ديما محمد القيسية


        
<p><strong>يكشف مرسوم القانون الاتحادي رقم 25 لسنة 2022، الصادر يوم 9 نوفمبر الجاري، الخاص بتنظيم وتنمية الصناعة في دولة الإمارات عن الاهتمام المتنامي من جانب الإمارات بتطوير سياسات توطين الصناعات في الدولة؛ فعلى مدار السنوات الماضية، تشكلت مجموعة من المحفزات الدافعة لدولة الإمارات، وغيرها من الدول، للتوسع في توطين الصناعات وخصوصاً مع التأثيرات المعاكسة للأزمات الدولية، لجائحة كوفيد–19 والحرب الأوكرانية، التي أثرت على سلاسل التوريد ودفعت الدول إلى تطوير سياسات الاكتفاء الذاتي من المنتجات المختلفة. &nbsp;&nbsp;</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تحركات رئيسية</span></strong></p>



<p>اعتمدت دولة الإمارات عدداً من الإجراءات والسياسات الهادفة إلى توطين الصناعات لديها، وتعزيز قدرتها على المرونة والاستجابة السريعة للأزمات الدولية الطارئة. وفي هذا الإطار، يمكن القول إن سياسات توطين الصناعات في دولة الإمارات ترتبط بعدد من الأبعاد الرئيسية المتمثلة فيما يلي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- </strong><strong>طرح استراتيجيات وطنية وتشريعات للتصنيع:</strong> فخلال السنوات الماضية، اهتمت دولة الإمارات بطرح مبادرات متعددة واستراتيجيات لتعزيز التصنيع الوطني. ولعل أبرز هذه الاستراتيجيات الاستراتيجية الوطنية للصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، التي تعرف بـ"مشروع 300 مليار"، والتي تم إطلاقها في شهر مارس 2021، وتستهدف الاستراتيجية تطوير وتحفيز القطاع الصناعي في دولة الإمارات، ورفع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي من 133 مليار درهم إلى 300 مليار درهم بحلول عام 2031.&nbsp;وتتضمن الاستراتيجية التركيز على عدد من القطاعات الصناعية الرئيسية على غرار المنتجات الغذائية والتكنولوجيا الزراعية، والأدوية والمنتجات الصيدلانية، والمعدات الكهربائية والإلكترونيات، والمنتجات الكيميائية، وتكنولوجيا الفضاء، والهيدروجين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وفي سياق متصل، جاءت أهمية مرسوم القانون الاتحادي رقم 25 لسنة 2022 الخاص بتنظيم وتنمية الصناعة في دولة الإمارات، من تضمنه توفير بعض المزايا والحوافز للأنشطة الصناعية في الدولة ومنها، على سبيل المثال، إنشاء سجل صناعي على مستوى الدولة يتضمن قاعدة بيانات متكاملة للمشاريع الصناعية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- تدشين منتديات وفعاليات دولية للتصنيع:</strong> حيث عملت دولة الإمارات خلال السنوات الأخيرة على تطوير وتدشين منتديات وفعاليات دولية لتطوير الصناعات المحلية؛ فعلى سبيل المثال، استضافت العاصمة "أبوظبي"، في يونيو 2022، منتدى "اصنع في الإمارات: استثمار.. شراكة.. نمو"، وهو المنتدى الأول من نوعه، وشارك في المنتدى العديد من الشركات المحلية والعالمية. وقد شهد المنتدى توقيع نحو 32 اتفاقية وشراكة، كما أعلنت 12 شركة إماراتية، أثناء المنتدى، عن الحصول على نحو 110 مليارات درهم نتيجة اتفاقيات الشراء المحتملة مع الشركاء المختلفين المهتمين بتوطين جزء من سلاسل توريد منتجاتهم.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- تقديم تسهيلات عديدة للمستثمرين: </strong>فقد سعت الحكومة الإماراتية، خلال السنوات الماضية، إلى تقديم تسهيلات للمستثمرين، وتيسير الإجراءات المتعلقة بالأنشطة الاستثمارية في القطاعات المختلفة؛ فعلى سبيل المثال، طرحت الحكومة خدمة إلكترونية "باشر" التي تتيح للمستثمرين تأسيس الشركات في دولة الإمارات إلكترونياً (عن بعد) عبر منصة إلكترونية متكاملة، كما طرحت الدولة الرخصة الفورية بدبي، التي تستهدف تسريع إجراءات تأسيس الشركات. كما أدخلت الدولة تعديلاً على قانون الشركات يسمح للمستثمر الأجنبي بالملكية الكاملة للشركات الأجنبية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- الاهتمام بتطوير الصناعات الحيوية للاقتصاد:</strong> حيث أولت دولة الإمارات اهتماماً واضحاً بتطوير الصناعات الحيوية والمهمة بالنسبة للاقتصاد، وظهر ذلك مثلاً مع إطلاق أبوظبي الاستراتيجية الصناعية الجديدة في شهر يونيو الماضي، التي تستهدف استثمار نحو 10 مليارات درهم، في ستة برامج تحويلية. ومن المفترض أن تركز مبادرات الاستراتيجية على سبعة قطاعات تصنيع، هي: المواد، والآلات، والطاقة الكهربائية، والمعدات الكهربائية، والنقل، والأغذية الزراعية، والأدوية؛ وذلك بغرض تدعيم الصناعات المحلية في تلك القطاعات.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وبالتوازي، تسعى كبرى الشركات والمراكز الهامة إلى أداء أدوار موازية لتحركات الحكومة في مجال توطين الصناعات. يظهر ذلك من خلال إعلان شركة بترول أبوظبي الوطنية–أدنوك، عن خطط بقيمة 70 مليار درهم تنوي ضخها في منتجات يمكن تصنيعها محلياً، دون الاضطرار إلى استيرادها من الخارج. وفي سياق آخر، وقع مركز "محمد بن راشد للفضاء" مذكرة تفاهم مشتركة مع شركة "ستراتا" الرائدة في مجال صناعة أجزاء هياكل الطائرات من المواد المركبة، بغية تطوير قدرات التصنيع المحلية للقمر الاصطناعي المدني MBZ–Sat، الذي يعد الأكثر تقدماً في مجال صور الأقمار الاصطناعية العالية الدقة في المنطقة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">أهداف متعددة</span></strong></p>



<p>ترتبط تحركات تعزيز التصنيع الوطني من جانب دولة الإمارات بعدد من الأهداف الرئيسية المتمثلة فيما يلي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- تعزيز الاقتصاد الوطني:</strong> إذ يمكن أن يؤدي التوسع في توطين الصناعات إلى تعزيز اقتصاد الدولة عن طريق زيادة الناتج المحلي الإجمالي والصادرات؛ فعلى سبيل المثال، تستهدف استراتيجية أبوظبي الصناعية مضاعفة حجم قطاع التصنيع في إمارة أبوظبي، بما يقدر بنحو 172 مليار درهم بحلول عام 2031. &nbsp;ويلاحظ في هذا الصدد، أن عدد المصانع المسجلة في وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة قد ازداد في عام 2021 ليصبح 220 مصنعاً بعد أن كان 155 مصنعاً في عام 2020.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- دعم مكانة دولة الإمارات: </strong>لا يمكن إغفال أن التوسع في توطين الصناعات داخل دولة الإمارات يساعد على دعم وتعزيز سمعة ومكانة دولة الإمارات على المستوى الدولي، وخصوصاً أن السياسات التي تبنتها الدولة على مدار السنوات الماضية ساعدت على تعزيز مكانتها في المؤشرات الاقتصادية الدولية، على غرار مؤشر الأداء الصناعي الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية؛ حيث جاءت الإمارات في المرتبة 31 في تقرير عام 2022، واحتلت المرتبة الأولى عربياً. وأشار التقرير إلى أن الإمارات "تعتبر الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي قفز ترتيبها العالمي 20 مرتبة خلال 7 سنوات فقط".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- تأكيد فعالية استراتيجيات التنويع الاقتصادي:</strong><strong> </strong>فخلال السنوات الماضية عملت دولة الإمارات على تحقيق التنوع الاقتصادي وتعزيز مساهمة كل القطاعات في النمو والتطور الاقتصادي. وبحسب بعض التقديرات، نجح الاقتصاد الإماراتي في تنويع مصادره خلال السنوات الماضية؛ حيث نمت القيمة المضافة لتجارة الجملة والتجزئة في الناتج المحلي بالأسعار الثابتة في عام 2021 بنسبة 14.1% مقارنة بمعدل نموها في عام 2020، فيما حقق قطاع الصناعات التحويلية نمواً كبيراً قُدر بنحو 7.5% عن عام 2020، كما ساهمت الأنشطة العقارية في دعم الاقتصاد الوطني؛ حيث حققت في عام 2021 نمواً بنحو 5.7% عن عام 2020.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- الاستفادة من فرص التحولات الاقتصادية العالمية:</strong> إذ يأتي الاهتمام الإماراتي بتطوير الصناعات الوطنية بالتزامن مع التحولات الجارية في الاقتصاد العالمي، ومساعي العديد من الدول إلى البحث عن بدائل لبعض الدول التي تهيمن على سوق بعض الصناعات. ولعل النموذج الأبرز على ذلك سوق الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات؛ إذ تعرضت هذه السوق لتهديدات عديدة نتيجة لتعطل سلاسل التوريد في ضوء تداعيات جائحة كورونا، كما أن التوترات الحادثة بين الصين والولايات المتحدة حول ملف تايوان، دفعت العديد من الدول إلى التفكير في توطين صناعة أشباه الموصلات، ومن ثم، قد يكون لدولة الإمارات التي عبرت عن اهتمام بهذه الصناعة دور ما في تطوير هذه الصناعة وهو ما يعطيها فرصة أكبر لتعزيز حصتها من هذه الصناعة عالمياً.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5- التكريس لنهج المرونة والتكيف مع الأزمات:</strong> من شأن العمل على توطين الصناعات أن يمنح الدول القدرة على التكيف مع الأزمات، وأن يزيد المرونة في الأوقات التي يسودها عدم اليقين العالمي. لقد تزايدت أهمية هذا الأمر في ظل اختناق سلاسل التوريد وتأثر عملية التجارة العالمية في ظل انعكاسات جائحة كوفيد، ومن بعدها التأثيرات المعاكسة للحرب الأوكرانية التي ضغطت على القدرات الاقتصادية للعديد من الدول، ومن ثم بات من الضروري على الدول تطوير قطاعها الصناعي، على أقل تقدير في الصناعات الحيوية، مثل الصناعات الدوائية والغذائية، التي تعد أولوية بالنسبة للمجتمعات.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>6- تحقيق الاكتفاء الذاتي في الصناعات الاستراتيجية:</strong> يرتبط اهتمام دولة الإمارات بتوطين الصناعات بمساعي تحقيق الاكتفاء الذاتي في عدد من الصناعات الاستراتيجية للدولة، ولعل النموذج الأبرز على ذلك، القطاع الدفاعي؛ إذ يشهد قطاع الصناعة الدفاعية تطوراً كبيراً وتنمية شاملة. فقد تمكنت الصناعات الدفاعية في دولة الإمارات من خلق فرص مهمة لتحقيق قفزة ونمو لتعزيز المستهدفات الوطنية لزيادة القيمة الوطنية المضافة للقطاع الصناعي ضمن "مشاريع الخمسين". وشهدت السنوات الماضية طرح عدد من المبادرات والكيانات المتصلة بتطوير الصناعات الدفاعية مثل شركة إيدج، وشركة نمر، وتاليس للحلول المتقدمة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>خلاصة القول </strong><strong>أ</strong><strong>ن التحولات التي يشهدها الاقتصاد العالمي في اللحظة الراهنة تحفز دولة الإمارات على التوسع في سياسات توطين الصناعات باعتبارها آلية لتعزيز الاقتصاد الإماراتي، وخلق المزيد من فرص العمل، وزيادة مساهمة الدولة في سوق بعض الصناعات الحيوية عالمياً، علاوة على دعم سياسات المرونة والاستجابة السريعة لأي متغيرات أو أزمات طارئة</strong><strong> –</strong><strong> على غرار أزمة جائحة كورونا</strong><strong> –</strong><strong> يكون لها تأثير سلبي على سلاسل إمداد بعض المنتجات والسلع المهمة.</strong></p>

      

لماذا تهتم دولة الإمارات بالتوسع في توطين الصناعات؟