نريمان عبد الفضيل

أثارت علاقة رجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك بالرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، اهتمام بكين، ولا سيما مع تصاعد التوقعات بسياسة متشددة للإدارة الجمهورية القادمة تجاه بكين، بسبب العلاقات الوثيقة التي تربط ماسك بالحكومة الصينية، مما زاد من التوقعات في الأوساط الأمريكية والصينية بأن يساعد ذلك في التوسط لتعزيز العلاقات بين بكين وواشنطن، فضلاً عن إحداث العديد من الصفقات التجارية خلال ولاية ترامب الثانية.الدوافع الحاكمةثمة العديد من الأسباب التي دفعت للتوقع بأن يكون إيلون ماسك قناة اتصال بين الولايات المتحدة والصين خلال إدارة ترامب الثانية، ولعل من أهم تلك الأسباب ما يلي:1- بحث ماسك عن مصالحه الاقتصادية: يعتبر إيلون ماسك شخصية محورية ومؤثرة في عالم التكنولوجيا والأعمال وفي إدارة دونالد ترامب القادمة، ما قد يؤهله لأن يلعب دوراً حيوياً في تعميق التعاون بين واشنطن وبكين، وذلك نظراً لكونه شخصية استثنائية تجمع بين الابتكار والرؤية العالمية التي قد تؤهله لتأدية هذا الدور في تقريب وجهات النظر بين القوتين العظميين، وذلك لأن شركته تسلا التي أسسها في شنغهاي تعتبر نموذجاً ناجحاً يحتذى به في التعاون الأمريكي الصيني، فضلاً عن أن شركته تعتبر الشركة الأولى من نوعها المملوكة بالكامل لشركة أجنبية على الأراضي الصينية، وأن هذا يمكن أن يساعد في إقامة المزيد من التعاون بين البلدين، والذي من شأنه أن يؤدي إلى خلق العديد من فرص العمل للشباب في البلدين، إلى جانب تحسين كفاءة الإنتاج، وتعزيز التعاون التجاري بين البلدين، بالإضافة إلى أنه سيكون مجالاً لفتح آفاق جديدة للاستثمار.2- تشبيه ماسك بهنري كيسنجر: ينظر إلى ماسك على أنه خليفة هنري كيسنجر الذي يستطيع أن يتوسط بين البلدين لعقد الصفقات التجارية بينهما، وذلك لأن كيسنجر كان له الفضل في تطبيع العلاقات بين البلدين من خلال زيارته الأولى لبكين 1971، وكان هذا الرجل يحظى باحترام كبير في الصين، حيث إنه كان بمثابة دبلوماسي غير رسمي يعمل على تعزيز العلاقات بين واشنطن وبكين. ويعود تشبيه ماسك بكيسنجر إلى أنه قام بزيارة بكين في أبريل 2024، والتقى خلال زيارته رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانج، الذي أشاد بشركة تسلا التي يملكها ماسك، واعتبرها تجربة ناجحة للتعاون التجاري بين الولايات المتحدة والصين، والذي أعرب له خلال لقائه عن أمله في إقامة المزيد من الصفقات والعلاقات بين الدولتين. لذلك ارتفعت الآمال في أن يكون ماسك مثل كيسنجر ويتمكن في سد الفجوة بين البلدين.3- العلاقات الجيدة بين ماسك والقادة الصينيين: يمتلك ماسك نفوذاً كبيراً يسمح له بالتواصل مع الشخصيات الهامة والمؤثرة في الصين، وظهر ذلك من خلال اجتماعاته مع المسؤولين الكبار في الحكومة الصينية، التي أظهرت أنه يتمتع بإمكانيات هائلة في تخفيف حدة التوترات بين واشنطن وبكين، خاصة في ظل التنافس الحاد الذي تشهده الصين والولايات المتحدة في القطاعات الحيوية، مثل: الذكاء الاصطناعي، والرقائق الإلكترونية، وأشباه الموصلات.4- قدرة ماسك على تخفيف التوتر بين واشنطن وبكين: من بين الأسباب أيضاً، أن ماسك ظهر عادة في أغلب المواقف المتوترة بين واشنطن وبكين بشأن الملفات السياسية بموقف المحايد، حيث إنه يركز على المصالح المشتركة بين البلدين، وهذا من الممكن أن يستخدم في تخفيف التوتر القائم بين الدولتين في العديد من القضايا السياسية التي هي محل نزاع بينهما، إلى جانب أنه يمكن استخدامه لتجنب التصعيد بينهما، بالإضافة إلى أنه يمكن الاستعانة به لكي يكون جسراً للتعاون العلمي بين واشنطن وبكين، وذلك من خلال مشاريعه في الفضاء والذكاء الاصطناعي.5- احتمالية توظيف "ترامب" ماسك كقناة اتصال خلفية مع بكين: من المرجح أن يستعين الرئيس المنتخب دونالد ترامب بالملياردير إيلون ماسك في تعاملاته مع الصين، وذلك من خلال استخدامه كقناة اتصال خلفية للتفاوض بين البلدين في القضايا التي هي محل صراع دائم بينهما، وذلك لأن النهج الذي استخدمه ترامب في فترة ولايته الأولى، والذي من المحتمل أن يستمر فيه خلال ولايته الثانية يؤدي إلى ظهور حوار غير رسمي مع الصين، لذلك من المتوقع أنه يستعد للاعتماد على إبرام الصفقات غير الرسمية مع الصين من خلال الشخصيات الأمريكية التي لها استثمارات وعلاقات جيدة مع الصين.معوقات التعاونثمة العديد من المعوقات التي قد تواجه الملياردير إيلون ماسك في لعب دور مؤثر في تعزيز التعاون بين واشنطن وبكين، ولعل من أبرز المعوقات ما يلي:1- توتر العلاقات بين الولايات المتحدة والصين: تشهد العلاقات بين بكين والصين توتراً بشكل دائم ومستمر، وذلك لأن الصين تسعى باستمرار إلى توسيع نفوذها عالمياً وإقليمياً ولا سيما في منطقة الهندوباسيفيك، وهذا ما تعتبره واشنطن تحدياً لها ولمصالحها الاقتصادية وتهديداً لأمنها القومي، لذلك تحاول الأخيرة مواجهة التوسع الصيني من خلال إقامة التحالفات مع الدول القريبة من الصين وخاصة تايوان التي تعتبرها الصين جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، وذلك لأن واشنطن تريد بسط نفوذها على هذه المنطقة نظراً لغناها بالموارد الطبيعية. وعلى الجانب الآخر، تقوم الصين بتعزيز تحالفاتها مع روسيا لمواجهة النفوذ الأمريكي، إلى جانب سعيها إلى تأسيس التجمعات الاقتصادية القوية مثل البريكس لمواجهة الولايات المتحدة.2- الصراع المستمر بين البلدين في مجال الفضاء: إن الحرب الدائمة بين الولايات المتحدة والصين بشأن الرقائق الإلكترونية والذكاء الاصطناعي لن تتوقف أبداً، فمن المحتمل مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض أن يقوم بتقييد وصول الصين إلى الرقائق المتقدمة، إلى جانب قيامه بالضغط على الدول الأخرى لتقليل تعاونها مع بكين في موضوع أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي مثل كوريا الجنوبية واليابان وهولندا وتايوان وفيتنام، بالإضافة إلى أنه قد يسعى إلى التوافق مع ماسك لتعزيز إنتاج الرقائق الإلكترونية الأمريكية، وتشجيع الابتكار ليعيد إلى الولايات المتحدة ريادتها في مجال الرقائق الإلكترونية والذكاء الاصطناعي، ومن ثم السيطرة على التكنولوجيا والابتكار.3- الهجمات السيبرانية الصينية المستمرة على الولايات المتحدة: من بين الصعوبات أيضاً، ما تقوم به الحكومة الصينية باستمرار من الهجمات السيبرانية التي تستهدف بها القطاعات الحيوية الأمريكية، وهذه المحاولات الصينية تعتبرها واشنطن اختراقاً لأمنها القومي، وتدميراً لبنيتها التحتية، وهو ما ترفضه تماماً، ولعل آخر اختراق تم الكشف عنه والذي عُرف بـ"إعصار الملح" هو قيام مجموعة من القراصنة الصينيين باختراق شبكات الاتصالات الوطنية، حيث إنهم تمكنوا من الحصول على قائمة شبه كاملة بأرقام الهواتف التي تراقبها وزارة العدل ضمن نظامها المعروف بالتنصت القانوني، وأن هذا الاختراق تجاوز شركات الهاتف إلى مزودي خدمات الإنترنت، فضلاً عن أن الاختراق استهدف مسؤولي أمن قومي بارزين وبعض القادة السياسيين بما في ذلك الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وهذا من شأنه أن يصعد التوتر بين البلدين.4- تعهد ترامب بزيادة التعريفات الجمركية على الصين: تعهد الرئيس المنتخب خلال حملته الانتخابية بمواصلة الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، وذلك من خلال زيادة التعريفات الجمركية على السلع الصينية بنسبة 60%، إلى جانب دعوته إلى فرض ضوابط تصدير أكثر صرامة على أي تكنولوجيا قد تكون مفيدة للصين، واقترح إلغاء وضع الدولة الأكثر تفضيلاً للصين، والتخلص التدريجي من جميع واردات السلع الأساسية منها، ومنع بكين من شراء الأراضي الزراعية الأمريكية، وكل هذه الإجراءات من شأنها أن تُلحق الضرر بالاقتصاد الصيني الذي يُعاني من الركود نتيجة انخفاض أسعار العقارات وارتفاع معدلات البطالة. وتأكيداً على سياسته تجاه الصين في فترة ولايته الثانية، قام بتعيين ماركو روبيو لتولي منصب وزير الخارجية، ومايك والتز لتولي منصب مستشار للأمن القومي، وكلاهما معروفان بمواقفهما المتشددة تجاه الصين، حيث ينظران إلى بكين على أنها العدو الرئيسي للولايات المتحدة.قادة الأعمالختاماً، يمكن القول إن اعتماد الرئيس المنتخب دونالد ترامب على رجل الأعمال والملياردير الأمريكي إيلون ماسك ليس كافياً لتحسين العلاقات بين واشنطن وبكين، ولكن لا بد من الاعتماد على مجموعة من قادة الأعمال بما في ذلك ماسك، وتيم كوك المدير التنفيذي لشركة آبل، وستيفن شوارزمان من مجموعة بلاكستون، والذين قد يساعدون معاً في استقرار العلاقات بين البلدين وليس تحسين العلاقات بين واشنطن وبكين، وذلك لأن الوضع بين الدولتين أكثر تعقيداً.

فرص اضطلاع "ماسك" بدور قناة اتصال بين واشنطن وبكين خلال رئاسة ترامب