إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

عانت الأقليات، ولا سيما الآسيوية منها، الاضطهاد في الولايات المتحدة على مدار التاريخ، وقد تضاعف هذا الأمر بدرجة غير مسبوقة في عهد الرئيس "دونالد ترامب". وقد ساهم سوء الأوضاع الاقتصادية، وشيطنة الدول الآسيوية في تزايد العنصرية ضد الآسيويين، بيد أن هناك أيضًا دوافع أخرى تراكمت عبر التاريخ لتفرز في النهاية رفضًا وتنميطًا وعنصرية ضد المجتمعات الآسيوية في الولايات المتحدة، ويمكن تناول ملامح تصاعُد العنف العنصري ضد الآسيويين في الولايات المتحدة، وذلك على النحو التالي:1– تجدد العنف العنصري ضد الآسيويين: أدت حادثة قتل ستة أمريكيين من أصل آسيوي، في هجوم مسلح بأتالانتا، في مارس 2021، إلى مضاعفة الأزمة التي يعاني منها الآسيويون في الداخل الأمريكي، وهي إحدى الحوادث التي تضاف إلى 3800 حادثة مسجلة على أسس عنصرية ضد المجتمع الآسيوي في الولايات المتحدة؛ وذلك في ظل تصاعد جائحة كورونا، وإصرار الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" على الربط بين الفيروس وبين الشعوب الآسيوية بقوله: "الفيروس الصيني".2– معاناة الأقليات الآسيوية من الاضطهاد: ساهم تعريف القيادة السياسية الأمريكية لليابان، خلال القرن الماضي، باعتبارها العدو والمنافس الاستراتيجي الأكبر للولايات المتحدة من الناحية الاقتصادية؛ في تصاعد العداء في الداخل الأمريكي لجميع الشعوب الآسيوية. ومن ثم، لا يمكن إلقاء اللوم على "ترامب" بمفرده في مسألة تصعد العنف ضد الآسيويين.وقد عاودت القيادة السياسية الأمريكية، سواء الحالية أو السابقة، الكرَّة باعتبار الصين العدو الاقتصادي والتهديد الأكبر للولايات المتحدة. وتعاني جميع الشعوب الآسيوية في الولايات المتحدة من هذه التصنيفات المجحفة؛ حيث لا يتم الفصل في العداء بين الحكومات والشعوب.3– غياب العنصرية ضد الروس والأوروبيين: على الرغم من أن الولايات المتحدة دأبت على استعداء روسيا، ووجَّهت إليها الاتهامات مؤخرًا بتدبير هجمات إلكترونية موسعة على البلاد، ومحاولة التلاعب بالنظام الانتخابي الأمريكي؛ فإنه لم يُسمَع عن تعرُّض الأمريكيين من أصل روسي لهجمات واعتداءات مشابهة لما يتعرَّض له المجتمع الآسيوي في الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الحالي، وهو ما يؤكد البُعد العنصري للأزمة، ناهيك عن المنافسة الاقتصادية بين واشنطن والاتحاد الأوروبي، التي لم تمتد لتظهر في صورة ممارسات عنصرية فعلية على الأرض ضد الشعوب الأوروبية.4– شيوع التنميط العرقي في المجتمع الأمريكي: قضى الرئيس الأسبق "باراك أوباما" والرئيس "بايدن" جزءًا كبيرًا من حياتهما المهنية يُروِّجان للأفكار التي تبناها "ترامب"، والتي عززت الشعور العنصري والمُعادِي للآسيويين في الداخل الأمريكي؛ وذلك على الرغم من تنديدهما بالعنف المُمارَس ضد المجتمع الآسيوي.ناهيك عن تعهد "بايدن" مؤخرًا بمجابهة التهديد الصيني، وتبني سياسات توقف المد الصيني، وهذا يشمل مبادرةً تقول جماعات الحقوق المدنية إنها تفتح الباب أمام التنميط العرقي للعلماء الأمريكيين الصينيين، بفرض مزيد من التدقيق على سجلاتهم الضريبية، وطلبات التأشيرات، وغيرها من الوثائق.من جانبه، قال وزير الدفاع الأمريكي "لويد أوستن" ، إن الصين تمثل التهديد الأكبر لواشنطن. كما تمتلئ الأخبار بجنون العظمة حول الأمريكيين الآسيويين والمهاجرين الآسيويين، كما عملت وسائل الإعلام على كيل الاتهامات لبعض العلماء الأمريكيين، وافتراض أنهم جواسيس.يُذكر أنه في عام 1999، اتُهم العالم "ون هو لي" بتمرير أسرار نووية إلى الصين، واحتُجِز لمدة تسعة أشهر، إلا أن القاضي القائم على قضيته حكم في النهاية بإطلاق سراحه. وتشير الأبحاث إلى أن الأمريكيين الآسيويين الأبرياء يقعون تحت الشبهات بسبب عرقهم أو ألقاب عائلاتهم الآسيوية، وهذه هي ذات الممارسات التي تعزز التنميط العرقي ضد السود أو اللاتينيين.&nbsp;5– تزايد وتيرة العنصرية في أوقات الأزمات: غالبًا ما يُضرب بالأمريكيين الآسيويين المثل في التفوق التعليمي وتحقيق دخل عالٍ. وعلى الرغم من ذلك، يربط العديد من الأمريكيين، في أوقات الإجهاد الاقتصادي وعدم اليقين حول المكانة العالمية للولايات المتحدة، بين الوجوه الآسيوية والتهديد الأجنبي؛ فخلال ثمانينيات القرن العشرين، أدَّى الانزعاج من هيمنة اليابان على سوق السيارات إلى زيادة معدل جرائم الكراهية ضد الأمريكيين الآسيويين، بما في ذلك مقتل الأمريكي الصيني "فنسنت تشين" في عام 1982 على يد اثنين من وكلاء السيارات في شركة "وايت ديترويت"، اعتقدا أنه ياباني الأصل.وفي التسعينيات، ظهرت العديد من الممارسات العنصرية ضد الآسيويين بوجه عام واليابانيين بوجه خاص. وتُظهِر البيانات المأخوذة من مسح الناخبين الأمريكيين الآسيويين، أن أكثر من نصف الأمريكيين الآسيويين، بغض النظر عن أصلهم القومي، عبَّروا عن قلقهم من تصاعد معدلات جرائم الكراهية والمضايقات التي تعرَّضوا لها على مدار الصيف الماضي.وختامًا، فمن الواضح أن العنف العنصري ضد الآسيويين في الولايات المتحدة هو أمر متجذِّر في الثقافة الأمريكية، ولا يمكن إلقاء اللوم بشأنه على "ترامب" وحده أو حتى "بايدن"، وإن كانت ممارسات الأخير التي تؤدي إلى شيطنة الصين منذ قدومه إلى السلطة في يناير الماضي؛ قد أدت إلى زيادة ممارسات العنف الطائفي ضد الآسيويين في الداخل الأمريكي.

ما دوافع تصاعد العنف ضد الآسيويين بالولايات المتحدة الأمريكية؟