ياسمين أيمن

زادت في الآونة الأخيرة ملامح مشاركة الرئيس التنفيذي لشركتَي سبيس إكس وتسلا؛ رجل الأعمال إيلون ماسك، في الحياة السياسية الأمريكية؛ حيث يحرص في الأوقات الحالية على إظهار دعمه الكبير لوصول الرئيس السابق والمرشح الجمهوري الحالي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، محذراً الناخبين من التصويت لصالح نائبة الرئيس كامالا هاريس التي ستمثل ضرراً كبيراً على الاقتصاد الأمريكي، وعلى الولايات المتحدة في المجمل. والجدير بالذكر أن موقف ماسك تجاه ترامب قد تغيَّر في صيف عام 2024؛ حين انتقد ترامب في مرات عديدة قبل ذلك، منها مرة في عام 2022، حينما وصفه بأنه "رجل كبير في السن" لا يصلح للترشح للانتخابات، كما استهزأ به ترامب ذاته من قبل، لكن العلاقات بينهما قد تغيرت مؤخراً، وأظهر كلٌّ منهما دعمه للآخر.صعود سياسيهناك مجموعة من العوامل تدلل على مساعي إيلون ماسك للعب دور واضح في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي من المقرر انعقادها في الخامس من نوفمبر القادم. وفيما يلي يمكن توضيح أبرز هذه العوامل:1– حضور الفعاليات الانتخابية لدونالد ترامب: ظهر إيلون ماسك في أكثر من مناسبة مع دونالد ترامب، مشدداً على دعمه له؛ فمثلاً خلال حدث انتخابي للرئيس السابق في ولاية بنسلفانيا، ظهر ماسك بجانب ترامب مرتدياً قبعة الانتخابات لدونالد ترامب. وبجانب هذا الحدث، ينوي ماسك تخصيص الأيام المتبقية لزيادة الترويج لترامب في الولايات المتأرجحة التي تمثل ساحات المعارك الرئيسية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والتي يمكنها توجيه مؤشر الانتخابات صوب ترامب.2– استخدام ماسك منصة إكس للترويج لترامب: يعمل ماسك على استغلال تأثيره الكبير على منصته إكس للترويج لترامب على نطاق واسع؛ حيث يتابع حسابه الشخصي نحو 200 مليون شخص، وقد سمح بإعادة الحساب الشخصي الخاص بترامب على المنصة في عام 2022 بعدما تم إيقافه من قبل، كما يقوم بحذف بعض المنشورات التي قد تضر بالحملة الانتخابية للرئيس السابق، على غرار منشورات المراسل "كين كليبنشتاين" عن السيناتور المرشح لمنصب نائب ترامب "جي دي فانس" التي تضمنت ملفاً مجمعاً لمعلومات تم تسربيها بواسطة إيران – حسبما يتم الزعم – من حملة الرئيس السابق ترامب. وقد استجابت منصة إكس لطلب حملة ترامب بحذف هذه المنشورات، كنوع من أنواع الدعم للحملة.3– التبرع بمبالغ ضخمة لحملة ترامب: حرص ماسك على تمويل حملة ترامب الانتخابية من خلال تمويل إحدى لجان العمل السياسي المتعلقة بترامب؛ فعلى مدار الأشهر الثلاثة المنصرمة، تبرع ماسك لتلك اللجنة بما يصل إلى 75 مليون دولار أمريكي. وبجانب التبرع الشخصي المباشر لترامب، فإن ماسك يحث الناخبين عبر منصة التواصل الاجتماعي إكس على التبرع لصالح الحملة الجمهورية للرئيس السابق.كما يتبرع لبعض المجموعات اليمينية التي تحرص على جمع الأدلة المرتبطة بمزاعم تزوير الانتخابات الأمريكية لعام 2020. وهي أمور قد تعزز استمرار عمل حملة ترامب التي تعرضت لانتقادات من جانب بعض المستشارين السياسيين الذين رأوا أن حملة المرشحة الديمقراطية أفضل؛ بسبب أن من يعمل بها يعمل مقابل أجر، فيكون هناك جهد صادق في الترويج لهاريس، على عكس حملة ترامب المليئة بالمتطوعين الذين يفقدون شغفهم تجاه دعم المرشح في بعض الأحيان؛ بسبب عدم حصولهم على أجر.4– مهاجمة نائبة الرئيس هاريس: عبر منصته إكس، المعروفة سابقاً باسم تويتر، نشر إيلون ماسك مجموعة من الصور المخلقة بواسطة الذكاء الاصطناعي عن هاريس، فضلاً عن فيديو بتاريخ 26/7/2024 م، يُظهر هاريس وهي تقول عن بايدن إنها "قضت أربع سنوات تحت وصاية دمية الدولة العميقة المطلقة، وهو معلم رائع"، وهو فيديو تم خلقه بواسطة تكنولوجيا الخداع العميق، وأثار موجات واسعة من الانتقادات، لتخرج هاريس فيما بعد وتوضح أن الصور والفيديو زائفان. وعلى صعيد آخر، يحرص ماسك على توجيه الانتقادات لإدارة الرئيس الحالي جو بايدن، ولنائبته هاريس التي ستكون استمراراً لسياسات الإدارة الديمقراطية الراهنة.5– المساهمة في نشر أفكار ترامب بشأن المتحولين جنسياً: على غرار موقف الرئيس السابق من قضية المتحولين جنسياً، ورفضه "منح التمويلات الفيدرالية للمدارس التي تدرِّس قضايا المتحولين جنسياً"، فإن ماسك يظهر الموقف ذاته بشأن جماعات الأمريكيين من المتحولين جنسياً، الذين أعرب ماسك عن رفضه لهم، خاصة بعدما كانت له تجربة مع ابنه الذي تحول إلى أنثى، وقام بالتبرؤ منه، ومول إعلانات مناهضة لأفكارهم بملايين الدولارات في عام 2022. وهي خطوات من شأنها أن تعزز من دعم المجتمعات المحافِظة الرافضة لأفكار المثلية والتحول الجنسي، التي يستخدمها الديمقراطيون في أجندتهم الانتخابية وسيلةً لجذب الناخبين الليبراليين والتقدميين.6– الترويج لفكرة وجود ماسك في الإدارة الجمهورية لترامب: يتشارك ماسك وترامب في أمر واحد يتمثل في "كراهية الهيئات التنظيمية" داخل الولايات المتحدة، وهو أمر من شأنه التأثير على الوكالات الفيدرالية الأمريكية فيما بعد في حال فاز ترامب؛ حيث يروج ماسك وترامب إلى أن الأول سيكون جزءاً لا يتجزأ من إدارة الرئيس دونالد ترامب إذا فاز من جديد بالبيت الأبيض؛ حيث سيكون مختصاً بالمسائل التكنولوجية في الإدارة الجديدة، وسيدعم ويعزز البيئة الابتكارية، ويعزز التنافسية داخل الولايات المتحدة التي سيقودها للتفوق على منافسيه في هذا الملف، وهو ما يعني أن الاثنين قد يتجهان نحو إضعاف سلطة المؤسسات الفيدرالية الأمريكية.تداعيات مختلفةمن المتوقع أن يكون لوجود ماسك في العملية الانتخابية الراهنة مجموعة من التداعيات، خاصةً أنه يبذل جهداً حقيقياً للتأثير على نتيجة الانتخابات لصالح ترامب. وفيما يلي يمكن توضيح أبرز هذه التداعيات:1– اجتذاب المزيد من رجال الأعمال لدعم ترامب: يتمتع ماسك بشهرة شعبية واسعة داخل الولايات المتحدة وخارجها، بالنظر إلى نشاطه الضخم في مجال التكنولوجيا، وهو أمر من شأنه أن ينعكس إيجاباً على الرئيس السابق ترامب؛ حيث إنه سيساعد على استقطاب المزيد من رجال الأعمال، خاصةً العاملين في مجال التكنولوجيا داخل وادي السيلكون؛ ما قد يعزز موقف ترامب في الانتخابات المقبلة.2– استغلال نفوذ ماسك المالي لصالح ترامب: من المتوقع أن ينعكس النفوذ المالي الكبير الذي يتمتع به ماسك إيجابياً على ترامب؛ حيث يتحكم الأول في جزء كبير من صناعة البنية التحتية التكنولوجية، سواء تلك المتعلقة بإطلاق الأقمار الصناعية التي تعمل في مجال الاتصالات، أو الخاصة بالفضاء، فضلاً عن إمبراطورتيه الاقتصادية الواسعة. ومن المعروف أن المال السياسي يكون بالغ التأثير في أي عملية انتخابية.3– المساهمة في تعزيز نشر المعلومات المضللة: يتم اتهام ماسك بأنه مساهم رئيسي في نشر المعلومات المضللة التي من شأنها التأثير على البيئة الانتخابية الأمريكية بطريقة سلبية؛ حيث يستخدم أداة "جروك" التي تعمل على صناعة صور مضللة باستخدام الذكاء الاصطناعي، تشاركها حسابات يتم اتهامها بأنها حسابات يمينية تعزز من نشر الضلال السياسي، وهو أمر قد يؤثر سلباً على أفكار وتوجهات الناخبين الأمريكيين، خاصة من يثقون ثقة كبيرة بماسك.4– تسييس منصات مواقع التواصل الاجتماعي: على غرار ما فعله الديمقراطيون مع الرئيس السابق حين طالبوا منصة تويتر سابقاً بإيقاف الحساب الشخصي لترامب بسبب قيامه بنشر تغريدات تحريضية، أو حين طالبوا بالتحكم فيما ينشر من منشورات على منصة التواصل الاجتماعي فيسبوك؛ فإن تدخل ماسك للتحكم في منصة إكس عبر حذف بعض المنشورات وترك الأخرى، قد يساهم بشكل ما في تسييس استخدام منصات مواقع التواصل الاجتماعي التي أسهمت في وقت ما في تعزيز الحرية والديمقراطية العالمية؛ علماً بأن ماسك قد رفض تطبيق المعايير التي تطبقها منصات أخرى مثل فيسبوك، مشدداً على ضرورة منح الأفراد الحرية فيما ينشرونه. وحينما اشترى المنصة، رفض مسألة حذف القصص المرتبطة بفضائح الكمبيوتر المحمول لنجل بايدن "هانتر بايدن"، التي نشرتها صحيفة نيويورك بوست للمرة الأولى، كما "أقال ماسك الفرق المكلفة بمكافحة المحتوى الخادع"؛ لذلك فإن احتمالية التسييس قد تكون ضعيفة، إلا إذا تغيرت توجهات ماسك فيما بعد، وغيَّر معايير النشر على المنصة.5– تأثر سمعة إيلون ماسك: يشير بعض الخبراء السياسيين إلى أن تدخل ماسك لدعم ترامب في الانتخابات، الذي تم اتهامه بالفاشية والاستبداد وبمحاولة التأثير سلباً على الديمقراطية الأمريكية، من شأنه التأثير سلباً فيما بعد على سمعة إيلون ماسك الذي يتمتع بسمعة طيبة بين الأمريكيين في مجال دعمه للتكنولوجيا والابتكار، خاصةً أن ماسك من الشخصيات التي تقحم نفسها دون أي تحفظ في السياسة الأمريكية؛ ما قد يكون له ضرر على إمبراطورتيه المالية فيما بعد؛ حيث إنه يخلق له مجموعة من الخصوم السياسيين.تشابكات مختلفةختاماً، يمكن القول إنه بالرغم من حجم الدعم الكبير الذي يوليه ماسك لترامب في هذه الانتخابات، فإن من غير الواضح مدى تأثير هذا الدعم على فرص فوز الرئيس السابق ترامب، خاصةً أن بيئة الانتخابات الأمريكية الجارية تتخللها تشابكات وتعقيدات كثيرة، فضلاً عن مجموعة من القضايا البارزة التي تشغل بال الناخبين.

ملامح تصاعد دور إيلون ماسك في الانتخابات الرئاسية الأمريكية