ياسمين أيمن

مع تولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب منصبه في 20 يناير 2025، تتعالى حدة خطابه المعادي لكندا وجرينلاند بتأكيده سعيه لضمهما إلى الولايات المتحدة، وأنه سيقوم في سبيل ذلك باستخدام القوة العسكرية. ويرى ترامب أن كندا تمثل أمناً حيوياً لواشنطن بسبب الحدود المشتركة، وهي ثاني أكبر دولة على مستوى العالم من حيث المساحة بعد روسيا، فيما يعتبر جرينلاند أمناً اقتصادياً ونفوذاً جيوسياسياً للولايات المتحدة بالنظر إلى كونها أكبر جزيرة في العالم، وبسبب موقعها المطل على القطب الشمالي الذي يحوي مجموعة كبيرة من الثروات الطبيعية التي تتنوع بين غاز طبيعي ونفط ومعادن مختلفة، والتي مع ارتفاع درجات الحرارة ستكون رقعة مهمة تتنافس عليها القوى المناوئة لواشنطن، وتحديداً روسيا والصين. دوافع الاهتمامتمثل كندا وجرينلاند أهمية محورية للولايات المتحدة، وهو ما يحفز رغبة "ترامب" على السعي باتجاه ضمهما إلى بلاده، وفقاً للاعتبارات التالية:1– أهمية موارد جرينلاند للأمن الاقتصادي الأمريكي: صرَّح الرئيس "ترامب" بأن جرينلاند الجزيرة الدنماركية التي تحظى بالحكم الذاتي منذ عام 2009، ولكن تحت رعاية الدنمارك، والتي يصل تعدادها السكاني إلى 57 ألف نسمة، تمثل أهمية حيوية للولايات المتحدة، وأنها ضرورية للحفاظ على الأمن الاقتصادي الأمريكي؛ وذلك إبان مؤتمر صحفي من منتجعه الخاص مارالاجو في فلوريدا. وتعتبر المعادن التي تمتلكها الجزيرة عناصر أساسية في صناعة البطاريات والأجهزة التكنولوجية المتقدمة، فضلاً عن الثروات التي تقدر بـ"1669 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي و90 مليار برميل بترول"، كما أشار إلى أن أوتاوا التي يصل تعدادها السكاني إلى 41 مليون نسمة، تتسبب في "عجز تجاري" للولايات المتحدة بسبب صادراتها؛ لذلك من المهم فرض المزيد من الرسوم الجمركية على تلك الصادرات لحماية الصناعات الأمريكية.2– اعتبار "ترامب" الحدود بين واشنطن وأوتاوا مصطنعة: يرى "ترامب" أن الحدود المرسومة مع كندا منذ القرن الثامن عشر من خلال معاهدات، هي مجرد "خط مرسوم بشكل مصطنع"، وأن واشنطن تتكبد مليارات الدولارات لتوفير الحماية العسكرية من خلال تقديم منح عسكرية لهذا الجار، بل إن كندا تكشف منظومة الدفاع الأمريكية؛ ولذلك يجب أن تكون تحت سيطرة واشنطن كولاية لا كدولة مستقلة، وهو الأمر الذي رفضته كندا؛ حيث أعرب جاستن ترودو رئيس الوزراء الكندي المنتهية ولايته عن رفضه فكرة توحيد الدولتين، مشيراً إلى استحالة حدوث ذلك.3– النظر إلى كندا باعتبارها سلة الغذاء العالمية مستقبلاً: هناك مجموعة من التنبؤات التي تشير إلى أن كندا قد تتحول مستقبلاً إلى سلة غذاء عالمية؛ وذلك بالنظر إلى درجات حرارتها المنخفضة؛ فمع توقعات ارتفاع درجات الحرارة العالمية، ستفقد العديد من بلدان العالم قدرتها على إنتاج الغذاء، ولكن ذلك سيعزز قدرة كندا على إنتاج المزيد من المحاصيل الزراعية، خاصةً أنها تمتلك القدرات التكنولوجية التي تؤهلها لذلك، والطبيعة الجغرافية، وهو أمر قد يساعد واشنطن على حماية أمنها الغذائي مستقبلاً، بل التحكم في سلة الغذاء العالمية في المستقبل.4– تحجيم النفوذَين الصيني والروسي بالقطب الشمالي: وذلك بالنظر إلى موقع جرينلاند القريب من ممر بحر الشمال، وامتلاك بكين مصالح اقتصادية بها، وتقديمها استثمارات ضخمة في مجال التعدين والتنقيب عن المعادن، وسعيها إلى إنشاء ما يعرف بطريق "الحرير القطبي"، مستخدمةً "الممر القطبي الشمالي"، لكن هذا المشروع لا يزال محض مخططات؛ بسبب صعوبة التنفيذ في الوقت الراهن. ويرى ترامب أن السيطرة على جرينلاند أمر هام لتحجيم النفوذين الروسي والصيني في تلك المنطقة، ولمراقبة تحركات السفن الروسية والصينية العابرة، خاصةً أن واشنطن كانت تسيطر عليها بموافقة من سفير الدنمارك قبل الحرب العالمية الثانية؛ حيث أرسلت واشنطن قوات أمريكية إليها في عام 1941، انطلاقاً من فكرة مفادها أنه يمكن استخدام هذه الجزيرة لإطلاق القاذفات البعيدة المدى إلى الأراضي السوفييتية، بما يمثل خطورة كذلك على روسيا؛ ولذلك كان هناك معاهدة بين الدنمارك والولايات المتحدة في عام 1948، وبناءً عليه تم إرسال نحو 6800 جندي أمريكي مع سربين من قاذفات B–36 الاستراتيجية على مدى 10 سنوات بعد التوقيع. وبعد مرور هذه السنوات ترغب واشنطن في تعزيز وجودها العسكري هناك.أدوات متعددةهناك مجموعة من الأدوات التي قد تلجأ إليها الولايات المتحدة لتحقيق مساعي الرئيس "ترامب" بشأن كندا وجرينلاند، وهو ما يمكن الإشارة إليه فيما يلي:1– احتمالات اللجوء إلى الأداة العسكرية: أفاد "ترامب" بأنه قد يلجأ إلى استخدام القوة العسكرية للسيطرة على جرينلاند؛ علماً بأن هذا الأمر قد يكون مستبعد الحدوث بالنظر إلى أن ملكية جزيرة جرينلاند تعود إلى الدنمارك التي تعتبر أحد أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي أحد الأعضاء المؤسسين له بجانب الولايات المتحدة. وإذا تم استخدام القوة العسكرية، فإن ذلك قد لا يقتصر على حدوث صدام مباشر بين الدنمارك والولايات المتحدة، بقدر ما سيتسبب في تفسخ الحلف من جهة، وزيادة العداء بين واشنطن والدول الأوروبية التي سترى في خطوة واشنطن اعتداءً عليها من جهة أخرى، بما سيدفعها نحو اللجوء إلى عقد تحالفات مع دول أخرى، وعلى رأسها الصين نكايةً في واشنطن.وبالنسبة إلى كندا، فبجانب عضويتها في حلف الأطلسي، فسيكون من الصعب كذلك استخدام الأداة العسكرية ضدها لجعلها "الولاية رقم 51 للولايات المتحدة" بالنظر إلى ما تمتلكه من قدرات عسكرية، وقد صرَّح "ترامب" بأنه لن يسعى إلى استخدام القوة العسكرية مع كندا، لكنه أعرب عن عدم رضاه عن النسبة التي تنفقها كندا وغيرها من أعضاء حلف الناتو على النفقات الدفاعية في الحلف.2– استخدام أداة المفاوضات والدبلوماسية: قد تكون هذه الأداة هي الأكثر ترجيحاً مع كندا والدنمارك؛ إذ قد تدفع الدائرة القريبة من ترامب تجاه استخدام هذه الأداة لتحقيق نفوذ أكبر في جرينلاند وكندا، بيد أن المسؤولين الدنماركيين قد صرحوا بأن الدنمارك لن تتنازل عن أي جزء من أراضيها، وأنها لن تقبل ببيع الجزيرة كما عرض ترامب قبل وصوله إلى منصبه. وربما لن يتمكن ترامب من الاستحواذ على كندا أو جرينلاند، ولكنه سيكون قادراً على تحقيق بعض المكاسب، مثل التوصل إلى اتفاقية تجارية جديدة مع كندا تحقق منافع أكبر لواشنطن، وللمصانع الأمريكية. أما على صعيد جرينلاند، فقد يتم السماح لواشنطن بزيادة الوصول إلى الطرق البحرية في جرينلاند عند ذوبان الجليد القطبي، ومنح المزيد من التصاريح للولايات المتحدة لاستخراج المعادن النفيسة، وهو ما سيروج له ترامب باعتباره نجاحاً كبيراً يُحسَب لإدارته، لكنه على صعيد آخر يسمح بتقويض التحالفات التي تعمل واشنطن على تكوينها باعتبارها قوة ليبرالية تحمي النظام الليبرالي العالمي الحر، ويسهم في إضعاف ثقة الحلفاء به، كما أنه قد يحجم بقية القوى المختلفة عن إبرام صفقات التعاون مع الولايات المتحدة التي لا تلتزم بالاتفاقيات.3– توظيف الأدوات الاقتصادية كالرسوم الجمركية: هناك مجموعة من الوسائل الاقتصادية التي قد يستخدمها ترامب لتحقيق مكاسب أكبر بشأن السيطرة على جرينلاند والتقارب مع كندا، وهي الوسائل التي تتمثل في فرض المزيد من الرسوم الجمركية على الصادرات الكندية للولايات المتحدة على غرار الأخشاب والسيارات ومنتجات الألبان، خاصةً أنه من الصعب حدوث اشتباك عسكري بين البلدينـ بالنظر إلى عضويتهما المشتركة في منظمات وتحالفات عسكرية عدة؛ من بينها حلف الناتو، وقيادة الدفاع الجوي الفضائي لأمريكا الشمالية. وبالنسبة إلى جرينلاند، توعد ترامب أنه إذا رفضت الدنمارك منح الحق لسكان جرينلاند بتقرير مصيرهم واتخاذ قرار الانضمام إلى الولايات المتحدة، فإنه سيتوجه نحو فرض المزيد من التعريفات الجمركية على الدنمارك.ختاماً، يمكن القول إن السنوات الأربع القادمة قد تشهد قدراً من توتر العلاقات بين حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وكذلك كندا، مع توجه ترامب نحو تنفيذ أجندته "أمريكا أولاً"، التي تبرر له الحق في اللجوء إلى أي وسيلة كانت لتحقيق مصالح الولايات المتحدة على المستويين الداخلي والخارجي؛ علماً بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي دولة مؤسسات في النهاية، وبالرغم من أن الرئيس الأمريكي هو المتحكم في رسم ملامح السياسة الخارجية، فإن تلك التوجهات الإمبريالية قد يواجهها عرقلة من جانب مختلف المؤسسات الأمريكية، بيد أنه سيستخدم أدواته المختلفة لإخضاع الحلفاء الصغار، وهو ما قد يتسبب في قلقلة للتحالفات الدولية المختلفة.

هل يلجأ ترامب إلى استخدام الأداة العسكرية للسيطرة على جرينلاند وكندا؟