إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

على الرغم من أن طبيعة جائحة كورونا تستوجب التضامن العالمي للقضاء عليها، فإن ثمة تصاعدًا حاليًّا في حدة التنافس الدولي في إطار حروب اللقاح. وفي ضوء هذا، نظَّم مركز "إنترريجونال" للتحليلات الاستراتيجية حلقة نقاشية بعنوان "تصاعد التنافس الدولي في إطار حروب اللقاح"، بحضور بعض الخبراء والباحثين. ويمكن استعراض أبرز ما تمت إثارته على هامش النقاش؛ وذلك على النحو التالي:







صعود "قومية اللقاحات"



أكَّد المشاركون أنه برغم التحذيرات المتكررة من منظمة الصحة العالمية، من اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء في العالم بشأن الحصول على لقاحات فيروس كورونا، وتأكيد المنظمة أن القومية في مجال اللقاحات قد تكلف الاقتصاد العالمي ثمنًا غاليًا يصل إلى 9200 مليار دولار– فإن الطابع القومي للقاحات تصاعَد في الشهور الأخيرة بقدر واضح.



وقد أدَّى غياب الالتزام الدولي بتوزيع عادل للقاحات إلى ظهور قومية اللقاحات، التي يُقصَد بها أن الدول المنتجة لهذه اللقاحات تعطي الأولوية لمصلحتها الوطنية الخاصة على مصلحة بقية الدول. ويتضح هذا الأمر على سبيل المثال في القيود الواسعة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على تصدير اللقاحات التي تنتجها الشركات في الدول الأعضاء، إلى خارج دوله. ويرتبط بذلك التحذيرات البريطانية الأخيرة للاتحاد الأوروبي من خطورة عدم احترام عقود اللقاحات.







تنامي ظاهرة "الاحتكار الصحي"



لفت الحضور إلى أن جميع دول العالم تُدرِك أن هدف القضاء على الجائحة، لن يتحقق إلى بحلول عالمية قائمة على التعاون والتضامن. وعلى الرغم من ذلك، تحرص الدول الغنية والمتقدمة على تكديس اللقاحات بما لا يُمكِّن معظم الدول الفقيرة والنامية من الحصول على اللقاحات، وهو أمر يُنذر باستمرار الجائحة لمدى أطول، ولا يُبشر بإمكانية التخلص من هذا الوباء قريبًا.



ويبرز نمط تكديس اللقاحات بصورة أساسية في حالة الولايات المتحدة التي تتعرض لانتقادات عالمية كبيرة بسبب سياسة "أمريكا أولًا" التي تنتهجها تجاه صادرات اللقاحات. وبرغم دعوات إدارة "بايدن" المتواصلة للعالم إلى العمل بأسلوب جماعي لإنهاء الجائحة في كل مكان، لكنها تمتلك مخزونات ضخمة من اللقاحات. وشددت إدارة "بايدن" صراحةً في أكثر من مناسبة على أنها لن تتقاسم فائض اللقاحات مع العالم إلا بعد التأكد من تلبية الحاجة الداخلية.







توسع الحروب المعلوماتية



حسَب بعض المشاركين، فقد قامت بعض الدول بحروب معلوماتية ضد بعض اللقاحات التي أنتجتها أو تحاول إنتاجها دول أخرى. ويدلل على ذلك –على سبيل المثال– مُحاولةُ قراصنة معلومات من كوريا الشمالية، اختراقَ الأنظمة المعلوماتية لمجموعة فايزر للأدوية بحثًا عن معلومات حول اللقاح والعلاجات ضد فيروس كورونا؛ وذلك حسب ما أوردت وسائل إعلام في منتصف فبراير الماضي، نقلًا عن جهاز الاستخبارات الكوري الجنوبي.



يُضاف إلى ذلك الاتهامات الإسبانية لقراصنة صينيين في شهر سبتمبر الماضي بسرقة بيانات تطوير لقاح كورونا. وأعرب عددٌ من كبار المسؤولين الروس، في منتصف أغسطس الماضي، عن رفضهم التام للتشكيك المعلن في لقاح سبوتنيك 7 من قبل بعض الدول.



جديرٌ بالذكر أن موقع تويتر كان قد أعلن في مطلع مارس الماضي، أنه بدأ في استهداف التضليل المعلوماتي المتعلق باللقاح على منصته، من خلال وضع وسوم على التغريدات، وإدخال نظام يعلق عمل حسابات مكرري المخالفة مؤقتًا.







تهديد "طفرات تحور كورونا"



يتمثل أحد الأسباب التي أدَّت إلى تفاقُم ظاهرة حروب اللقاح –وفق بعض الباحثين المشاركين بالحلقة النقاشية– في بروز الجدل حول فاعلية اللقاحات ضد طفرات التحور لفيروس كورونا. وعلى سبيل المثال، أوقفت جنوب إفريقيا في مطلع فبراير الماضي توزيع لقاح أسترازينيكا في البلاد، بعد التقارير التي أشارت إلى أن هذا اللقاح لا يحمي من الإصابة بالسلالة المتحورة المنتشرة هناك.



جديرٌ بالذكر أن منع جنوب إفريقيا استخدامَ اللقاح، تم على الرغم من إعلان لجنة خبراء اللقاحات التابعة لمنظمة الصحة العالمية، عن أن اللقاح المضاد لفيروس كورونا، الذي طوَّره مختبر أسترازينيكا البريطاني، يمكن استخدامه حتى ضد النسخ المتحورة، ومنها السلالة الجنوب إفريقية.







واختتم المشاركون في الحلقة النقاشية، مشاركتهم بتأكيد أن التنافس الدولي الحالي في إطار حروب اللقاح، يسلط الضوء على مشكلة أخلاقية حقيقية يعاني منها النظام العالمي، على الرغم من يقينه أن المعركة الحالية ضد جائحة كورونا، لا يمكن كسبها من دون تعاون دولي، ومن دون توفير اللقاحات لكل الدول، خاصةً الدول الفقيرة التي تتابع عن كثب تنافس الدول الغنية والمتقدمة على اللقاحات، ولا تملك سوى الانتظار لرؤية النتيجة التي سيسفر عنها هذا التنافس.

لماذا تصاعد صدام القوى الدولية على التحصين ضد كورونا؟