عمرو عبدالعاطي

قادت إيطاليا تحركات متسارعة في الأيام الماضية بشأن الملف اللبناني؛ حيث صدر بيان عن الاجتماع الوزاري للتنمية لمجموعة الدول السبع الصناعية يوم 22 أكتوبر 2024، في مدينة بيسكارا الإيطالية، أشار إلى "ضرورة إيقاف كافة الأعمال العدائية، والتمسك بالحل الدبلوماسي، وتطبيق قرار مجلس الأمن 1701، والتشديد على دور اليونيفيل وعدم التعرض لعملها، وحماية المدنيين، وتقديم المساعدات الإنسانية". هذا البيان جاء بعد أيام من زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، في 18 أكتوبر 2024 إلى لبنان، لتكون أول مسؤول حكومي أوروبي رفيع المستوى يزور بيروت منذ تصاعد التوترات بين حزب الله وإسرائيل في 30 سبتمبر الفائت.وجاءت زيارة ميلوني إلى بيروت في سياق التصعيد العسكري المستمر بين الطرفين؛ حيث شملت المواجهات الأخيرة تبادل القصف على طول الحدود الجنوبية للبنان، واتهامات متبادلة بين الطرفين باستهداف مواقع استراتيجية؛ ما أثار قلقاً دولياً من احتمالات تفاقم الأزمة إلى مواجهة شاملة، وحرب إقليمية تنخرط فيها إيران مباشرةً، أو من خلال وكلائها المسلحين في المنطقة، ولا سيما مع توقعات برد إسرائيلي قوي لردع طهران وميليشياتها بعد الهجوم الصاروخي الذي شنته طهران على تل أبيب في الأول من أكتوبر الجاري.أهداف رئيسيةفرض السياق الذي جاءت فيه الزيارة الثانية لرئيسة الوزراء الإيطالية إلى بيروت منذ 7 أكتوبر 2023، جملة من القضايا التي تقدمت أجندة لقاءات ميلوني مع المسؤولين اللبنانيين، ومن أبرز أهداف تلك الزيارة وقضاياها ما يلي:1– تأكيد ضرورة حماية قوات اليونيفيل: تهدف زيارة ميلوني إلى تعزيز دور إيطاليا في بعثة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)؛ حيث تنشر روما نحو ألف جندي من بين قوات اليونيفيل في جنوب لبنان التي يبلغ عددها نحو عشرة آلاف جندي. وخلال زيارتها إلى بيروت، أكدت ميلوني، في مؤتمر صحفي مع نظيرها اللبناني نجيب ميقاتي، أهمية حماية قوات اليونيفيل، ووجهت انتقادات علنية لإسرائيل؛ بسبب استهدافها مواقع القوات الدولية، وذكرت أنه من "غير المقبول" استهداف قوات اليونيفيل، وأكدت ضرورة توفير الضمانات الأمنية لتجنب أي تصعيد إضافي، ولا سيما بعد اتهام إسرائيل باستهداف مواقع لليونيفيل في جنوب لبنان.وقد سبق أن عبرت ميلوني أمام مجلس الشيوخ الإيطالي عن رفضها أي محاولات لسحب قوات اليونيفيل من لبنان بناءً على طلب أحادي من إسرائيل، معتبرةً ذلك خطأً فادحاً، ومن شأنه أن يقوض مصداقية قوات اليونيفيل ودورها في تحقيق السلام والاستقرار على الحدود الجنوبية للبنان، وكذلك مصداقية منظمة الأمم المتحدة.2– تعزيز المكانة الدبلوماسية الإيطالية في الشر ق الأوسط: تهدف روما من زيارة رئيسة الوزراء للبنان إلى تعزيز مكانتها الدبلوماسية، ودعم جهود التهدئة في المنطقة، خاصةً في ظل تزايد التوترات بين حزب الله وإسرائيل، كما تسعى ميلوني إلى تنسيق الجهود مع الدول الإقليمية والدولية للحد من التصعيد العسكري، ومنع نشوب حرب إقليمية شاملة؛ فقد ناقشت خلال زياراتها الجهود المشتركة الرامية إلى وقف إطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، وإطلاق عملية سياسية من شأنها أن تؤدي إلى حل الدولتين.وقد دعت ميلوني، خلال الزيارة، جميع الأطراف المتصارعة إلى ضبط النفس، والعودة إلى طاولة الحوار، مؤكدةً دور إيطاليا كوسيط محتمل في هذا النزاع. وتعهدت بممارسة الضغوط الدبلوماسية على جميع الأطراف، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، لوقف التصعيد وتحقيق التهدئة في الشرق الأوسط.3– توسيع نطاق العلاقات مع لبنان: حملت زيارة ميلوني إلى بيروت رسالة دعم من إيطاليا إلى الحكومة اللبنانية، بهدف تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي للبنان وسط أزمات متفاقمة على كافة الأصعدة. وقد هدفت الزيارة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين إيطاليا ولبنان؛ إذ ناقشت ميلوني مع المسؤولين اللبنانيين سبل تعزيز التبادل التجاري بين البلدين، ودعم المشاريع التنموية في لبنان، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الدولة.4– منح الأولوية لتنفيذ القرار 1701: تأتي زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية إلى لبنان كجزء من الجهود الإيطالية لتأكيد التزام روما بمساعدة لبنان على الحفاظ على الاستقرار في جنوب البلاد، من خلال التنفيذ الكامل والفوري لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي يتضمن عدداً من البنود؛ منها حصر الوجود العسكري في المنطقة الحدودية في لبنان بالجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة (يونيفيل)، وتفعيل إجراءات نزع سلاح كل المجموعات المسلحة في لبنان. وتسعى روما إلى ضمان التزام جميع الأطراف ببنود هذا القرار؛ ما يساهم في تخفيف حدة التوترات بين لبنان وإسرائيل.5– دعم الدور الإنساني الإيطالي: أشارت ميلوني، خلال زيارتها للبنان، إلى الدور الذي تقوم به روما في تخفيف التداعيات الإنسانية لاستمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة بعد هجمات 7 أكتوبر 2023، وفي لبنان؛ إذ أشارت – خلال مؤتمر صحفي مع رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي – إلى أن إيطاليا في طليعة الدول التي تسعى إلى التخفيف من الأزمة الإنسانية في غزة؛ حيث قدمت أكثر من 47 طناً من المساعدات الغذائية. وفي لبنان، وافقت الحكومة الإيطالية فور بدء التصعيد العسكري بين إسرائيل وحزب الله اللبناني على مساعدة إنسانية بنحو 70 مليون يورو لدعم النازحين من منازلهم وقراهم ودعم المجتمعات التي تستضيفهم.وفي 22 أكتوبر 2024، أعلن وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، أن روما ستخصص 10 ملايين دولار لالتزامات إنسانية طارئة لسكان لبنان، و 10 ملايين أخرى مساعدات إنسانية في غزة، و5 ملايين لخطة السلطة الوطنية الفلسطينية لإعادة إعمار القطاع. وبحسب الوزير الإيطالي، تفكر روما في عقد مؤتمر، على غرار مؤتمر إعادة إعمار أوكرانيا، لغزة ولبنان ولتلك الأجزاء المتضررة من شمال إسرائيل القريبة من الحدود مع لبنان.6– تقديم المساعدة للقوة الأمنية اللبنانية: تتفق رئيسة الوزراء الإيطالية مع الرؤى الغربية والأوروبية التي تؤكد أن وقف التصعيد المتبادل بين إسرائيل وحزب الله على الحدود الجنوبية للبنان، يرتبط بتعزيز قوة اليونيفيل لحفظ السلام بجنوب لبنان، بالتعاون مع الجيش اللبناني ليتمكن من تحمل مسؤولياته، من خلال تعزيز قدرات القوى الأمنية اللبنانية، وتقديم الدعم الفني واللوجستي اللازم لمساعدتها في مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة.وقد أشار وزير الدفاع الإيطالي جويدو كروزيتو، في إحاطته أمام مجلس الشيوخ قبل يوم من زيارة ميلوني لبيروت، إلى أن روما حاولت دائماً إشراك مزيد من الدول الأوروبية، والولايات المتحدة ودول عربية أيضاً، بمشروع مساعدة ملموسة، ودعم تطوير القوات المسلحة اللبنانية، والتعاون مع قادة الدفاع اللبناني لتحديد البرامج والأنشطة والمبادرات التي تهدف إلى تعزيز القوات المسلحة اللبنانية، والسماح لها بالنمو في القدرة التشغيلية، والمصداقية والاستقلالية، فضلاً عن إبعادها عن تأثير حزب الله.اختبار القدراتتُعد زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية لبيروت، التي تأتي في وقت حساس؛ إذ تزداد الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار، وسط التصعيد المتبادل بين حزب الله وإسرائيل، واستمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، وهجوم إسرائيلي متوقع ضد إيران في أعقاب هجومها الصاروخي في الأول من أكتوبر الجاري على تل أبيب، اختباراً لقدرة إيطاليا على لعب دور مؤثر في إدارة الأزمات بمنطقة الشرق الأوسط، وتعزيز الاستقرار في المنطقة من خلال استمرار عمل قوات اليونيفيل، خاصةً أن تصاعد الصراع بين إسرائيل وبين حزب الله وحركة حماس وطهران قد يجر المنطقة إلى حرب إقليمية تهدد بزعزعة الاستقرار في المنطقة بأكملها.فرغم أن إيطاليا ليست من القوى الدولية الرئيسية المؤثرة في منطقة الشرق الأوسط، فإن وجودها القوي ضمن قوات اليونيفيل يعطيها مساحة دبلوماسية تمكنها من لعب دور الوسيط من خلال تشجيع الأطراف المعنية على الحوار، والعمل مع شركائها في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والقوى الإقليمية الرئيسية لتعزيز جهود التهدئة، وخفض التصعيد في المنطقة. ويمنح تولي روما الرئاسة الدورية لمجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى لعام 2024 منصة إضافية لدفع المجتمع الدولي نحو مزيد من الضغط من أجل التهدئة في الشرق الأوسط، ويتيح لها فرصة قيادة الجهود الأوروبية لتحقيق الاستقرار في المنطقة.ويتوقف نجاح إيطاليا في تحقيق الاستقرار بالشرق الأوسط على عدة عوامل، يتمثل أولها في مدى استجابة الأطراف المتنازعة للدعوات الدولية لوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات جادة لخفض التصعيد المتزايد بين الأطراف المتحاربة، وينصرف ثانيها إلى قدرة روما على حشد الدعم الدولي لجهودها في الوساطة والتهدئة بالمنطقة، ويتعلق ثالثها بنجاح الحكومة اللبنانية في استغلال الدعم الإيطالي لتعزيز الاستقرار الأمني والاقتصادي للدولة اللبنانية.

لماذا تهتم إيطاليا بالحرب في لبنان؟