د. حمدي بشير

في إطار ما تُبديه كل من الجزائر ونيجيريا والنيجر من اهتمامٍ متزايدٍ بتعزيز التعاون والشراكة الاقتصادية، وجهودهم الواسعة في سبيل تسريع مشروع إنجاز أنبوب الغاز إلى أوروبا، فقد وقعت الدول الثلاث في 11 فبراير 2025، على سلسلة من الاتفاقيات كخطوات جدية لإنجاز المشروع على نحو السرعة، وهو الأمر الذي يطرح بدوره جملة تساؤلات حول دلالات تلك التحركات المشتركة في هذا التوقيت.يذكر في هذا الصدد أن احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة في نيجيريا تقدر بنحو 5.913 تريليون متر مكعب أي ما يعادل 2.8% من الاحتياطي العالمي، ما يجعلها تحتل الترتيب الثامن عالمياً من حيث أكبر الدول التي تمتلك احتياطيات غاز مؤكدة عام 2022، فيما جاءت الجزائر في الترتيب العاشر عالمياً بحوالي 4.504 تريليون متر مكعب، أي نحو 2.1% من الاحتياطي العالمي، في العام ذاته. هذا وقد بلغت صادرات كل من الجزائر ونيجيريا من الغاز الطبيعي نحو 1.821 تريليون قدم مكعب، و576 مليار قدم مكعب على الترتيب في عام 2023، لتستحوذ الدولتان بذلك على 1.3% من صادرات الغاز الطبيعي عالمياً، وفقاً لبيانات الوكالة الأمريكية لمعلومات الطاقة. وخلال ذلك، كانت قد بدأت نيجيريا في تطوير ثمانية مشروعات للنفط والغاز، فيما شرعت نيجيريا هي الأخرى في تطوير أربعة مشروعات.دلالات عديدةثمة دلالات لهذه التحركات المشتركة في ذلك التوقيت تحديداً، يمكن الوقوف على أبرزها على النحو التالي: 1- رغبة مشتركة في تعزيز الشراكة الاقتصادية: يمكن تفسير التحركات الراهنة في سياق اهتمام كل من الجزائر ونيجيريا والنيجر بتعزيز الشراكة الاقتصادية ودعم جهود التنمية الاقتصادية والمستدامة، حيث يمثل المشروع دفعة قوية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مع التركيز على التعاون بين الدول الأفريقية للوصول إلى الأسواق العالمية. كذلك، فإن الجزائر تواصل التزامها بهذا المشروع كجزء من رؤيتها لتعزيز الشراكات الأفريقية واستثمار الإمكانيات الاقتصادية للقارة.2- حرص الجزائر على تعزيز حضورها في الساحل وغرب أفريقيا: تحرص الجزائر على توسيع وجودها الاقتصادي في منطقة غرب أفريقيا والساحل الأفريقي، نظراً لما تمثله المنطقة من عمق استراتيجي لها، خاصة أن هذا الحضور الاقتصادي يقوي علاقاتها السياسية مع تلك الدول، ويعزز من امتلاك الجزائر أوراق التأثير على توجهات الدول في المنطقة.وتجدر بالإشارة إلى أن ثمة تنافساً بين الجزائر والمغرب على النفوذين السياسي والاقتصادي في المنطقة، كما أن هناك تنافساً بين هاتين الدولتين على طرح مبادرات أمنية وسياسية واقتصادية لاستمالة الدول في المنطقة. أضف إلى ذلك، فإن ذلك المشروع الجزائري يأتي مُنافساً للمشروع المغربي للغاز الذي يربط دول غرب أفريقيا عبر المغرب بأوروبا.3- مساعي الجزائر لاحتواء التوترات السياسية مع النيجر: شهدت العلاقات بين الجزائر والعديد من دول الساحل الأفريقي توترات متنامية خلال الفترة الأخيرة، وخاصة بين الجزائر ومالي والنيجر، ويبدو أن الجزائر تسعى إلى احتواء التوترات وترميم علاقاتها بالحكومة العسكرية في النيجر، وخاصة أنها تأتي لموازنة التحركات المغربية لاستمالة دول الساحل واستهداف النفوذ الجزائري في تلك المنطقة.جدير بالذكر أن الإعلان عن هذا الاتفاق قد جاء بعد أيامٍ قليلة من استضافة المغرب قمة أفريقية حول مبادرتها الأطلسية، والتي أعلنت العديد من دول غرب أفريقيا عن الانضمام إليها، ومن بينها النيجر ومالي وبوركينافاسو، ما يدفع للقول بأن التحركات الجزائرية تعكس رغبة الجزائر في تطويق النفوذ المغربي في منطقة الساحل الأفريقي.4- استثمار الطلب المتزايد على الطاقة في السوق الأوروبية: في ظل تعطش السوق الأوروبية وارتفاع تكلفة استيراد الغاز من الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الدول الثلاث ترغب في استثمار ذلك من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية، وذلك عبر العمل على تلبية الطلب المتزايد على الغاز في السوق الأوروبي. ووفقاً لمكتب الإحصاءات الأوروبية، فقد بلغت قيمة واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز في عام 2023، حوالي 157 مليار يورو، منها مكثفات غاز بقيمة 1.3 &nbsp;مليار يورو، وغاز مسال بنحو 5.8 مليار يورو، وغاز طبيعي بـ 14.2 مليار يورو، هذا وقد مثلت الواردات الأوروبية من الجزائر ما يعادل 13.6% من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي في العام 2023، وقد ارتفعت تلك النسبة إلى 17% في 11 شهراً من عام 2024، فيما قام الاتحاد الأوروبي باستيراد غاز مسال بقيمة 3 مليارات يورو من نيجيريا في عام 2023.تحديات جمةرغم المساعي الدؤوبة لتسريع إنجاز مشروع أنبوب الغاز إلى أوروبا، إلا أن ثمة تحديات لا تزال تواجه طموح الدول الثلاث، يمكن استعراض أهمها فيما يأتي:1- صعوبات أمام تأمين خط الغاز من عمليات السطو والسرقة: تشير التقارير إلى أن أنبوب الغاز الأوروبي سوف يمتد لمسافة 4000 كم مربع، وهو الأمر الذي يفرض تحديات واسعة على الدول الثلاث، يرتبط أغلبها بصعوبة تأمين وحماية هذا الأنبوب من عمليات السطو والسرقة، وخاصة في ظل تصاعد نفوذ التنظيمات الإرهابية في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل الأفريقي. فنيجيريا على سبيل المثال، لا تزال تواجه معركة مستمرة مع تنظيم بوكو حرام، أما النيجر فلا تزال تواجه هجمات إرهابية مستمرة من قبل التنظيمات الموالية لداعش والقاعدة في المنطقة، ما يزيد المخاوف بشأن اتجاه تلك التنظيمات لسرقة الغاز وتحقيق بعض الأرباح التي تستفيد منها في تمويل عملياتها الإرهابية.2- احتمالية استئناف ضخ الغاز الروسي في السوق الأوروبية: بعد تنصيب الرئيس الأمريكي في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي ظل عزم ترامب على تسوية الأزمة الأوكرانية ووضع حد للحرب الروسية–الأوكرانية، فإنه من المتوقع أن ترفع أوروبا الحظر المفروض على الغاز الروسي، لتستأنف ضخه في السوق الأوروبية، وهو الأمر الذي من شأنه -في حال تحققه- أن يُعيد الغاز الروسي بقوة إلى السوق الأوروبية، ما سيشكل بدوره حينها تحدياً رئيسياً أمام مشروع أنبوب الغاز النيجيري عبر الجزائر.يذكر في هذا الصدد أنه وفقاً لمكتب الإحصاءات الأوروبي، فقد بلغت قيمة واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز بأشكاله المختلفة من روسيا حوالي 16.4&nbsp;مليار يورو، بما يعادل نحو 10.5 ٪ من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي في عام 2023، هذا وقد ارتفعت تلك النسبة إلى 14.7 %، خلال 11 شهراً من عام 2024.3-صعود اتجاهات الاستثمار في السياسات الخضراء في أوروبا: تتجه العديد من الدول الأوروبية لزيادة استثماراتها في مجال السياسات الخضراء كبديل للطاقة، وخاصة بعد تنصيب دونالد ترامب وعودته الرسمية إلى البيت الأبيض، وتوجهاته الرامية إلى إعادة تشكيل سياسات الطاقة العالمية، متبنياً في ذلك استراتيجية تقوم على الضغط الاقتصادي والدبلوماسي، لتعزيز مكانة الولايات المتحدة كمصدر رئيسي للغاز الطبيعي المسال، وهو ما يجعل الدول الأوروبية تستعد لزيادة استخدام الطاقة النظيفة لمواجهة هذه التهديدات.ومن شأن هذا التوجه أن يؤثر على الطلب على مصادر الطاقة الأحفورية ومن بينها الغاز، وبالتالي قد يؤثر ذلك على حجم الاستثمارات الأوروبية المتوقع في مشروع أنبوب الغاز النيجيري إلى أوروبا. وبموجب قانون يتعلق بالفحص النافي للجهالة واستدامة الشركات الذي تمّت الموافقة عليه في عام 2024، فقد أصبح مطلوباً من الشركات الكبرى العاملة في الاتحاد الأوروبي التحقق مما إذا كانت سلاسل الإمداد الخاصة بها، تستخدم العمالة القسرية أو تتسبب في أضرار بيئية، واتخاذ الإجراءات اللازمة إذا خلُصت إلى ذلك؛ وتشمل العقوبات غرامات تصل إلى 5٪ من إجمالي الإيرادات العالمية.4-تنامي التوترات الجزائرية-الأوروبية حول العديد من الملفات: تمر العلاقات الجزائرية الأوروبية بتوترات عديدة، ومن بينها علاقاتها مع فرنسا، وخاصة بعد اتجاه الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" إلى الاعتراف بمبادرة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء، فضلاً عن العلاقات الفاترة بين الجزائر وإسبانيا، من جراء التقارب الإسباني مع المغرب على خلفية اعتراف مدريد بمبادرة الحكم الذاتي المغربية.ومن شأن هذه التوترات أن تؤثر على مستقبل العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وبعض الدول الأوروبية، خاصة في حال نجحت الإدارة الجديدة لترامب في التوصل إلى صفقة سياسية مع موسكو، تضمن نهاية الحرب الروسية – الأوكرانية، ومن ثم استئناف ضخ الغاز الروسي في السوق الأوروبية.5-بروز بدائل عديدة لخطوط نقل الغاز الطبيعي أمام الاتحاد الأوروبي: أشارت تقديرات في عام 2022، إلى أن تكلفة خط نقل الغاز بين الجزائر والنيجر ونيجيريا ستبلغ 13 مليار دولار. وفي الوقت الذي يعمل فيه الاتحاد الأوروبي على استعادة نفوذه في أفريقيا والوصول للمعادن الحرجة، فإنه يفاضل ما بين تمويل ذلك الخط، والخط المقترح بين نيجيريا والمغرب والذي سيمر عبر 11 دولة أفريقية (بنين وتوغو وغانا وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا)، لنقل 3 مليارات قدم مكعب يومياً من الغاز.ومن ناحية أخرى، فإن هناك مساعي حثيثة لتنفيذ مشروع الممر الاقتصادي الهندي الخليجي الإسرائيلي، الذي سيمر بداية من الهند عبر الخليج العربي مروراً بالإمارات والسعودية وإسرائيل والأردن، وصولاً إلى أوروبا، فضلاً عن مشروع لنقل الهيدروجين الأخضر من الهند ودول الخليج العربية بعد خلطه مع الغاز الطبيعي بتكلفة 10.4 مليارات دولار منها (حوالي 6.5&nbsp;مليارات دولار، لخط الأنابيب بين إسرائيل وأوروبا، و3.9&nbsp;مليار دولار للربط بين إسرائيل ودول الخليج والهند).جدير بالذكر أن إجمالي احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة في كلٍ من السعودية والإمارات قُدرت بنحو 17.724 تريليون قدم مكعب، أي حوالي 8.4% من الاحتياطي المؤكد عالمياً، وفقاً لبيانات أوبك في عام 2022.سباق النفوذإجمالاً، يمكن القول إنه جنباً إلى جنب الدوافع الاقتصادية للتحركات الجزائرية للتعاون مع نيجيريا والنيجر في إنجاز مشروع أنبوب الغاز إلى أوروبا، يبدو أن لدى الجزائر الكثير من الدوافع السياسية التي تدفعها للتحرك في هذا المسار، ويأتي على رأسها مكافحة النفوذ المغربي المتنامي في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية. لكن على الجانب الآخر، فإن التحديات الأمنية واحتمالية عودة الغاز الروسي إلى السوق الأوروبي، وتنامي اتجاهات الاستثمار في السياسات الخضراء في الدول الأوروبية، من شأنها أن تفرض المزيد من التحديات أمام إنجاز هذا المشروع.

تحركات الجزائر ونيجيريا والنيجر لتسريع إنجاز مشروع أنبوب الغاز إلى أوروبا