إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

أعلن الرئيس المنتخب "دونالد ترامب"، خلال بيان، عن مرشحه لمنصب وزير الخزانة الجديد، وهو المستشار الاقتصادي لحملته الانتخابية ورجل الأعمال الملياردير "سكوت بيسنت"، الذي وُلد في عام 1962 في ولاية كارولينا الجنوبية، والذي يمتلك آراء اقتصادية داعمة لأفكار "ترامب" وأجندته الاقتصادية. وقال "ترامب" خلال البيان: "لطالما كان سكوت مدافعاً قوياً عن أجندة (أمريكا أولاً). عشية الذكرى السنوية الـ250 لتأسيس بلدنا العظيم، سيساعدني في الدخول في عصر ذهبي جديد للولايات المتحدة، بينما نعمل على تعزيز مكانتنا كاقتصاد رائد في العالم، ومركز للابتكار وريادة الأعمال، ووجهة لرأس المال. من دون أدنى شك، سيتم الحفاظ على الدولار الأمريكي باعتباره العملة الاحتياطية في العالم".ويمثل منصب وزير الخزانة أهمية كبيرة في الإدارة الأمريكية، بل إن هذه الوزارة تعتبر من الوزارات الحيوية المتحكمة في أوضاع الاقتصاد الأمريكي، كما أن وزير الخزانة على مقربة من الرئيس الأمريكي، ومن ثم فإنه المسؤول الأساسي عن تقديم الاستشارات الاقتصادية والمالية للرئيس، كما أنه سيكون مسؤولاً عن تعزيز مكانة واشنطن الاقتصادية تحت إدارة "ترامب"، وربما إعادة هيكلة النظام الاقتصادي العالمي، فضلاً عن مسؤوليته المرتبطة بإدارة العلاقات مع بنك الاحتياطي الفيدرالي.عوامل محفزةحرص الرئيس المنتخب "دونالد ترامب" في اختياراته على أن يختار الشخصيات التي كانت على مقربة منه. وقد كان قرب "بيسنت" من عائلة "ترامب" منذ سنوات، هو أحد أسباب اختياره لمنصب وزير الخزانة، ولكنه ليس السبب الوحيد، وفيما يلي يمكن تسليط الضوء على أبرز هذه الأسباب:1– نجاح "بيسنت" في إدارة صناديق التحوط: يمتلك "بيسنت" خبرة في إدارة صناديق التحوط؛ حيث الصناديق الاستثمارية التي تهدف إلى تحقيق أعلى عوائد مالية مع تقليل معدلات المخاطرة؛ فقد سبق أن نجح "بيسنت" في إدارة صندوق التحوط الذي أنشأه "جورج سوروس" المعروف باسم "صندوق سوروس"، وبفضله حقق الصندوق مليارات الدولارات، كما أسس كذلك صندوق تحوط يُدعَى "كي سكوير كابيتال مانجمنت"، ونجح في تحقيق إيرادات تصل إلى مليار دولار خلال عمله باليابان. ويعتمد نجاحه على قدرته على التحليل الاقتصادي والجيوسياسي التي تساعده في تبني القرارات المرتبطة بالاستثمارات، وهو الأمر الذي يعتمد فيه على دراسة حالات اقتصادية تاريخية سابقة؛ حيث حصل على شهادة في التاريخ الاقتصادي من جامعة "ييل".2– رغبة "ترامب" في اجتذاب مجتمع الميم: بالرغم من أن هذه النقطة لا تمثل شيئاً لـ"ترامب" المعروف بمناهضته للمثلية، وربما لم تكن في اعتباره عند اختياره لـ"بيسنت"، لكن "بيسنت" ينتمي إلى مجتمع المثليين. وإذا تمت الموافقة عليه في مجلس الشيوخ بعد جلسات الاستماع الخاصة به، فسيكون وزير الخزانة الأول الذي ينتمي إلى مجتمع الميم، وكذلك أول وزير مثلي يوجد في إدارة يحكمها رئيس جمهوري، وهو أمر سيلقى ترحيباً من مجتمعات الميم في الولايات المتحدة، وكذلك من الديمقراطيين الذين يدعمون مبدأ التنوع والإنصاف والشمول في الإدارة الأمريكية الذي يعزز إدماج جميع الفئات في الإدارة، من بينهم الأفراد المنتمون إلى مجتمع الميم.3– امتلاك "بيسنت" نظرة إيجابية تجاه "ترامب": يملك "بيسنت" نظرة إيجابية تجاه الرئيس المنتخب، ويروج لفكرة ثقة الناخبين به في إدارة ملف الاقتصاد، وهو الأمر الذي ساعد على انتعاش أسواق البورصة الأمريكية التي برهنت على ثقة المستثمرين بعودة "ترامب"، وقدرته على إصلاح نقاط الضعف التي فشل الديمقراطيون في معالجتها.وفي هذا الشأن كتب "بيسنت"، في مقال نُشر بتاريخ 10 نوفمبر 2024 في صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن ما حدث مع الدولار من ارتفاع في الأسواق المالية العالمية، وما تسببت به أنباء فوز "ترامب" في تحسن البورصة الأمريكية، هو دليل على الثقة الكبيرة بأن "أجندة ترامب ستعمل على تعزيز النمو غير التضخمي الذي سيدفع الاستثمار الخاص"؛ هذا فضلاً عن دفاعه الكبير عن شعار "ترامب" المعروف باسم "أمريكا أولاً"، وخاصةً فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية.4– العلاقات المتشعبة بمجتمعات رجال الأعمال في الداخل والخارج: يمتلك "بيسنت" علاقات متشعبة مع رجال الأعمال في وول ستريت، فضلاً عن علاقاته المختلفة على مستوى العالم، وخاصةً في أوروبا. وفيما يتعلق بـ"وول ستريت"، فبالرغم من أنه لا يتفق على "بيسنت" الجميع، لكنه يحظى بتأييد كبير من رجال الأعمال من أصحاب المليارات في وول ستريت؛ فبعد الإعلان عن اختياره لهذا المنصب، وصف بعض رجال الأعمال الاختيار بأنه "عظيم"، ومن بينهم المليارديران "دانيال لوب" و"بيل أكرمان"، بالنظر إلى السياسات الاقتصادية التي يرغب في تطبيقها، وبالنظر كذلك إلى التسهيلات التي سيسعى إلى تطبيقها فيما يتعلق بالإقراض المصرفي.سياسات متوقعةإذا تولى "بيسنت" المنصب فإنه سيواجه تحديات اقتصادية عدة؛ من بينها بلوغ العجز نحو تريليونَي دولار في السنة المالية 2025، وتخطي ديون واشنطن ما يزيد عن 36 تريليون دولار. ومن المتوقع أن يتبنى "بيسنت" مجموعة من السياسات الاقتصادية التي ستأتي تحقيقاً لأجندة الرئيس "ترامب"؛ حيث اجتمع معه في منتجعه بفلوريدا فور إبلاغه أنه المرشح لمنصب وزير الخزانة، ورافقه نائب الرئيس "جي دي فانس" في الاجتماع، وكبيرة موظفي البيت الأبيض الجديدة "سوزي وايلز". وتطرق الاجتماع إلى الخطوط العريضة بشأن ملف الاقتصاد الأمريكي. وفيما يلي يمكن تسليط الضوء على أبرز السياسات المتوقعة لـ"بيسنت":1– تطبيق المزيد من التخفيضات الضريبية: سينفذ "بيسنت" أجندة "ترامب" المرتبطة بتطبيق المزيد من التخفيضات الضريبية على الشركات وأصحاب رؤوس الأموال، وهو الأمر الذي تم تطبيقه منذ عام 2017 حينما دخل "ترامب" للمرة الأولى إلى البيت الأبيض، ولم ينجح الديمقراطيون خلال فترة وجودهم من معالجة هذه النقطة، ودفع الشركات وأصحاب رؤوس الأموال لدفع نصيبهم العادل من الضرائب. ولن تتوقف مسألة تخفيض الضرائب على الشركات، لكنها كذلك ستكون متبوعة بتخفيضات ضريبية أخرى؛ منها تخفيضات على الإكراميات.2– تنفيذ أجندة "ترامب" المرتبطة بالصين: توعد الرئيس المنتخب "ترامب" بفرض المزيد من التعريفات الجمركية والرسوم على الصين فور دخوله البيت الأبيض، وهو الأمر الذي من المتوقع أن يساعده فيه "بيسنت" الذي يمتلك رؤى مماثلة تجاه الصين، لكنه يرى أنه لتجنب حدوث موجات تضخمية وارتفاع في الأسعار من جراء تطبيق الرسوم الجمركية على الصين، يجب تطبيق هذه التعريفات لكن بطريقة تدريجية، خاصةً أن الصين سترد بالمثل، وهو ما ستقابله خسائر كبيرة لرجال الأعمال الأمريكيين الذين يمتلكون استثمارات كبيرة في الصين؛ لذلك سيكون عليه التفاوض مع نظيره الصيني لبحث هذه التعريفات.3– الدفع نحو تعزيز النمو الاقتصادي الأمريكي: من المتوقع أن يدفع "بيسنت" نحو تعزيز النمو الاقتصادي الأمريكي، والحفاظ على الدولار "كعملة احتياطية عالمية" من خلال العمل على تقليل النفقات الفيدرالية؛ أي زيادة فرض رقابة على الأموال الفيدرالية والمؤسسات التي تديرها، مع منح الأمريكيين المزيد من "مزايا الضمان الاجتماعي"؛ حيث وضع "بيسنت" خطة اقتصادية تهدف إلى تقليل عجز الموازنة حتى عام 2028 لتصل إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي، ورفع بعض القيود التنظيمية بغرض دفع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3%.كما تهدف الخطة إلى تعزيز إنتاج النفط من خلال الدفع نحو زيادة الإنتاج اليومي بمقدار 3 ملايين برميل نفط، وهو ما يعني تخفيض القيود المرتبطة بالبيئة على صعيد آخر، خاصةً أنه يدعم إلغاء أو تخفيض الدعم المتعلق بالسيارات الكهربائية، فضلاً عن رغبته في بيع سندات حكومية أمريكية بتريليونات الدولارات لدعم الميزانية.4– استخدام التعريفات الجمركية كأداة للعقوبات والمفاوضات: يدعم "بيسنت" فكرة تطويع التعريفات الجمركية كوسيلة للضغط على الدول في المفاوضات المختلفة، وكأداة لدفع الدول نحو تطبيق إصلاحات هيكلية اقتصادية، وهي الفكرة التي ستعمل على تحقيق مصالح واشنطن الاستراتيجية، وستساعد على الضغط على الدول للانصياع لواشنطن من أجل تخفيف حواجزها التجارية. ويرى أيضاً أنه يمكن التوجه لخفض التعريفات الجمركية كوسيلة لمكافأة الدول التي تستجيب لرغبات واشنطن. وفي هذا الصدد، قال "بيسنت" رداً على منتقدي مثل هذه السياسات: "قد يبدو من منظور السوق الحر أن سياساتنا تتناقض مع حرية التجارة، لكنها السبيل لتحقيق نظام تجاري أكثر حريةً وازدهاراً على المدى الطويل".دور محوريإجمالاً، ستُعَد موافقة مجلس الشيوخ على "بيسنت" أمراً هاماً بالنسبة إلى "ترامب" بالنظر إلى عظمة وأهمية الدور الذي سيلعبه "بيسنت" في إدارته؛ حيث يمتلك الاثنان الرؤى الاقتصادية ذاتها، وخاصةً ما يرتبط بالسياسات الاقتصادية التي ستُستخدَم للضغط على الدول المناوئة لواشنطن. ومن شأن علاقات "بيسنت" المتشعبة في آسيا وأوروبا أن تساعده على تعزيز التعاون التجاري الأمريكي مع مختلف الدول، ولكن بطريقة تصب في مصلحة واشنطن، وفي صالح إعادة هيكلة النظام الاقتصادي الدولي؛ علماً بأن هذه السياسات لن تصب في صالح الدول الأقل نمواً التي تملك اقتصادات هشة في الأساس.

ما دلالات اختيار "سكوت بيسنت" وزيراً للخزانة في إدارة "ترامب"؟