إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

بالتزامن مع منح مجلس النواب الليبي بأغلبية الأعضاء الحاضرين الثقة لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، فقد برز تصاعد الاشتباكات المسلحة من جانب بعض المليشيات المنتشرة في العاصمة طرابلس، وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام تحول تلك المليشيات إلى عائق رئيسي لأي تقدم في سبيل إنجاح المرحلة الانتقالية، وفي المقابل فإن هناك العديد من المحفزات التي يمكن أن تدعم موقف السلطة التنفيذية الجديدة في مواجهة جملة من التحديات تأتي على رأسها انتشار تلك المليشيات غرب البلاد.







تحديات بارزة



تزامناً مع الموافقة التاريخية لمجلس النواب بشقيه من غرب وشرق البلاد على منح الثقة لحكومة الدبيبة، برزت العديد من التحديات التي يمكن أن تعوق المرحلة الانتقالية، وذلك على النحو التالي:







1- اشتباكات بين المليشيات المسلحة: شهدت العاصمة في الحادي عشر من مارس الجاري، اشتباكات بين عناصر مليشيات منتشرة في طرابلس، إذ دارت اشتباكات بين مليشيا "أسود تاجوراء" ومليشيات "الضمان" مدعومة من جهاز "حفظ الاستقرار"، وهي مليشيات موالية بالأساس لحكومة الوفاق، التي ستسلم السلطة إلى حكومة الوحدة الوطنية الجديدة، وقد شهدت تلك الاشتباكات تراشقاً بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة بسبب اتهامات متبادلة من جانب المليشيات بأعمال عدائية في مواجهة بعضها البعض. وقد جاءت تلك الاشتباكات متزامنة مع وصول الدبيبة إلى طرابلس، التي اختارها أن تكون مقراً للحكومة الجديدة.







2- معضلة "رجل مصراتة" في طرابلس: هناك عداء ممتد بين مدينتيّ مصراتة وطرابلس، وهما المدينتان الأبرز في غرب البلاد خلال السنوات الأخيرة، وقد تحول العداء إلى بروز منافسة على النفوذ بين مليشيات تابعة لمصراتة وأخرى تابعة لطرابلس. وفي ضوء هذا، وبالنظر إلى الدبيبة على أنه منتمٍ إلى مدينة مصراتة، فإن هناك توجس من جانب بعض المليشيات من أن يصاحب نفوذ الدبيبة توجه نحو إقصاء مليشيات طرابلس وتحييدها، على غرار سياسات وزير داخلية الوفاق فتحي باشاغا، ابن مدينة مصراتة هو الآخر، والذي كان يرغب في تحجيم مليشيات طرابلس عبر عملية أمنية كبرى قبيل اختيار ملتقى جنيف لسلطة تنفيذية جديدة.







3- رفض بعض المليشيات للعملية السياسية: تنشط المليشيات بطبيعة الحال في إطار بيئة صراع وليس بيئة سلام، لذا فقد كان هناك رفض من جانب بعض مليشيات الغرب الليبي لأي تقدم في العملية السياسية إذ رفضت بعض المليشيات النتائج التي تمخض عنها حوار جنيف باختيار سلطة تنفيذية جديدة، ومنها قوة حماية طرابلس والمنطقة الغربية (الموالية لحكومة الوفاق)، والتي وصفت التقدم المحرز في ملتقى الحوار السياسي على أنه "انحراف خطير عن المسار الصحيح"، في حين اتهمت البعثة الأممية بأنها "تتدخل بشكل شخصي لتوجيه المسار السياسي نحو أهداف معينة لا تخدم مصلحة ليبيا"، بحسب ادّعاء المليشيا التي بعثت برسالة للأمين العام للأمم المتحدة وبعض السفراء عما تزعم أنها تجاوزات متعددة في التوافقات السياسية الأخيرة.







4- إعاقة تنفيذ التزامات المرحلة الانتقالية: يعد الهدف الرئيسي للحكومة والمجلس الرئاسي الجديدين، المنبثقين عن حوار جنيف، هو تهيئة البيئة المناسبة من أجل تنفيذ الالتزام الأهم المرتبط بالانتخابات العامة في ديسمبر 2021، وهو ما قد تجد السلطة التنفيذية الجديدة صعوبة في تحقيقه في حال كان هناك تصعيد من جانب المليشيات أو في ظل احتمالية بروز خلافات بين تلك المليشيات وبعضها البعض على النفوذ وعلى موالاة السلطة التنفيذية الجديدة، خاصة وأن المليشيات علاقاتها مع حكومة الوفاق لم تكن تسير في خط مستقيم. ومن شأن ذلك أن يمثل عائقاً كبيراً أمام إمكانية إتمام متطلبات المرحلة الانتقالية بطبيعة الحال، وهو التحدي الأبرز الذي يواجه حكومة الوحدة الوطنية في الوقت الحالي، خاصة وأن بعض تلك المليشيات ترفض أي محاولات للإدماج أو لتسليم السلاح إلى أي سلطة جديدة.







محفزات متصاعدة



برغم ما تمثله المليشيات المسلحة من تحدٍ بارز أمام السلطة التنفيذية الليبية الجديدة، فإن هناك العديد من المحفزات التي يمكن أن تدعم عمل السلطة الجديدة لإنجاح المرحلة الانتقالية، وذلك على النحو التالي:







1- تعهُّد أمريكي بمحاسبة معرقلي العملية السياسية: في لافتة مهمة على وجود دعم أمريكي للسلطة التنفيذية الليبية الجديدة، فقد أصدر مستشار الأمن القومي الأمريكي "جاك سوليفان" بياناً، في 12 مارس 2021، نيابة عن الرئيس الأمريكي جو بايدن، هنأ خلاله الشعب الليبي على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي ستقود لانتخابات عامة في 24 ديسمبر 2021، فيما توعد سوليفان بمحاسبة من يعرقلون المرحلة الانتقالية الحالية، إذ جاء في البيان "سنعمل على تعزيز المحاسبة لأي طرف يسعى إلى تقويض خارطة الطريق الانتخابية التي وضعها الليبيون"، وهو ما يمكن أن يشكل تحولاً جوهرياً في الموقف الأمريكي مقارنة بسياسات ترامب الضبابية تجاه الصراع الليبي، وبما يمكن أن يمثل من جانب آخر أداة ردع مهمة سواء للمليشيات أو حتى للأدوار المشبوهة من جانب بعض الدول في ليبيا.







2- دعم مجلس الأمن الدولي للمرحلة الانتقالية: رحّب مجلس الأمن الدولي، في 13 مارس 2021، بمنح مجلس النواب الليبي الثقة للحكومة الانتقالية الموحدة الجديدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، المكلفة قيادة البلاد إلى انتخابات مقررة أواخر العام الجاري، ودعا أعضاء المجلس جميع الأطراف إلى تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وحثوا الدول الأعضاء على احترام التنفيذ الكامل للاتفاق، بما في ذلك انسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا والامتثال التام لقواعد الأمم المتحدة. كما دعم المجلس اتخاذ الاستعدادات اللازمة لإجراء انتخابات وطنية وحرة ونزيهة في ديسمبر المقبل.







3- التراجع النسبي في الدور التركي المشبوه: قوبل تشكيل السلطة التنفيذية الجديدة بدعم إقليمي كبير، حتى من جانب بعض الدول التي كانت سبباً في تأجيج الأوضاع خلال الأشهر الأخيرة، إذ دعمت تركيا السلطة الجديدة، وبالرغم من استمرار المرتزقة الأجانب المدعومين تُركيّاً في الغرب الليبي، فإن الضغوط الدولية وكذلك الإقليمية باتت تمثل عامل محفز على إخراج المرتزقة في المدى المنظور، في ظل إدراك كافة الأطراف لعدم جدوى التصعيد العسكري، وضرورة إتمام العملية الانتقالية من أجل تحقيق الاستقرار سواء في الداخل الليبي أو حتى على المستويين الإقليمي والدولي.







4- دعم عربي واسع للسلطة التنفيذية الليبية الجديدة: حظيت السلطة الجديدة بدعم كبير من جانب الدول العربية الفاعلة في المنطقة، وعلى رأسها الإمارات ومصر والسعودية، إذ عبرت تلك الدول عن دعم المرحلة الانتقالية وصولاً لعقد انتخابات عامة، وهو دعم مهم من أجل قطع الطريق على أي أدوار إقليمية مشبوهة، خاصة في ظل ما تمثله ليبيا من أهمية كبرى للأمن القومي العربي.







وفي المجمل، فإن أمام السلطة التنفيذية الجديدة تحديات بارزة من أجل إنجاح المرحلة الانتقالية، تأتي في مقدمتها المليشيات المسلحة المنتشرة على مدار عقد كامل وامتلاكها لأدوات النفوذ المختلفة، إلا أن هناك محفزات مختلفة لاسيما على المستويين الإقليمي والدولي، وهو ما يدعم حظوظ السلطة الجديدة في تنفيذ مهامها بنجاح، بيد أن ذلك يتوقف بشكل أساسي على قدرة تلك السلطة على أن تكون تعبيراً عن كل الليبيين من جانب مع ضرورة رفض أي اصطفافات إقليمية مشبوهة من جانب آخر.

احتمالات عرقلة التصعيد المسلح لنجاح المرحلة الانتقالية في ليبيا