إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

تُبدي الجزائر اهتماماً متزايداً بتكثيف تحركاتها العسكرية والأمنية من أجل تعزيز دورها الإقليمي، الذي تعرض لضغوط قوية خلال المرحلة الماضية، سواء بفعل اتساع نطاق الخلافات مع بعض القوى الدولية والإقليمية، أو بسبب نجاح المغرب في استقطاب دعم دول عديدة لدعم مقاربته إزاء ملف الصحراء الغربية.وفي هذا السياق، أجرى رئيس الأركان الجزائري الفريق أول "السعيد شنقريحة" زيارة لموريتانيا، في 16 أكتوبر 2024، حيث وقع البلدان على اتفاق لتعزيز أمن الحدود. وتكتسب هذه الخطوة أهميتها في ضوء التطورات الإقليمية التي تشهدها منطقة الساحل الأفريقي، ولا سيما الصراع المتنامي في شمال مالي، والذي أدى إلى اتساع نطاق التدخلات الخارجية من جانب قوى مثل روسيا وأوكرانيا وفرنسا، فيما تزايدت التوترات بين الجزائر وموسكو على خلفية الدعم الروسي للجيش المالي ضد الحركات الأزوادية.أهداف عديدةتستهدف كلٌّ من موريتانيا والجزائر من وراء التوقيع على اتفاق لتعزيز أمن الحدود في هذا التوقيت تحقيق ما يلي: 1- احتواء تراجع النفوذ الجزائري في منطقة الساحل الأفريقي: شهدت العلاقات بين الجزائر ودول الساحل الأفريقي، وخاصةً مالي والنيجر وبوركينافاسو، توتراً متصاعداً خلال المرحلة الماضية، ولا سيما بعد التطورات السياسية والعسكرية التي شهدتها تلك الدول خلال الأعوام الأربعة الأخيرة. إذ اتخذت مالي إجراءات تصعيدية لمنع تدخل الجزائر في الشمال، والذي تعده باماكو تدخلاً في شؤونها الداخلية، ما زاد من حدة الخلافات وأدى إلى نشوب أزمة سياسية بين البلدين، حيث تبادلت الدولتان الاتهامات، حيث اتهمت مالي الجزائر بدعم الحركات الأزوادية في شمال البلاد، وأعربت الجزائر عن قلقها حيال العمليات العسكرية والحرب المستمرة للجيش المالي ضد الحركات الأزوادية على الحدود بين البلدين.وفي مؤشر واضح على تراجع النفوذ الجزائري في منطقة الساحل، اتجهت مالي والنيجر وبوركينافاسو نحو تعزيز علاقاتها مع المغرب، وانضمت هذه الدول إلى المبادرة الأطلسية التي أطلقتها الرباط في تحدٍ للسياسة الجزائرية في المنطقة. وبالتالي، يبدو أن الجزائر تعمل على تعزيز علاقاتها مع موريتانيا في سياق اهتمامها بتعويض نفوذها المفقود في المنطقة، والتعامل مع المعطيات الجديدة التي فرضها نجاح المغرب في تعزيز حضوره على المستوى الأفريقي واستقطاب دعم العديد من الدول للسياسة التي يتبناها إزاء ملف الصحراء الغربية.2- تقليص مخاوف موريتانيا من اختراق البوليساريو لأراضيها: تبدي موريتانيا مخاوف متنامية حيال الاختراقات المتكررة من جانب عناصر من جبهة البوليساريو لأراضيها، إذ تشهد الحدود المغربية- الموريتانية اختراقات من جانب الجبهة التي تسعى عبر ذلك، وفقاً لتقارير عديدة، إلى تنفيذ عمليات ضد المغرب. وقد حذر الرئيس الموريتاني "محمد ولد الشيخ الغزواني"، في أكثر من مناسبة، من اختراقات البوليساريو للأراضي الموريتانية. ومن ثم يبدو أن الجزائر تسعى عبر هذا الاتفاق الجديد إلى تقليص حدة هذه المخاوف الموريتانية من خلال توسيع نطاق التعاون الأمني والاستخباراتي مع نواكشوط.3- رفع مستوى التنسيق في مواجهة مجموعة "فاجنر" الروسية: أعربت كل من الجزائر وموريتانيا عن مخاوفهما تجاه تحركات مجموعة "فاجنر" الروسية العسكرية بالقرب من حدودهما. إذ حذرت نواكشوط، في أكثر من مناسبة، من الاختراقات المتكررة من جانب المجموعة للحدود والأراضي الموريتانية، بزعم ملاحقة عناصر إجرامية أو إرهابية. فيما أبدت الجزائر قلقاً متنامياً حيال توسع نشاط "فاجنر" في منطقة الساحل، ونددت بالدور الذي تمارسه المجموعة في دعم العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش المالي في شمال مالي. لذلك يبدو أن ثمة تفاهمات جزائرية-موريتانية على رفع مستوى التنسيق الأمني والاستخباراتي في مواجهة تحركات "فاجنر" على حدود الدولتين وفي منطقة الساحل.4- تشكيل تحالف إقليمي موازٍ للتحالفات الأمنية المدعومة روسياً: تراقب الجزائر وموريتانيا تحركات الجيشين الليبي والمالي المدعومين من روسيا في المنطقة، حيث ترى الدولتان أن هذه التحركات يمكن أن تفرض تداعيات سلبية على الأمن والاستقرار الإقليميين. وبالتالي يمكن القول إن ثمة تفاهمات جزائرية-موريتانية على تأسيس تحالف أمني إقليمي في مواجهة التحالفات الموازية المدعومة من روسيا في منطقة الساحل الأفريقي بشكل خاص، وخاصةً بعد تصاعد التوتر في العلاقات الروسية-الجزائرية بسبب الخلاف بين الدولتين على تسوية الأزمة في شمال مالي.5- تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة: يُشير مراقبون إلى أن مخاطر تمدد أنشطة التنظيمات الإرهابية وأنشطة الجريمة المنظمة عبر الحدود بين الجزائر وموريتانيا، تدفع الجزائر ونواكشوط لتنسيق جهودهما الأمنية والاستخباراتية لمنع هذه التنظيمات من التمدد عبر أراضيهما، وخاصةً تنظيم "نصرة الإسلام والمسلمين"، فضلاً عن سعيهما لمكافحة أنشطة التنقيب عن الذهب وتهريب المخدرات عبر الحدود بين البلدين.تبعات محتملةمن المتوقع أن تنعكس هذه التحركات العسكرية والأمنية الجزائرية على التفاعلات الإقليمية في منطقة المغرب العربي ومنطقة الساحل الأفريقي، وذلك على النحو التالي:1- تصاعد التنافس بين الجزائر والمغرب على استقطاب موريتانيا: يتوقع أن تدفع التحركات العسكرية الجزائرية المغرب إلى عرض المزيد من الحوافز والمساعدات العسكرية على موريتانيا في محاولة لاستقطاب الموقف الموريتاني تجاه مبادرة الحكم الذاتي للصحراء الغربية التي طرحتها الرباط. ويعزز من فرص التنافس بين الجزائر والمغرب تمسك موريتانيا بموقف محايد إزاء الصراع بين الدولتين حول ملف الصحراء الغربية تحديداً.2- تكثيف العمليات العسكرية المغربية ضد جبهة البوليساريو: يبدي المغرب قلقاً ملحوظاً تجاه التحركات الجزائرية حيال موريتانيا، وخاصةً في ظل الدعم الجزائري المستمر لجبهة البوليساريو، وإخفاق الجهود الدولية في فرض حل لتسوية الصراع، ولا سيما بعد رفض المغرب اقتراح المبعوث الأممي "ستيفان دي ميستورا" بتقسيم الصحراء الغربية بين طرفي الصراع. وفي هذا السياق، لا يمكن استبعاد أن يتجه المغرب نحو توسيع نطاق عملياته العسكرية ضد جبهة البوليساريو لتأكيد سيادته على كامل الإقليم.3- تصاعد حدة التوتر في العلاقات بين الجزائر وروسيا: ربما يفرض اتجاه الجزائر نحو تعزيز تحركاتها المناهضة للاستراتيجية الروسية في منطقة الساحل الأفريقي، مزيداً من التداعيات السلبية على العلاقات بين روسيا والجزائر، في ظل استمرار الحرب التي تدعمها موسكو وتعارضها الجزائر في شمال مالي، في الوقت الذي يشتبك فيه الجيش المالي المدعوم من مجموعة "فاجنر" الروسية مع الحركات الأزوادية.4- تزايد الأنشطة الاستخباراتية بمنطقة الساحل الأفريقي: تصاعد دور بعض أجهزة الاستخبارات الدولية والإقليمية في منطقة الساحل الأفريقي. وقد كشفت العديد من التقارير عن تزايد نشاط أجهزة الاستخبارات الفرنسية في تجنيد العملاء في دول الساحل في محاولة لممارسة ضغوط أقوى على النظم الحاكمة في تلك المنطقة. كما كشفت أجهزة الاستخبارات الأوكرانية عن دورها في دعم الحركات الأزوادية ضد الجيش المالي المدعوم من روسيا. ومن هنا فإن توقيع الجزائر وموريتانيا على اتفاق لتعزيز أمن الحدود قد يدفع في اتجاه تزايد انخراط أجهزة الاستخبارات الجزائرية في صراع الأجهزة الاستخباراتية في المنطقة، على نحو قد يؤدي إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار على المستويين السياسي والأمني.مصالح متصارعة وختاماً، يمكن القول إن توجه الجزائر وموريتانيا نحو توقيع اتفاق لتعزيز أمن الحدود يعكس حالة التوتر والصراع الإقليمي في منطقة الساحل والمغرب العربي، وخاصةً مع تزايد انخراط قوى دولية مثل روسيا وأوكرانيا وفرنسا في حروب استخباراتية في المنطقة، وتصارع الرؤى والمصالح بين الجزائر وروسيا والقوى المتحالفة معها في منطقة الساحل. ومن المتوقع أن تؤجج التحركات العسكرية الجزائرية حدة هذه الصراعات، على نحو قد يضع المنطقة أمام سيناريوهات عديدة تتراوح ما بين الانقلابات العسكرية والانقلابات المضادة وتصاعد التوجهات الانفصالية وأزمات الاندماج الوطني في دول مثل مالي وليبيا وغيرها.

ما التداعيات المتوقعة لاتفاق الجزائر وموريتانيا على تعزيز أمن الحدود؟