نريمان عبد الفضيل

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مجموعة من الأوامر التنفيذية بعد أدائه اليمين الدستورية في العشرين من يناير الجاري، وكانت في مقدمتها أوامر تتعلق بمجال الطاقة؛ حيث شملت انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ. وهذه هي المرة الثانية التي تخرج فيها واشنطن من الاتفاقية؛ حيث انسحب ترامب منها في ولايته الأولى عام 2017، قبل أن يعيد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن الانضمام إليها بعد توليه منصبه في بداية عام 2021. وبجانب ذلك أصدر ترامب أوامر تعمل على إلغاء تفويض السيارات الكهربائية، وإلغاء أكثر من 78 قراراً لبايدن كان من بينها قرارات تعمل على تعزيز استخدام الطاقة النظيفة والمتجددة، كما أعلن ترامب حالة الطوارئ في مجال الطاقة بما يسمح له تسريع المشاريع التي يريد تنفيذها دون انتظار موافقة الكونجرس.جهود متعددةبذل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جهوداً كبيرة في مجال الطاقة منذ يومه الأول في البيت الأبيض من أجل إعادة تشكيل قطاع الطاقة الأمريكية، بهدف خفض معدلات التضخم التي شهدتها البلاد في عهد سلفه الديمقراطي بايدن، وهي الجهود التي يمكن توضيحها فيما يلي:1– الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ: اتبع الرئيس ترامب الخطوات التي اتبعها في ولايته الأولى؛ فقد اتخذ أمراً تنفيذياً في أول يوم له في البيت الأبيض بخروج واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ، وهي اتفاقية تم توقيعها في ديسمبر 2015، وتضم 195 دولة، وتلزم الدول الأعضاء بتخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكل طوعي خلال العقود المقبلة، بهدف الحد من ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية إلى 1,5 درجة أو درجتين مئويتين مقارنةً بمستويات ما قبل الثورة الصناعية. وكان مبرر ترامب في ذلك أنه يشكك في الأساس العلمي لفكرة الاحتباس الحراري العالمي، في حين اعتبره خدعة.2– إنشاء مجلس الطاقة الوطني: خطط الرئيس الأمريكي لإنشاء مجلس الطاقة الوطني، الذي يتولى الإشراف على مسار الهيمنة الأمريكية على الطاقة من خلال تقليص البيروقراطية، بجانب أنه سيتولى الحفر وبيع المزيد من النفط ومصادر الطاقة الأخرى للحلفاء في أوروبا وحول العالم، في حين أنه سيُمنح سلطة شاملة على الوكالات الفيدرالية المشاركة في تصاريح الطاقة والإنتاج والتوليد والتوزيع والتنظيم والنقل وتعزيز استثمارات القطاع الخاص والتركيز على الابتكار.3– تعزيز إنتاج النفط والغاز الأمريكيَّين: رفع ترامب شعار "الحفر يا عزيزي الحفر"، بجانب أنه وعد بالعمل على تسريع منح التصاريح اللازمة للتنقيب، بالإضافة إلى تعهده بالاعتماد على التكسير الهيدروليكي، وهي تقنية تستخدم لاستخراج الغاز الطبيعي والنفط من تكوينات الصخر الزيتي من الصخور. وتنطوي تلك التقنية على الحفر عميقاً تحت سطح الأرض. وقد قام بإصدار أمر تنفيذي مرتبط بولاية ألاسكا بهدف تخفيف الشروط الخاصة بإنتاج النفط والغاز في الولاية، فضلاً عن أنه وعد بتوسيع كافة أشكال إنتاج الطاقة لتنمية الاقتصاد الأمريكي، كما روج في حفل تنصيبه بأن العصر الذهبي لأمريكا يبدأ اليوم، في حين قال: "سنكون أمة غنية مرة أخرى، وهذا الذهب السائل تحت أقدامنا هو الذي سيساعد على ذلك"، وكان ذلك إشارة إلى النفط وأنه سيعمل على زيادة إنتاجه لانتشال الأمريكيين من دائرة الفقر الذي تسبب فيه سلفه الديمقراطي جو بايدن.4– تفكيك أجندة بايدن في مجال الطاقة: سعى ترامب من خلال سلسلة الأوامر التنفيذية التي اتخذها في أول يوم له في البيت الأبيض إلى تفكيك سياسات جو بايدن التي اتبعها في مجال الطاقة، التي كان يهدف من ورائها إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري ومكافحة تغير المناخ والاعتماد على الطاقة النظيفة؛ لذلك ألغى مذكرة بايدن التي أصدرها في 2023، والتي كانت تحظر التنقيب عن النفط في نحو 16 مليون فدان في القطب الشمالي، بجانب توقيعه على أمر تنفيذي يعمل على إلغاء وقف تراخيص التصدير الجديدة للغاز الطبيعي المسال الذي فرضه بايدن، والتحرك بسرعة للموافقة على التراخيص المعلقة، بالإضافة إلى إنهائه تأجير مزارع الرياح، ومنع أي عقود تأجير جديدة لطاقة الرياح.5– اللجوء إلى قانون الطاقة الفيدرالي: من المرجح أن يلجأ ترامب في المرحلة القادمة إلى استخدام قانون الطاقة الفيدرالي؛ وذلك بهدف إصدار أوامر لمحطات الطاقة للعمل بأقصى طاقتها، وعدم الامتثال لحدود التلوث في الهواء. وهذا القانون لم يستخدم إلا نادراً، ولم يستخدم منذ الحرب العالمية الثانية. وقد يلجأ ترامب أيضاً إلى إصدار إعفاءات بموجب قانون الهواء النظيف للسماح بدخول البنزين إلى السوق، وهو ما قد ينتهك معايير جودة الهواء الفيدرالية. وجدير بالذكر أن هذه الإعفاءات لجأ إليها الكثير من الرؤساء عندما احتاجوا إلى إبقاء الأسعار تحت السيطرة.6– إلغاء تفويض السيارات الكهربائية: سعى ترامب إلى إصدار أمر تنفيذي يتم بموجبه إلغاء تفويض السيارات الكهربائية؛ وذلك سعياً منه إلى إلغاء سياسات بايدن التي اتخذها في هذا المجال من أجل تخفيف معايير التلوث، التي كانت تمثل حافزاً لشركات السيارات لبيع المزيد من السيارات الكهربائية والمستهلكين لشرائها، بجانب قيامه بإلغاء أمر لبايدن يهدف إلى جعل نصف جميع المركبات الجديدة المبيعة في 2030 كهربائية، ومن المتوقع أنه يلغي الائتمان الضريبي الفيدرالي الذي يصل إلى 7500 دولار لشراء سيارة كهربائية جديدة، وهو ما جاء في تصريحاته خلال حملته الانتخابية، قياساً على ما فعله في ولايته الأولى عندما ألغى العديد من القيود التي فرضتها إدارة أوباما على تلوث السيارات.7– إعلان حالة الطوارئ في مجال الطاقة: عمل ترامب، مع بداية إدارته، على تنفيذ وعوده خلال حملته الانتخابية؛ لذلك أعلن حالة الطوارئ في البلاد في مجال الطاقة بهدف تسريع تنفيذ مشاريعه الخاصة بالحفر والتنقيب وخطوط الأنابيب الجديدة والمصافي الجديدة ومحطات الطاقة وحتى المفاعلات النووية التي يخطط لها في أول 100 يوم من توليه منصبه؛ وذلك حتى لا ينتظر موافقة الكونجرس، بجانب أنه وعد الأمريكيين بأنه سيملأ الاحتياطيات الاستراتيجية الأمريكية، وسيجعل الولايات المتحدة تُصدِّر الطاقة إلى جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى أنه تعهد باستخدام جميع الموارد اللازمة لبناء البنية التحتية الحيوية، فضلاً عن إصداره أمراً تنفيذياً لتشجيع التنقيب عن الطاقة وإنتاجها في الأراضي والمياه الفيدرالية.تداعيات محتملةثمة عديد من التداعيات المحتملة عقب إصدار الرئيس الأمريكي سلسلة من الأوامر التنفيذية في مجال الطاقة الأمريكية، ومن بين هذه التداعيات ما يلي:1– زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري عالمياً: من المتوقع أن يسبب خروج الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ أضراراً فادحة، ومنها عرقلة الجهود المناخية العالمية المتبعة لخفض انبعاثات الكربون في العالم، بجانب عزل الولايات المتحدة عن الحملة العالمية لوقف الاحتباس الحراري، فضلاً عن الضرر الجسيم الذي قد يضر ويزيد من نسب الاحتباس الحراري في العالم؛ وذلك لأن الولايات المتحدة ثاني أكبر مصدر بعد الصين لتلوث الكربون الذي يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية، في حين قد يتخلف العالم عن هدف الاتفاقية المتمثل في الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1,5 درجة مئوية.2– هيمنة الصين على صناعة السيارات الكهربائية: من المرجح، عقب إصدار الرئيس الأمريكي أمراً تنفيذياً بإلغاء تفويض السيارات الكهربائية، أن يفسح المجال للصين لكي تهيمن على صناعتي السيارات الكهربائية والألواح الشمسية وأن تصدِّرها للعالم بأسعار منخفضة، وهذا ما سيضر باقتصاد الولايات المتحدة في المستقبل.3– زيادة التوتر مع الدول المُصدرة للنفط: من المحتمل أن تؤدي سياسات ترامب التي اتبعها في مجال الطاقة منذ يومه الأول من توليه منصبه في البيت الأبيض، إلى زيادة الإنتاج المحلي الأمريكي من النفط، وهو ما سيؤدي إلى زيادة المعروض منه، ومن ثم سيعمل على تقويض استقرار أسواق النفط العالمية، وزيادة التوترات مع الدول المصدرة للنفط التي تسعى جاهدة إلى الحفاظ على التوازن السعري في العالم.4– منافسة واشنطن للصين في إنتاج المعادن: من المتوقع أن يتجه ترامب إلى اتباع سياسات من شأنها دفع الولايات المتحدة نحو إنتاج المعادن التي تحتاجها؛ حتى لا تعتمد على منافسيها؛ ما قد يجعل واشنطن منافساً قوياً للصين في هذا المجال. ومن المحتمل أن يبذل ترامب كل ما لديه من جهد لمنح الولايات المتحدة قوة استراتيجية لتصبح من أوائل الدول المنتجة للمعادن، وهذا الأمر قد يدفعه جدياً نحو السيطرة على جزيرة جرينلاند؛ الأمر الذي سيساعده على دعم الإنتاج.آثار إيجابيةختاماً، يمكن القول إن الجهود التي اتخذها الرئيس الأمريكي ترامب منذ يومه الأول في البيت الأبيض في مجال الطاقة، قد يكون لها آثار إيجابية على الداخل الأمريكي، ومنها أنها قد تؤدي إلى انتعاش قطاع الاقتصاد والطاقة بشكل كبير، وستؤدي إلى انخفاض أسعار الطاقة في الولايات المتحدة، ومن ثم ستعمل على انخفاض أسعار السلع الغذائية وأسعار السكن، وإلى انخفاض معدلات البطالة نتيجة المشاريع التي يخطط لتنفيذها في مجال الحفر والتنقيب والتي ستخلق المزيد من فرص العمل.

كيف تؤثر قرارات ترامب في قطاع الطاقة على المصالح الأمريكية؟