أحمد عدلي

إسلام إبراهيم


        
<p><strong>أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في خطابه الذي وجهه للشعب الروسي بشأن الأزمة الأوكرانية مساء يوم 21 فبراير الجاري، عن اعتراف بلاده باستقلال المناطق الانفصالية في شرق أوكرانيا. ووقع بوتين على مرسوم للاعتراف الفوري باستقلال جمهوريتي لوهانسك ودونيتسيك عقب الكلمة التي ألقاها مباشرةً، ودعا الجهات الروسية المعنية إلى الموافقة على توقيع اتفاقيات التعاون مع لوهانسك ودونيتسيك. يُذكر أن أزمة هذه المناطق كانت قد بدأت في شهر مارس عام 2014 في إطار ما تُعرف بالحرب في دونباس، حيث خرجت تظاهرات حاشدة للجماعات الموالية لروسيا والمناهضة للحكومة، وتصاعدت هذه التظاهرات لتتحول إلى نزاع مسلح بين القوات الانفصالية في منطقتي لوهانسك ودونيتسيك والحكومة الأوكرانية. واستولى المتمردون الموالون لروسيا آنذاك على المباني الحكومية في لوهانسك ودونيتسيك. وأشارت التقديرات إلى أن صراع الحكومة الأوكرانية مع المتمردين خلف أكثر من 13 ألف ضحية منذ بدء الصراع وحتى الآن.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">انعكاسات متعددة</span></strong></p>



<p><strong>وتحمل خطوة الاعتراف الروسي باستقلالهما عن أوكرانيا، بالتزامن مع التطورات المتسارعة التي تشهدها الأزمة الأوكرانية، جملة من الدلالات، والتي يمكن استعراضها عبر ما يلي:&nbsp;</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- التمهيد لتدخل عسكري روسي في دونباس:</strong> يعني الاعتراف الروسي أن روسيا تقول للمرة الأولى وبشكل رسمي أن إقليم دونباس لا يعتبر جزءاً من أوكرانيا، وهو الأمر الذي يمهد الطريق لموسكو لإرسال قوات عسكرية إلى المناطق الانفصالية بشكل علني، على اعتبار أن روسيا ستتدخل بعد الاعتراف لحماية حلفائها من أوكرانيا. ويدعم ذلك إعلان الرئيس الروسي فور اعترافه باستقلال الإقليمين عن إصداره أوامر بنشر قوات حفظ سلام روسية في جمهوريتي لوهانسك ودونيتسيك. ولا شك أن هذا الإعلان قد يقود إلى نزاع عسكري مفتوح بين روسيا وأوكرانيا على اعتبار أن كييف ستفسر الأمر على أنه احتلال روسي لأراضيها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ويُشار في هذا الصدد إلى أن عضو البرلمان الروسي والزعيم السياسي السابق في دونيتسيك ألكسندر بوروداي كان قد أشار، في تصريحات له في فبراير الماضي، إلى احتمال طلب الانفصاليين من روسيا مساعدتهم على السيطرة على الأجزاء التي لا تزال تحت سيطرة القوات الأوكرانية في لوهانسك ودونيتسيك. كما يُشار إلى أن تصريحات المسؤولون الأوكرانيون في الفترة الأخيرة كشفت عن إدراك مبكر بأن مسألة الاعتراف الروسي بالإقليمين تعد ذريعة للقادة الانفصاليين لطلب المساعدة العسكرية من روسيا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- تقليص روسي متواصل لمساحة أوكرانيا:</strong> يكشف الاعتراف الروسي باستقلال دونباس كذلك عن استمرار الحرص الروسي على تقليص مساحة الدولة الأوكرانية، حيث قامت روسيا خلال ثماني سنوات فقط بقضم الأراضي التي تخضع لسيادة الدولة الأوكرانية. وكانت المرة الأولى في مطلع عام 2014 حينما قامت قوات موالية لروسيا بالسيطرة على شبه جزيرة القرم، التي تبلغ مساحتها حوالي 27 ألف كم مربع، بعد الإطاحة بالرئيس الأوكراني المنتخب والموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش بعد احتجاجات شابها العنف في العاصمة كييف. وصوت سكان القرم -وأغلبهم من ذوي الأصول الروسية- في استفتاء عام لصالح الانضمام إلى روسيا الاتحادية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>كما قلصت خطوة الاعتراف الروسي باستقلال منطقتي لوهانسك ودونيتسيك مساحة أوكرانيا للمرة الثانية بنحو 52.3 ألف كيلومتر مربع. يُذكر أن مصطلح إقليم دونباس يُطلق على منطقتي لوهانسك ودونيتسيك. ولا يتجاوز عدد سكان الإقليم 4.5 مليون نسمة. ويستخدم معظم سكان دونباس اللغة الروسية في تعاملاتهم اليومية، على الرغم من أن الروس لا يشكلون أكثر من 39% من العدد الإجمالي للسكان في المنطقة. وكانت المعارك بين الانفصاليين والحكومة الأوكرانية في العقد الماضي قد انتهت بسيطرة القوى الانفصالية بشكل كامل على ثلث أراضي الإقليم، والتي تُوصف بأنها الجزء الأكثر تحضراً فيه.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- انهيار فعلي لاتفاقيات مينسك للسلام: </strong>من المحتمل أن يؤدي الاعتراف الروسي باستقلال إقليم دونباس إلى انهيار اتفاقيات مينسك، والتي تم التوصل إليها في فبراير 2015 من أجل وضع حد للنزاع بين القوى الانفصالية والحكومة الأوكرانية. وسيؤدي ذلك بالتبعية إلى انتهاء آخر فرصة سلمية لحل الصراع في شرق أوكرانيا، حيث تعالت الأصوات في الأيام الأخيرة إلى اللجوء إلى اتفاقيات مينسك وتفعيلها كحل للأزمة الأوكرانية. ويُشار في هذا الصدد إلى أن اتفاقيات مينسك تهدف إلى تأمين وقف إطلاق النار بين الحكومة الأوكرانية والانفصاليين المدعومين من روسيا في شرق أوكرانيا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>كما يُشار إلى أن المشكلة الرئيسية التي كانت تعوق تنفيذ اتفاقيات مينسك تتمثل في وجود تفسيرات مختلفة من قبل كييف وموسكو لها، ففي حين تراها الحكومة الأوكرانية سبيل لإعادة توحيد أوكرانيا والسيطرة على إقليم دونباس مع منح بعض السلطات للقائمين على إدارة الإقليم، يراها الكرملين أنها يمكن أن تساعده على إنشاء إدارة متحالفة مع روسيا في دونباس، ومنحها وضعاً خاصاً قبل لم شملها مع بقية أوكرانيا. يُذكر أن وقف إطلاق النار كان ساري المفعول بين إقليم دونباس والحكومة الأوكرانية قبل اندلاع الأزمة الحالية، وقد تصاعدت وتيرة الانتهاكات المتبادلة له في الأيام الأخيرة اتساقاً مع المسار التصعيدي الذي تتخذه الأزمة الأوكرانية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- صراع جديد بشأن مشروعية الاستقلال: </strong>من المتوقع أن يظهر في الفترة المقبلة صراع من نوع جديد مرتبط بمشروعية جمهوريتي لوهانسك ودونيتسيك. وسيقود هذا الصراع بطبيعة الحال روسيا باعتبارها أول دولة في العالم تعترف بهما. كما يُتوقع قيام جمهوريتا لوهانسك ودونيتسيك بمطالبة الحكومة الأوكرانية بجميع المقاطعات الأوكرانية التي لا تزال تخضع لسيطرة كييف. ومن الوارد سعي القوات الروسية بعد دخولها للمنطقتين للتوسع في جميع المقاطعات التي تسيطر عليها كييف في المنطقتين، وهو الأمر الذي سيقود بطبيعة الحال إلى صدام عسكري بين الجيشين الروسي والأوكراني.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وقد حدثت هذه المعركة فور ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، واعترفت بعض الدول بهذا الضم مثل أرمينيا وبوليفيا وكوبا وقيرغيزستان وكوريا الشمالية. وفي المقابل، من المتوقع قيام الدول الغربية في الفترة المقبلة بجهود مكثفة من أجل إجهاض المسعى الروسي لتشجيع دول العالم على الاعتراف باستقلال جمهوريتي لوهانسك ودونيتسيك، على غرار ما حدث في عام 2014 حينما بذل الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، جهود حثيثة لمنع اعتراف الدول بضم روسيا للقرم.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تحركات مضادة</span></strong></p>



<p><strong>وتكشف ردود فعل الدول الغربية حتى الآن على خطوة الاعتراف الروسي باستقلال جمهوريتي لوهانسك ودونيتسيك عن أن رد الفعل الغربي يدور حول ما يلي:</strong></p>



<div style="height:15px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- التأكيد على انتهاك القانون الدولي:</strong> أدانت الدول الغربية والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي "الناتو" الخطوة الروسية بشكل قوي. وأجمعت هذه المواقف على أن الاعتراف الروسي انتهاك صارخ للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. كما تعهد الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأعضاء فيه برد حازم على خطوة الكرملين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- نسف مقررات اتفاقيات مينسك:</strong> اعتبرت ردود الأفعال الغربية أن الاعتراف الروسي يمثل انتهاكاً صارخاً لمقررات اتفاقات مينسك وللجهود الدبلوماسية الرامية إلى حل النزاع في شرق أوكرانيا بالطرق السلمية. كما اعتبرت الدول الغربية أن الاعتراف يشكل هجوماً واضحاً على سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- اعتزام مقاضاة الرئيس الروسي: </strong>أعلنت المدعية العامة في أوكرانيا إيرينا فينيديكتوفا عن رفع قضية بموجب القانون الجنائي الأوكراني ضد بوتين لتغيير حدود البلاد، بعد اعترافه بجمهوريتي لوهانسك ودونيتسيك، مؤكدةً على أنهما يتبعان أوكرانيا. وشددت فينيديكتوفا على أن المدعين الأوكرانيين سيتابعون القضية بقوة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- التلويح بفرض عقوبات مشددة: </strong>تعهد الاتحاد الأوروبي بالرد بعقوبات على هذا الاعتراف. كما طالب الرئيس الفرنسي بفرض عقوبات أوروبية محددة الأهداف بعد الاعتراف. وأكد المستشار الألماني على أنه لا يمكن التصديق على نورد ستريم2. وشدد رئيس وزراء بولندا على ضرورة مواجهة الخطوة الروسية برد في شكل عقوبات فورية. كما أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على المنطقتين الانفصاليتين بعدما اعترف باستقلالهما الرئيس الروسي، متوعدةً بفرض عقوبات إضافية عند الاقتضاء.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5- وضع خطط لاستضافة اللاجئين: </strong>بدأت بعض الدول المجاورة لأوكرانيا في الاستعداد لاحتمالية استقبال اللاجئين الأوكرانيين على أراضيهم. وبرز هذا الأمر في كشف الحكومة البولندية عن خطط اللاجئين الأوكرانيين في نُزل ومنشآت رياضية. كما كشفت الحكومة الرومانية عن دراستها لخطط بشأن عدد مخيمات اللاجئين التي يمكن بنائها في أقرب وقت ممكن.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">مشهد ضبابي</span></strong></p>



<p>وختاماً، من الواضح أن الاعتراف الروسي باستقلال جمهوريتي لوهانسك ودونيتسيك، ومن ثم إدخال قوات حفظ سلام روسية إلى المنطقتين، يكشف عن تفضيل روسيا لسيناريو الغزو الجزئي لأوكرانيا من بوابة إعطاء المشروعية القانونية على التحركات التي تقوم بها القوى الانفصالية في شرق البلاد. وعلى الرغم من أن ردود الفعل الأولية على خطوة الاعتراف يشوبها الضبابية وعدم وضوح الصورة بالنسبة لرد فعل أوكرانيا وحلفائها على الأرض، فإنه بات من الوارد بشدة أن تتفجر الأوضاع إلى مدى تصعيدي أكبر إذا ما قررت كييف وحلفائها مقاومة التحركات الروسية عسكرياً.&nbsp;</p>

      

ما الذي يعنيه اعتراف موسكو باستقلال المناطق الانفصالية في شرق أوكرانيا؟