تعكس ديناميات السياسة داخل فنزويلا ومساعي الرئيس "مادورو" لتعزيز شعبيته الداخلية من خلال تحريك قضية الأراضي المتنازع عليها مع غويانا، وخصوصاً أنها قضية تحظى بدعم وتأييد شعبي واسع. أضف إلى ذلك أن القضية تثير في الوقت ذاته تساؤلات حول طبيعة السياسة الأمريكية في المنطقة، وخاصةً أن واشنطن لديها مصالح كبيرة في غويانا ومن ثم قد لا تسمح لفنزويلا بشن هجوم عسكري عليها.المصدر:- A dodgy referendum: Nicolas Maduro threatens to annex Guyana, The economist, December 2023.

لماذا يهدد رئيس فنزويلا بضم منطقة إيسيكويبو من غويانا؟