إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        
<p><strong>جاء الإعلان عن توقيع تحالف دفاعي جديد بين كلٍ من فرنسا واليونان، مفاجئاً للحلفاء والخصوم على حدٍ سواء، خاصة وأنه تم الإعلان عنه في ظل سياقات متوترة بين الحليفين التقليديين، الولايات المتحدة من جانب وفرنسا من جانب آخر، وذلك في أعقاب توقيع اتفاقية أمنية ثلاثية "أوكوس" ضمت كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، في سبتمبر الماضي، وقد تضمنت الاتفاقية حصول أستراليا على غواصات جديدة من جانب واشنطن ولندن تعمل بالطاقة النووية، وما ارتبط بذلك من إلغاء الحكومة الأسترالية عقداً بقيمة 90 مليار دولار لغواصات فرنسية، فيما وصفت باريس الاتفاقية بأنها "طعنة حقيقية في الظهر".</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وتُعيد الاتفاقية الدفاعية الثنائية بين كلٍ من باريس وأثينا، الجدل المُثار حول الارتدادات المحتملة لإعادة تشكل التحالفات في الوقت الحالي، خاصة عقب ما أثاره تحالف "أوكوس" من اهتمام عالمي واسع، لا سيما في ظل الانتقادات التي وُجهت له من جانب العديد من القوى الدولية الفاعلة. وفي ضوء هذا، يمكن تناول أبرز أبعاد وتداعيات التحالف الدفاعي بين كل من فرنسا واليونان، والذي تم توقيعه أواخر سبتمبر 2021، وذلك على النحو التالي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><a><strong>1- تعزيز التعاون الدفاعي بين فرنسا واليونان:</strong></a> وقّعت فرنسا واليونان اتفاقاً دفاعياً، يوم 28 سبتمبر 2021، يتضمن شراء أثينا ثلاث فرقاطات فرنسية. ولم يُكشف عن أي تفاصيل متعلقة بقيمة العقد، لكن يُفترض أن يبدأ تسليم الفرقاطات في عام 2024. ونوهت تقارير صحفية إلى أن الفرقاطات من طراز "بيلارا". وعلى الرغم من أن وسائل إعلام يونانية تحدثت عن بيع فرقاطات فرنسية من طراز "غوويند" ضمن الصفقة، إلا أن وسائل إعلام فرنسية نفت هذا الأمر.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ومن المتصور أن ينعكس الاتفاق الجديد بين باريس وأثينا بشكل إيجابي على مستوى التعاون الدفاعي بين الجانبين، ويدعم ذلك تصريحات رئيس الوزراء اليوناني "كيرياكوس ميتسوتاكيس"، خلال الإعلان عن الصفقة، والتي قال خلالها: "إنه يوم تاريخي لليونان وفرنسا. قررنا تحديث تعاوننا الدفاعي الثنائي". وأضاف: "الاتفاق يتضمن دعماً مشتركاً وتحركاً مشتركاً على كل المستويات، بالإضافة إلى خيار شراء فرقاطة رابعة".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ويُشار -في هذا الصدد- إلى أن باريس وأثينا وقعتا في يناير الماضي على صفقة بقيمة 2,5 مليار يورو، أي حوالي 3 مليارات دولار، لشراء 18 طائرة رافال، 12 مستعملة وست جديدة. وأعلنت الحكومة اليونانية، في 12 سبتمبر 2021، عن نيتها شراء ست طائرات رافال إضافية، وهو ما يرفع مجموع الطلبية إلى 24 طائرة. ورحبت وزارة الدفاع الفرنسية حينها بنية أثينا توسيع طلبيتها من طائرات الرافال.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- إعادة الثقة مجدداً للصناعة الدفاعية الفرنسية:</strong><strong> </strong>يُعيد قرار أثينا شراء السفن الحربية من باريس، الثقة في صناعة الدفاع الفرنسية في وجه المنافسة المتصاعدة مع بعض القوى الدولية، وخصوصاً من مجموعة "لوكهيد مارتن" الأمريكية. ويأتي ذلك بعد أقل من أسبوعين من خسارة باريس عقداً ضخماً بمليارات اليورو مع أستراليا لتزويدها بغواصات، مع إعلان كانبرا أنها ستوقع عقداً مع الولايات المتحدة لشراء غواصات تعمل بالدفع النووي في إطار تحالف "أوكوس"، الذي يضم الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- دفعة لتعزيز الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية:</strong><strong> </strong>تُعطي الاتفاقية الدفاعية بين باريس وأثينا، والتي وصفها الرئيس الفرنسي بأنها تأتي في إطار "شراكة استراتيجية أكثر عمقاً بين البلدين للدفاع عن مصالحهما المشتركة في البحر المتوسط"، دفعة لـ"ماكرون" في جهوده للترويج للدفاع الأوروبي. ويتسق ذلك مع تصريحات الرئيس "ماكرون"، خلال الإعلان عن الصفقة، والتي قال خلالها إن هذا الاتفاق "يسهم في الأمن الأوروبي وتعزيز الاستقلالية الاستراتيجية لأوروبا وسيادتها، وبالتالي في السلم والأمن الدوليين".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ويُشار في هذا الصدد إلى أن "ماكرون" يؤكد باستمرار على أن أوروبا تحتاج إلى تطوير قدراتها الدفاعية الخاصة، والتقليل من الاعتماد على الولايات المتحدة، ووصل إلى حد التحذير من أن حلف شمال الأطلسي "الناتو" يعاني من "موت دماغي". كما قالت وزيرة الدفاع الفرنسية "فلورانس بارلي"، في معرض تعليقها على صفقة الفرقاطات بين بلادها واليونان، إن "بناء فرنسا هذه المعدات المتطورة يسهم في دفاع أوروبي طموح".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- تضرر متوقع لعلاقات فرنسا واليونان مع أنقرة:</strong> أثار الاتفاق الدفاعي الجديد بين اليونان وفرنسا حفيظة تركيا، حيث رأت وزارة الخارجية التركية في بيان صادر عنها يوم 1 أكتوبر الجاري، أن هذا الاتفاق موجه ضد أنقرة، وأنه يضر بحلف شمال الأطلسي "الناتو". ونوهت الخارجية التركية إلى أن "هذا الاتفاق يأتي في إطار جهود غير مجدية من قبل أثينا لتحقيق مزاعمها المتعلقة بالمنطقة البحرية والمجال الجوي". ويأتي القلق التركي من هذا الاتفاق على الرغم من أن "ماكرون" حرص على طمأنة أنقرة بشكل ضمني.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>جدير بالذكر أن اليونان رفضت تصريحات أنقرة، حيث أعلن وزير الخارجية اليوناني "نيكوس ديندياس" أن الاتفاق الدفاعي بين اليونان وفرنسا ليس موجهاً ضد أي طرف. ومع ذلك، من المتوقع أن يؤثر هذا الاتفاق بشكل سلبي على العلاقات الفرنسية التركية في الفترة المقبلة، كما يُتوقع أن يؤثر بالسلب على الجولة الجديدة من المحادثات الاستكشافية التركية اليونانية في أنقرة في 6 أكتوبر الجاري.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>&nbsp;5- تأثيرات سلبية محتملة على علاقات فرنسا واليونان مع واشنطن:</strong> على الرغم من أن مسألة شراء أثينا للأسلحة الفرنسية أمر طبيعي بالنظر إلى أن اليونان تشتري تلك الأسلحة بشكل دوري، إلا أن توقيت الاتفاق الدفاعي الجديد بين باريس وأثينا قد يؤثر بالسلب على العلاقات الأمريكية اليونانية، حيث يمكن أن تنظر الولايات المتحدة إلى الأمر وكأن فرنسا توظف اليونان كرأس حربة ضد واشنطن، على غرار رؤية فرنسا بأن الولايات المتحدة توظف كانبرا كرأس حربة ضد باريس على خلفية إلغاء أستراليا مؤخراً صفقة الغواصات الفرنسية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ويُشار في هذا الإطار إلى أن رئيس الوزراء اليوناني حرص على إرسال تطمينات للولايات المتحدة في أعقاب الاتفاق مع فرنسا، حيث أشار إلى أن الاتفاق الفرنسي لن يؤثر على المحادثات حول اتفاقية للتعاون الدفاعي بين اليونان والولايات المتحدة، وقال إن "الاتفاقية ليست معادية للعلاقات اليونانية الأمريكية"، لافتاً إلى فرنسا وقفت إلى جانب بلاده خلال فترات صعبة في صيف 2020، في إشارة إلى تحدي تركيا للحقوق اليونانية السيادية في بحر إيجه.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وفي المجمل، من الواضح أن التحالف الدفاعي الجديد بين اليونان وفرنسا، وتوقيت هذا التحالف، يعني أن باريس عازمة على الرد على تحالف "أوكوس"، الذي تضررت مصالحها خلاله بإلغاء أستراليا صفقة الغواصات، على أمل أن يساهم ذلك في تحويل فكرة الاستقلالية الأوروبية عن الولايات المتحدة إلى واقع عملي. ومن الملاحظ أن المسعى الفرنسي في هذا الصدد سيخلق لباريس توترات مع الجانب التركي، الذي ينظر إلى التحالف الدفاعي الفرنسي اليوناني على أنه تحالف مضاد له.</strong></p>

      

كيف يؤثر التحالف الدفاعي بين فرنسا واليونان على الأمن العالمي؟