إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        
<p>شهدت الفترة الأخيرة اهتمامًا سودانيًا ملحوظًا بمستجدات الأزمة الليبية على كافة المستويات السياسية والعسكرية، وظهرت المؤشرات الدالة على ذلك في إصدار البيانات الرسمية المؤيدة لمسار التسوية السياسية، والانخراط في الجهود الإقليمية والدولية الساعية لتسوية الأزمة الليبية سياسيًا. وتسعى الخرطوم من وراء ذلك لتحقيق عدة أهداف، من أبرزها تعزيز تقاربها السياسي مع ليبيا لدحض الاتهامات الموجهة إليها بإرسال قوات عسكرية للقتال في الداخل الليبي، وتعزيز التعاون الأمني مع الجانب الليبي عبر تفعيل اتفاقية التعاون الأمني الرباعية مع ليبيا والنيجر وتشاد، لحماية أمنها القومي ضد التهديدات الإرهابية الناتجة عن احتمالات تسلل العناصر الإرهابية والمرتزقة السودانيين من الأراضي الليبية إلى الداخل السوداني، ووقف عمليات تهريب البشر وعمليات تهريب السلاح والمخدرات التي أضرت بالاقتصاد السوداني، بالإضافة إلى محاولة حل مشكلات العاملين السودانيين في ليبيا، وتقليص خطر الصلات الوثيقة بين الإخوان في البلدين، وتحسين صورة السودان كفاعل إقليمي يسعى لحل الأزمات المثارة في المنطقة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وقد طالبت وزيرة خارجة السودان "مريم صادق المهدي"، في 31 أغسطس الماضي، المجتمع الدولي بضرورة إشراك دول الجوار الليبي في كافة جهود تسوية الأزمة الليبية سياسيًا، وذلك خلال مشاركة السودان في اجتماع وزراء خارجية دول الجوار الليبي الذي استضافته الجزائر خلال الفترة من 30 وحتى 31 أغسطس الماضي. وأكدت "المهدي" في كلمتها خلال هذا الاجتماع أن حل الأزمة الليبية يجب أن يبدأ من خلال سحب المقاتلين الأجانب والمرتزقة من البلاد بالتنسيق مع القوى الدولية المنخرطة في الأزمة لتنفيذ ذلك.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تحجيم التهديدات الإقليمية</span></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>تتسم العلاقات السودانية الليبية الحالية بنوع من التعاون والتنسيق، نظرًا للعلاقات التاريخية الممتدة بين الدولتين، ومن ذلك وجود امتداد قبلي بين السودان وليبيا يلعب دورًا هامًا في تطورات الأزمة الليبية، حيث توجد </strong><strong>قبائل "الحميمات" التي لها جذور مشتركة في كل من السودان وتشاد، وترتبط ارتباطًا وثيقًا مع قبيلة "المقارحة" الليبية وبعض الأسر الليبية، وهو ما يفسر تأييد هذه القبائل لموقف المشير "خليفة حفتر" (قائد الجيش الوطني الليبي)، ويشارك بعضها في القتال ضمن صفوف قوات "حفتر"، فضلًا عن مشاركة بعض الجماعات ال</strong><strong>مسلحة القادمة من دارفور السودانية في القتال داخل ليبيا. وفي هذا السياق، يمكن <a>تفسير تزايد الاهتمام السوداني خلال الفترة الأخيرة بمستجدات الأزمة الليبية،</a> من خلال مجموعة من العوامل، التي يمكن توضيحها على النحو التالي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- <a>احتياج النظام الانتقالي السوداني إلى دعم إقليمي ودولي واسع لتعزيز شرعيته</a>،</strong> إذ شهدت السنوات الماضية انشغالًا سودانيًا بتطورات الأوضاع السياسية الداخلية عن الأزمة الليبية، وخلال الفترة الماضية حاول السودان الانخراط في الأزمة الليبية عبر الإعلان عن مواقف سياسية مؤيدة للتطورات السياسية الإيجابية داخل ليبيا، وكذلك الانخراط ضمن جهد دول الجوار الليبي الساعية لتسوية الأزمة الليبية سياسيًا، وخلال الفترة الأخيرة تزايدت مطالب دول الجوار الليبي بإشراكها في المفاوضات الخاصة بالأوضاع السياسية والعسكرية في ليبيا باعتبار أنها المتضرر الأول من هذا النزاع.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وفي هذا السياق، تصاعد الاهتمام السوداني إزاء تطورات الأزمة الليبية من خلال المشاركة في اجتماعات وزراء الخارجية لدول الجوار الليبي التي تنظمها الجزائر دومًا للبحث في انعكاسات الأزمة الليبية على هذه الدول، وذلك بهدف تعزيز التقارب السياسي مع ليبيا في ظل حاجة النظام الانتقالي السوداني إلى دعم إقليمي ودولي واسع لتعزيز شرعيته، وفي الوقت نفسه نفي الاتهامات التي وجهتها حكومة الوفاق الوطني الليبية السابقة للخرطوم بالتدخل في تطورات الأزمة الليبية من خلال إرسال قوات عسكرية للقتال في صفوف الجيش الوطني الليبي ضد قوات الوفاق، وهو ما نفته الخرطوم دومًا، وتستغل التطورات الحالية لإثبات دعمها الإيجابي لمسار التسوية السياسية في ليبيا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- <a>وقف تدفقات الهجرة غير النظامية وتهريب البشر</a>،</strong> حيث يعاني السودان وليبيا من إشكالية تزايد أعداد المهاجرين غير النظاميين عبر الحدود السودانية الليبية المشتركة التي تمتد لأكثر من 380 كم تقريبًا، ولذلك فقد عقد وزير الداخلية السوداني "عز الدين الشيخ علي منصور" اجتماعًا منفصلًا مع وزير الدولة للهجرة الليبي على هامش اجتماع وزراء خارجية دول الجوار الليبي بالجزائر؛ لمناقشة الجهود الكفيلة بالحد من الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر الذي يمثل إشكالية أمنية كبيرة للجانب الليبي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>واتفق الطرفان على تشكيل لجنة فنية مشتركة من الجهات ذات الصلة بالبلدين، بجانب تفعيل الاتفاقيات والبروتوكولات الثنائية الموقعة في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية للحد منها خلال الفترة القادمة، وذلك بهدف تجنب المخاطر الأمنية المترتبة على انضمام بعض المهاجرين من السودان بطريقة غير شرعية إلى ليبيا للجماعات والمليشيات المسلحة بعد أن تعذر حصولهم على فرص عمل حقيقية بسبب تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية داخل ليبيا، كما أن التنظيمات الإرهابية داخل ليبيا تعتمد على عمليات تهريب البشر كمصدر رئيسي لتمويلهم ماديًا، بالإضافة إلى تهريب المخدرات والسلاح، وقد أثرت عمليات تهريب البشر والسلاح والمخدرات سلبًا على الميزان التجاري بين الخرطوم وطرابلس.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- <a>مكافحة الجماعات الإرهابية العابرة للحدود</a></strong>، حيث تهدف التحركات السودانية، في إطار دول الجوار الليبي، إلى حماية أمنها القومي ضد التهديدات الأمنية المتزايدة بسبب انتشار التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود. وفي هذا الإطار، شددت الخرطوم على أهمية تفعيل آلية تأمين وحماية الحدود بين السودان وليبيا والنيجر وتشاد عبر إعادة إحياء الاتفاقية الأمنية الرباعية الموقعة في 2 يونيو 2018، وذلك خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها "موسى الكوني" نائب رئيس المجلس الرئاسي للخرطوم في 24 أغسطس الماضي، حيث تخشى الخرطوم من تسلل بعض المليشيات المسلحة أو العناصر المسلحة التابعة لتنظيمي القاعدة وداعش من داخل ليبيا إلى الأراضي السودانية عبر الحدود المشتركة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وتجدر الإشارة إلى أن الجنوب الليبي أصبح ملاذًا آمنًا للتنظيمات الإرهابية، وخاصة تنظيمي القاعدة وداعش. ويأتي ذلك بالتزامن مع وجود مخاوف سودانية من التطورات التي حدثت في تشاد في أبريل الماضي عندما تسللت بعض الجماعات المسلحة المتمردة وحاولت قلب نظام الحكم في تشاد واغتالت الرئيس التشادي "إدريس ديبي"، وهو ما أدى إلى قيام نجله "محمد ديبي" بتشكيل مجلس عسكري انتقالي يقوم برئاسته الآن لفترة انتقالية لمدة عام ونصف حتى يتم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة، وهو السيناريو الذي تخشى منه مؤسسات الحكم الانتقالي في السودان.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- <a>سحب المرتزقة وحل أزمة دارفور</a>،</strong> تشير التقديرات إلى أن هناك حوالي تسعة آلاف مقاتل سوداني يشاركون كمرتزقة ضمن صفوف أطراف الصراع الليبي في شرق البلاد وغربها، وذلك رغم نفي وزارة الخارجية السودانية في يونيو الماضي لمسألة مشاركة أية قوات سودانية في القتال الدائر بليبيا. وبحسب التقديرات، ينقسم المقاتلون السودانيون في ليبيا إلى ثلاث فئات (عناصر الجماعات المسلحة التي كانت تقاتل في دارفور – مهاجرين غير شرعيين – مقاتلين محترفين).</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وتُحاول الحكومة السودانية الانتقالية إخراج هؤلاء المقاتلين من ليبيا ودمجهم في القوات النظامية السودانية أو على أقل تقدير تسريحهم بعد سحب السلاح من أيديهم، وذلك وفقًا لما نص عليه اتفاق السلام النهائي الموقّع في أكتوبر الماضي بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية. كما أشار "مني أركو مناوي" (حاكم إقليم دارفور)، في شهر يونيو الماضي، إلى وجود عناصر مسلحة تابعة له داخل الأراضي الليبية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وفي ظل مجاورة إقليم دارفور للحدود الليبية السودانية، يظل خطر وجود المرتزقة السودانيين داخل ليبيا عاملًا مهددًا للأوضاع السياسية والأمنية المضطربة بالأساس داخل إقليم دارفور، الذي شهد طوال الشهور الماضية صراعات عرقية وقبلية محتدمة، ولذلك فقد شددت الخرطوم خلال مشاركتها في اجتماع وزراء خارجية دول الجوار الليبي الأخير بالجزائر على ضرورة إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا تحت إشراف الأمم المتحدة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5- <a>تأمين العمالة السودانية في ليبيا</a></strong>، حيث تزايدت مشاكل العاملين السودانيين (حوالي مليون عامل) داخل ليبيا بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة. وفي أغسطس الماضي، ظهرت للعلن أزمة احتجاز بعض العاملين السودانيين بأحد مصانع الأغذية بالعاصمة طرابلس على يد بعض المليشيات المسلحة التابعة للحكومة الليبية "عبدالحميد دبيبة"، والتي لم تَحْظَ باهتمام مسؤولي الدولتين سواء في السودان أو ليبيا. وبالتالي، فإن الانخراط السوداني في الأزمة الليبية قد يشهد خلال الفترة المقبلة تدخلًا من الحكومة السودانية، بالتنسيق مع نظيرتها الليبية، لحل مشكلات العاملين السودانيين هناك، خاصةً وأن المليشيات المسلحة داخل طرابلس تقوم بتجنيد بعض من هؤلاء العمال قسرًا وتحويلهم لمرتزقة يقاتلون في صفوف هذه المليشيات.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وتتفاقم أبعاد هذه المشكلة في ظل الحديث عن تعرض بعض المواطنين السودانيين لعمليات نصب من قبل بعض الشركات الأجنبية التي تستقطبهم للعمل بالخارج، ثم يُفاجَؤون بنقلهم إلى ليبيا للقتال ضمن صفوف المليشيات المسلحة هناك. وعلى المستوى الاقتصادي، فقد سارع السودان لتجنب توقف عائدات العاملين داخل ليبيا، على اعتبار أن هذا الأمر سيساهم في زيادة حدة الأزمة الاقتصادية بالبلاد بعد عودة مئات الآلاف منهم إلى السودان بسبب استمرار الأزمة الليبية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6- <a>تجنب مخاطر الإخوان المسلمين</a>،</strong> إذ كان النظام السابق في السودان برئاسة المعزول "عمر البشير" على صلات وثيقة بتنظيم الإخوان المسلمين داخل ليبيا، وفي ظل محاولات العناصر المؤيدة لنظام الإنقاذ من قيادات حزب المؤتمر الوطني المنحل وتنظيم الحركة الإسلامية العودة للحكم، فإن السلطات الانتقالية السودانية تخشى من احتمالات الاتصال والتنسيق بين عناصر تنظيم الإخوان المسلمين داخل السودان وليبيا، خاصةً وأن المليشيات المسلحة تستخدم المهاجرين السودانيين إلى ليبيا للقتال في صفوف المليشيات التابعة للإخوان المسلمين، ومن ثم العمل على زعزعة الاستقرار السياسي والأمني داخل البلاد، وهو ما يفسر الإجراءات المتسارعة والمشددة التي تقوم بها لجنة إزالة التمكين السودانية تجاه العناصر المنتمية لتنظيم الإخوان المسلمين، حيث تسعى من خلال الانخراط المتزايد في الأزمة الليبية إلى تحييد قدرات هذه العناصر للحفاظ على أمنها الداخلي ضد المخططات الإخوانية المحتملة للعودة للسلطة مرة أخرى.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تأمين العمق الاستراتيجي</span></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>خلاصة القول، يكشف الاهتمام السوداني المتزايد بتطورات الأزمة الليبية خلال الفترة الأخيرة عما تمثله ليبيا من بعد استراتيجي للبلاد على كافة المستويات، الأمنية والاقتصادية والسياسية، وخاصةً فيما يتعلق بتداعيات التطورات العسكرية الليبية على الأوضاع الأمنية داخل إقليم دارفور المضطرب. وتُرجّح المعطيات الراهنة أن تشهد الفترة القادمة مزيدًا من التنسيق السوداني الليبي في أكثر من مجال، ولا سيما فيما يتعلق بتأمين الحدود المشتركة ضمن الاتفاق الأمني الرباعي الذي يشمل تشاد والنيجر أيضًا، وبما قد ينعكس إيجابًا على مسألة تطور العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين السوداني والليبي.</strong></p>

      

لماذا يهتم السودان بدعم الاستقرار في ليبيا؟