كرم سعيد

شنت طائرات إسرائيلية من دون طيار، في 30 سبتمبر 2024، غارات جوية استهدفت فيلا للفرقة الرابعة التي يقودها "ماهر الأسد" شقيق الرئيس السوري "بشار الأسد"، قرب بلدة يعفور في ريف دمشق، كان يتم استخدامها للتخطيط وتنفيذ بعض المهمات العسكرية، بالإضافة إلى كونها مركزاً لاجتماعات القيادة العسكرية السورية مع قيادات في حزب الله والحرس الثوري الإيراني. وتُعد هذه الضربات هي الأولى بعد الإعلان عن اغتيال الأمين العام لحزب الله "حسن نصر الله" في 27 سبتمبر 2024، والــ89 لاستهداف الأراضي السورية بحسب إحصاءات المرصد السوري منذ مطلع عام 2024، حيث قامت إسرائيل بتنفيذ 72 غارة جوية ونحو 17 هجوماً برياً. ولا ينفصل هذا التطور الملحوظ في التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد سوريا عن جملة من المتغيرات الرئيسية التي يأتي في مقدمتها بدء إسرائيل عملية برية محدودة في جنوب لبنان، بالإضافة إلى استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وعودة إسرائيل لاستهداف نقاط الارتكاز لمليشيا الحوثي في اليمن.أهداف متعددةتسعى إسرائيل عبر الضربات العسكرية التي تشنها في الداخل السوري في التوقيت الحالي إلى تحقيق جملة من الأهداف، التي يتمثل أبرزها في:1- تفكيك العلاقة بين حزب الله ودمشق: يُمثل استهداف الداخل السوري رسالة للنظام السوري الذي يتعاون مع حزب الله، ويعتمد على قواته العسكرية في تأمين وجوده ومواجهة خصومه المحليين، وعليه ربما تعول إسرائيل على أن تؤدي العمليات العسكرية المحدودة ضد نقاط ارتكاز في التنسيق الاستخباراتي بين دمشق وحزب الله والحرس الثوري الإيراني إلى دفع النظام السوري لإعادة حسابات تحالفاته مع حزب الله من خلال تفكيك العلاقة معه، أو على الأقل دفع دمشق لإعادة النظر بشأن توسيع دور مليشيا حزب الله على الساحة السورية خلال المرحلة المقبلة.2- تعزيز الجبهة الداخلية الإسرائيلية: لا تنفصل عمليات الاستهداف الإسرائيلي للداخل السوري، وخاصةً في التوقيت الحالي، وفقاً للعديد من التقديرات، عن رغبة حكومة "بنيامين نتنياهو" في إثبات قدرتها على ردع الخصوم الإقليميين، والقتال على جبهات متعددة في توقيت واحد، بالإضافة إلى توجيه رسالة للداخل الإسرائيلي لطمأنة الجبهة الداخلية، ولإقناعها بقدرة الحكومة على حماية الأمن القومي الإسرائيلي، خاصةً في ظل حالة التململ في الداخل الإسرائيلي، ورفض قطاعات شعبية واسعة ونخب سياسية توسيع نطاق الحرب، خوفاً من تفاقم ارتداداتها السلبية على أمن إسرائيل.وهنا، يمكن تفسير تصريحات "نتنياهو" التي قال فيها: "إنه لا يوجد مكان في الشرق الأوسط لن تصل إليه ذراع إسرائيل الطويلة"، مضيفاً: "العمل لم يكتمل بعد. وفي الأيام المقبلة، سنواجه تحديات كبيرة، وسنواجهها معاً". وتابع: "إن الشرق الأوسط كله اكتشف الأوتار الفولاذية لإسرائيل، وليس حزب الله وحده هو الذي اكتشف ذلك".3- القيام بردع استباقي في منطقة الجولان: تستهدف الغارات الإسرائيلية على الداخل السوري، خلال الفترة الأخيرة، والتي يُتوقع زيادة وتيرتها بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله "حسن نصر الله"، السيطرة على ردود فعل الفصائل والحركات المناوئة للوجود الإسرائيلي في الجولان، ولجم أية تحركات محتملة لمهاجمة أهداف إسرائيلية في الجولان انتقاماً لعملية استهداف الضاحية الجنوبية في بيروت، والتي أسفرت عن مقتل عددٍ كبيرٍ من القيادات والكوادر الرئيسية في حزب الله. وفي ضوء ذلك، ربما تريد إسرائيل إيصال رسالة مفادها أن انتقال العنف للجولان أو تنفيذ عمليات نوعية يمثل خطاً أحمر، وأن الاعتداء عليها سوف يُقابَل برد مباشر وعنيف.4- إضعاف مقاربة "وحدة الساحات": يعكس الهجوم الإسرائيلي على الفيلا التابعة للفرقة الرابعة السورية، بالتزامن مع غارات إسرائيلية في منطقتي رأس عيسى والحديدة في اليمن على أهداف تابعة لمليشيا الحوثي، وكذلك توسيع العمليات العسكرية في غزة ولبنان، خطة إسرائيلية تستهدف تفتيت ما يُسمى بـ"ساحات المقاومة" التي تعاني هشاشة وتآكلاً غير مسبوق في قدراتها العسكرية واللوجستية، واختلالاً في صناعة واتخاذ القرار في التوقيت الراهن بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس "إسماعيل هنية" والأمين العام لحزب الله "حسن نصر الله"، وعدد واسع من قيادات الحزب.يُضاف إلى ذلك تحييد قدرات المليشيات العراقية الموالية لإيران، واستمرار عمليات الاختراق الأمني الإسرائيلية لكل تلك الأطراف. ومن ثمّ فإن إصرار إسرائيل على عسكرة المشهد يمثل رسالة قوية لإيران ووكلائها، مفادها أن حسابات إسرائيل تغيرت، وأنها ماضية في تغيير قواعد الاشتباك، خاصةً بعد النتائج التي حققتها الاستراتيجية التي تتبعها في إدارة التصعيد العسكري مع حزب الله في لبنان حالياً.5- تكثيف الضغوط على دمشق: في ظلّ تصاعد حدة الانتقادات الإقليمية للممارسات الإسرائيلية في الإقليم، وتزايد القلق الإسرائيلي من ردود فعل غير محتملة، فقد سعت إلى ممارسة ضغوط أقوى على سوريا، وذلك في إطار دفع النظام السوري لمواصلة تبني السياسة المحايدة بشأن العمليات العسكرية التي تشنها ضد حزب الله، والتزام الصمت أو على الأقل قطع الطريق على إمكانية توظيف دمشق كممر لعبور مزيدٍ من الأسلحة إلى الحزب، خاصةً أن هناك تقديرات تشير إلى أن ذلك ربما يكون أحد الخيارات التي قد تلجأ إليها إيران للتعامل مع المعطيات الجديدة التي فرضها التصعيد العسكري الإسرائيلي في لبنان.مساران محتملانربما يتجه التصعيد العسكري الإسرائيلي في الداخل السوري إلى أحد مسارين محتملين، هما: 1- توسيع نطاق الهجمات خلال المرحلة المقبلة: يتمثل المسار الأول في توسيع نطاق الهجمات خلال المرحلة المقبلة، في ضوء كثافة العمليات العسكرية الإسرائيلية داخل لبنان، والإصرار على تنفيذ عملية برية محدودة جنوب لبنان جنباً إلى جنب مع عدم قدرة إسرائيل على حسم الحرب في غزة التي أوشكت على دخول عامها الثاني. ويبدو هذا السيناريو مرجحاً في ظل قناعة إسرائيل بكثافة الوجود العسكري والأمني لحزب الله في سوريا، وهو ما يمكن توظيفه ضد المصالح الإسرائيلية. وفي ضوء ذلك، فإن الاستهداف الإسرائيلي الأخير لفيلا تابعة للفرقة الرابعة في الجيش السوري، والتي تُستخدم كمركز اجتماعات لعناصر حزب الله في سوريا، يُشير إلى أنه ليس في وارد تل أبيب التراجع عن مهاجمة سوريا خلال المرحلة المقبلة.2- القيام بهجمات متقطعة أو تجميدها مؤقتاً: ينصرف المسار الثاني إلى اعتماد سياسة الهجمات المتقطعة أو تجميدها مؤقتاً، مع توجه حكومة "نتنياهو" لتوسيع نطاق الحرب في لبنان إلى جانب مواصلة العمليات العسكرية في غزة بوتيرة أسرع لحسم المعركة ضد الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة لمنع استمرارها لعام إضافي، فقد تتجه إسرائيل إلى عدم فتح جبهة إضافية في سوريا، لكنها من المتوقع أن تعتمد على سياسة الهجمات المتتالية، وذلك في ضوء الرسالة التي سعت دمشق إلى إيصالها عشية اغتيال "هنية" و"نصر الله"، بأنها اتخذت خطوة للابتعاد عن سياسة المحاور الإقليمية، فضلاً عن النأي بالنفس تجاه التصعيد الحالي بين إسرائيل من جهة وإيران وحزب الله والفصائل الفلسطينية من جهة أخرى. بنك أهدافوختاماً، يمكن القول إن الساحة السورية تمثل بنك أهداف لإسرائيل، لكنها لا تقع في صدارة أولوياتها، خاصةً أن دمشق لم تلجأ أو تعلن عن خيارات تشير إلى اعتمادها توظيف القوة الصلبة في الرد على الخروقات الإسرائيلية للساحة السورية. بيد أن ذلك لا يعني توقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في الداخل السوري، إذ إن مدى وعدد هذه العمليات سوف يتوقف على متغير أساسي يتعلق بمدى إمكانية استخدام الأراضي السورية كنقطة انطلاق لشن هجمات ضد إسرائيل، أو تمرير مقاتلين تابعين للمليشيات الشيعية من سوريا إلى لبنان للانخراط في المواجهات العسكرية بين إسرائيل وحزب الله.

ما المسارات المحتملة للضربات الإسرائيلية على الداخل السوري؟